3 يوليو 2013
التصنيف : حوارات
لا تعليقات
2٬913 مشاهدة

الزواج السهل بدون صعوبات

000-الدعاية لنشر نص حلقة الزواج السهل بدون صعوبات

حوارٌ مع سماحة الشيخ محمد دهيني

ضمن برنامج (آراء وأحداث)، على قناة الثقلين العالميّة، مع الإعلامي يعقوب علويّة

بتاريخ: الثلاثاء 25 ـ 6 ـ 2013م، الساعة 5.00 عصراً

 

1ـ ما هو رأي الدين في مسألة تأخر سن الزواج هذه الأيام؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

للدِّين رأي واضحٌ في مسألة الحثّ على الزواج عموماً، فقد جاء عن النبيّ(ص): «النكاح سُنَّتي فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» (بحار الأنوار 100: 220).

وأمّا الزواج المبكِّر أو المتأخِّر فيختلف حكمه بحسب الحاجة إليه، وبمعنى آخر: إنّما شُرِّع الزواج ورُغِّب فيه إحصاناً للنفس، ولذلك يُطلق على المتزوِّج صفة «المحصَِن»، وتغلَّظ عليه العقوبة إذا ما ارتكب فاحشة الزنا، فيُرْجَم، وأمّا غير المحصَِن فيُجْلَد لا غير.

إذاً حكم الزواج المبكِّر أو الزواج المتأخِّر يدور مدار الحاجة إليه، وكونه عوناً على تحصين النفس من المعصية. فإذا ما شاع السفور، وانتشرت الفحشاء ـ كما في زماننا هذا ـ، وخاف الإنسان على نفسه من المعصية أو خيف عليه ذلك، وجب عليه أن يبادر إلى ما يكون حاجباً بينه وبينها، كما يجب على مَنْ يقوم بشؤونه أن يسعى في تزويجه، زواجاً مؤقَّتاً أو دائماً، وأمّا الإحصان بملك اليمين فقد استطاع الإسلام أن يخلِّص البشريّة بعد أكثر من ألف عامٍ، وإلى الأبد إنْ شاء الله تعالى، من نظام الرِقّ والعبوديّة المقيت والظالم، والذي يتنافى مع كرامة الإنسان، وقوله تعالى:  ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾.

ومن الطبيعي أن يتنافى الزواج المبكِر مع بعض أوضاع الإنسان في الحياة، حتّى قال الشهيد الثاني رحمه الله مقالته المشهورة في تنافي طلب العلم مع الزواج المبكِر، أو مثل ما نراه من أنّ بعض الشباب لا يملكون شيئاً على الإطلاق، لا بالفعل ولا بالقوّة، يعني لا نقداً ولا عملاً ينتج لهم مالاً، ومع ذلك يبادرون إلى الزواج بمجرَّد رغبتهم فيه، فيتحوّلون إلى كَلٍّ وعِبْء على الناس المحيطين بهم. هنا لا يحسن الزواج المبكِّر. وهذا ما يدفعنا للتأمُّل في السبب الذي دفع رسول الله(ص) إلى تأخير زواجه حتّى بلغ الخامسة والعشرين، وهكذا فعل أميرُ المؤمنين عليٌّ(ع)، حتّى أخذ بالعمل، وامتلك ناقةً ودِرْعاً وسيفاً، وزوَّجه رسول الله(ص) بمهرٍ بسيط هو قيمة الدرع، خمسمائة درهم.

لهذا أنا أدعو الإخوة الشباب المتحمِّسين للزواج كثيراً، ولمّا يبلغوا العشرين من العمر، أو لمّا يدخلوا ساحة العمل والإنتاج، أن يتفكَّروا جيِّداً في ما يُقْدِمون عليه.

نعم تأخير الزواج أو الإعراض عن الزواج بشكلٍ نهائي، بحججٍ غير واقعيّة، أمرٌ مرفوضٌ في الشريعة، لأنّه يتنافى مع الحصانة الأخلاقيّة للإنسان، وأيضاً يؤثِّر في إضعاف بِنية المجتمع الإسلامي، من حيث العدد، ولهذا ورد عن النبيّ(ص) أنّه قال: «تناكَحوا تناسَلوا؛ فإنّي أباهي بكم الأمم يوم القيامة» (عوالي اللآلي 1: 259).

وهذا الأمر ليس خاصّاً بالشباب فقط، بل هو يشمل الفتيات أيضاً، وإنْ كانت مجتمعاتنا لم تعتَدْ على أن تكون الفتاة هي مَنْ يُقدِم على الزواج، وإنّما تنتظر مَنْ يتقدَّم لخطبتها، ولكنْ عليها أن تراعي في شروطها وتصوُّراتها التي تبني عليها موقفها في القبول والرفض مسألة كون هذا الزواج زواجاً مبكِّراً أو زواجاً متأخِّراً، فإذا كانت قد بلغت سنّاً متقدِّمة فعليها أن تتنازل عن كثير من هذه الشروط، التي قد لا تكون واقعيّة، وتكون سبباً في أنّها تأخَّرت إلى هذه السنّ؛ كي تتمكَّن من تكوين حياة أُسَرِيَّة توفِّر لها وللزوج السكينة والمودَّة والرحمة، وتشكِّل إحدى لبِنات المجتمع الإسلامي العزيز والكريم.

