26 أبريل 2014
التصنيف : حوارات
لا تعليقات
3٬520 مشاهدة

نظافة الفرد والمجتمع، بين الفطرة والدين

10153775_428367443965464_3196883574028493070_n - Copy   10247225_428367120632163_8330679122218750779_n - Copy

حوارٌ مع سماحة الشيخ محمد دهيني

ضمن برنامج (قِـيَـم)، على قناة الإيمان الفضائيّة، مع الإعلاميّة سارة قصير

بتاريخ: الجمعة 25 ـ 4 ـ 2014م، الساعة 8.30 مساءً

١ـ التحدُّث أوّلاً عن مساحات النظافة في حياتنا.

لقد أَوْلى الإسلام النظافة اهتماماً بالغاً حتّى جاء في القرآن الكريم الأمر بالتزيُّن عند كلِّ صلاة، فقال: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ (الأعراف: 31). ومن الطبيعيّ أنْ لا تكون زينةٌ إلاّ في نظافةٍ.

وجاء في الحديث النبويّ الشريف: «تخلَّلوا؛ فإنّه من النظافة، والنظافة من الإيمان، والإيمان مع صاحبه في الجنّة»([1]).

ورُوي عن النبيّ(ص) أنّه قال: «أتاني جبرئيل، فقال: يا محمد، كيف ننزل عليكم وأنتم لا تستاكون، ولا تستنجون بالماء، ولا تغسلون بَراجِمَكم [وهي العُقَد ـ أو المفاصل ـ التي في ظهور الأصابع يجتمع فيه الوسخ، الواحدة: بُرْجُمة، بالضمّ]؟!»([2]).

وعن النبيّ(ص): «نقُّوا أفواهكم بالخِلال؛ فإنّها مسكنُ المَلَكَيْن الحافظَيْن الكاتبَيْن»([3]).

وعن النبيّ(ص): «مَنْ اتَّخذ ثوباً فلينظِّفْه»([4]).

وعن أمير المؤمنين(ع): «تنظَّفوا بالماء من النَّتِن [المنتن] الريح الذي يُتَأذّى به»([5]).

وعنه(ع) أيضاً: «غسل الثياب يذهب بالهمّ والحزن، وهو طهورٌ للصلاة»([6]).

وعن أبي الحسن الرضا(ع) قال: «من أخلاق الأنبياء التنظُّف»([7]).

وفي المقابل نرى ذمّاً للقذارة وأهلِها. فالوَسِخ مبغوضٌ عند الله والناس، حيث رُوي عنالنبيّ(ص) أنّه قال: «إنّ الله يبغض الوَسِخ والشَّعِث»([8]).

و«رأى رسول الله(ص) رجلاً عليه ثيابٌ وَسِخة فقال: أما كان هذا يجد ماءً يغسل به ثوبه؟!»([9]).

وعن أمير المؤمنين(ع): «تعهَّدوا أنفسكم؛ فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يُبغِض من عباده القاذورة، الذي يتأنَّف [يتأفَّف] به مَنْ جلس إليه»([10]).

وهذا ما نستوحيه أيضاً ممّا ورد في الشريعة الإسلاميّة من الأمر بقصّ الأظفار والشوارب، وتسريح الشعر، وغَسْل الثياب والبَدَن والأواني من النجاسة والقذارة، وفَرْكها بالتراب من بعض النجاسات التي لا يُطمأنّ بزوالها من دون ذلك.

هذا وقد جاء في القرآن الكريم الدعوة إلى تطهير الثياب، حيث أمر الله سبحانه وتعالى نبيَّه الكريم محمداً(ص) بتطهير ثيابه، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ (المدَّثِّر: 1 ـ 4).

واعتبر التطهُّر من دواعي محبّة الله للعَبْد، فقال: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة: 222).

ويحدِّثنا الله عن دعوته خليلَه إبراهيم وابنَه إسماعيل إلى تطهير بيته الحرام من كلّ قذارةٍ مادّيّة أو معنويّة، ليكون محلاًّ للعبادة والسَّكينة والراحة النفسيّة والجَسَديّة: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ (الحجّ: 26).

إذاً هي دعوةٌ إلى النظافة في البَدَن والملبس والمأكل والمشرب والمسكن والمسجِد، والابتعاد عن كلّ دَنَسٍ أو قذارة أو وَسَخ.

هذا من الناحية المادّيّة، وأمّا من الناحية المعنويّة فقد أوجب الإسلام طهارةً ونظافةً من نوعٍ آخر، كما في الغُسْل عند الجنابة، وبعد الحيض ومسّ الميت، والوضوء عند كلّ صلاة، وتجديده، وعند مسّ كتاب الله العزيز، فقال عزَّ من قائل: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة: 222).

وقال تقدَّست أسماؤه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (المائدة: 6).

وقال جلَّ وعلا: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ﴾ (الواقعة: 77 ـ 79).

إذاً للنظافة والطهارة في الإسلام مساحاتٌ واسعة، في الجانب المادّيّ والمعنويّ على السواء.

