5 أبريل 2020
التصنيف : مقالات قرآنية
لا تعليقات
3٬286 مشاهدة

معنى الحروف المقطَّعة

ولبيان معنى الحروف المقطَّعة، وذِكْر السبب الذي ذُكِرَتْ لأجله في مواضعها، يقع الكلامُ في جهتين:

الجهة الأولى: الروايات الواردة في هذه الحروف، وبيان معناها، وما يُرمَز إليه بها

«في «معاني الأخبار»، عن الصادق(ع): ««الم» هو حرفٌ من حروف اسم الله الأعظم المقطَّع في القرآن، الذي يؤلِّفه النبيّ أو الإمام، فإذا دعا به أُجيب»([1]).

وقد ناقش العلاّمة الطباطبائِيّ(ر) في مضمون هذه الرواية بـ «أنّ الاسم الأعظم الذي له أثره الخاصّ به ليس من قبيل الألفاظ، وأنّ ما ورد ممّا ظاهره أنّه اسمٌ مؤلَّفٌ من حروفٍ ملفوظةٍ مصروفٌ عن ظاهره بنوعٍ من الصَّرْف المناسِب له»([2]).

وعن أمير المؤمنين(ع)، في تفاسير العامّة والخاصّة، أنّه قال: «لكلّ كتابٍ صفوةٌ، وصفوةُ هذا الكتاب حروف التهجّي»([3]).

وفي «تفسير العسكرِيّ(ع)» أنّه قال: «كذبت قريش واليهود بالقرآن، وقالوا: سحرٌ مبينٌ تقوّله، فقال الله: ﴿الم ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾، أي: يا محمّد، هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك هو الحروف المقطَّعة، التي منها: الف، لام، ميم، وهو بلغتكم، وحروف هجائكم، فاْتوا بمثله إنْ كنتم صادقين، واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم… الحديث»([4]).

وفي «تفسير العياشيّ»، عن أبي لبيد المخزوميّ، قال: قال أبو جعفر(ع): «يا أبا لبيد، إنّه يملك من ولد العباس اثنا عشر يقتل بعد الثامن منهم أربعة، فتصيب أحدهم الذبحة فتذبحه، هم فئةٌ قصيرةٌ أعمارُهم، قليلةٌ مدّتُهم، خبيثةٌ سيرتُهم، منهم الفويسق الملقَّب بالهادي، والناطق، والغاوي. يا أبا لبيد، إنّ في حروف القرآن المقطَّعة لعلماً جمّاً، إنّ الله تبارك وتعالى أنزل ﴿الم ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾، فقام محمّد(ص) حتّى ظهر نوره، وثبتت كلمته، وولد يوم ولد وقد مضى من الألف السابع مائة سنة وثلاث سنين. ثمّ قال: وتبيانه في كتاب الله في الحروف المقطَّعة إذا عددتها من غير تكرار، وليس من الحروف المقطَّعة حرفٌ ينقضي أياماً إلاّ وقام من بني هاشم عند انقضائه. ثمّ قال: الألف واحدٌ، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، فذلك مائة وإحدى وستّون، ثمّ كان بدو خروج الحسين بن عليّ(عما) ﴿الم اللهُ﴾، فلمّا بلغت مدّته قام قائم ولد العبّاس عند «المص»، ويقوم قائمنا عند انقضائها ب‍ «الم»، فافهم ذلك وعِهِ واكتُمْه»([5]).

وفي «تفسير القمّيّ»، بإسناده عن أبي عبد الله(ع)، في قوله: ﴿كهيعص﴾، قال: «هذه أسماء الله مقطَّعةٌ»([6]).

وفي «كمال الدين»، في حديثٍ، أنّه سُئل ـ أي القائم(عج) ـ عن تأويلها؟ قال: «هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع الله عبده زكريّا عليها، ثمّ قصّها على محمّد(ص)»([7]).

وفي «المجمع»، عن النبيّ(ص): «لمّا أنزلت ﴿طسم﴾ قال: الطاء: طور سيناء، والسين: إسكندرية، والميم: مكّة». وقال: «الطاء: شجرة طوبى، والسين: سدرة المنتهى، والميم: محمّد(ص)»([8]).

وفي «الخصال»، عن الباقر(ع) قال: «إنّ لرسول الله(ص) عشرة أسماء: خمسةٌ في القرآن، وخمسةٌ ليست في القرآن، فأمّا التي في القرآن: فمحمّد(ص)، وأحمد، وعبد الله، ويس، ون»([9]).

