9 مارس 2014
التصنيف : سلسلة (سؤال وجواب)
لا تعليقات
5٬441 مشاهدة

ما هي الصلاة الوسطى؟

سماحة الشيخ، السلام عليكم. هل يمكن تحديد الصلاة الوسطى التي أُمرنا بالمحافظة عليها؟ ونسألكم الدعاء.

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ (البقرة: 238).

ومعنى الآية الحثّ على مراعاة الصلوات، ومواقيتهنّ، وأن لا يقع فيها تضييعٌ وتفريط.

ما هي الصلاة الوسطى؟

وقد اختلف العلماء والمفسِّرون في تحديد الصلاة الوسطى في هذه الآية إلى أقوال عديدة، يمكن اختصارها في سبعة على النحو التالي:

1ـ صلاة الصبح: ذهب إليه معاذ؛ وجابر بن عبد الله الأنصاري؛ وعطاء؛ وعكرمة؛ ومجاهد. وهو قول الشافعي، ومالك. وحكاه الشافعي عن عليّ(ع)، وعبد الله بن عباس. وحكاه ابن المنذر عن عبد الله بن عمر.

واحتجّوا لذلك:

أـ بقوله تعالى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ بعد قوله: ﴿وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى﴾؛ إذ القنوت مستحبٌّ في صلاة الصبح فقط؛ فقد رُوي أنّ ابن عباس صلّى في مسجد البصرة صلاة الغداة، فقنت فيها قبل الركوع، ورفع يديه، فلما فرغ قال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين؛ وروي عن أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا.

والجواب: لا نسلم أنّ القنوت يختصّ بالدعاء، بل قد يُطلق ويُراد به الطاعة والسكون.

كما لا نسلم باختصاص الصبح باستحباب القنوت؛ لأنه مستحبٌّ في كافّة الصلوات.

ب ـ لأنّ الفجر لا تُجمع إلى ما قبلها، ولا إلى ما بعدها، وقد جمع النبيّ(ص) بين الظهر والعصر بعرفة، وجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، فهذه متواخيةٌ، وتلك [أي صلاة الصبح] مفردةٌ، قبلها صلاة الليل، وبعدها صلاة النهار.

ج ـ بأنّها بين الظلام والضياء.

2ـ صلاة الظهر: وادُّعي عليه إجماع الطائفة الشيعية. وبه قال زيد بن ثابت، وعائشة، وعبد الله بن شدّاد، وعبد الله بن عمر، وأبي سعيد الخدري، وأسامة. وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله(عما). وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. وذكر بعض أئمّة الزيدية أنها الجمعة يوم الجمعة، والظهر سائر الأيام، ورووه عن عليّ(ع).

واحتجّوا لذلك:

أـ بما رووه «أن رسول الله(ص) كان يصلي الظهر لهاجرةٍ، فاشتد ذلك على أصحابه، فنزلت ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى﴾.

ب ـ بما رووا عن عائشة «أن رسول الله(ص) قرأ ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وصلاة العصر﴾»، والعطف يقتضي المغايرة، وكونها زائدةً على خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلاّ مع الموجب.

ج ـ بما رواه زرارة، عن أبي جعفر الباقر(ع) قال: «﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى﴾ هي صلاة الظهر».

د ـ لأنّها أول صلاة صلّى رسول الله(ص)، فلها بذلك فضل.

هـ ـ لأنّها وسط صلاتين بالنهار: صلاة الغداة؛ والعصر.

و ـ لأنها وسط النهار.

وروي عن عليّ(ع) أنّه قال: قال النبيّ(ص): «إنّ لله في السماء الدنيا حلقة تزول فيها الشمس، فإذا زالت الشمس سبح كلّ شيء لربّنا، فأمر الله سبحانه بالصلاة في تلك الساعة، وهي الساعة التي تفتح فيها أبواب السماء، فلا تغلق حتّى يصلّى الظهر، ويستجاب فيها الدعاء».

3ـ صلاة العصر: ادّعى السيدُ المرتضى أنّ الشيعة الإماميّة مجمعةٌ على أنّ الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. ونُسب إلى عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عبّاس، والحسن البصري، وقتادة، والضحّاك. وذهب إليه أبو حنيفة، وأحمد بن حنبل. وحكاه ابنُ المنذر عن عليّ(ع)، وأبي هريرة، وأبي أيوب، وأبي سعيد، وأيَّده ابنُ المنذر أيضاً.