٢ـ لماذا الإنسان يسعى لكي يكون نظيفاً؟

الإنسان كائنٌ اجتماعيّ بطَبْعه، ولا يجد بُدّاً من الاختلاط بمَنْ حوله من بني جِنْسه، يأنس بهم ويُؤنسهم. ولا يمكن لمثل هذا الاجتماع والاختلاط أن يستمرّ ويدوم إلاّ بشروطٍ، منها: حُسْن العِشْرة، والعَدْل، والعَفْو، ومنها: الاهتمام بنظافة الجَسَد والبيت والملبس والطعام والشراب. فلا يُعقَل مثلاً أن يجتمع الناس ويقتربوا من رجلٍ تفوح منه الروائح النَّتِنة والكريهة. إذاً فوجوب التنظُّف حكمٌ عقليٌّ بالدرجة الأولى، ناشئ عن اهتمام الإنسان بالاجتماع والاختلاط ببني جنسه. وقد أرشد الإسلام إلى هذا الحكم، وأكَّد عليه، ورغَّب فيه من خلال جملةٍ من الأحكام الخاصّة، كالحثّ الشديد على غُسْل الجمعة، الذي يسبق حضور الصلاة في المسجد، لئلاّ يتأذَّى الناسُ من رائحةٍ كريهة هنا أو هناك. فقد يكون للإنسان مهنةٌ تسبِّب له برائحةٍ خبيثة في بَدَنه أو ثيابه، وكلُّ المِهَن شريفةٌ محبوبةٌ مرغوبةٌ، ويحتاج إليها المجتمع، فجزى الله كلَّ عاملٍ أجراً، ولكنَّ هذا لا يسوِّغ لأحدهم أن يقتحم المجالس برائحته تلك.

إذاً يسعى الإنسان إلى النظافة ليكون محبوباً مرغوباً مقبولاً في المجالس التي يرتادها، فلا ينفر منه أصدقاؤه وأقرباؤه.

كما أنّ بعض الواجبات الدينيّة تستدعي منه أن يكون نظيفاً، ولو في وقت تلك الواجبات، كالصلاة. فالصلاة تحتاج إلى وضوءٍ، ولا يصحّ الوضوء مع اتِّساخ الوجه أو اليدين، بل لا بدّ من تنظيفهما.

٣ـ ما هي الأسباب التي تجعل الإنسان لا يهتمّ بنظافته (التربية، الفقر، العادات…)؟

يحاول البعض تبرير عدم اهتمام الإنسان بنظافته بمبرِّراتٍ عديدة، منها: ضيق ذات اليد (الفقر)، والتربية التي تلقّاها في صِغَره، والعادات التي تتحكَّم بسلوكه وسيرته.

وفي اعتقادي أنّ هذه المبرِّرات غيرُ واقعيّةٍ. فمهما قيل من أنّ الطبع يغلب التطبُّع، أو أنّ العادات قاهرةٌ للإنسان على أفعالٍ لا يريدها، أو أنّ الفقر يجعل الإنسان لا يلتفت إلى بعض الحيثيّات في سلوكه وسيرته؛ إذ قد شغلته عن ذلك همومه المعيشيّة والحياتيّة، فإنّ السبب الرئيس خلف عدم الاهتمام بالنظافة هو الجهلُ وقلَّة الثقافة. فالذي لا يدرك قيمة النظافة وآثارها، ولا يعرف مدى اهتمام الشارع بها وحثِّه عليها، لن يجد في نفسه المحفِّز والدافع للسعي إليها، والالتزام بها.

إذاً نحن بحاجة إلى علمٍ ومعرفة بطبيعة الموضوع، وآثاره ونتائجه في حياة الفرد والمجتمع. وعند حصول هذه المعرفة، وحضورها الدائم في وجداننا ووَعْينا، سنجد أنفسنا ننساق بكلِّ طواعيةٍ وأريحيّة نحو الالتزام بهذا المبدأ، والاتِّصاف بهذا الخُلُق، والانصياع لهذا الحُكْم والقانون. أمّا إذا بقينا غارقين في الجَهْل شبه المُطْبِق فلن يكون لهذه المفاهيم والمبادئ والأحكام أيُّ حضور في وَعْينا وتطلُّعاتنا وآفاقنا المستقبليّة.

٤ـ هل هناك مجتمعاتٌ توصف بأنّها مجتمعاتٌ غير نظيفة؟

في الواقع لا يمكننا أن نصف مجتمعاً ما بأنّه نظيفٌ أو غير نظيف بشكلٍ مطلق؛ إذ قد يكون هذا المجتمع نظيفاً بلحاظ أمورٍ كثيرة، ولكنَّه يعيش قمّة القذارة من ناحيةٍ أخرى، سواء في البُعْد المادّيّ أو المعنويّ للقذارة.

فبعض المجتمعات يأنفون من رمي ورقةٍ بيضاء في الطريق، ولكنَّهم لا يأبهون على الإطلاق لفضلات حيواناتهم الأليفة ـ كالقطط والكلاب ـ المنتشِرة في كلِّ مكانٍ.

