موقف الإسلام من العنف
(بتاريخ: الثلاثاء 8 ـ 4 ـ 2014م)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين. مشاهدينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: 159) (صدق الله العليّ العظيم).
«الثورة»، «الحرب»، «الجهاد»، «قرقعة السيوف»، «اصطكاك الأسنّة والرِّماح»، مصطلحاتٌ تعكس صورةً من صُوَر القتل والذبح والنحر والدم، وبعبارةٍ مختصرة: إنّها مظاهر للعنف الفرديّ والاجتماعيّ.
ويُتَّهم الإسلام من قبل بعض المثقَّفين والمفكِّرين بأنَّه دين العنف والقتل والذبح، ويستدلّون لذلك بسيرة المسلمين لفتراتٍ من الزمن، وصولاً إلى يومنا هذا، حيث لا زال القتال وسفك الدماء هو اللغة الأكثر شياعاً وحضوراً في أدبيّات بعض المسلمين، مبرِّرين ذلك بأنّه جهادٌ ضدّ الكفّار، والمشركين، والمنافقين، والخوارج، والباغين، و…
بل رُبَما استدلّوا لتلك التهمة بما يجدونه في طيّات كتب الحديث والرواية، من أخبار تدعو إلى القتل والذبح، وتُفاخِر به. فما هو موقف الإسلام من العنف؟ إجابةٌ طويلة ومفصَّلة نستعرضها بحول الله وقوَّته في عدّة مقدِّمات، ولكنْ بعد أن نستمع وإيّاكم، مشاهدينا الكرام، إلى ما جاء في هذا التقرير، فلنتابِعْه.
1ـ ما هو موقف الإسلام من العنف؟
مشاهدينا الكرام، وكما جاء في هذا التقرير، فإنّ الإسلام هو دين السلام والمحبّة والتسامح والرحمة والرأفة، بين المسلمين، ومع الناس كافّةً؛ فها هو الله العزيز الحكيم يخاطب نبيِّه وحبيبه محمداً(ص)، مادِحاً ومبجِّلاً، ومحدِّداً له وظيفتَه، بقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107)، أي للناس كافّةً.
وفي آيةٍ أخرى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة: 128).
وفي الآية التي تلوناها في مفتتح الحلقة: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: 159) توصيفٌ لحال النبيّ(ص) مع الناس في زمانه. والنبيُّ الأكرم محمد(ص) هو رمز الإسلام، وقدوة الأنام، وعلى سيرته، وسيرة أئمّة الحقّ والهدى(عم) من بعده، لا على سيرة عموم المسلمين، تقاس تعاليم الإسلام الحنيف.
وبعد هذه النصوص الصريحة في القرآن الكريم، الذي يمثِّل الفيصل والميزان في قبول وردّ الأحاديث والأخبار المنسوبة إلى النبيّ(ص) وأهل بيته(عم)، لا يمكننا أن نقبل منها ما يحكي أنّه(ص) إنّما بُعث بالسيف والقتال وإراقة الدماء، وأنّه يؤمِّن رزقه ممّا يحصل عليه من غنائم الحروب، قاهراً للمخالفين له، كما جاء في الرواية عن ابن عُمَر حيث قال: قال رسول الله(ص): «بُعثتُ بالسيف حتَّى يُعبَد الله لا شريك له، وجُعِل رزقي تحت ظلِّ رمحي، وجُعل الذلّة والصغار على مَنْ خالف أمري، ومَنْ تشبَّه بقومٍ فهو منهم»([1]).
أو ما ذكره المجلسي في «بحار الأنوار» من أنّ «من أسمائه[ص]: نبيّ الملحمة، ورد في الحديث. والملحمة: الحرب. وسُمِّي بذلك لأنّه بُعث بالذبح، رُوي أنّه سجد يوماً فأتى بعض الكُفّار بسَلى ناقةٍ فألقاه على ظهره، والسَّلى بالقصر: الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد من المواشي، فقال: يا معشر قريش، أيُّ جوارٍ هذا؟ والذي نفسُ محمد بيده، لقد جئتُكُمْ بالذبح، فقام إليه أبو جهل، ولاذ به من بينهم، وقال: يا محمد، ما كنتَ جهولاً. وسُمِّي نبيّ الملحمة بذلك».