وفي «المجمع»، عن الصادق(ع): «إنّ صاد اسمٌ من أسماء الله تعالى أقسم به»([10]).

وفي «العِلَل»، عن الكاظم(ع) ـ في حديثٍ ـ أنّه سُئل: وما صاد الذي أمر أن يغسل منه ـ يعني النبيّ(ص) لمّا أسري به ـ؟ فقال: «عينٌ تنفجر من ركنٍ من أركان العرش يقال له: ماء الحياة، وهو ما قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾»([11]).

وفي «تفسير القمّي»، عن الباقر(ع): «عسق أعداد سنيّ القائم، وقاف جبلٌ محيطٌ بالدنيا من زمرّدةٍ خضراء، فخضرةُ السماء من ذلك الجبل، وعلمُ كلِّ شيءٍ في عسق»([12]).

وفي «التفسير الكبير»: ﴿الم﴾ معناه: أنا الله أعلم، أي أعلم من كلّ شيءٍ، أو هو يعلم لا غير([13]).

وفيه أيضاً: الألف من الله، واللام من جبرئيل، والميم من محمّد(ص)، أي القرآن نزل من الله على لسان جبرئيل عليه(ص)([14]).

وفيه أيضاً: الألف إشارةٌ إلى أنّه أحدٌ، أوّلٌ، آخرٌ، أزلِيٌّ، أبديٌّ، واللام إلى أنّه لطيفٌ، والميم إلى أنّه مجيدٌ، ملكٌ، منّانٌ([15]).

وفيه أيضاً: الألف آلاؤه، واللام لطفه، والميم مجده([16]).

وفيه أيضاً: الألف أنا، واللام لي، والميم منّي([17]).

وفيه أيضاً: ﴿الر﴾: أنا الله أرى([18]).

وفيه أيضاً: الألف إشارةٌ إلى ما لا بدّ منه من الاستقامة في الشريعة في أوّل الأمر ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾، واللام إشارةٌ إلى الحاصل عند المجاهدة ورعاية الطريقة ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾، والميم إشارةُ إلى صيرورة العبد في مقام المحبة، كالدائرة التي تكون نهايتها عند بدايتها، وهو مقام الفناء في الله ﴿قُلْ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ([19]).

وفيه أيضاً: الألف من أقصى الحلق، واللام من طرف اللسان، والميم من الشفة، أي أوّل ذكر العبد، ووسطه، وآخره، لا ينبغي إلاّ لله ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ([20]).

وفي «المعاني»: الألف دلّ على قولك: الله، واللام على قولك: الملك، العظيم، القاهر للخلق أجمعين، والميم على أنّه المجيد، المحمود في كلّ فعاله([21]).

 وفي «المعاني» و«التفسير الكبير»: ﴿كهيعص﴾: الكاف من الكافي، والهاء من الهادي، والياء من الحكيم، والعين من العليم، والصاد من الصادق([22]).

 وفي «كمال الدين»: الكاف كربلاء، والهاء الهلاك، والياء يزيد، والعين العطش، والصاد الصبر([23]).

وفي «تفسير الثعلبيّ»، مسنَداً عن الرضا ـ عليه آلاف التحيّة والثناء ـ قال: سُئل الصادق(ع) عن قوله: ﴿الم﴾؟ فقال: «في الألف ستّ صفات من صفات الله عزَّ وجلَّ: الابتداء، فإنّ الله ابتدأ جميع الخلق، والألف ابتدأ الحروف؛ والاستواء، فهو عادلٌ غيرُ جائرٍ، والألف مستوٍ في ذاته؛ والانفراد، فالله فردٌ، والألف فردٌ؛ واتّصال الخلق بالله، والله لا يتّصل بالخلق، وكلّهم يحتاجون إلى الله، والله غنيٌّ عنهم، والألف كذلك لا يتّصل بالحروف، والحروف متّصلةٌ به؛ وهو منقطعٌ عن غيره، والله تعالى بائنٌ بجميع صفاته من خلقه؛ ومعناه من الإلفة، فكما أنّ الله عزَّ وجلَّ سبب إلفة الخلق، فكذلك الألف عليه تألَّفت الحروف، وهو سبب إلفتها»([24])»([25]).

