1 أبريل 2018
التصنيف : سلسلة (سؤال وجواب)
التعليقات : 1
9٬295 مشاهدة

هل الأرض مستقرّةٌ على رأس ثور؟

(الجمعة 30 / 3 / 2018م)

سؤال: السلام عليكم، مررتُ بروايةٍ مفادها أن الأرض موضوعةٌ على ظهر ثور، وعندما يحرّك الثور رأسه يُحدث زلزالاً، ما صحّة هذه الرواية؟ وشكراً سَلَفاً.

روى الكليني في الكافي 8: 89، عن محمد [بن يحيى العطّار]، عن أحمد [بن محمد]، عن [الحسن] ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله(ع)، قال: سألتُه عن الأرض على أيّ شيء هي؟ قال: هي على حوت، قلتُ: فالحوت على أيّ شيء هو؟ قال: على الماء، قلتُ: فالماء على أيّ شيء هو؟ قال: على صخرة، قلتُ: فعلى أيّ شيء الصخرة؟ قال: على قرن ثور أملس، قلتُ: فعلى أيّ شيء الثور؟ قال: على الثرى، قلتُ: فعلى أيّ شيء الثرى؟ فقال: هيهات، عند ذلك ضلّ علم العلماء.

وهذه الرواية صحيحة السند؛ إذ كلُّ رواتها ثقاتٌ.

وروى الصدوق في علل الشرائع 1: 1 ـ 2، عن عليّ بن أحمد بن محمد رضي الله عنه، عن محمد بن يعقوب، عن عليّ بن محمد بإسناده رفعه قال: أتى علي بن أبي طالب(ع) يهوديّ فقال: يا أمير المؤمنين، إني أسألك عن أشياء، إنْ أنت أخبرتني بها أسلمتُ، قال عليّ(ع): سلني يا يهودي عما بدا لك، فإنك لا تصيب أحداً أعلم منّا أهل البيت، فقال له اليهودي: أخبرني عن قرار هذه الأرض على ما هو…؟ فقال(ع): أما قرار هذه الأرض لا يكون إلاّ على عاتق ملك، وقدما ذلك الملك على صخرة، والصخرة على قرن ثور، والثور قوائمه على ظهر الحوت في اليمّ الأسفل، واليمّ على الظلمة، والظلمة على العقيم، والعقيم على الثرى، وما يعلم تحت الثرى إلاّ الله عزَّ وجلَّ…، الحديث.

وإسناد هذا الحديث ضعيفٌ؛ للإرسال، حيث لم يُذكَر رواة الإسناد بين عليّ بن محمد وأمير المؤمنين(ع).

وروى عليّ بن إبراهيم القمّي في التفسير 2: 58 ـ 59، عن محمد بن أبي عبد الله [وهو محمد بن جعفر الأسدي]، عن سهل [بن زياد]، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبان بن تغلب قال: سألتُ أبا عبد الله(ع) عن الأرض على أيّ شيء هي؟ قال: على الحوت، قلتُ: فالحوت على أيّ شيء هو؟ قال: على الماء، قلتُ: فالماء على أيّ شيء هو؟ قال: على الصخرة، قلتُ: فعلى أيّ شيء الصخرة؟ قال: على قرن ثور أملس، قلتُ: فعلى أيّ شيء الثور؟ قال: على الثرى، قلتُ: فعلى أيّ شيء الثرى؟ فقال: هيهات، عند ذلك ضلّ علم العلماء.

وإسناد هذا الحديث ضعيفٌ؛ لضعف سهل بن زياد الآدمي.

وعليه فإنّ لنا روايةً صحيحة السند، وهي رواية الكليني في الكافي.

غير أنّ مضمون هذه الرواية مخالفٌ للمسلَّمات العلميّة، الثابتة بالمشاهدة، حيث تمّ تصوير الأرض من الفضاء، وتبيَّن أنّه لا شيء تحتها، وأنها ليست مستقرّةً على شيءٍ. وعليه لا يمكن القبول بمضمون هذه الرواية، ولو كانت صحيحة السند.

وبالتتبُّع وجدنا جذوراً لهذه الرواية في الكتب الحديثية لأهل السنّة أيضاً. (راجِعْ: ابن أبي شيبة الكوفي، المصنَّف 8: 355؛ ابن أبي شيبة الكوفي، كتاب العرش: 53؛ المتقي الهندي، كنز العمال 6: 162؛ ابن جرير الطبري، جامع البيان 29: 18 ـ 19؛ تفسير السمرقندي 3: 209؛ تفسير الثعلبي 6: 238؛ تفسير السمعاني 3: 321؛ تفسير البغوي 3: 212؛ تفسير القرطبي 11: 169؛ السيوطي، الدرّ المنثور 5: 166؛ تفسير الآلوسي 21: 88).

