هلاّ عرفنا الفرح بعقلٍ هادئ، بعيداً عن ردَّات الفعل
(الجمعة 9 / 1 / 2015م)
تحكمنا ثقافة حبِّ المواجهة، وعشق الخصومة.
فنحن أمّةٌ تتنفَّس هواء المشاكسة والتحريض.
إذا حضر (المحرَّم) فلتُنْشَر الرايات السود، ولتملأ الخافقَيْن،
ولتصطبغ الأرض والثياب بالدم القاني، ولو أمكن تغيير لون السماء لفعلنا…
فإنّ لنا عند القوم قتيلٌ نستعدّ للثأر له، ولن نوقف النواح إلاّ بعد القيام…
وإذا حضر ربيعُ الأوّل، شهر المولد النبويّ الشريف، وكان الجوّ مهيّأً للمواجهة،
كما لو كان قد أُسيئ إلى نبيِّ الإسلام في رسمٍ كاريكاتوريّ أو فيلم أو…
فلتُرفَع الرايات، ولتُقَم الاحتفالات، في مختلف المناطق،
وليَعْلُ الهتاف بـ (لَبَّيْكَ يا رسول الله)…
أمّا إذا كان المناخ هادئاً فهو الاكتفاء باحتفالاتٍ خجولة حَيِيّة، في مظاهرها ومضمونها وخطاباتها.
إنّنا أمّةٌ تعشق البكاءَ والنحيب حتَّى النخاع، ولا تليق بها أجواءُ الفرح والسرور،
والأدهى من ذلك كلِّه أنّ ذاك لا يكون إلاّ في سَيْرٍ حثيث في خطِّ المواجهة المرغوبة، والمحرَّمة أحياناً.
عِلْماً أنّ صوتَ أئمّتنا(عم) لا يزال يصدح: «…واختار لنا شيعةً، ينصروننا، ويفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا»([1]).
فلماذا نأخذ بآخر الحديث وندع أوّله: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ (البقرة: 85 ـ 86).
**********
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) رواه الصدوق في الخصال: 635، عن أبيه(رض)، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله(ع)، عن أبيه، عن جدّه، عن آبائه(عم)، عن أمير المؤمنين(ع)، في حديث الأربعمائة.
وروى جعفر بن محمد بن قولويه في كامل الزيارات: 203 ـ 204، عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن عليّ بن محمد بن سالم، عن محمد بن خالد، عن عبد الله بن حمّاد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ، عن مسمع بن عبد الملك كردين البصري، عن أبي عبد الله(ع)، قال: «يا مسمع…، أما إنّك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا، ويأمنون إذا أمِنّا…».