حكم علاج البرود الجنسي بالمحرَّمات
سؤال: هناك بعض الأدوية الخاصّة بعلاج الاكتئاب (وهو عندي ناتجٌ عن بعض الاختلافات والمشاكل الزوجيّة السابقة) تؤدّي إلى البرود الجنسيّ التامّ وفقدان الطاقة بالكامل، ولا يمكن للمريض الاستغناء عن هذا الدواء،
فهل يمكن لمثل هذا المريض مشاهدة الأفلام الإباحيّة كعلاجٍ لحالته واستنقاذاً لحياته الزوجيّة (دائماً أو منقطعاً)؟
وهل يختلف هذا الحكم بين الرجل والمرأة؟
ومع عدم جواز ذلك هل يُباح لزوجته (الحاليّة أو المستقبليّة) القيام بالعادة السرِّية، ولا سيَّما أنه يُنقل عن بعض العلماء القول بجوازها للنساء، وأنه لا دليل على حرمتها بالنسبة إليهنّ؟
ونعتذر عن هذا السؤال الطويل والمفصِّل لكنّي في حالةٍ من الضياع الكامل حول هذا الأمر، ولا أدري ما هو العلاج المناسب، فنرجو بيان الحكم بتفصيلٍ ووضوحٍ، وجزاكم الله خيراً.
الجواب:
أوّلاً: شفاكم الله وعافاكم وأثابكم على هذا الصبر على المرض.
وبالنسبة للعلاج منه فأنا أعتقد أن حُسْن الاختيار للمرأة الصالحة كفيلٌ بأن يُخرجك من حالة الاكتئاب، فهي أهمّ هرمون سعادة وفرح ونشاط وطاقة
فإذا وُفِّقْتَ لمثل هذه المرأة الصالحة فأعتقد أنه لن تكون بحاجةٍ إلى الدواء، وعليه يرجع وضعك الجنسيّ إلى حالته الطبيعيّة، وتنتفي المشكلة من أساسها. المهمّ حُسْن الاختيار، والتوفيق من الله.
ومع عدم القدرة على الزواج سريعاً فلا بُدّ من اتِّخاذ صديقٍ مخلصٍ أو أكثر، والإصرار على اللقاء اليوميّ، والقيام بنشاطات ترفيهية، كالنُّزُهات و… فهذا يكسر حالة الاكتئاب والشعور بالوحدة…
ثانياً: لا بُدَّ من النظر هل يوجد بديلٌ آخر لهذا الدواء له نفس الفاعليّة تجاه المَرَض، ولكنْ ليس له هذه الآثار الجانبيّة؟ فمع وجود البديل ينتقل إليه وجوباً.
كما أنه لا بُدَّ من ملاحظة هل يمكن لو توقَّف عن الدواء ليومٍ أو يومين أن يمارس الجنس بشكلٍ طبيعيّ، ثم يعود إلى الدواء دون أن يحصل خَلَلٌ في العلاج من المرض؟ فهنا يجب اتِّباع هذه الطريقة
ومع انعدام ذلك كلِّه نصل إلى:
ثالثاً: ما هو مستوى البرود الجنسيّ الموجود؟ فقد لا يكون بالمستوى الكبير الذي يضطرّ معه للعلاج فهنا لا يعتبر مثل هذا البرود مرضاً من الناحية الشرعيّة، ولا يعتبر صاحبه مضطرّاً للعلاج
وقد يكون المستوى كبيراً فهنا إذا لم يكن له حاجةٌ في الجنس كأنْ يكون العلاج يقضي أيضاً على الشهوة والمَيْل الغرائزيّ نحو المرأة (وكان لديه أولادٌ) فكذلك هو ليس مضطرّاً للعلاج
وأما مع حاجته إلى الجنس كغيره من البشر (ولو طَلَباً للولد) فهنا يُنظر هل أن علاج هذا البرود منحصرٌ بمشاهدة تلك الأفلام أو لا؟
فمثلاً: هل يمكن معالجة هذا البرود بدواءٍ آخر؟
هل يمكن معالجة هذا البرود برياضةٍ معيّنة؟
هل يمكن معالجة هذا البرود بالنظر إلى الزوجة نفسها وملامستها وملاعبتها؟
في هذه الحالات وأمثالها لا يجوز اللجوء إلى المحرَّم للعلاج.