 

2ـ هل يعذر الدين الذين يتحججون بالأوضاع الإقتصادية؟

قليلٌ من الشباب هم الذين ينطلقون في حياتهم الزوجيّة بوضع اقتصاديّ ومعيشيّ مريح. وعليه فرَبْطُ الزواج بالوضع الاقتصادي المريح والكافي قد يشكِّل عائقاً طويل الأمد أمام هذا المشروع الإلهيّ المبارك، الذي فيه السكينة والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.

ولذلك نقرأ في القرآن الكريم حثّاً على الزواج: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

ولعلّ كونهم فقراء هي الحالة الغالبة في هذا المجال. وليس هذا من مختصّات تلك العصور، وإنّما هو في كلّ عصر، ولكنْ بحسبه.

غير أنّه لا بدّ من التنبيه هنا إلى أنّه لا ينبغي أيضاً الإقدام على هذا المشروع الكبير من دون تخطيط وتدبير، وقبل امتلاك أبسط أسباب العيش والقدرة على إعالة الزوجة والأولاد. وهو ما أشرنا إليه من قبل، في أنّ بعض الشباب يطلبون أو يُقدِمون على الزواج وهم لا زالوا في سنٍّ مبكرة جدّاً، ولم يطرقوا باب عملٍ أو كسبٍ، فكيف يتدبَّرون أمورهم؟! وهنا نستحضر الحديث النبويّ الشريف: «اعقِلْ وتوكَّلْ» (عوالي اللآلي 1: 76).

فلا إفراط في التدابير والاستعدادات حتّى ينقضي العمر قبل الحصول على المبتغى، ولا تفريط فيها فيكون تقصيراً في حقّ النفس أوّلاً، والزوجة والأولاد ثانياً، وإساءةً واعتداءً على الأهل والأقارب؛ حيث سيكلِّفهم بما قد لا يطيقون إذا ما أرادوا معونته والإنفاق عليه وعلى عياله.

 

3ـ ما هي مخاطر تأخر الزواج على المجتمعات الإسلامية؟

تأخير الزواج إلى سنٍّ يسمح بامتلاك أدنى مقوِّمات الحياة الكريمة أمرٌ لا مانع منه من حيث المبدأ، مع التأكيد على مسألة الحفاظ على العِفّة والطهارة من قِبَل الشابّ أو الفتاة: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾.

فإذا أحسّ من نفسه بالحاجّة المُلِحَّة إلى الزواج فعليه أن يسعى إلى تدبير أمر معاشه بما يتيسَّر له، ثم يقدم على الزواج بوعيٍ وعَقْلٍ وتدبُّر، ليتكيَّف في الحياة مع وضعه المعيشيّ المقدور.

وأمّا تأخير الزواج مع عدم القدرة على الاستعفاف، وهو أمرٌ نسبيّ بين الناس، فإنّه يعني السقوط في المعصية والفحشاء، كاملاً أو ناقصاً. وهو أمرٌ في غاية الخطورة على صحّة وسلامة المجتمع الإسلامي. وهو ـ للأسف الشديد ـ ما نلحظه اليوم من انتشارٍ واسع للفحشاء والمنكر بين الشباب والفتيات في سنِّ المراهقة، حيث لا مجال ـ بحسب الأوضاع الاقتصادية المتردِّية لهم ولأهلهم ـ للزواج وبناء أسرة، و«أبصار هذه الفحول طوامح»، على حدّ قول أمير المؤمنين(ع). هنا لا بدّ من السعي الجادّ والسريع لتأمين حياةٍ زوجيّة تكفل لهذا الشابّ أو الفتاة الإحصان من المعصية. 

وكذلك فإنّ تأخير الزواج كثيراً، إلى سنٍّ يفوت معه الغرض الأساس من الزواج، وهو بناء أسرة طيِّبة صالحة مؤمنة، توحِّد الله، وتعبده، وتزيد أمّة الإسلام عدداً وعزّاً وكرامة، وتكون عوناً في الدارَيْن، الدنيا والآخرة، هذا التأخير أيضاً يشكِّل خطراً داهماً على كيان المجتمع الإسلامي وبنائه، الذي أراده الله ورسوله مجتمعاً ممتدّاً في أرجاء المعمورة؛ كي يكون هو الوارث لأرض الله في آخر الزمان.



أكتب تعليقك