وبعض المجتمعات يتحرَّزون من مَسْحة عَرَقٍ تصيب الثوب، ويعتبرونه نَتِناً، ولكنَّهم لا يرَوْن حزازةً في استخدامهم المناديل الورقيّة للاستنجاء من البول والغائط، رغم أنّ القذارة المادّيّة لا تزول بذلك تماماً.

وبعض المجتمعات تهتمّ بالمحافظة على البيئة الطبيعيّة ـ بما فيها من حيواناتٍ وأشجار وبحار وأنهار ـ من التلوُّث القاضي على هذه المحميّات، ولكنَّهم لا يجدون حَرَجاً في أن يؤجِّجوا نار الصراع والفتنة بين الناس في هذه الدولة وذلك البَلَد؛ خدمةً لمصالحهم الاستعماريّة الكبرى.

وبعض المجتمعات تتغنّى بنظافة الشوارع، وهندسة العمارات، وجمال البناء، ولكنَّهم في سلوكيّاتهم الاجتماعيّة الأخلاقيّة هم أبعد ما يكون عن الطهارة والعِفّة والحَياء. فالنساء شبهُ عاريات، بل عارياتٌ تماماً، ولا يرَوْن في ذلك أيَّ مشكلةٍ. وصولاً إلى الزواج المثلي الذي قنَّنته بعض الدول. وفي الإسلام هذا مخالِفٌ للطهارة، حيث جاء في عِظة نبيّ الله لوط(ع) لقومه، وكانوا ممَّنْ يرتكبون هذه الفاحشة (اللواط): ﴿وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلاَ تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ (هود: 78). فالنظافة والطهارة هي في معاشرة الرجال للنساء، لا في أيِّ شيءٍ آخر.

وطبعاً هناك مجتمعاتٌ قد جمعَتْ خِصال السوء طُرّاً، فلا تعرف للنظافة المادّيّة معنىً، ولا تتجلَّى هذه الخصلة في أيٍّ من متعلَّقاتها. كما أنَّها أبعد ما يكون عن طهارة الروح، ونقاء السريرة، فالفسادُ مستشرٍ، والخداعُ والسرقة والعدوان هو الخبز اليوميّ للمواطنين. نسأل الله العفوَ والعافية.

٥ـ نظافة الشوارع… لماذا نرى أشخاصاً يهتمّون بنظافتهم ونظافة بيوتهم، ولكنَّهم يرمون الأوساخ في الشارع؟ 

هذا ناشئٌ عن قلّة وَعْيٍ، وغيابٍ للثقافة التوجيهيّة الفاعلة والمؤثِّرة. فهو يعتقد أنّ حدود حياته الشخصيّة تنتهي عند حدود البيت، ولكنَّ الصحيح أنّ كثيراً من الناس يقضون أغلب أوقاتهم مستيقظين خارج البيت. إذاً فالشارع أو محلّ العمل أو مدخل البيت أو المنتزه أو… هو لك، بمعنى أنّك تستفيد منه، وتتواجد فيه لفتراتٍ تطول وتقصُر بحسب الأشخاص. ومن هنا فإنّ نظافة هذه المواضع ينبغي أن تكون مهمّةً بالنسبة إليك تماماً كنظافة بيتك أو مكتبك أو ثيابك. لكنَّ الثقافة والوَعْي شبهُ منعدمَيْن في هذا المقام.

والبعضُ لا يرمي الأوساخ بنفسه، ولكنَّه يغضّ الطَّرْف عمّا يفعله غيرُه، كأبنائه مثلاً، في هذا المجال. وهذا نوعُ تقصيرٍ في التربية الصحيحة للناشئة، وهي مسؤوليّة ألقاها الله على عاتق الأب والأمّ، ولا يجوز لهما أنْ يفرِّطا فيها. إذاً فتربية وتدريب الأولاد على الاهتمام بنظافة الشارع والحديقة و… مسؤوليّةٌ عقليّة وشرعيّة ووطنيّة، ولا يجوز بحالٍ من الأحوال تضييعها؛ بسبب الإهمال أو اللامبالاة أو الاستخفاف أو…

نظافة الشارع بين الوجوب الدينيّ والحسّ الشخصيّ

ومن الخطأ الاعتقاد أنّ الاهتمام بنظافة الشارع إنَّما هي مجرَّد ذوقٍ شخصيّ رفيع، وإحساسٍ ذاتيّ مرهَف، أو أنَّها نظامٌ وقانون بلديّ ملزِم، وبالتالي حين نشعر بأنّ البلديّة غيرُ حاضرةٍ فلن يكون لهذا الاهتمام أيُّ حضور في سلوكنا.

الاهتمام بنظافة الأماكن العامّة، ولا سيَّما الطرقات والحدائق والبساتين والأرصفة، حيث يتواجد الناس ويجلسون، هو حكمٌ شرعيّ إلهيّ، لا يجوز مخالفته والابتعاد عنه.

