3 أبريل 2015
التصنيف : برامج تلفزيونية (إعداد وتقديم)، منبر الجمعة
لا تعليقات
4٬135 مشاهدة

الدعاء، بين الاستجابة والردّ

2015-04-03-منبر الجمعة-الدعاء، بين الاستجابة والرد

(الجمعة 3 / 4 / 2015م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

تمهيد

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾(البقرة: 186)(صدق الله العليّ العظيم).

من نِعَمِ الله على الإنسان أنّ ارتباطَه بالله هو ارتباطٌ فطريّ طبيعيّ مباشر، لا يحتاج إلى وسيطٍ أو مرشد أو دليل أو معلِّم، فالإنسان يشعر بمَيْلٍ ورغبةٍ لأن يتَّجه إلى الله ويتعلَّق به. وهذا ما يؤمِّن له التوازن والانسجام في وجوده وحركته، ويؤمِّن له الاطمئنان النفسيّ.

وقد «جاء بعضُ المسلمين إلى رسول الله(ص)، وقالوا: يا رسول الله، أقريبٌ ربُّنا، فنناجيه، أم بعيدٌ، فنناديه؟ فنزلَتْ الآية الكريمة التي سبقَتْ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾»([1]). وما اختيار كلمة ﴿عِبَادِي﴾ إلاّ لتأكيد القرب والصلة الشديدة بين الله وبني آدم.

كما يُلاحِظ المتأمِّل في هذه الآية أنّ جواب ﴿إِذَا سَأَلَكَ﴾ رُبط بالفاء فقط، وليس بفعل ﴿قُلْ﴾، على عادة القرآن الكريم في مثل هذه الحالة، فكأنّ الجواب يأتي من الله سبحانه وتعالى مباشرةً، وليس عن طريق النبيّ(ص): ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾.

ولمّا كان الله سبحانه وتعالى قريباً منّا إلى هذه الدرجة، متحبِّباً إلينا بكلّ هذه النعم التي يغدقها علينا ليلاً ونهاراً، فلا بُدّ أن نعمل للتقرُّب إليه، وطلب حوائجنا منه، دون سواه.

ويأتي الدعاء في مقدِّمة أساليب توجُّه الإنسان نحو خالقه، يسبِّحه، ويمجِّده، ويستغفره، ويطلب منه. فما هي الأدعية التي ينبغي للمؤمن أن يدعو الله بها، عسى الله أن يستجيبَ دعاءه، وينيله مرادَه؟

الأدعية التي ينبغي الدعاء بها

لن أتطرَّق إلى أسماء الأدعية التي ينبغي التوجُّه إلى الله بها، وإنّما سأقدِّم عَرْضاً ـ آمَلُ أن يكون وافياً إنْ شاء الله ـ للشروط والضوابط التي ينبغي أن تتوفَّر في الداعي والدعاء ليكون صالحاً للتوجُّه به إلى الله.

إنّ أهمَّ أدبٍ في الدعاء هو أن يتوجَّه الإنسان الداعي إلى الله سبحانه وتعالى بصدقٍ، وقد صفّى قلبه من كلِّ حقدٍ وضغينة على المؤمنين، وأخلص نيَّتَه لله، بحيث لا يشرك معه أحداً في دعائه.

شبهةٌ رائجة

وهنا لا بُدّ من التوقُّف قليلاً حول مسألةٍ يُروَّج لها اليوم على نطاقٍ واسع، ألا وهي أنّه لا يجدر بنا أن نخاطب الله ونطلب منه مباشرةً، وإنّما نطلب ما نريد من الذين وكَّلهم الله بتيسير أمور العباد وتدبيرها، وهم محمّدٌ وآل محمد(عم)، ويستدلّون لذلك بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(المائدة: 35)، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً﴾(الإسراء: 56 ـ 57)، ولذلك تنطلق الوصيّة بدعاءٍ من هنا، وذكرٍ من هناك، وكلٌّ يتضمَّن استغاثةً وطَلَباً من هذا المعصوم أو ذاك، فهل هذا صحيحٌ؟

عندما نريد تقييم عملٍ من الأعمال فلا بُدّ من الرجوع إلى معيارٍ واضح، وميزانٍ دقيق. ونحن ـ كمسلمين ـ مرجعيّتُنا هي كتابُ الله عزَّ وجلَّ، وسنّةُ رسول الله(ص) والأئمّة الهُداة الميامين(عم) من بعده.