«وفي «المعاني»، بإسناده عن جويرية، عن سفيان الثوريّ، قال: قلتُ لجعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب(ع): يا بن رسول الله، ما معنى قول الله عزَّ وجلَّ: الم، والمص، والر، والمر، وكهيعص، وطه، وطس، وطسم، ويس، وص، وحم، وحم عسق، وق، ون؟ قال(ع): «أمّا «الم» في أوّل البقرة فمعناه أنا الله الملك؛ وأمّا «الم» في أوّل آل عمران فمعناه أنا الله المجيد؛ و«المص» فمعناه أنا الله المقتدر الصادق؛ و«الر» فمعناه أنا الله الرؤوف؛ و«المر» فمعناه أنا الله المحيي المميت الرازق؛ و«كهيعص» معناه أنا الكافي الهادي الوليّ العالِم الصادق الوعد؛ فأمّا «طه» فاسم من أسماء النبيّ(ص)، ومعناه يا طالب الحقّ الهادي إليه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، بل لتسعد به؛ وأمّا «طس» فمعناه أنا الطالب السميع؛ وأمّا «طسم» فمعناه أنا الطالب السميع المبدئ المعيد؛ وأمّا «يس» فاسم من أسماء النبيّ(ص)، ومعناه يا أيّها السامع للوحي، والقرآن الحكيم إنّك لمن المرسلين على صراطٍ مستقيمٍ؛ وأمّا «ص» فعينٌ تنبع من تحت العرش، وهي التي توضّأ منها النبيّ(ص) لمّا عُرج به، ويدخلها جبرئيل كلّ يوم دخلةً، فيغتمس فيها، ثمّ يخرج منها، فينفض أجنحته، فليس من قطرةٍ تقطر من أجنحته إلاّ خلق الله تبارك وتعالى منها ملكاً يسبّح الله، ويقدّسه، ويكبّره، ويحمده، إلى يوم القيامة؛ وأمّا «حم» فمعناه الحميد المجيد؛ وأمّا «حم عسق» فمعناه الحليم المثيب العالم السميع القادر القوي؛ وأما «ق» فهو الجبل المحيط بالأرض، وخضرة السماء منه، وبه يمسك الله الأرض أن تميد بأهلها؛ وأمّا «ن» فهو نهرٌ في الجنّة، قال الله عزَّ وجلَّ: اجمد فجمد، فصار مداداً، ثمّ قال عزَّ وجلَّ للقلم: اكتب فسطر القلمُ في اللوح المحفوظ ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، فالمداد مدادٌ من نور، والقلم قلمٌ من نور، واللوح لوحٌ من نور. قال سفيان: فقلتُ له: يا بن رسول الله، بيِّنْ لي أمر اللوح والقلم والمداد فضل بيان، وعلِّمني ممّا علَّمك الله، فقال: يا بن سعيد، لولا أنّك أهلٌ للجواب ما أجبتُك، فنون مَلَكٌ يؤدّي إلى القلم، وهو مَلَكٌ، والقلم يؤدّي إلى اللوح، وهو مَلَكٌ، واللوحُ يؤدّي إلى إسرافيل، وإسرافيل يؤدّي إلى ميكائيل، وميكائيل يؤدّي إلى جبرئيل، وجبرئيل يؤدّي إلى الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم. قال: ثُمّ قال لي: قُمْ يا سفيان فلا آمن عليك»»([26]).

وقد علَّق العلاّمةُ الطباطبائِيّ(ر) على مضمون هذه الرواية ـ وتعليقُه هذا يصلُح تعليقاً على الروايات الاثنَيْ عشر التي سبقتها مباشرةً ـ بقوله: «ظاهرُ ما في الرواية من تفسير غالب الحروف المقطَّعة بأسماء الله الحسنى أنّها حروفٌ مأخوذةٌ من الأسماء؛ إمّا من أوّلها، كالميم من الملك، والمجيد، والمقتدر؛ وإمّا من بين حروفها، كاللام من الله، والياء من الوليّ، فتكون الحروف المقطَّعة إشاراتٍ على سبيل الرمز إلى أسماء الله تعالى.

لكنْ لا يخفى عليك أنّ الرمز في الكلام إنما يصار إليه في الإفصاح عن الأمور التي لا يريد المتكلِّم أن يطَّلع عليه غير المخاطَب بالخطاب، فيرمز إليه بما لا يتعدّاه ومخاطبه، ولا يقف عليه غيرهما، وهذه الأسماء الحسنى قد أُوردت وبُيِّنت في مواضع كثيرة من كلامه تعالى، تصريحاً وتلويحاً، وإجمالاً وتفصيلاً، ولا يبقى مع ذلك فائدةٌ في الإشارة إلى كلٍّ منها بحرفٍ مأخوذٍ منه رمزاً إليه.