ولعلّنا نستطيع أن نستفيد ذلك ممّا رُوي من نهي النبيّ(ص) وأهل بيته(عم) عن التنخُّع في المساجد [وهو إخراج النخامة أو المُخاط من صدره أو أنفه]، و عن البول في الماء الراكد، وتحت الشجرة المثمرة أو على قارعة الطريق([11]). كما أنّه «لا يجوز التغوُّط على شطوط الأنهار؛ لأنها موارد الناس للشُّرْب والطهارة، ولا يجوز أن يفعل فيها ما يتأذَّوْن به، ولا يجوز التغوُّط على جوادّ الطرق، ولا في أفنية الدُّور، ولا يجوز تحت الأشجار المثمرة، ولا في المواضع التي ينزلها المسافرون، ولا في أفنية البيوت، ولا يجوز في مجاري المياه، ولا في الماء الراكد»([12]).

٦ـ نظافة البيوت والطهارة… هناك بيوتٌ كثيرة تهتمّ بالطهارة، ولكنَّها غير نظيفة! ما رأي الدين بذلك؟

صحيحٌ أنّ الطهارة في اللغة قد تعني النظافة، ولكنَّ للطهارة في المفهوم الدينيّ كيفيّةً وشروطاً خاصّة قد تلتقي مع النظافة العُرْفيّة، وقد تختلف عنها. فقد يكون الشيء طاهراً شرعاً، ولكنَّه ليس نظيفاً بنظر العُرْف، وقد يكون الشيء نظيفاً بنظر العُرْف وليس طاهراً شَرْعاً.

فمثلاً: لو أنّ قطرة من الدم وقعَتْ على يد إنسانٍ، ثمّ أُزيلت بمحلولٍ مطهِّر ومزيل للجراثيم والبكتيريا، فهنا لا يشكّ الناس في نظافة هذا الموضع، بل قد يرَوْن أنّه أنظف من سائر المواضع؛ لخلوّه من الجراثيم والبكتيريا، ولكنّ المعروف في الحكم الشرعيّ هاهنا أنّ هذا الموضع لا يزال نجساً، ولا يطهر إلاّ بإزالة عين النجاسة، وقد زالت بالمحلول، ثمّ لا بُدّ من صبِّ الماء عليه مرّةً واحدة، حينها يمكن الحكم بطهارته.

وقد تتلوَّث يد الإنسان بالطين، ممزوجاً برَوْث البَقَر والغَنَم، ثمّ يقع عليها شيءٌ من ريقه أو نخامته، ومع ذلك تبقى طاهرةً شَرْعاً، وتصحّ منه الصلاة ويدُه بتلك الحال.

لكنْ في مقابل ذلك نشهد في الشريعة الإسلاميّة ما قد يوحي بأنّ النظافة العُرْفيّة هي قِوام الطهارة في الأشياء. فالموضع الذي يتنجَّس بالبول يطهر بإشراق الشمس عليه حتّى يجفَّ البولُ في مكانه، فإذا تبخَّر البولُ ولم يبقَ له أيُّ أثرٍ، وبالتالي سيزول الاستقذار العُرْفيّ، أصبح المكان طاهراً.

ولكنَّها خصوصيّةٌ للشمس والتجفيف، دون سواهما من الوسائل والآليّات.

كذلك تطهر باطن القدم إذا تلوَّثَتْ بنجاسةٍ من الأرض بالمشي على الأرض مجدَّداً حتّى تزولَ النجاسة، ولا حاجة لاستعمال الماء، فكأنَّ زوال عين النجاسة بالمشي على الأرض والتراب يمنع الاستقذار العُرْفيّ.

ولكنْ للأرض وباطن القَدَم وكون النجاسة حاصلةً من المشي على الأرض خصوصيّة، كما يقول الفقهاء([13]).

وكذلك يطهر جسدُ الحيوان بزوال عين النجاسة عنه فقط، فإذا زالت أمكن التعامل معه على أنّه طاهرٌ، فلا ينجس بدنُ الإنسان بمسِّه مع رطوبةٍ مُسْرية. ومنشأ ذلك أنّ العرف العامّ يرى أنّ البَدَن النظيف للحيوان ـ أي الخالي من عين النجاسة ـ غيرُ قَذِرٍ.

وكذلك يمكن الاستنجاء من الغائط بمسح المحلِّ بثلاث قِطَعٍ من الحجارة أو غيرها من الأجسام القالعة والمزيلة للنجاسة أو أزيد من ذلك، فإذا زالت عينُ النجاسة حكَمْنا بطهارة الموضع. ولكنَّ هذا لا يصحّ في تطهير موضع البول، كما يذكر الفقهاء.

ولكنْ كما تقدَّم معنا في بداية الحديث فإنّ الإسلام قد دعا إلى النظافة والتنظُّف، فضلاً عن الطهارة والتطهُّر. فلا ينبغي للمؤمن أن يفارق أيّاً من هاتين الصفتين، فليكُنْ طاهراً ونظيفاً.

٧ـ خلع الأحذية أمام البيوت عادة للطهارة أم للنظافة؟

هنا تجدر الإشارة إلى عدّة أمور:

1ـ إذا كان باطن الحذاء وأرض الدار جافَّيْن فهنا لا تسري النجاسة من الحذاء إلى أرض الدار، فالجافّ على الجافّ طاهرٌ بلا خِلاف.