الله وحده الشافي والرازق والميسِّر وقاضي الحاجات

وبالعودة إلى القرآن الكريم نجده خالياً من أيِّ إشارةٍ إلى أنّ تدبير شؤون الخلق وتيسير أمورهم بيد أيٍّ كان من الخلق. بل يُرَكِّز القرآن الكريم في أكثر من آيةٍ على أنّ التدبيرَ والتيسيرَ والرزقَ والشفاءَ ونحو ذلك كلَّه بيد الله سبحانه وتعالى، لا شريك له:

﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾(الزخرف: 32).

﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾(الشعراء: 78 ـ 81).

﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾(يونس: 31).

﴿إِنَّ رَبَّكُمْ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمْ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾(يونس: 3).

﴿اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ﴾(الشورى: 19).

المعنى الصحيح لابتغاء الوسيلة

وأمّا قولُه: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾، وقولُه: ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ﴾، فقد ذكر المفسِّرون أنّ الوسيلة هنا بمعنى القُرْبة بالطاعات([2])، أي يدعون الله مخلصين له، متقرِّبين إليه، لا يراؤون الناس، معتمدين على كلِّ وسيلةٍ صالحة ناجعة، من دعاءٍ مأثور، أو ذكرٍ منصوص. وليس لهذه الآيات علاقةٌ، من قريبٍ أو بعيد، بمسألة أنّنا نحتاج إلى واسطةٍ في مخاطبة الله سبحانه وتعالى. بل لقد دلَّت الآية التي ذكرناها في بداية الحديث: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾(البقرة: 186) على أنّ الله سبحانه وتعالى قريبٌ من عباده، وبإمكانهم أن يدعُوه في أيِّ وقتٍ، وفي أيِّ مكانٍ، وبلا واسطةٍ.

ولو قبلنا أنّ الله سبحانه وتعالى أمر باللجوء إلى اتِّخاذ وسيلةٍ، بقوله: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾(المائدة: 35)، بحيث تكون هذه الوسيلة ممَّنْ له كرامةٌ ومحبّةٌ وجاهٌ عند الله عزَّ وجلَّ، فيستطيع بإذن الله ورضاه أن يكون السببَ في تيسير بعض الصِّعاب، وقضاء بعض الحاجات، فإنّ التوسُّل هنا بمعنى الاستشفاع، أي اتِّخاذ شفيعٍ ووسيلةٍ وواسطةٍ لفيض الله، وهو يستلزم طَلَب الإذن من الله لهؤلاء في أن يكونوا شفعاء. فينبغي أن يكون الخطابُ لله، لا للمخلوقات، مهما علا شأنُها.

الاستشفاع والتوسُّل في الروايات

ولقد وَرَدَتْ في الأدعية المأثورة، الثابتة عن أهل بيت العصمة والطهارة(عم)، عباراتٌ تتضمَّن الكيفيّة الصحيحة للاستشفاع والتوسُّل، من قبيل:

1ـ ما ورد في دعاء يوم الخميس: «اللهُمَّ صلِّ على محمّد وآله، واجعل توسُّلي به شافعاً، يوم القيامة نافعاً»([3]).

2ـ ما ورد في دعاء التوبة: «اللهُمَّ صلِّ على محمّد وآله، وشفِّعْ في خطايايَ كرمَك»([4]).

والملاحَظ في هذه العبارات أنّها كلَّها بصيغة الخطاب لله عزَّ وجلَّ، واستئذانه، والطلب منه أن يرتضي بأن يكون الشيء الفلاني أو الشخص الفلاني شفيعاً.

ومن منطلق الالتزام بما جاء في الدعاء المأثور، أي الوارد عنهم(عم)، وهو أفضلُ من اختراع دعاءٍ أو استعمال صيغةٍ مغايِرة للصِّيَغ المأثورة، نقول: حَرِيٌّ بالمؤمنين الالتزام بما في هذه الأدعية الثابتة من صيغ للتوسُّل والاستشفاع، بَدَلاً من إنشاء صِيَغٍ أخرى، وإنْ ورَدَتْ في بعض الأدعية والزيارات غير الثابتة؛ لضعف إسنادها، أو عدم وجود إسنادٍ لها أصلاً.

وخلاصةُ البحث أنّه يمكننا أن ندعو الله سبحانه وتعالى مباشرةً وبلا واسطةٍ، وهو ـ كما أخبر عن نفسه ـ قريبٌ يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.

