(15 ـ 12 ـ 2012م)
تمهيد
وتعود ذكرى عاشوراء، ذكرى أبي عبد الله الحسين عليه السلام، ـ كما في كلّ عام ـ حيّةً غضّة طريّة، فتتلقّاها قلوب المؤمنين بحرارةٍ لن تبرد أبداً.
تعود الذكرى حزينةً، ذكرى الحزن والأسى لمقتل الأخيار الأبرار من آل محمّدٍ الأطهار.
تعود ذكرى الإصلاح، الهدف الرئيس للحسين عليه السلام من ثورته المباركة، الإصلاح في أمّة جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تعود الذكرى؛ ذكرى الأكباد الحرّى، والأطفال العطشى؛ ذكرى الشفاه الذابلات، والعيون الغائرات، والجسوم المقطَّعات، والنساء المسبيّات، وأيُّ نساء؟ زينب الحوراء، وبضعة الزهراء، تُسبى من بلدٍ إلى بلدٍ، فهل رأَتْ عيناك أو سمعَتْ أذناك أنّ امرأةً مسلمةً سُبِيَت قبل يوم عاشوراء؟
تعود الذكرى والقلوب ولهى، والعيون عبرى، وتعود مجالس العَبْرة والعِبْرة.
العَبْرة لما جرى على سبطِ النبيّ، وابنِ فاطمة والوليّ، العَبْرة على مَنْ بَكَتْه السماء والأرض، فكان حقّاً واجباً علينا أن نبكيه.
والعِبْرة من تلك النهضة المباركة لسيّد الشهداء. ومن سيرته وسيرة آبائه عليهم السلام تكون العِبْرة حقّاً.
وتعود للظهور من جديدٍ اختلافاتُ الرأي بين الفقهاء في بعض المسائل ذات الصلة، لتتبلور ـ مع الأسف ـ في أذهان بعض السذَّج خلافاتٍ عميقةً ومستحكِمة لا تُحلّ سوى بانتصار أحد الفريقَيْن على الآخر.
غير أنّ ذلك ليس هو الحقيقة على الإطلاق. فإنّما هي اختلافاتٌ لا خلافات، وتحقيقاتٌ لا تحدّيات.
هكذا يعيش الفقهاءُ الكبار في أمنٍ واطمئنان، وراحةٍ وسلام، فعلامَ الخلاف والتناحر بين العوام؟!
حين أفتى هذا الفقيه بكون (التطبير) أو (ضرب الزنجير) مثلاً من الشعائر الحسينيّة، التي ينبغي المحافظة عليها وتعظيمها؛ امتثالاً لقوله تعالى: (ومن يعظِّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب)، فإنّما أفتى بعد استقراءٍ وافٍ للأدلّة التي يمكن استنباط الحكم منها. وقد تبيَّن له إباحته، بل استحبابه، وبالتالي كونه من الشعائر الحسينيّة، التي يُتقرَّب إلى الله عزّ وجلّ بها، ويُثاب المرء على فعلها.
وحين تصدّى فقيهٌ آخر للتحريم فقد فعل ذلك اعتماداً على ما وجده دليلاً على حرمة هذا العمل، من الناحية الأوّليّة، كما لو كان يرى حرمة الضرر مطلقاً، أو من الناحية الثانويّة، كما لو كان يرى أنّ هذا العمل يؤدّي إلى هتكٍ وتشويه للمذهب الحقّ، مذهب أهل البيت عليهم السلام، فيحرم، لا بنفسه، وإنّما بسبب ما ينتج عنه.
المهمّ أنّ كلاًّ من هؤلاء الفقهاء، الماضين أو الحاضرين، قد بذل جهداً كبيراً ومشكوراً ومقبولاً في اكتشاف حكم الله في هذا الأمر.
فلْنحترِمْ هذا الجهد لهؤلاء العلماء الأبرار، بعيداً عن لغة الاتّهام بالتقصير، وضعف الولاء، ومعاداة الشعائر الحسينيّة، فإنّ أصل الكلام نقاشٌ في كون هذه الأفعال من الشعائر أو لا.
فإذا لم يُحرِز الفقيه دليلاً على كونها مستحبّةً، بل قد يُحرِز الدليل على كونها محرَّمةً؛ لذاتها أو لغيرها، فكيف يمكن اتّهامه بمعاداة الشعائر الحسينيّة، وتقصيره في حقّ أهل البيت عليهم السلام، وهو أصلاً لم يُحرِز كونها من الشعائر لتنسب بعد ذلك إلى الحسين عليه السلام.
وكعادتها تعرض مجلّة «الاجتهاد والتجديد»، في عددها الرابع والعشرين (24)، جملةً من الدراسات (اثنتا عشرة دراسة متنوِّعة)، ليكون الختام بقراءتَيْن: الأولى: قراءةٌ في كتاب «الإصلاح الجذريّ: الأخلاقيّات الإسلاميّة والتحرُّر»، للدكتور هيثم مزاحم؛ والثانية: قراءةٌ في كتاب الدكتور الفضلي «تاريخ التشريع الإسلاميّ»، للأستاذ حسين منصور الشيخ.
أكمل قراءة بقية الموضوع ←