وإنّما خصَّت بالذكر لأنّها تقع في وقت اشتغال الناس في غالب الأمر. وقد رُوي عن النبيّ(ص) أنه قال: «الذي تفوته صلاة العصر فكأنّما وتر أهله وماله». وروي عنه(ص) أيضاً أنّه قال: «بكِّروا بالصلاة في يوم الغيم، فإنّه من فاتته صلاة العصر حبط عمله».

واحتجّوا لذلك:

أـ بأنّ في قراءة ابن مسعود: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى صلاة العصر﴾.

ب ـ لأنها بين صلاتين من صلاة النهار تقدَّمت عليها، وصلاتين من صلاة الليل تأخَّرت عنها.

ج ـ بقوله(ص) يوم الأحزاب: «شغلونا عن الصلاة الوسطى»، وكانت صلاة العصر.

والجواب: الطعن في هذه الرواية؛ فإنّ مالك بن أنس مع قرب عهده أعرض عنها.

كما أنّها معارضة بما روي في كونها صلاة الظهر، وصلاة الظهر أشقّ الصلوات فعلاً؛ لإيقاعها في الهاجرة، في وقتٍ ينازع الإنسان إلى النوم والراحة، وليست صلاة العصر كذلك، فكانت صلاة الظهر أولى بالتأكيد.

د ـ لأنّ علياً(ع) قال: «لما كان يوم الأحزاب صلينا العصر بين المغرب والعشاء، فقال النبيّ(ص): شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله قلوبهم وأجوافهم ناراً».

هـ ـ لأنّه روي عن النبيّ(ص) أنّه قال: لأنّها بين صلاتي النهار وصلاتي الليل.

4ـ صلاة المغرب: وهو قول قبيصة بن ذؤيب. وربما يُنسب إلى غيره.

واحتجوا لذلك:

أـ بأنّها الوسطى من أوّل صلاة فرضت (وهي صلاة الظهر).

والجواب: كما يحتمل أن يكون وسطى الصلوات يحتمل أن يكون وسط النهاريّات.

ب ـ لأنّها أوسط أعداد الركعات في الصلوات.

ج ـ لأنّ وقتها ضيِّقٌ، فنُهي عن تأخيرها.

د ـ لأنها وسط في الطول والقصر من بين الصلوات.

هـ ـ لأنّها أوّل صلاة الليل الذي رغب في الصلاة فيه.

و ـ لما رُوي عن عائشة أنّ النبيّ(ص) قال: «إنّ أفضل الصلوات عند الله صلاة المغرب، لم يحطّها الله عن مسافر ولا مقيم، فتح الله بها صلاة الليل، وختم بها صلاة النهار، فمّنْ صلّى المغرب، وصلّى بعدها ركعتين، بنى الله له قصراً في الجنة. ومَنْ صلّى بعدها أربع ركعات غفر الله له ذنب عشرين أو أربعين سنة».

5ـ صلاة العشاء: نُسب إلى بعضهم.

واحتجّوا بأنّها بين صلاتين لا تقصران.

ورُوي عن النبيّ(ص) أنه قال: «مَنْ صلّى العشاء الآخرة في جماعة كان كقيام نصف ليلة؛ ومَنْ صلى صلاة الفجر في جماعة كان كقيام ليلة».

6ـ صلاة الجماعة: وبه قال الحسين بن عليّ المغربي.

واحتجّ لذلك بأنّ الوسَط العَدْل، فلما كانت صلاة الجماعة أفضلها خُصَّت بالذِّكْر.

غير أنه لم يذهب إلى هذا القول أحدٌ من المفسِّرين.

7ـ واحدةٌ من الصلوات، غير متميِّزة ولا معروفة، لم يعيِّنها الله، وأخفاها في جملة الصلوات المكتوبة؛ ليحافظوا على جميعها، كما أخفى ليلة القدر في ليالي شهر رمضان، واسمه الأعظم في جميع الأسماء، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة.

وهو قولٌ منسوبٌ إلى عبد الله بن عمر، والربيع بن خيثم، وأبي بكر الورّاق.

ربِّ اجعلني مقيم الصلاة، ومن ذرّيّتي، ربّنا وتقبَّلْ دعائي. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.



أكتب تعليقك