فالوجهُ ـ على تقدير صحّة الرواية؛ إذ الروايةُ بظاهرها أشبه بالإسرائيليّات، وكذا بعضُ ما عن ابن عباس من أنّ الله خلق جبلاً يُقال له: «ق»، محيطٌ بالعالم، وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض، فإذا أراد الله أن يزلزل قريةً أمر ذلك الجبل فحرَّك العرق الذي يلي تلك القرية، فيزلزلها، ويحرّكها، فمِنْ ثَمّ تحرّك القرية دون القرية ـ أن يحمل على كون هذه الأحرف دالّةً على هذه المعاني دلالةً غير وضعيّةٍ، فتكون رموزاً إليها، مستورةً عنّا، مجهولةً لنا، دالّةً على مراتب من هذه المعاني، هي أدقّ وأرقى وأرفع من أفهامنا.

ويؤيّد ذلك بعض التأييد تفسيرُه الحرف الواحد، كالميم، في المواضع المختلفة بمعانٍ مختلفة، وكذلك قوله في «ن» أنّه نهرٌ صيَّره الله مداداً كتب به القلم بأمره على اللوح ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وأنّ المداد والقلم واللوح من النور، ثمّ قوله: إنّ المداد ملك، والقلم ملك، واللوح ملك، فهو نِعْم الشاهدُ على أنّ ما ورد في كلامه تعالى، من العرش، والكرسيّ، واللوح، والقلم، ونظائر ذلك، وفُسِّر بما فُسِّر به في كلام النبيّ(ص) وأئمّة أهل البيت(عم)، من باب التمثيل، أُريد به تقريب معارفَ حقيقيّةٍ، هي أعلى وأرفع من سطح الأفهام العامّة، بتنزيلها منزلة المحسوس، وكذا ما ورد أنّها من حروف اسم الله الأعظم»([27]).

وفي «الدرّ المنثور»، عن جابر بن عبد الله بن رِئاب قال: مرّ أبو ياسر بن أخطب فجاء رجلٌ من اليهود لرسول الله(ص)، وهو يتلو فاتحة سورة البقرة ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾، فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود، فقال: أتعلمون والله لقد سمعتُ محمّداً يتلو فيما أُنزل عليه ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾، فقال: أنت سمعته، قال: نعم، فمشى حتّى وافى أولئك النفر إلى رسول الله(ص)، فقالوا: ألم تَقُل أنّك تتلو فيما أُنزل عليك ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾، فقال: بلى، فقالوا: لقد بعث بذلك أنبياء، ما نعلمه بيَّن لنبيٍّ منهم ما مدّة ملكه، وما أجل أمّته غيرك، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنةً، ثم قال: يا محمّد هل مع هذا غيره؟، قال: نعم، ﴿المص﴾، قال: هذه أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، فهذه إحدى وثلاثون ومائة، هل مع هذا غيره؟ قال: نعم، ﴿الر﴾، قال: هذه أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والراء مائتان، هذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة، هل مع هذا غيره؟ قال: نعم، ﴿المر﴾، قال: هذه أثقل وأطول، هذه إحدى وسبعون ومائتان، ثمّ قال: لقد لبس علينا أمرك، حتّى ما ندري أقليلاً أعطيت أم كثيراً، ثمّ قال: قوموا عنه، ثمّ قال أبو ياسر لأخيه ومن معه: ما يدريكم لعلّه قد جمع هذا كلّه لمحمّد إحدى وسبعون، وإحدى وثلاثون ومائة، وإحدى وثلاثون ومائتان، وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائة وأربع سنين، فقالوا: لقد تشابه علينا أمره، فيزعمون أنّ هذه الآيات نزلت فيهم: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ([28]).

وقد ناقش فيها العلاّمةُ الطباطبائيّ(ر) بأنّه «ليس في الرواية ما يدلّ على إمضاء النبيّ(ص) لدعواهم، ولا كانت لهم على ما ادّعوه حجّةٌ»([29]).

النتيجةُ: قد تبيَّن نقاشُ العلاّمة في مضمون بعض هذه الروايات، ولكنّ هذا لا يعني سقوطَها بأجمعها عن الاعتبار؛ إذ بعضُ المضامين لا غُبار عليه.

