3 يوليو 2013
التصنيف : حوارات، مقالات سياسية
لا تعليقات
3٬336 مشاهدة

ماذا يعرف الشباب عن الرسول؟

أبيض أسود  111  شبابيات

حوارٌ مع سماحة الشيخ محمد عباس دهيني

ضمن برنامج (أبيض أسود)، على قناة الإيمان الفضائية، مع الإعلاميّة بتول فحص

بتاريخ: السبت 26 ـ 1 ـ 2013م، الساعة: 8.30 مساءً

ـ شبابٌ تظاهروا ضدّ الإساءة للرسول(ص)، ولا يعرفون أين نزل عليه الوحي؟ ومتى؟ وما هي أوّل آية نزلت في القرآن؟
ـ شبابٌ تظاهروا ضدّ الإساءة للرسول(ص)، ولا يعرفون مَنْ هي زوجته؟ وكم استمرّت الدعوة؟ ولا يحفظون عنه حديثاً أو قولاً؟
ـ ما سبب ضعف الثقافة الدينية لدى الشباب؟ ومَنْ يتحمَّل المسؤولية؟

1ـ شاهدت التقرير، هل تلوم الشباب على فقر ثقافتهم المتعلقة بالرسول(ص)؟

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيّد المرسلين حبيبنا وطبيبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الشباب مرحلة الطموح والأمل، ومرحلة المرح والفرح، ومرحلة القوّة والعطاء.

ولا بدّ في أي عمليّة إصلاح اجتماعي بنّاء وهادف ويتوخّى الاستمرار والدوام من الاستفادة من هذه العناصر كلّها لتنشئة جماعة صالحة من الناس.

هل الشباب مقصِّرون؟ أغلب الناس مقصِّرون، لو فهمنا حقيقة العبوديّة لله الخالق الرازق المدبِّر لشعرنا بتقصيرنا في معرفته وعبادته، ولو عرفنا ما لأنبياء الله عليهم السلام، ولا سيما خاتم المرسلين أبي المصطفى محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم، من فضلٍ على العالمين، حيث استنقذوهم من الضلالة إلى الهدى، لشعرنا بتقصيرنا في معرفتهم وطاعتهم.

لو اعترفنا بهذا التقصير، واغتنمنا فرصة الشباب، وهي مرحلة القوّة والعطاء، وتحرَّكنا نحو معرفة شاملة وصحيحة لهؤلاء العظماء، لتغيَّر واقع الحال تماماً.

وممّا روي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: ينبغي للعاقل إذا كان عاقلاً أن يكون له أربع ساعات من النهار: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يأتي أهل العلم الذين ينصرونه في أمر دينه وينصحونه، و ساعة يخلّي بين نفسه ولذّتها من أمر الدنيا في ما يَحِلُّ ويُحمَد.

ونلاحظ في هذا التقسيم أنّ نسبة ساعة الدنيا إلى ساعات الآخرة 1/4 (الربع)، فمن منّا يجعل للدنيا رُبْع اهتمامه فحسب؟!

2ـ هناك استصراحات لطلاب أُجريت في مدارس من بعض الدول العربية والإسلاميّة لتسمية قدوتهم، منهم من سمى شخصيات سياسية أو فنية وقليل منهم ذكر الرسول… ما تعليقك؟

ذكرنا أنّه وللأسف الشديد لم يعُدْ الاهتمام بأمور الدين من أولويّات الإنسان المعاصر. بدل أن يكون ربع الوقت للدنيا والثلاثة أرباع الأخرى للآخرة، انقلبت الآية تماماً. بل لا يُعطى ربعٌ كامل للآخرة وللشؤون الدينية.

ماذا نعطي من وقتنا للآخرة؟ وقت الصلاة (لا يتجاوز الساعة يومياً)، والباقي للدنيا.

أين المسجد ـ بروحيّته والمواعظ التي تلقى فيه ـ في حياتنا؟

أين الكتاب طريقنا إلى الثقافة الدينية؟

أين المشاركة في المحاضرات والندوات والمؤتمرات الدينية؟

لا أريد أن أشيع حالة من اليأس في النفوس، ولكنني أضع الإصبع على الجرح، طمعاً في العلاج. لا بدّ للإنسان وللمسلم عموماً، وللشباب منهم بصورة خاصّة، من تخصيص وقتٍ للعبادة، ووقت للتعلُّم، ووقت للتفكير في ما تلقَّوه، حتى يقتنعوا به ويصبغوا به شخصيّتهم، سلوكاً وعملاً.

للأسف الشديد في العصر الراهن طغت السياسة على كلّ شيء، في المهرجانات السياسية، الجمهور بعشرات الآلاف، ومئات الآلاف، أما في صلاة الجماعة، وفي الموعظة، وفي المحاضرة الثقافية، فبالكاد يجتمع بضع مئات، وفي أحسن الاحوال بضع آلاف.