نعم، إذا لم تكن جميعُ هذه الحلول مفيدةً واقعاً، وكان الحلّ الوحيد والحصريّ (بتشخيص أهل الخِبْرة والعلم) هو مشاهدة الأفلام الإباحيّة فهنا يجوز له ذلك بمقدار الضرورة، أي بمقدار ما يرتفع الضَّرَر والمرض
فلا يجوز المشاهدة على الدوام، وفي كلّ يومٍ مثلاً، حتّى لو كان يشتهي المقاربة كلّ يومٍ، فإنه ليس من الضروريّ في المتعارف مثل هذه المقاربة اليوميّة بل هناك معدّلٌ للعلاقة الضروريّة، أي التي إذا لم يقُمْ بها الرجل فقد يرتكب الحرام، كالنظر المحرَّم أو الفعل المحرَّم (الزنى)
كما أنه لو كان يثيره من تلك الأفلام منظرٌ معين أو مدّةٌ محدَّدة فيكتفي بها، ولا يجوز له المشاهدة لمدّةٍ طويلة بحجّة العلاج من البرود الجنسي
وهذا هو معنى أن الضرورات تقدَّر بقدرها
وهذا هو المورد الوحيد الذي يجوز فيه مشاهدة الأفلام الإباحيّة من حيث كونُه العلاج الوحيد والحصريّ لمرضٍ لا يمكن الصبر عليه، ويوجب عدمُ العلاج منه الحَرَجَ والضَّرَرَ على الرجل أو زوجته.
وللأسف، فإن هذا ممّا أثاره المُغْرِضون على السيّد فضل الله؛ حيث لم يفهموه كما يجب:
ففي حالات الاختيار: الحلال حلالٌ، والحرام حرامٌ
وفي حالات الاضطرار تنقلب الأحكام، فالحلال قد يصير حراماً، والحرام قد يصير حلالاً
فيحلّ للمضطرّ أكل لحم الميتة والخنزير وشرب الخمر و….
هنا نسأل
ما هي حدود الاضطرار؟
أو فلنقُلْ: هل هناك اضطرارٌ في مسألة الجنس والزواج
لا شَكَّ أن الاضطرار حاصلٌ، فلو لم يتمكَّن من مجامعة زوجته يعتبر هذا عَيْباً فيه، يبيح لها المطالبة بالطلاق، إنْ لم نقُلْ: إن لها حقَّ فسخ العقد وكأنّه لم يكُنْ
إذن، الجنس حاجةٌ ضروريّة يمكن تصوُّر حالة الاضطرار إليها
فلو اضطرّ واقعاً وحقيقةً، وتوقَّف العلاج والحلّ على تناول الدواء المصنوع من مادّةٍ حرام، فهل يجوز تناوله أو لا؟
سيقولون: يجوز
فنقول: لو توقَّف العلاج على مشاهدة الأفلام الإباحية، وبمقدار الضرورة فقط، فلماذا لا تجوز؟!
إذن، الكلام صادرٌ في حالات الاضطرار، وتوقُّف العلاج على ذلك، وعدم وجود علاجاتٍ بالحلال
ويبقى الصبر على المرض وعدم اللجوء إلى المحرَّم هو مقتضى الاحتياط والوَرَع، فعسى أن يمنّ الله عليه بالفرج القريب.
ولا فرق في الحكم المذكور بين الرجل والمرأة.