وأمّا من ناحية السند، فإنّ محاولة تصحيح أسانيد هذه الروايات حسب مصطلحات المتأخِّرين، وحسب ما هو الحقّ في تحسين الإسناد، يجعل الاعتماد على أكثر هذه الطوائف من الروايات مشكِلاً، إلاّ أنّ اشتمال كتب المشايخ الثلاثة على طائفةٍ منها يورث الاطمئنان والوثوق بصدور بعضٍ منها عن أئمّة أهل البيت(عم).

فإنْ أمكن الجمعُ بين الروايتَيْن المتعارضتَيْن الصحيحتَيْن بأَحَد وجوه الجمع ـ كأنْ يُقال بأنّ منظور كُلِّ روايةٍ مختلِفٌ عن منظور الرواية الأخرى، ويتِمُّ ذلك في الحروف المكرَّرة في أكثر من سورة كـ ﴿الم﴾، و﴿الر﴾، و﴿طسم﴾، و﴿حم﴾، دون غيرها من الحروف التي لم تُذكَر إلاّ مرّةً واحدةً، ويؤيِّد هذا الجمع ما ورد في رواية معاني الأخبار الطويلة التي ذكرناها فيما سبق([30])، حيث فرَّقَتْ بين معنى «الم» في البقرة، ومعنى «الم» في آل عمران ـ فبِهِ ونِعْمَ، وإلاّ يُرَدُّ علمُها إلى أهلها، فهُم أدرى به.

الجهة الثانية: الآراء والأقوال في معنى الحروف المقطَّعة

تعدَّدت الآراء والأقوال في معنى الحروف المقطَّعة في فواتح بعض السور القرآنِيّة، إلى درجةٍ يصعب استقصاؤها، بل ذكر السيِّد مصطفى الخميني(ر) أنّ «استقصاء الاحتمالات والوجوه [في هذه المسألة] غيرُ ممكنٍ، لأنّ الكلام إذا لم يكن على مبنى العقل أو النقل لا ينتهي إلى حدٍّ ولا ينقطع، وبقليلٍ من التأمُّل فيما سيُذكَر من الآراء والأقوال، التي لا نورَ لها ولا مستند ولا سند، نجد إمكان تكثير الوجوه إلى ما لا يحصيه إلاّ الله تعالى؛ لإمكان جعل الحروف المزبورة رمزاً وإشارةً إلى هذه المسائل، وإلى المسائل الأخر المتشابهة معها في الاسم واللفظ، وحيث لا يثبت لنا من طريق الوحي وجهٌ معلومٌ، فلا نتمكن من تعيين أحد هذه الوجوه، ولو كانت في حدِّ نفسها نقيّـةً من الأوهام والشبهات»([31]).

ومن هُنا اكتفى(ر) بذكر 26 رأياً وقولاً في المسألة، في حين ذكر العلاّمة الطباطبائيّ(ر) 14 قولاً([32]).

ونحن، في هذا البحث المقتضب، نكتفي بذكر أهمّ الأقوال في المسألة، وهي:

1ـ إنّها اسمٌ من أسماء القرآن، ولعلّ المراد أنّ الحروفَ المفتتح بها السور بمجموعها تكون كذلك.

2ـ إن كُلاًّ منها اسمٌ للسورة التي وقعت في مفتتحها.

3ـ عن ابن عباس: إنّها اسم الله الأعظم، ويظهر منه دعوى اختصاص بعضها بذلك.

4ـ هي حروفٌ مقطَّعةٌ من أسماء وأفعال، كلُّ حرفٍ من ذلك لمعنىً غير معنى الحرف الآخر، ف‍ـ ﴿الم﴾: أنا الله أعلم، وعن ابن عباس في ﴿الم﴾ أنّ الألف إشارةٌ إلى الله، واللام إلى جبريل، والميم إلى محمّد(ص).

5ـ إنّ المراد بها الدلالة على أسماء الله تعالى فقوله: ﴿الم﴾ معناه أنا الله أعلم، وقوله: ﴿المر﴾ معناه أنا الله أعلم وأرى، وقوله: ﴿المص﴾ معناه أنا الله أعلم وأفصل، وقوله: ﴿كهيعص﴾ الكاف من الكافي، والهاء من الهادي، والياء من الحكيم، والعين من العليم، والصاد من الصادق، وهو مرويٌّ عن ابن عبّاس، والحروف المأخوذة من الأسماء مختلفة في أخذها؛ فمنها ما هو مأخوذٌ من أوّل الاسم، كالكاف من الكافي؛ ومنها ما هو مأخوذٌ من وسطه، كالياء من الحكيم؛ ومنها ما هو مأخوذٌ من آخر الكلمة، كالميم من أعلم.