ومضمون هذه الروايات:

1ـ «الأرض على نون، والنون على البحر، وإن طرفي النون رأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش، والبحر على صخرةٍ خضراء، خضرة السماء منها…، والصخرة على قرن ثورٍ، والثور على الثرى، ولا يعلم ما تحت الثرى إلاّ الله تعالى».

2ـ «أوّل ما خلق الله من شيءٍ القلم، ثم خلق النون، فكبس الأرض على ظهر النون».

3ـ «(وكان عرشه على الماء)، ثم رفع بخار الماء ففتقت منه السماوات، ثم خلق النون، فدُحيَتْ الأرض على ظهر النون، فتحرّك فمادَتْ الأرض، فأُثبتَتْ بالجبال، فإن الجبال لتفخر على الأرض».

والملفت للنظر أنها كلّها ترجع إلى الصحابيّ عبد الله بن عبّاس، ولم يتعرّض لذكرها غيرُه.

وهو لا يرفعها إلى النبيّ(ص)، ما يدعو للرَّيْب والشكّ في صدورها من النبيّ الأكرم(ص).

ورُبَما تكون من كلام ابن عبّاس الخاصّ، الذي قد يكون استفاده من اليهود أو غيرهم، وحدَّث به.

بل رُبَما يكون بعض المغرضين من اليهود أو غيرهم أراد نشرها بين المسلمين، فنسبها إلى ابن عبّاس، ليعطيها مشروعيّة الحضور في التراث الإسلامي، وتداولها الناس بعد ذلك، ثمّ تسرَّبت إلى كتبنا الحديثية، ونُسبت إلى أئمتنا(عم)، وهم منها براء.

ولئن صحّ صدورها من أئمّتنا(عم) فرُبَما يكون ذلك منهم مجاراةً للناس في ما يعتقدونه، بعد أن شاعت رواية ابن عبّاس المزعومة، وكان لا بُدَّ من التقيّة تجاه المؤمنين بهذا المعتقد.

وهذه مأساةُ الكثير من العلماء، أنهم لا يستطيعون التصريح بالحقائق المعلومة لديهم؛ خوفاً من الهَمَج الرعاع الذين لا يقبلون بها، ولا يستسيغون تبديل المعتقد القديم، ولو كان خاطئاً.

ولنا في ما حدث مع العالم الفلكيّ غاليليو غاليلي عام 1633م (وهو من الزمن القريب نسبياً) خيرُ دليلٍ على ذلك، ففي تلك الأيام كان كلُّ فردٍ يعتقد أن الأرض مركز الكون، وأن الشمس وغيرها من الكواكب تدور حولها، فتبنّى غاليلي نظرية عالم الفلك نيكولاس كوبرنيكوس، التي صاغها سنة 1543م، وهي نظرية مركزية الشمس وكون الأرض جُرْماً يدور في فلكها، فاتُّهم غاليلي بالهرطقة (الزندقة)، وحُكم عليه بالسجن وخُفِّف إلى الحكم بالإقامة الجبرية، ومُنع من مناقشة تلك الموضوعات، وحُظرت كتاباته. (راجِعْ: «غاليليو غاليلي» «محاكمة جاليليو جاليلي» في ويكيبيديا الموسوعة الحرّة).


عدد التعليقات : 1 | أكتب تعليقك

  • الدکتور الشیخ الأحمد الثامری
    الخميس 28 فبراير 2019 | الساعة 11:11
    1

    السلام علیکم و رحمة الله و برکاته

    أردت أن أعلق تعلیقاً علی نتیجة الحدیث الکلینی عن هذا المطلب فی هذا المقطع:

    ((وعليه فإنّ لنا روايةً صحيحة السند، وهي رواية الكليني في الكافي.

    غير أنّ مضمون هذه الرواية مخالفٌ للمسلَّمات العلميّة، الثابتة بالمشاهدة، حيث تمّ تصوير الأرض من الفضاء، وتبيَّن أنّه لا شيء تحتها، وأنها ليست مستقرّةً على شيءٍ. وعليه لا يمكن القبول بمضمون هذه الرواية، ولو كانت صحيحة السند.))

    التعلیق:
    إذا الإنسان کان عنده قدرة علی مشاهدة غیر العیان، لرأی ما رأه أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام . لکن مع الأسف الشدید نبحث هذا الموضوع علی مبانی علوم الطبیعیة الحدیثة التی لیست لها قدرة علی درک هذا الموضوع.

    و السلام علی من التیع الهدی
    نرجوا السماحة


أكتب تعليقك