2ـ إذا قلنا بأنّ الأرض تطهِّر باطن الحذاء أيضاً، لا باطن القَدَم الحافية فقط، وقلنا بأنّ مطلق الأرض، الأعمّ من التراب والرمل والحصى والإسفلت والباطون والبلاط و…، مطهِّرةٌ، فإنّ باطن الحذاء سيكون طاهراً في أغلب الأحيان، ويمكن الحفاظ على طهارته بأدنى متابعةٍ. وبالتالي فإنّ الدخول به إلى أرض الدار، ولو كانت رَطِبةً، لن يتسبَّب في تنجيسها.

3ـ ولكنْ بما أنّ الشروط التي ذُكرت في الأمر الثاني غيرُ متحقِّقةٍ، كما في المشهور المعروف من فتاوى الفقهاء، وبما أنّ جفاف باطن الحذاء وأرض الدار غير محرَزٍ على نحو الدوام، فإنّ الحفاظ على طهارة أرض الدار يقتضي خلعَ الحذاء قبل الدخول.

إذاً خلعُ الأحذية إنَّما هو حفاظاً على طهارة أرض الدار، مضافاً إلى كونه حفاظاً على النظافة.

وللحفاظ على طهارة البيت، بأرضه وأثاثه، آثارٌ مهمّةٌ في حياة الإنسان المسلم الملتزِم، ليس أقلُّها الراحة النفسيّة التي يعيشها، والحرّيّة التامّة في الحركة، واجتناب الأطفال للطعام المحرَّم، وهو الطعام المتنجِّس بسبب ملاقاته للأرض أو الأثاث المتنجِّس.

ولكنْ لا بُدّ من الالتفات والحَذَر من أن يتحوَّل الاهتمام بالطهارة والنظافة، كما يريد الله سبحانه وتعالى ويحبّ، إلى حالٍ من الوسواس والتعقيد، المبغوض من الباري عزَّ وجلَّ.

٨ـ لماذا نُتَّهم أن المجتمع الإسلاميّ مجتمعٌ وَسِخ؟

مشكلة بعض المجتمعات الإسلاميّة أنّها ابتعدَتْ كثيراً عن أحكام الدين الحنيف، فلا هي حافظت على تعاليم الدين الراقية، ولا هي اكتسبت من حضارات الغَرْب والشرق شيئاً من عاداتها الحَسَنة. ما يكشف عن أنّ المسلمين لم يتخلُّوا عن تعاليم دينهم لأنّهم يرَوْن أنّها لا تصلح للدنيا ومتطلَّباتها، وإلاّ فلماذا لم يأخذوا بما هو صالحٌ لها من مظاهر الحضارة الغربيّة أو الشرقيّة، وإنّما تركوا المبادئ والتعاليم والقِيَم؛ هَرَباً من المسؤوليّة، وتفلُّتاً من الالتزام، وسكوناً إلى الراحة والدَّعَة.

ومن الخطأ تعميم الحكم على المجتمعات الإسلاميّة كافّةً. فإنّ كثيراً من المجتمعات الإسلاميّة لا زالت تتحرَّك في دائرة الالتزام بمبادئ وقِيَم دينيّة صحيحة وراسخة.

٩ـ ما هي العلاقة بين نظافة الظاهر ونظافة الباطن؟

يتَّضح ممّا تقدَّم أنّ الله سبحانه وتعالى أراد للإنسان المؤمن أن يكون نظيفاً في بَدَنه، ومسكنه، وملبسه، ومشربه، كما أراد له أن يكون طاهر الروح، نقيّ السريرة.

هل من علاقةٍ بين نظافة الجسد وطهارة الروح؟

لا يمكننا الجَزْم بوجود هذه العلاقة القويّة بينهما؛ فقد لا يولي نظافةَ جسده ذاك الاهتمام الكبير، ولكنَّه يعيش حالةً رفيعة من طهارة الروح.

والعكس صحيحٌ أيضاً، فقد يكون محضَ نجاسةٍ في روحه، كما في تعبير الله عزَّ وجلَّ عن المشركين حين قال: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ (التوبة: 28)، ومع ذلك يحافظ على نظافة جَسَده ولباسه وبيته ومحلّ عمله وشوارع مدينته وبلده.

وكثيرٌ من الناس يعتنون بنظافة ثيابهم وأجسامهم، ولكنَّهم يهملون نظافة قلوبهم ونفوسهم من أدران الذنوب والمعاصي.

وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين ( ع ) بقوله، في ما نسب إليه:

ما بالُ دينك ترضى أنْ تُدنِّسَه

وثوبُ لبسك مغسولٌ من الدَّنَسِ

ترجو النجاةَ ولم تسلُكْ مسالِكَها

إنَّ السفينةَ لا تجري على اليَبَسِ

ولكنّي أعتقد أنّ المؤمن الحقيقيّ هو الذي يؤمن بالكتاب كلِّه، بكتاب التشريع من أوَّله إلى آخره، بما يشمل القرآن الكريم والسنّة الشريفة، سنّة النبيّ(ص) وأهل بيته(عم). وقد أصبح واضحاً أنّ هذا الكتاب قد ركَّز على نظافة وطهارة الظاهر كما نظافة وطهارة الباطن.