6ـ إنّها أسماء لله تعالى مقطَّعةٌ، لو أحسن الناس تأليفها لعلموا اسم الله الأعظم، تقول: الر، وحم، ون، يكون الرحمن، وكذلك سائرُها، إلاّ أنّا لا نقدر على تأليفها.

7ـ إنّها أقسامٌ، أقسم الله بها، فكأنّه هو أقسم بهذه الحروف على أنّ القرآن كلامه، وهي شريفةٌ؛ لكونها مباني كتبه المنزلة، وأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وأصول لغات الأمم على اختلافها.

8ـ إنّ المراد بها الإشارة إلى بقاء هذه الأمّة على ما يدلّ عليه حساب الجمل.

9ـ إنّها تسكيتٌ للكفّار؛ لأنّ المشركين كانوا تواصَوْا فيما بينهم أن لا يستمعوا للقرآن، وأن يلغَوْا فيه، كما حكاه القرآن عنهم، بقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ (فصّلت: 26)، فربما صفَّروا، وربما صفَّقوا، وربما غلطوا فيه؛ ليغلِّطوا النبيّ(ص) في تلاوته، فأنزل الله تعالى هذه الحروف، فكانوا إذا سمعوها استغربوها، واستمعوا إليها، وتفكَّروا فيها، واشتغلوا بها عن شأنهم، فوقع القرآن في مسامعهم.

10ـ إنّها من قبيل تعداد حروف التهجّي، والمراد بها أنّ هذا القرآن الذي عجزتم عن معارضته هو من جنس هذه الحروف، التي تتحاورون بها في خطبكم وكلامكم، فإذا لم تقدروا عليه فاعلموا أنّه من عند الله تعالى، وإنّما كُرِّرت الحروف في مواضع استظهاراً في الحجّة.

11ـ هي حروفٌ يشتمل كلُّ حرفٍ منها على معانٍ شتى مختلفةٍ، وقول الله: ﴿الم﴾ هي أحرف من التسعة والعشرين حرفاً، دارت فيها الألسن كلّها، ليس فيها حرف إلاّ وهو مفتاح اسم من أسمائه، وليس منها حرفٌ إلاّ وهو في آلائه وبلائه، وليس منها حرفٌ إلاّ وهو مدّة قومٍ وآجالُهم.

12ـ إنّها سرُّ القرآن؛ فإنّ لكلِّ كتابٍ سرّاً، وسرُّ القرآن فواتحه.

13ـ إنّ المراد بها حروف المعجم، وقد استغنى بذكر ما ذُكر منها عن ذكر الباقي، كما يقال: «ا، ب،…»، ويُراد به جميع الحروف، وإنّ ذلك هو المتعارف، كما قد يتعارف أن يتّخذ في أثنائها، ولا يبتدأ بأوائلها؛ ولذلك رفع الكتاب، لأنّ معنى الكلام يصير هكذا: الألف واللام والميم، وهكذا البواقي، ذلك الكتابُ الذي أُنزل إليك مجموعاً.

14ـ هي الحروف التي استفتح الله بها كلامه؛ إعلاماً بتماميّة الكلام الأوّل واختتامه، وإبلاغاً بشروعه في الكلام المستأنَف.

15ـ إنّ الله تعالى ذكرها لكي يتعلَّموها مفردةً، ثمّ يتعلَّموها مركَّبةً، كما هو المتداول في تعليم الصبيان.

16ـ إنّ التكلم بهذه الحروف معتادٌ، ويعرفها كلُّ أحدٍ، ولكنّ التكلُّم بأسمائها لا يمكن إلاّ للعالم بها، فإخبارُه(ص) بتلك الأسماء، مع أنّه لا يعرف الكتابة، ولا يعلم شيئاً من هذه الكلمات، يكون من المعجزة، فأوّل ما يُسمع من الكتاب العزيز إعجازٌ، فضلاً عمّا يأتي من الآيات الباهرات، والسور الواضحات.

17ـ هي ردٌّ على قول من يتوهَّم أنّ القرآن قديمٌ، وفي ذلك إعجازٌ، وإخبارٌ عن الغيب أيضاً، بأنّ جماعةً من المسلمين يتخيَّلون ذلك بالنسبة إلى الكتاب العزيز.