ولو أرَدْنا اتّخاذ وسيلةٍ إليه فلا بُدّ أن يكون الخطاب لله سبحانه وتعالى: «اللهُمَّ»، «يا ربِّ»، «إلهي»، لا أن نهتف وننادي: «يا فلان» و«يا فلان»، فحتّى لو لم يكن اعتقادُ الداعي بوجود تأثيرٍ مستقلٍّ لغير الله قائماً يبقى التوجُّه إلى غير الله بخطاب الاستعانة والاستغاثة غريباً عمّا ورد في الأَثَر الصحيح عن النبيّ وأهل بيته(عم).

بين المأثور والمختَرَع

ويجدر بالمؤمن أن يدعو بالمأثور المنصوص والمنقول عن الأنبياء والأئمّة(عم)، سواءٌ ما نقله القرآن الكريم من أدعيتهم، أو ما نقلته الأخبار الصحيحة. وأمّا اختراعُ دعاءٍ بأكمله، أو الزيادة في دعاءٍ، فهو منهيٌّ عنه، وقد لا يكون حراماً، ولكنْ لن تحصل منه النتيجة المرجُوّة، وإلى هذا المعنى تشير الرواية عن الصادق% حيث كان يعلِّم أحد أصحابه دعاءً مخصوصاً ـ وهو دعاء الغريق ـ فقال: «يقول: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا مقلِّب القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينك»، فقال صاحبُه: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا مقلِّب القلوب والأبصار، ثبِّتْ قلبي على دينك، فقال%: «إنّ الله عزَّ وجلَّ مقلِّب القلوب والأبصار، ولكنْ قُلْ كما أقول لك: يا مقلِّب القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينك»([5]).

ومن هنا نؤكِّد على أنّه لا مجال للتجربة في الأذكار والأدعية والزيارات، فكلُّ ما تسمعونه من أنّ هذا الدعاء مجرَّبٌ لقضاء تلك الحاجة، أو أنّ لهذه الزيارة آثار كذا وكذا بدليل التجربة، فهو محضُ افتراءٍ ومغالطة ودعوى؛ إذ ليس من تجربةٍ كاملة واستقراءٍ تامّ لمصير كلِّ مَنْ دعا بهذه الدعاء أو قرأ تلك الزيارة، وكما يصحّ أن يُقال: إنّ عدم الاستجابة في موردٍ إنّما هو لمانعٍ فإنّه يمكن أن يُقال: وإنّ قضاء الحاجة في موارد إنّما هو لارتفاع الموانع، لا بسبب هذا الدعاء المخصوص.

لماذا لا يُستجاب الدعاءُ أحياناً؟

نقرأ في القرآن الكريم: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾(غافر: 60). وهذا وعدٌ إلهيٌّ باستجابة الدعاء، و﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾(آل عمران: 9). والمُلفِتُ في هذه الآية أنّ الله عزَّ وجلَّ سمّى دعاءَه عبادةً، وتركَه استكباراً، وتوعَّد على تَرْكه دخولَ النار([6]). فكيف لا يُستجاب الدعاء أحياناً؟!

ليس مجرَّد المناجاة والتوجُّه إلى الله بالدعاء علّةً تامّة لتحقُّق المراد. تماماً كما أنّ النار ليست علّةً تامّة للإحراق، بل هي مجرَّد مقتضٍ، وأمّا العلّةُ التامّة فتتشكَّل من ثلاثة أجزاء، وهي: المقتضي، والشَّرْط، وعدم المانع. فالنار مقتضٍ، والشَّرْط اقتراب النار من العود، فلو كانت بعيدةً عنه فلن يحترق، وعدم المانع كأن لا يكون العود مبتلاًّ بالماء، وإلاّ فإنّه لن يحترق حتّى لو وُجدت النار واقتربت منه.

والكلامُ في الدعاء هو نفسه، فالمناجاة مقتضٍ، ويبقى أن يتحقَّق الشَّرْط، وينعدم المانع.

شروط استجابة الدعاء

فمن الشروط:

1ـ أن يكون مضمون الدعاء صحيحاً ومرضيّاً لله سبحانه وتعالى، بحيث لا يكون دعاءً في معصية، فلو دعوتَ على الناس، وليس لك حقٌّ عندهم، فلن يُستجاب دعاؤك؛ ولو دعَوْتَ أن يوفِّقك الله للغشّ في الامتحان، أو لسرقة أموال الناس، أو للتوفيق في تجارةٍ محرَّمة، أو ما شابه ذلك، فلن يُستجاب دعاؤك.