ولئن قيل: فما شأن الحروب التي خاضها(ص) جهاداً ضدّ أعدائه؟! وها هو في معركة بدر يعِدُ المسلمين بأحد أمرَيْن: الاستيلاء على قافلة قريش؛ أو الانتصار في الحرب، ففاتَتْهم القافلة، وكان النصر.
فالجواب: إنَّما هو ردُّ عدوان، واقتصاصٌ من قريش التي طردَتْ المسلمين من ديارهم (مكّة)، وصادرَتْ أموالَهم، وأحرقَتْ دُورَهم. إذاً هو دفاعٌ ومقاصّة، وليس من العدوان والظلم في شيءٍ. ومع ذلك فقد أراد الله لنبيِّه مواجهةً مباشرة بينه وبين قريش، فجنَّبه ما تمنّاه المسلمون، حيث غلبَتْهم نزعتُهم البشريّة، ولكنَّ الله يريد شيئاً آخر: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ (الأنفال: 7).
وقد سنَّ الله للجهاد في سبيله من السنن والتقاليد ما يجعلها في مأمنٍ من أن تطالها ألسنةُ التُّهمة والطَّعْن. فها هو يخاطب المجاهدين من المؤمنين:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾ (النساء: 94). إذاً هي الحرب مشروعةٌ وجائزةٌ ضدّ مَنْ قاتلكم، واعتدى عليكم، فإنْ ألقى إليكم السلام، ولم يتعرَّض لكم بسوءٍ، فلا يجوز لكم تكذيبُه، والإصرار على قتاله؛ طمعاً في حطام دنيا دنيّةٍ.
وها هو القرآن الكريم واضحٌ وصريح في أنّه ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة: 256)، ﴿وَقُلْ الحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ (الكهف: 29). إذاً لا حرب ولا قتال لاختلافٍ في الدِّين، وإنَّما هي الحرب دفاعاً عن حقٍّ مشروع للمسلمين في أن يَحْيَوْا حيث يشاؤون، ويبلِّغوا رسالة ربِّهم للناس كافّة، فإذا ما مُنعوا وأُوذوا كان لهم دفعُ الظلم والأذى عن أنفسهم.
ومن مظاهر الرحمة ونبذ العنف في الإسلام أنّه حرَّم على المسلمين المقاتلين جملةً من أعمال الحرب التي كانت متعارفةً في زمن الجاهليّة، كالبَدْء بالقتال، والإجهاز على الجرحى، واتِّباع المُدْبرين، والإساءة للأسرى، والتمثيل بالقتلى، وأذيّة النساء، وقطع الأشجار، وغير ذلك من مظاهر العنف والغِلْظة والقَسْوة([2]).
وقد أغلظ الإسلام عقوبةَ مَنْ يرتكب جريمة القتل، في الدنيا والآخرة، بل إنَّه أغلظ جزاء مَنْ روَّع الناس وأخافهم، ولو لم يصدر منه قتلٌ أو جَرْحٌ، فقال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾ (النساء: 93).
وقال في آية أخرى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (المائدة: 33). والإفساد إنَّما يتحقَّق بمجرَّد ترويع الناس وإخافتهم وتهديدهم، وذلك هو جزاؤه.
وخلاصةُ الكلام: إنَّه لا مجال لاتّهام الإسلام بممارسة العنف أو التشجيع عليه، وإنَّما هو يرفض العنف، ويحرِّمه، ويعاقب عليه.
وإذا كان الإسلام قد حرَّم العنف فما هي مصادر هذه النَّزْعة إلى العنف في نفوس المسلمين، صغاراً وكباراً؟ إنّه برنامجٌ مخطَّطٌ بدِقَّةٍ، ومن فقراته بثُّ أفلام العنف في التلفاز، فتصِلُ إلينا بسهولةٍ وبالمجّان، ونتعلَّم منها، ونقلِّد أبطالها، فهل لهذه الأفلام من تأثيرٍ فاعل على مشاهديها، هذا ما نتعرَّف إليه، ولكنْ بعد أن نستمع وإيّاكم، مشاهدينا الكرام، إلى ما جاء في هذا التقرير، فلنتابِعْه.