وهكذا في شؤون الفنّ والطبخ وغيرها نرى إقبالاً لافتاً من الشباب نحو هذه الأمور، فلماذا لا يقبلون نحو أمور دينهم، ويتعلمون ما يضرّهم ولا ينفعهم؟

3ـ مَنْ يعتبر أنّ رسول الله قدوته، ماذا يعني ذلك، وكيف يمكن قياسه؟

عندما تحدَّثنا عن التقصير فلا نريد أنّ جميع الناس مقصِّرون، ولكنّ غير المقصِّرين قلّة بالنسبة إلى المقصِّرين.

لله الحمد يوجد بعض الشباب يهتمون بشؤون دينهم كما يهتمون بشؤون دنياهم، ممتثلين قوله تعالى: (وابتغِ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا).

وعليه فمن الطبيعي أن مَنْ تعرَّف على نبيّ الرحمة والهدى نبيّ العفّة والأخلاق نبيّ الصدق والأمانة، نبيّ الزهد والتواضع، من الطبيعي أن يحبّه ويتّخذه قدوةً له في الحياة.

المهمّ أن يعرف المسلم، الشابّ وغيره، مَن هو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولو عرفوه حقَّ معرفته لأحبّوه من تلقاء أنفسهم.

4ـ رأينا الكثير من الشباب غضبوا إلى حدٍّ وصفه البعض بالجنون بسبب الإساءة للرسول، ألا تُقدّر هذه العاطفة عندهم؟

طالعتنا منذ مدّة جملةٌ من الإساءات لمقدَّسات الإسلام، فبعد كتاب (آيات شيطانيّة) للكاتب البريطانيّ سلمان رشدي، كانت إساءة رسّام كاريكاتور دانماركيّ بجملة من الرسوم الكاريكاتوريّة المسيئة إلى نبيّ الإسلام محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وتلا ذلك إحراق القسّ الأمريكيّ المتعصِّب تيري جونز لنسخة من القرآن الكريم في كنيسة صغيرة في ولاية فلوريدا الأمريكية، وتلت ذلك حوادث كثيرة، وآخرها الفيلم السيّئ والمسيء للنبيّ الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم في طهارة مولده، ودينه، وسيرته، وأخلاقه، وأزواجه.

وقد جرى التنديد بهذا الفيلم، كما بما قبله من الإساءات، بعدّة أشكال، أهمّها:

1ـ بيانات الاستنكار الصارخ، وخطابات الإدانة الرنّانة.

2ـ المسيرات الشبابيّة والطلابيّة الغاضبة.

3ـ بعض الكتابات المتواضعة، والخجولة في بعض الأحيان، حول ما حدث، تحليلاً وتقييماً.

وهذه العواطف والتحرُّكات مشكورةٌ على كلّ حال. مع تحفُّظنا على بعض الأعمال العنفيّة التي تمارس ضدّ الأبرياء الذين لا صلة لهم بقضيّة الإساءة من قريب أو بعيد.

لكنّ هذا وحده لا يكفي، هذا مهمٌّ ومفيد في لحظة الحدث، ولكن ما الذي فعلناه لمنع تكرار تلك الإساءات؟ هل راجعنا ما قد يتَّخذه البعض تبريراً لتلك الإساءات وحاولنا إصلاحه؟ البيانات والخطابات والمسيرات الجماهيرية الهادرة لا تعالج المشكلة من أصلها وإنما تمثِّل حالةً من استعراض العضلات في ساحة حرب، ولكنّ الحكمة والعقل يقتضي أن نعمل على تفادي الوصول إلى ساحة الحرب.

5ـ على من تقع مسؤولية توجيه هذه العاطفة لاستثمارها في الاتّجاه الصحيح؟

من الطبيعي أن تقع المسؤولية على العلماء ذوي الحكمة والبصيرة في دينهم ودنياهم، ليتفرَّغوا لنشر العلم وثقافة الوعي والإصلاح بين الناس، من خلال سيرة النبيّ وأهل بيته عليهم السلام.

والحديث عن أخلاقه وسيرته غير كافٍ في هذا المجال، بل لا بدّ من تطبيقٍ عمليّ لهذه السيرة أمام الناس، تماماً كما كان يفعل أهل البيت عليهم السلام في استمالتهم للناس إلى المذهب الحقّ، فيلقاهم الرجل وهو عدوٌّ لهم شديد العداوة، وسرعان ما ينقلب صديقاً ووليّاً لهم عليهم السلام.

على علماء الدين، مسلمين ومسيحيّين ويهود، أن ينطلقوا، كلٌّ في محيطه وبيئته، إلى تنقية التعاليم الدينيّة من كل ما يشوبها من الخرافة والغلوّ والحقد على الإنسان، لمجرّد الاختلاف معه في الدين.

وعلى علماء الدين، مسلمين ومسيحيين ويهود، أن يقفوا صفّاً واحداً في وجه أيّ شخص يعمل على إثارة الفتنة الدينيّة أو الطائفيّة أو المذهبيّة باسم الدين، ويتشدَّق بتكفير هذا وذاك، لمجرّد اختلافٍ فكريٍّ معه.