2ـ أن يكون الدعاء مصحوباً بالعمل، فقد جاء عن إمامنا الصادق% أنّه قال: «أربعةٌ لا تُستجاب لهم دعوةٌ: رجلٌ جالس في بيته يقول: اللهُمَّ ارزُقْني، فيقال له: أَلَمْ آمرك بالطَّلَب؛ ورجلٌ كانت له امرأةٌ، فدعا عليها، فيُقال له: أَلَمْ أجعل أمرَها إليك؛ ورجلٌ كان له مالٌ، فأفسده، فيقول: اللهُمَّ ارزقني، فيُقال له: أَلَمْ آمُرْك بالاقتصاد، أَلَمْ آمُرْك بالإصلاح، ثمّ قال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾(الفرقان: 67)؛ ورجلٌ كان له مالٌ، فأدانه بغير بيِّنة، فيُقال له: أَلَمْ آمُرْك بالشهادة»([7]).

موانع استجابة الدعاء

ومن الموانع:

1ـ أنّ الله يحبّ سماعَ صوت عبده المؤمن وهو يدعوه، ويتضرَّع إليه، ويطلب منه، ويرجوه ممّا هو خيرٌ وصلاحٌ للدين والدنيا. فلا يستجيب له ليتكرَّر منه الدعاء والطَّلَب. وقد جاء في بعض الروايات عن النبيّ الأكرم محمد(ص) أنّه قال: «إذا أحبَّ اللهُ عبداً ابتلاه؛ ليسمع تضرُّعَه»([8]).

2ـ أن لا يكون في استجابة الدعاء الآن خيرٌ للداعي، فتتأخَّر الاستجابة إلى أن يحين الوقت الأصلح لقضاء الحاجة واستجابة الدعاء، ونحن نقرأ في دعاء الافتتاح: «ولعلّ الذي أبطأ عنّي هو خيرٌ لي؛ لعلمك بعاقبة الأمور»([9]).

3ـ عدم الالتزام بحدود الله، أي بأوامره ونواهيه، وقد جاء في دعاء أبي حمزة الثمالي، وهو ممّا علَّمه إيّاه الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين%: «اللهُمَّ، إنّي كلَّما قلتُ قد تهيّأتُ وتعبّأتُ وقمتُ للصلاة بين يديك، وناجيتُك، ألقَيْتَ عليَّ نعاساً إذا أنا صلَّيتُ، وسلبتَني مناجاتك إذا أنا ناجيتُ…، إلى أن يقول في تعداد أسباب هذا الرفض والصدّ الإلهي: أو لعلّك رأيتني غير شاكرٍ لنعمائك فحرمْتَني [أي حرمْتَني من الرزق]…، أو لعلّك بجُرْمي وجريرتي كافَيْتَني، أو لعلّك بقلّة حيائي منك جازَيْتَني»([10]).

أيُّها الأحبَّة، الاستجابةُ موجودةٌ دائماً، فالذي يدعو لا يخسر أبداً، ومَنْ يرفع يديه إلى الله لا يعود خائباً، كيف وقد تقلَّد سلاح الأنبياء([11]) الذي كانوا يستعينون به على قضاء حوائجهم.

ومع بعض أدعية القرآن مِسْكُ الختام: ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾(آل عمران: 8)، ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾(آل عمران: 16). وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) رواه ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللآلي 2: 82، معلَّقاً مرفوعاً.

([2]) الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 3: 327.

([3]) الصحيفة السجّادية: 554.

([4]) الصحيفة السجّادية: 155.

([5]) رواه الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة: 351 ـ 352، عن المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي(رض)، عن جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه محمد بن مسعود العيّاشي، عن جبرئيل بن أحمد، عن العبيدي محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله(ع): ستصيبكم شُبْهةٌ فتبقون بلا علم يرى، ولا إمام هُدى، ولا ينجو منها إلاّ مَنْ دعا بدعاء الغريق، قلتُ: كيف دعاء الغريق؟ قال: يقول: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا مقلِّب القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينك، فقلتُ: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا مقلِّب القلوب والأبصار، ثبِّتْ قلبي على دينك، قال(ع): إنّ الله عزَّ وجلَّ مقلِّب القلوب والأبصار، ولكنْ قُلْ كما أقول لك: يا مقلِّب القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينك.