2ـ هل لأفلام العنف أيُّ تأثير؟
مشاهدينا الكرام، وكما ذُكر في هذا التقرير، وأثبتَتْه الوقائع، ويؤكِّدُه الخبراء النفسيّون والتربويّون، فإنّ لأفلام العنف، الحقيقيّة منها والكارتونيّة، كبيرَ الأثر على مُشاهديها ومُتابعيها، حيث تتمّ، ومن دون شعورٍ ولا إرادة منهم، محاكاةُ أبطال تلك الأفلام، فهو البطلُ المغوار الفاتك القاهر، ولو أدّى ذلك إلى أذيّة الآخرين، والتعدّي على ممتلكاتهم.
ولا يسَعُنا في الحديث عن العنف أن نغفل ما هو حديث الساعة من عنفٍ تتعرَّض له المرأة في البيت، والطفل في الشارع أو المدرسة، والمطالبةِ بقانونٍ يمنع تعنيف المرأة أو الطفل، ويريدونه قانوناً مدنيّاً، لا شرعيّاً، فكأنَّهم يقولون: إنّ الشرع يواجه المدنيّة والتحضُّر في هذه المسألة، فهل هذا صحيح؟
لقد أسلَفْنا في مستهلّ هذه الحلقة أنّ العنفَ حرامٌ في الإسلام، العنف بكلِّ أشكاله وصوره، عنف الأب أو الأمّ مع أولادهما، وعنف الزوج مع زوجته أو الزوجة مع زوجها، وعنف الأولاد مع آبائهم، وعنف الجار مع جاره، وعنف المعلِّم مع تلامذته، وغير ذلك من الأشكال.
فالحكم الشرعيّ واضحٌ لا لَبْس فيه بأنّه يحرم على الرجل أن يضرب زوجته. وكذلك يحرم على الزوجة أن تعتدي على زوجها. وإنَّما هي حياة المودّة والرحمة، والعِشْرةِ بالمعروف أو الفراقِ بإحسانٍ: ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ (البقرة: 229).
إذاً العنف الأُسَرِيّ ممنوعٌ في الشريعة الإسلاميّة، ما خلا مورداً واحداً أُبيح فيه أن يضرب الرجل زوجتَه فقال عزَّ وجلَّ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقْ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً﴾ (النساء: 34 ـ 35).وهذا هو ضربُ العلاج لمشكلةٍ لا يمكن حلُّها من قبل المحاكم أو هيئات القضاء المختصّ؛ إذ هو فقط لحلِّ مشكلة المضاجعة بين الرجل وامرأته الممتنِعة من ذلك، فكيف يمكن إجبارها؟! والمسموح به هو الضرب غير المبرِّح، الذي لا يكسِر عَظْماً، ولا يُدْمي لَحْماً، ولو بأنْ يسودّ أو يخضرّ أو يزرقّ أو يحمرّ مكان الضرب، إذاً هو الضرب الخفيف الذي تشعر معه المرأة أنّ الرجل وصل إلى مرحلة نهائيّة من العلاج داخل البيت، فحِرْصاً منها على عدم تسرُّب هذه المشكلة إلى خارج البيت تستجيب له، وتُحَلُّ المشكلة.
ولا يجوز بحالٍ من الأحوال ضربُ المرأة، ولو كانت لئيمةً أو سيِّئة الخُلُق، بل ولو سبَّتْ وشتمَتْ، وإنْ كان ذلك كلُّه مُداناً منها، كما من الرجل، تماماً بلا أدنى فرقٍ من الناحية الشرعيّة والأخلاقيّة والقانونيّة.
وإنَّما يجوز الضرب في حالة امتناعها عن التمكين، وهو المعاشرة الزوجيّة الخاصّة. وكما سبق فإنَّما هو لإبلاغ رسالةٍ واضحة إليها، وهي أنّ الأمور وصلت إلى حدِّها النهائيّ، الذي لن تبقى المسألة بعده داخل حدود البيت، بل ستخرج إلى المحاكم والقضاء، أو المُصْلحين من الأهل والأصدقاء. وهذا ما يُقْلق المرأةَ الغيورة والحَيِيَّة بطَبْعها، ما قد يؤدّي إلى استجابتها، وتسهيل الأمور شيئاً فشيئاً.