ولعلّ للنظافة الظاهريّة أثراً تكوينيّاً على سموّ الروح، وخشوع القلب والعقل.

وربما يُستفاد ذلك من إيجاب الطهارة من الحَدَث (بالوضوء أو الغُسْل) والخَبَث (بتطهير البَدَن والثوب من كلّ نجاسةٍ مادّيّة) قبل كلِّ صلاة.

وكذلك أوجبت الشريعة على مَنْ يريد الصيام أن يُصبح على طهارةٍ من الجنابة.

وقد يُستفاد ذلك أيضاً من قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ (الأعراف: 31)، وممّا ورد في الاستحباب المؤكَّد لغسل الجمعة قبل الزوال، حيث يسبق الحضور في المسجد للصلاة. فكأنّ الحضور في المسجد حالَ كونه نظيفاً متزيِّناً متعطِّراً تنبعث منه الرائحة الطيبة هو الحضورُ الفعّال والنافع.

موضوع المدخِّن والدخان وعلاقة الرائحة والنظافة؟ 

رائحة الدخان غير محبَّبةٍ للعقلاء، وهذا أمرٌ وجدانيّ، يُدركه الإنسان في نفسه، ويثبت بالمشاهدة أيضاً.

فالعقلاء يتأذَّوْن من الدخان ورائحته، ويتجنَّبونهما.

لكنْ للأسف الشديد فإنّ تدخين السجائر أو النرجيلة أو الغليون أو…، وانتشار هذه العادة الآفَة، هو الذي حَرَف هذا الذَّوْق العقلائيّ عن مساره، وأصبح المدخِّنون ـ ومن باب المكابَرة ـ يرَوْن أنّه لا داعي لهذا النفور من الدخان ورائحته، ويعتبرونه شيئاً عاديّاً وأمراً طبيعيّاً، وعلى مَنْ ينزعج منه أن يقوم من المجلس.

وذلك محضُ مكابرةٍ وعناد؛ فالطبّ يتحدَّث عن مضارّه، وصولاً إلى حدِّ التحذير من تسبُّبه بأمراضٍ خطيرة ومميتة، بما لا يَدَع مجالاً للشكّ في سوئه وقبحه، وبالتالي حرمته.

والناس كلُّهم ينزعجون ممّا يسبِّبه من تلوُّث للهواء النقيّ، ومن رائحةٍ نَتِنة كريهة، تعبق في جوّ المجلس، وتتغلغل في ثياب الحاضرين.

إذاً هو ضَرَرٌ وقذارة، فهو حرامٌ بهذَيْن المِلاكَيْن. فهل مَنْ يتَّعِظ؟!

متى تتحوَّل النظافة والطهارة إلى مَرَضٍ وسواسيّ قَهْريّ؟

النظافة والطهارة أمران راجحان مطلوبان. ولكنْ لكلِّ شيء في هذه الحياة حدٌّ ينبغي أنْ لا يتعدّاه، وإلاّ انقلب إلى ضدِّه، من حيث الأثر والنتيجة.

حدود النظافة معروفة، وحدود الطهارة مبيَّنةٌ في القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وقد أبرزها الفقهاء في رسائلهم العمليّة وأجوبتهم على الاستفتاءات الموجَّهة إليهم. فإذا تجاوز الاهتمام بمسألة النظافة والطهارة تلك الحدود أصبح مَرَضاً ووَسْواساً (يعني نَفْثاً ونَفْخاً وأمراً وطَلَباً من الشيطان الرجيم).

الأسباب

وأهمُّ أسباب هذا المَرَض والوسواس هو الجهلُ بأحكام الشريعة، وبالتالي حدود الطهارة المرسومة من قبل الله عزَّ وجلَّ.

نحن عبادٌ لله، فلا بُدّ أن نلتزم أوامره ونواهيه، ولا يحقّ لنا أن نخضع تعاليمه لأمزجتنا وأذواقنا وآرائنا.

ونتيجة الجهل بهذه الأحكام والتعاليم، ونتيجة ضعف استشعار هذه العبوديّة، وقلّة الاهتمام بترجمتها سُلوكاً وعَمَلاً، يقع المرء في الوسواس من حيث النجاسة والقذارة.

من الأحكام: لا يتنجَّس الجسم الجامد بملاقاة النجاسة إلاّ مع رطوبةٍ مُسْرِية. والرطوبة المُسْرية هي التي تنتقل من الجسم الأوّل إلى الجسم الثاني بالمماسّة، كما في بلل اليد بعد الوضوء، أو البَلَل الحاصل في باطن الكفّ نتيجة التعرُّق. أمّا لو وضعتُ يدي على هذه الطاولة، ثمّ رفعتُها، فشاهدتُ أَثَر أصابعي فيها، ثمّ يزول هذا الأَثَر الناتج عن فرق الحرارة بين يدي والطاولة، فليس ذلك من الرطوبة المُسْرية في شيء.