([6]) وقد أشار إلى هذا الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين(عما) في الصحيفة السجّادية، في دعاء وداع شهر رمضان.

([7]) رواه الكليني في الكافي 2: 510 ـ 511، عن:

1ـ عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن حسين بن مختار، عن الوليد بن صَبيح، عن أبي عبد الله(ع) قال: «صحبته بين مكّة والمدينة فجاء سائلٌ، فأمر أن يعطى؛ ثم جاء آخر، فأمر أن يعطى؛ ثم جاء آخر، فأمر أن يُعطى؛ ثم جاء الرابع، فقال أبو عبد الله(ع): يشبعك الله، ثمّ التفت إلينا، فقال: أما إنّ عندنا ما نعطيه، ولكنْ أخشى أن نكون كأحد الثلاثة الذين لا يُستجاب لهم دعوة: رجلٌ أعطاه الله مالاً، فأنفقه في غير حقّه، ثمّ قال: اللهُمَّ ارزقني، فلا يُستجاب له؛ ورجلٌ يدعو على امرأته أن يريحه منها، وقد جعل الله عزَّ وجلَّ أمرها إليه؛ ورجلٌ يدعو على جاره، وقد جعل الله عزَّ وجلَّ له السبيل إلى أن يتحوَّل عن جواره، ويبيع داره».

2ـ أبي عليّ الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار، عن ابن فضّال، عن عبد الله بن إبراهيم، عن جعفر بن إبراهيم، عن أبي عبد الله(ع) قال: «أربعةٌ لا تستجاب لهم دعوة: رجلٌ جالس في بيته يقول: اللهُمَّ ارزقني، فيقال له: أَلَمْ آمُرْك بالطلب؛ ورجل كانت له امرأةٌ، فدعا عليها، فيُقال له: أَلَمْ أجعل أمرها إليك؛ ورجلٌ كان له مالٌ، فأفسده، فيقول: اللهُمَّ ارزقني، فيُقال له: أَلَمْ آمُرْك بالاقتصاد، أَلَمْ آمُرْك بالإصلاح، ثمّ قال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾(الفرقان: 67)؛ ورجلٌ كان له مالٌ، فأدانه بغير بيِّنة، فيُقال له: أَلَمْ آمُرْك بالشهادة».

ورواه محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عليّ بن الحكم، عن عمر[ان] بن أبي عاصم، عن أبي عبد الله(ع)، مثله.

3ـ الحسين بن محمد الأشعري، عن معلّى بن محمد، عن الوشّاء، عن عبد الله بن سنان، عن الوليد بن صَبيح قال: سمعتُه يقول: «ثلاثةٌ تردّ عليهم دعوتُهم: رجلٌ رزقه الله مالاً، فأنفقه في غير وجهه، ثم قال: يا ربِّ ارزقني، فيُقال له: أَلَمْ أرزقك؛ ورجلٌ دعا على امرأته، وهو لها ظالم، فيُقال له: أَلَمْ أجعل أمرَها بيدك؛ ورجلٌ جلس في بيته، وقال: يا ربِّ ارزقني، فيُقال له: أَلَمْ أجعل لك السبيل إلى طلب الرزق».

([8]) رواه جلال الدين السيوطي في الجامع الصغير، معلَّقاً مرفوعاً؛ ورواه المتّقي الهندي في كنز العمّال 3: 325، نقلاً عن الديلمي في مسند الفردوس، معلَّقاً عن أبي هريرة، ونقلاً عن البيهقي في شعب الإيمان، معلَّقاً عن ابن مسعود وكردوس موقوفاً عليهما.

([9]) رواه الطوسي في تهذيب الأحكام 3: 88 ـ 89، عن عليّ بن حاتم، عن عليّ بن الحسين، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن بعض مَنْ رواه عن أبي الحسن موسى(ع).

([10]) الصحيفة السجّادية: 222.

([11]) روى الكليني في الكافي 2: 468، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضّال، عن بعض أصحابنا، عن الرضا(ع) أنّه كان يقول لأصحابه: عليكم بسلاح الأنبياء، فقيل: وما سلاح الأنبياء؟ قال: الدعاء.



أكتب تعليقك