ومع هذا فإنَّني أوافق مَنْ يقول بأنّ الضرب ليس هو العلاج الوحيد في هذه الحالة، بل هو أمرٌ مرخَّص فيه لمَنْ يختاره، ولا ينبغي اختيارُه كأوّل حلٍّ في هذه الحالة؛ فإنّه من دواعي زوال المحبّة بين الزوجَيْن.
إذاً فإباحة الضرب مرحلةٌ أخيرة من العلاج. فالوعظ أوّلاً، والهجران ثانياً، والضرب ثالثاً، وربما كان قبله وسائلُ أخرى يستطيع الزوج أن يمارسها قبل الوصول إلى هذه المرحلة. ولكنْ رُخِّص له في المرحلة النهائيّة لا غير أن يُمارس هذا الضرب (غير المبرِّح أيضاً)؛ لأنّ الزوج هو الوحيد الذي يعلم بهذا المُنْكَر من الزوجة، وفي هذه المرحلة يكون تأثيره محتَمَلاً؛ إذ رُبَما كان لحياء المرأة دورٌ كبير في ثَنْيِها عمّا هي عليه إذا خافت أن يخرج الخَبَرُ من فم الزوج إلى غيره. وهكذا سعى الشارع لحلِّ المشكلة بأقلِّ خسائر ممكنةٍ.
ومن مظاهر العنف المحرَّمة شَرْعاً، والتي لا يُعيرها بعضُ المؤمنين ـ وللأسف الشديد ـ أيَّ عنايةٍ أو رعاية، إطلاقُ الرصاص في الهواء؛ فرحاً؛ لانتصارٍ أو عرس أو ولادة أو قدوم مسافر؛ أو حزناً؛ لموتٍ أو خسارة أو اعتراض على وضعٍ اجتماعيّ أو اقتصاديّ أو سياسيّ.
وكذلك يحرم استعمال المفرقعات الناريّة في الأعياد، وكما كان سيِّدنا المرجع فضل الله(ر) يقول: إنّ استعمال المفرقعات الناريّة، والأُنْس بما تُصدره من أصواتٍ عالية مُزْعِجة ومُنْكَرة، إنَّما يكشف عن ذوقٍ حِماريّ لدى مُستعمِلها، وقد قال الله سبحانه وتعالى في ما نقله لنا من وصيّة لقمان لابنه، وهو يَعِظُه: ﴿وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾(لقمان: 19).
﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ (البقرة: 286).
ربَّنا ﴿أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾ (الأعراف: 155).
والسلام عليكم، مشاهدينا الكرام، ورحمة الله وبركاته.
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1])صحيح البخاريّ 3: 230؛ مسند أحمد بن حنبل 2: 50؛ مجمع الزوائد 5: 267، حيث قال: «وفيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان: وثَّقه ابن المديني وأبو حاتم وغيرهما، وضعَّفه أحمد وغيره. وبقيّةُ رجاله ثقاتٌ».
([2]) جاء في نهج البلاغة 3: 15، في وصيّة له(ع) لعسكره قبل لقاء العدوّ بصِفِّين: «لا تقاتلوهم حتّى يبدؤوكم؛ فإنَّكم بحمد الله على حجّة، وترككم إيّاهم حتّى يبدؤوكم حجّة أخرى لكم عليهم. فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مُدْبِراً، ولا تصيبوا معوراً، ولا تجهزوا على جريح. ولا تَهِيجوا النساء بأذىً، وإنْ شتَمْنَ أعراضَكم وسبَبْنَ أمراءَكم؛ فإنَّهنَّ ضعيفات القوى والأنفس والعقول. إنْ كنّا لنؤمر بالكفِّ عنهُنَّ وإنَّهُنَّ لمشركاتٍ. وإنْ كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهليّة بالفِهْر أو الهراوة فيعيَّر بها وعقبه من بعده».