18ـ إنّ ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾، معناه: أنّه أَلَمّ بكم ذلك الكتاب، أي نزل عليكم، والإلمامُ الزيارةُ، وإنّما قال الله تعالى ذلك؛ لأنّ جبرئيل(ع) نزل به نزول الزائر.

19ـ إنّ المقصود بها الإعلام بالحروف التي يتركَّب منها الكلام، فذكر منها أربعة عشر حرفاً، وهي نصف جميع الحروف، وذكر من كلِّ جنسٍ نصفه، فمن حروف الحلق الحاء والعين والهاء، ومن التي فوقها القاف والكاف، ومن الحرفين الشفهيَّيْن الميم، ومن المهموسة السين والحاء والكاف والصاد والهاء، ومن الشديدة الهمزة والطاء والقاف والكاف، ومن المطبقة الطاء والصاد، ومن المجهورة الهمزة والميم واللام والعين والراء والطاء والقاف والياء والنون، ومن المستعلية القاف والصاد والطاء، ومن المنخفضة الهمزة واللام والميم والراء والكاف والهاء والياء والعين والسين والحاء والنون، ومن حروف القلقلة القاف والطاء.

20ـ إنّها بياناتٌ وإشاراتٌ موسيقيّةٌ يتّبعها المرتّلون، وقد كانت الموسيقى القديمة بسيطةً، يُشار إلى ألحانها بحرفٍ، أو حرفين، أو ثلاثة، وكان ذلك كافياً لتوجيه المغنّي، أو المرتِّل، إلى الصوت المقصود، واعتبر صاحبُ هذا القول من التأييد لذلك أنّ ﴿الم﴾ تُقرأ هكذا: ألف، لام، ميم، فهي ليست رموزاً، ولكنّها رموزٌ صوتيّةٌ.

21ـ إنّها زيدت على القرآن بمرور الأزمان، وتكون رمزاً إلى النسخ المختلفة السالفة، كنسخة ابن مسعود، وابن عباس، وهكذا.

22ـ إنّها للامتحان والافتتان، أي ليس لها معنى أصلاً، ولا مقصوداً رأساً، بل أُريد بذلك أن يعلم العبد المنقاد المطيع من غيره، كبعض أفعال الحجّ، فإنّ العبدَ الذي يمتثل أمره، مع توجُّهه إلى أنّ المأمور به لا فائدة فيه، أقربُ من العبد الذي لا يكون كذلك.

23ـ إنّ الحروف المقطَّعة في أوائل السور المفتتحة بها إشارةٌ إلى الغرض المبين فيها، كأن يُقال: إنّ ﴿ن﴾ إشارةٌ إلى ما تشتمل عليه السورة من النصر الموعود للنبيّ(ص)، و﴿ق﴾ إشارةٌ إلى القرآن، أو القهر الإلهيّ المذكور في السورة.

24ـ هي تنبيهاتٌ، كما في النداء، أي إنّ هذه الحروف للإيقاظ.

25ـ فواتحُ السور كلّها هجاءٌ موضوعٌ.

26ـ إنّها من العلوم المستورة، ومن الأسرار المحجوبة، ومن المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، لا يعلم تأويلها إلاّ هو.

وقد اعتبر السيِّد الخمينيّ(ر) «أنّ كلَّ هذه الأقوال لا ترجع إلى محصَّلٍ، وأنّ الآثارَ الصحيحةَ نَطقَتْ بأنّها من الأسرار الإلهيّة، وممّا يؤيِّد ذلك ما رُوي عن أمير المؤمنين(ع): «عليكم بكتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل وليس بالهزل»([33])؛ فإنّه يشهد على اشتماله على الأسرار غير القابلة للكشف بحسب الظاهر، وقولُه(ع): «عليكم بكتاب الله» لا ينافيه وجودُ بعضٍ يسيرٍ منه غيرَ قابل لفهم كلِّ أحدٍ، بل هو في مقام تعظيم الكتاب وحدود سعته الوجوديّة، ولعلّه إيماءٌ إلى إرجاع الناس إلى أهله، وهم أهلُ البيت(عم)»([34]).

وقد نفى العلاّمة الطباطبائيّ(ر) صحّةَ أيٍّ من هذه الأقوال([35])، معتَبِراً أنّ «الحقّ في الحروف المقطَّعة في فواتح السور أنّها تحمل معاني رمزيّةً، ألقاها الله إلى رسوله»([36]).