وأما بالنسبة إلى العادة السرِّية فإن الفقهاء فهموا أن التحريم في الأدلّة انصبّ على عنوان (الاستمناء)، وتعريفه إخراج المنيّ
فإذا لم يكن هناك منيٌّ فلن يكون هناك استخراجٌ، وبالتالي لا تحريم
تماماً كما لو قام بها الرجل ولكنْ دون الوصول إلى حدّ الإنزال، فكثيرٌ من الفقهاء، وعلى رأسهم السيّد الخوئي، لا يرى أنه قد ارتكب حراماً، فالمحرَّم هو إنزال المنيّ واستخراجه
ولكنْ هنا اعتراضان:
١ـ ليس من الضروريّ أن تتساوى صفات المنيّ عند الرجل والمرأة، فللرجل منيُّه بمواصفاتٍ معروفة، وللمرأة منيُّها، الذي عبَّرَتْ عنه الروايات بـ (الماء)، كما عبَّرت بذلك أيضاً عن منيّ الرجل
فكأنّ الروايات تريد القول بأن سائلاً ـ ولو اختلفَتْ صفاتُه ـ ينزل من الرجل، كما من المرأة، عند الشهوة الجنسيّة وبلوغها الذروة، وهذا الخروج موجبٌ للغُسْل للرجل والمرأة معاً
إذن، لا ضرورة لأن يكون ما ينزل من المرأة بصفات المنيّ، بل يكفي أن يكون سائلاً، بأيّ صفاتٍ، ينزل عند بلوغ الشهوة ذروتها، فهذا موجبٌ للغُسْل، ويُسمّى (ماء) و(ماء أكبر)، ويمكن تسميته مشابهةً لما عند الرجل بالمنيّ
فيكون من الاستمناء استخراج هذا الماء، والعادة السرِّية إذا تمَّتْ تنتهي بنزول هذا الماء
وعليه، مهما اختلَفْنا في التسمية فالحقيقةُ واحدةٌ وهي استخراج ماءٍ في ذَرْوة الشهوة، وهو محرَّمٌ
٢ـ الآيات واضحةٌ في لزوم حفظ الفَرْج إلاّ عن الأزواج أو ما ملكَتْ اليمين.
ومن باب اشتراك الرجال والنساء في الأحكام الشرعيّة هذا واجبٌ على الرجل والمرأة معاً، فالرجل لا يستعمل فَرْجه إلاّ مع زوجته أو أَمَته، والمرأة لا تستعمله إلاّ مع زوجها فقط، وأما عبدها فلا (للأدلّة الخاصّة)
وعليه، فأيُّ استعمالٍ بداعي إشباع الشهوة الجنسيّة خارج إطار الزواج هو حرامٌ؛ لأنه نقيض الحفظ الواجب على المؤمنين والمؤمنات
والعادة السرِّية هي استعمالٌ للفَرْج، بداعي الشهوة، وخارج ذاك الإطار، فتكون حراماً؛ بمقتضى الآية، على الرجل والمرأة معاً، سواء نزل المنيّ أو الماء أو لم ينزل.
وهذا أيضاً ردٌّ واعتراضٌ على السيّد الخوئي
وهذه التفاتةٌ تفتح الباب أمام أحكامٍ جديدة، من قبيل: لو أراد الرجل أو المرأة إخراج المنيّ بداعي العلاج (لأجل الفحوصات المخبريّة)، لا بداعي إشباع الشهوة، فهل هذا حرامٌ؟
الفقهاء يصرّون على الحرمة، ويشترطون للحلِّية أن يكون بواسطة الزوجة، أو للاضطرار…إلخ
ولكنْ بناءً على ما تقدَّم قد يُقال: إن الآيات والروايات؛ بقرينة مناسبة الحكم للموضوع، تتحدَّث عن الحفظ وعدمه (كالاستمناء) في إطار وحدود إشباع الشهوة الجنسيّة، فيجب الحفظ إلاّ عن الأزواج، وأمّا إذا تغيَّر الداعي، وكان هو العلاج، فليس واضحاً أن الآيات والروايات تشمل هذا المورد…
والخلاصة: كلّ ما ينافي حفظ الفَرْج في إطار إشباع الشهوة الجنسيّة فهو حرامٌ، سواء كان نظراً أو لَمْساً أو استعمالاً (الزِّنى واللواط والسحاق) أو عادةً سرِّية (إمتاع ذاتي)، فكلُّها تنافي حفظ الفَرْج المأمور به والواجب على المؤمنين والمؤمنات
ولذلك سواءٌ كان هناك منيٌّ للمرأة أو ماءٌ (كما عبَّرَت الروايات) أو لم يكن لها شيءٌ منهما فإن العادة السرِّية والإمتاع الذاتي حرامٌ؛ لأنه مخالفٌ لوجوب حفظ الفَرْج إلاّ عن الزوج