فلو أنّ شخصاً اعتبر هذا الأثر رطوبةً مُسْرية فهذا يعني أنّه لن يعتقد بطهارة شيءٍ بعدها.

العلاج

هذا مَرَضٌ، ووسواسٌ من الشيطان الرجيم، ويعتقد المُصاب به أنّه يعبد الله ويطيعه، وهو في الحقيقة يطيع الشيطان في ما وسوس به له.

وللخَلاص من هذا المَرَض والوسواس ذكر الفقهاء أنَّ على الشخص المبتلى أن لا يلتفت إلى هذه الأوهام أبداً. بل للمبتلى أحكامٌ خاصّة تختلف عن غيره. فهو مكلَّفٌ بأنْ لا يعتني بشيءٍ من شكوكه، فإذا شكّ أنَّ هذا الشيء طاهرٌ أو نجسٌ جاز له أن يبني على الطهارة، مع أنّ غيره قد يكون مكلَّفاً بالتحقُّق والتدقيق. وهذا يكشف مدى اهتمام الشارع المقدَّس بإخراج المكلَّف من هذه الحال السيئة.

وهنا أتخطَّر ما نُقل عن المرجع السيد أبي القاسم الخوئي(ر)، حيث سأله شخصٌ وسواسيّ عن طهارة ذرّات المياه الموجودة في الهواء؛ بحجّة أنَّها تلتقي بالنجاسات، فأجابه ملاطِفاً: هي طاهرةٌ؛ لأنّها تلتقي أيضاً بمياه الأنهار والبحار والمحيطات، وهي ماءٌ كثير لا ينجس بملاقاة النجاسة.

ويُنقَل عن المرجع السيد محسن الحكيم(ر) أنَّه كان له بنتٌ تعاني من الوسواس في الطهارة، وكانت تتعامل مع طفلها على أنّه متنجِّسٌ من رأسه إلى أخمص قدمَيْه، فأراد أن يقلع هذه الفكرة من رأسها، فتوضّأ للخروج إلى الصلاة إماماً للمصلِّين في حَرَم أمير المؤمنين(ع)، ثمّ مرَّ عليهما والرطوبة في يدَيْه، فمسح بهما على قدمَيْ الطفل، ثمّ مسح بهما وجهه ولحيته، وخرج للصلاة، ليقول: أيُعقَلْ أن يكون متنجِّساً ويمسّه مرجعُ المسلمين برطوبةٍ مُسْرية قبل الصلاة مباشرةً؟!

موضوع العطور والتحريم والنظافة

التطيُّب والتعطُّر من الأمور المستحبّة في الشريعة الإسلاميّة، حتّى ورد أنّ «الطِّيب من أخلاق الأنبياء»([14])، و أنَّ «رسول الله(ص) كان ينفق في الطِّيب أكثر ممّا ينفق في الطعام»([15]).

ولكنَّ الطِّيب قد يكون علامةً على النظافة، وقد يكون علامةً على عكسها.

فقد يضع الإنسان العِطْر والطِّيب على بَدَنه وثيابه زيادةً في التأنُّق والتزيُّن والتجمُّل. وقد يُكثر من العطور سَتْراً على القذارة المادِّيّة المتراكمة على جَسَده أو ثيابه.

والمطلوب هو الأوّل، أي أن يكون الطِّيب والعِطْر علامةً إضافيّةً على نظافة الجَسَد والثياب من كلِّ دَرَنٍ وقذارة.

وأمّا مسألة تحريم التعطُّر والتطيُّب للنساء في بعض الموارد، كما لو كان الطِّيب فوّاحاً، وباعثاً على افتتان الرجال، واستثارة شهوتهم، فهو أمرٌ غيرُ غريبٍ أو مستهجَن؛ إذ لا يعني ذلك أنّ الشريعة هي ضدّ التطيُّب والتعطُّر، أو أنَّها لا تبالي بالنظافة، وإنَّما هو عنوانٌ ثانويّ طارئ، يجمِّد الحكمَ الأوّليّ بالاستحباب.

فيستحبّ للمرأة التعطُّر إذا كانت وحدها، وأمام النساء والأطفال والمحارِم والزوج. أمّا إذا تحوَّل الطيب والعِطْر إلى مادّة إغراءٍ للرجال، وفسادٍ للمجتمع، وانحرافٍ في السلوك، فمن الطبيعيّ أن ينقلب حكمه من الاستحباب إلى التحريم. وكذا لو كان عطرُ الرجل مثيراً للنساء، وداعياً لارتكاب الفحشاء والمنكَر. إذاً فليست المسألة مختصّةً بالنساء، وتضييقاً عليهنّ، كما يتصوَّر البعض.

وكذلك يستحبُّ للرجل أنْ يتطيَّب، ولكنْ لا يجوز له ذلك في حال الإحرام، كما لا يجوز للمرأة أيضاً.