وغيرُ خفِيٍّ أنّ كثيراً من هذه الأقوال لم تقُمْ عليه الحُجّة والبرهان، فلا يُلتَفَت إليها؛ وبعضُها تؤيِّدُه الروايات، التي ذكرناها فيما تقدَّم من البحث، إلاّ أنّه قد يكون معارَضاً برواياتٍ أخرى تدلُّ على خِلافِه؛ فإمّا أن نقول بأنّ الجميع مُرادٌ له تعالى، وتكون هذه الاختلافات في التفسير تابِعةً لتعدُّد ذِكْر هذه الحروف، مثلاً: ﴿الم﴾ ذُكِر لها أكثرُ من تفسيرٍ، ولعلَّه لكونها ذُكِرَتْ في أكثر من موضِعٍ، ففي كُلِّ مورِدٍ لها تفسيرٌ خاصٌّ يناسب ذلك المورِد الذي وردت فيه، إلاّ أنّ المشكلة تبقى في الحروف التي وردت مرّةً واحدةً، ومع ذلك ذُكِر لها تفسيران، فهُنا لا يسعُنا ـ إذا صحَّت كلتا الروايتَيْن في التفسير ـ إلاّ أن نقول: إنّها من الآيات التي استأثر الله بعلمها، ولا يعلم تأويلها إلاّ هو عزَّ وجلَّ، ومَنْ أراد إطلاعهم على تأويلها، فليُرَدّ عِلمُها إلى أهلها.

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) معاني الأخبار: 23، ح2.

([2]) محمد حسين الطباطبائي(1402هـ)، الميزان في تفسير القرآن 18: 16.

([3]) راجِعْ من تفاسير الخاصّة: مجمع البيان 1: 32؛ ومن تفاسير العامّة: التفسير الكبير 2: 3.

([4]) تفسير العسكرِيّ: 62.

([5]) تفسير العياشيّ 2: 3، ح3.

([6]) تفسير القمّيّ 2: 48.

([7]) كمال الدين وإتمام النعمة 2: 461، ح21، نقله عن سعد بن عبد الله القمّي(ر) في ما سأله حضوراً عن الحجّة(عج).

([8]) مجمع البيان 7: 184.

([9]) الخصال 2: 495.

([10]) مجمع البيان 8: 465.

([11]) علل الشرائع 2: 335، ح1.

([12]) تفسير القمّيّ 2: 268.

([13]) التفسير الكبير 2: 6.

([14]) التفسير الكبير 2: 6.

([15]) التفسير الكبير 2: 6.

([16]) التفسير الكبير 2: 6.

([17]) التفسير الكبير 2: 6.

([18]) التفسير الكبير 2: 6.

([19]) التفسير الكبير 2: 7 ـ 8.

([20]) التفسير الكبير 2: 8.

([21]) معاني الأخبار: 25، ح4.

([22]) معاني الأخبار: 22، ح1؛ 28، ح6؛ التفسير الكبير 2: 6.

([23]) كمال الدين 2: 461، ح21، نقله عن سعد بن عبد الله القمّي في ما سأله حضوراً عن الحجّة(عج).

([24]) راجع: نور الثقلين 1: 30 ـ 31.

([25]) مصطفى الخميني(1398هـ)، تفسير القرآن الكريم مفتاح أحسن الخزائن الإلهيّة 2: 280 ـ 281 ـ 282 ـ 292 ـ 293 ـ 294.

([26]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 18: 13 ـ 14، نقلاً عن: معاني الأخبار: 23، ح1.

([27]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 18: 14 ـ 15 ـ 16 (بتصرُّف).

([28]) عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي(911هـ)، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 2: 5.

([29]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 18: 13.

([30]) معاني الأخبار: 23، ح1.

([31]) مصطفى الخميني، تفسير القرآن الكريم مفتاح أحسن الخزائن الإلهيّة 2: 295.

([32]) راجِعْ: مصطفى الخميني، تفسير القرآن الكريم مفتاح أحسن الخزائن الإلهيّة 2: 285 ـ 292؛ الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 18: 6 ـ 7.

([33]) نهج البلاغة، الحكمة 313.

([34]) مصطفى الخميني، تفسير القرآن الكريم مفتاح أحسن الخزائن الإلهيّة 2: 288 ـ 289.

([35]) بقوله: «والحقّ أنّ شيئاً من هذه الأقوال لا تطمئنّ إليه النفس». الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 18: 7.

([36]) الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 14: 127.



أكتب تعليقك