وعلى علماء الدين، مسلمين ومسيحيين ويهود، وبعيداً عن أيّ انفعال أو تشنُّج، أن يعمدوا إلى تعريف الناس في كلّ أنحاء العالم بما تتضمَّنه الكتب السماويّة الحقّة، والتعاليم الدينيّة الصائبة، من قيم عالية ومفاهيم راقية وإرشادات سامية وأخلاق نبيلة، كي تُسحب الذرائع الواهية من أيدي الهمج الرعاع، ولا يكون لهم حجّةٌ ـ ولو ظاهراً ـ بعد اليوم في الاعتداء السافر على مقدَّس هنا أو هناك.

وحينها إذا حصلت إساءةٌ ما يتداعى الجميع، بعد نبذهم للعصبيّة الدينيّة والمذهبيّة، إلى معاقبة الجاني شخصيّاً في أسرع وقتٍ؛ ليعلم كلّ مسيء أنّ يد العقاب ستطاله ولو بعد حين.

مضافاً إلى المقاطعة لمنتجات الدول الداعمة والمشجِّعة والراضية بهذه الانتهاكات، والمؤوية لهؤلاء المسيئين.

6ـ يكون هناك إساءة نتداعى لنعد أنشطة عن الرسول، تخفت الإساءة يغيب العمل… ألم يحن الوقت لنشتغل بالفعل وليس بردّة الفعل؟

نحن انفعاليّون في ساعة الحدث، فإذا ما مضت فترةٌ عُدْنا إلى حياتنا الطبيعيّة، وكأنّ شيئاً لم يحصل على الإطلاق. وهنا مكمن الخطر، وهذا هو المقتل. وقد أحاط به أعداؤنا علماً، فأحسنوا استغلاله أيّما استغلال. فمن إساءة إلى النبيّ محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى إساءة إلى القرآن الكريم إلى ما لا يعرفه إلاّ الله ممّا تخبّئه لنا الأيّام القادمة.

أشرتُ في سياق الحلقة إلى أنّ الحكمة والعقل يقتضي أن نعمل على تفادي الوصول إلى ساحة الحرب فكيف يكون ذلك؟

بعد اطّلاعي على جملةٍ من تلك الإساءات لاحظتُ أنّها تستند في مصادرها المعرفيّة إلى النقل المشوَّه لسيرته وأخلاقه ومفاهيمه ومبادئه ودينه إلى الناس، فعرفوا عنه ما ليس فيه، وما هو براءٌ منه، من قبيل أنّه:

1ـ يستمع لضرب الدفّ والمزمار، وهو حرامٌ.

2ـ لا يطيق صبراً عن النساء حتّى إنّه ليواقع جاريته لمجرّد غياب زوجته عن البيت.

3ـ متيَّمٌ بالنساء إلى درجة أنّه يطوف على نسائه التسعة كلّهنّ في ليلةٍ واحدةٍ، وبغسلٍ واحدٍ. وقد زوَّده الله لذلك بقوّة أربعين رجلاً.

4ـ بُعث بالسيف والقتال وإراقة الدماء، وأنّه يؤمِّن رزقه ممّا يحصل عليه من غنائم الحروب، قاهراً للمخالفين له.

هذا كلّه يُذكر في التراث الحديثي الإسلامي، وللأسف الشديد.

من هنا نحن بحاجة إلى تنقية تراثنا الحديثيّ، وبأقصى سرعةٍ ممكنة، من هذا الكمّ غير القليل من الروايات المزوَّرة والموضوعة، والتي تتضمَّن إساءةً وتشويهاً لصورة الأنبياء والأوصياء والأولياء، وبعدها نتقدَّم بالدعوة إلى صدور قرارٍ أو قانونٍ محليٍّ أو أمميّ يمنع الإساءة للأديان وازدراء رموزها، وإلاّ فقد تكون كتبُنا الحديثية أوّل مدانٍ بهذا القرار ـ على فرض صدوره ـ، أو سيتحوَّل هذا القانون إلى مجرَّد حبر على ورق؛ حيث سيكون بإمكان أيِّ مسيءٍ أن يقول: هذا ما وجدتُه في الكتاب الفلاني والكتاب الفلاني، وهي من أمّهات الكتب الدينيّة المعتمدة في المعاهد والمراكز والحوزات العلميّة، فأيّ إساءةٍ وازدراء قد ارتكبتُ يا ترى؟!

هكذا نخطو الخطوة الأولى في طريق النصرة للإسلام وأهله وقادته، هكذا يتحوّل شعار (لبيك يا رسول الله) من نداء إلى فعل وفاء وولاء لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأهل بيته الطيبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، وعباد الله الصالحين.

ويستتبع ذلك أنّه متى شعرنا بأنّ هؤلاء المسيئين، سواء كانوا أفراداً أم دولاً، أعداءٌ لديننا ونبيّنا ومقدّساتنا فعلينا أن نتّخذهم أعداءً، ونقطع ـ وبكلّ هدوء وبعيداً عن أيّ عنفٍ ـ علاقتنا بهم، وهذا يضرّ بمصالحهم على كافّة المستويات، وسيعيدون حساباتهم في ما قاموا به.



أكتب تعليقك