وإذا عُدَّ الطِّيب من الزينة فإنَّه يحرم على المرأة في عِدّتها بعد وفاة زوجها.

إذاً عندنا حكمٌ أوّليّ باستحباب التعطُّر والتطيُّب، وله استثناءاتٌ، منها ما يشمل الرجال والنساء معاً، ومنها ما هو مختصٌّ بالنساء.

ونسأل الله العليَّ القدير أن يوفِّقنا لمراضيه، ويجنِّبنا معاصيه، وأن يطهِّر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وأعيننا من الخيانة، إنّه سميعُ الدعاء قريبٌ مجيب.

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

([1])بحار الأنوار 59: 291، نقلاً عن كتاب «طبّ النبيّ(ص)»، المنسوب إلى الشيخ أبي العباس المستغفري، معلَّقاً مرفوعاً.

([2]) القاضي النعمان، دعائم الإسلام 1: 119، معلَّقاً عن الصادق(ع)، مرفوعاً.

([3]) الحسن بن الفضل الطبرسي، مكارم الأخلاق: 152، نقلاً من كتاب «الفردوس»، معلَّقاً عن سعد بن معاذ، مرفوعاً.

([4]) الكليني، الكافي 6: 441، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(ع)، مرفوعاً.

([5]) الصدوق، الخصال: 612، قال: حدَّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله قال: حدَّثني محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله(ع) قال: حدَّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه(عم)، عن أمير المؤمنين(ع) ـ في حديث الأربعمائة ـ.

([6]) الصدوق، الخصال: 612، قال: حدَّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله قال: حدَّثني محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله(ع) قال: حدَّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه(عم)، عن أمير المؤمنين(ع) ـ في حديث الأربعمائة ـ.

ورواه الكليني في الكافي 6: 444، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع)، عن أمير المؤمنين(ع): «النظيف من الثياب يُذهب الهمَّ والحزن، وهو طهورٌ للصلاة».

([7]) الكليني، الكافي 5: 567، عنعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه أو غيره، عن سعد بن سعد، عن الحسن بن جهم، عن أبي الحسن الرضا(ع).

([8]) المتَّقي الهندي، كنز العمّال 6: 641، معلَّقاً مرفوعاً.

([9]) محيي الدين النووي، المجموع 4: 467. وفيه: «رواه أبو داوود بإسنادٍ صحيح على شرط البخاري ومسلم».

([10]) الصدوق، الخصال: 620، قال: حدَّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله قال: حدَّثني محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله(ع) قال: حدَّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه(عم)، عن أمير المؤمنين(ع) ـ في حديث الأربعمائة ـ.

([11])الصدوق، الأمالي: 509، قال: حدَّثنا حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب(عم)، قال: حدَّثني أبو عبد الله عبد العزيز بن محمد بن عيسى الأبهري، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا الجوهري الغلابي البصري، قال: حدَّثنا شعيب بن واقد، قال: حدَّثنا الحسين بن يزيد، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عم)، قال: «نهى رسول الله(ص)…».

([12])الطوسي، تهذيب الأحكام 1: 29 ـ 30. ويدلّ على ذلك ما رواه الطوسي عن المفيد، عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد الله(ع)، قال: قال رجلٌ لعليّ بن الحسين صلوات الله عليهما: أين يتوضّأ الغرباء؟ فقال: «يتَّقي شطوط الأنهار، والطرق النافذة، وتحت الأشجار المثمرة، ومواضع اللعن»، قيل له: وأين مواضع اللعن؟ قال: «أبواب الدور».

وروى الطوسي عن المفيد، عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، رفعه، قال: خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله(ع)، وأبو الحسن موسى(ع) قائمٌ، وهو غلامٌ، فقال له أبو حنيفة: يا غلام، أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال: «اجتنِبْ أفنية المساجد، وشطوط الأنهار، ومساقط الثمار، ومنازل النزّال، ولا تستقبل القبلة بغائطٍ ولا بول، وارفَعْ ثوبك وضَعْ حيث شئت».

([13])وراجع: الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 3: 459، حيث نقل عن محمد بن إدريس في (آخر السرائر)، نقلاً من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن المفضَّل بن عمر، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله(ع) قال: قلتُ له: إنّ طريقي إلى المسجد في زقاقٍ يُبال فيه، فربما مررتُ فيه وليس عليَّ حذاءٌ، فيلصق برجلي من نداوته؟ فقال: أليس تمشي بعد ذلك في أرضٍ يابسة؟ قلت: بلى، قال: «فلا بأس؛ إنَّ الأرض تطهِّر بعضها بعضاً». قلتُ: فأطأ على الرَّوْث الرطب؟ قال: «لا بأس، أنا، واللهِ، ربما وطئتُ عليه، ثمّ أصلّي، ولا أغسله».

([14])الكليني، الكافي 6: 510، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا(ع).

([15])الكليني، الكافي 6: 512، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن سليمان بن محمد الخثعمي، عن إسحاق الطويل العطّار، عن أبي عبد الله(ع)، مرفوعاً.



أكتب تعليقك