12 فبراير 2015
التصنيف : مقالات سياسية
لا تعليقات
3٬100 مشاهدة

رجال الله في الميدان: الثالوث المقدَّس، إيران والعراق ولبنان

2015-02-12-رجال الله في الميدان، الثالوث المقدَّس، إيران والعراق ولبنان

(بتاريخ: الخميس 12 / 2 / 2015م)

في الذكرى السادسة والثلاثين لانتصار الثورة الإسلاميّة المباركة في إيران

نبارك للشعب الإيرانيّ العظيم

ولجميع المستضعفين في العالم

هذا الانتصار العظيم، الذي مهَّد لعهدٍ طويل من الانتصارات بإذن الله.

لبنان: انتفاضة الوعي والإصلاح

إنّها سنة 1959م، ولبنانُ في اختطافٍ ثقافيّ واستلابٍ فكريّ.

فالمدُّ الأحمر (الفكر الشيوعيّ) يسري في ذاك المجتمع الطائفيّ المتنوِّع سريان النار في الهشيم.

ونظام المارونيّة السياسيّة قد أحكم قبضته على مقدّرات الدولة برمّتها.

ونظام الإقطاع السياسيّ والزعامات العائليّة قد ألقى بظلّه الثقيل على أطياف المجتمع اللبنانيّ قاطبةً.

والمنظَّمات المسلَّحة (الميليشيات) قد أمسكت بزمام الشارع، مهدِّدةً أمن اللبنانيّين واستقرارهم؛ بذرائع واهية زائفة، وعناوين برّاقة خادعة.

فغرق لبنان شعباً ودولةً في حالة مزرية من الفقر والجهل والتخلُّف والخوف، ورفرفت فوق بقاعه رايات التبعيّة للأجنبيّ، الغربيّ أو العربيّ.

وقد كان لعلماء الدين في لبنان دورٌ رياديٌّ في مواجهة ذلك الواقع المأزوم، فكانت الجهود الكبيرة للسيد عبد الحسين شرف الدين(رحمه الله)، سياسيّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً وتربويّاً.

وانتقل السيد شرف الدين إلى جوار ربّه راضياً مرضيّاً، وصارت الساحة اللبنانيّة شبه خاليةٍ من العلماء الحركيّين الواعين، المنفتحين على ثقافة العصر، ومنطق الإسلام.

وينتقل السيد موسى الصدر(رحمه الله) في العام 1959م من إيران ـ قم المقدّسة ـ إلى لبنان ـ جنوب لبنان/صور ـ؛ ليكون خلفاً للسيد شرف الدين. ولا يخفى على أحدٍ ما كان يتمتّع به السيد موسى الصدر من ميزات شخصيّة، جعلت منه رجلاً مؤثِّراً في ذاك المجتمع الإيمانيّ، الذي لا زال يعيش الإيمان بفطرته. فكان أن تبوّأ منه السيد موسى الصدر مكان الرأس من الجسد، فكان القائدَ والملهِم، وكانوا الشيعة والأتباع.

2412cover - Copy - Copy

موسى الصدر ما أحوجنا ىاليك - Copy

حركاتٌ إسلاميّة واعية وواعدة

وفي تلك الفترة بالتحديد كانت حركاتٌ إسلاميّةٌ واعيةٌ وواعدةٌ تتشكَّل في أكثر من ساحةٍ إيمانيّة.

1ـ في إيران (قم المقدَّسة)

ففي قم المقدّسة في إيران كانت حركة الإمام روح الله الخمينيّ(رحمه الله) الإصلاحيّة والتغييريّة لواقع الحوزة العلميّة في قم، وصولاً إلى تغيير الواقع السياسيّ والاجتماعيّ للشعب الإيرانيّ المسلم، قد انطلقت من داخل الحوزة العلميّة في قم.

ورغم تعرّضها للكثير من الضغوط من داخل الحوزة العلميّة فقد تلقّفها بالقبول والتأييد المجتمع الإيرانيّ المسلم، الأمر الذي أدّى في العام 1979م إلى انتصار الثورة الإسلاميّة المباركة في إيران بقيادة الإمام الخمينيّ.

2ـ في العراق (النجف الأشرف)

وفي النجف الأشرف في العراق كانت جهود السيد محمد باقر الصدر(رحمه الله) الإصلاحيّة تتراكم، ويعضد بعضها بعضاً، في حركة تغييريّة لواقع الحوزة العلميّة في النجف، وصولاً إلى تغيير الواقع السياسيّ والاجتماعيّ للشعب العراقيّ المسلم.

غير أنّ حركة السيد محمد باقر الصدر تلك تعرّضت لمواجهاتٍ قاسية في داخل الحوزة العلميّة، وعملٍ دؤوب على تشويه صورتها وأهدافها. وقد أدّى ذلك إلى تردُّد جمهور المؤمنين في تأييدها والتعاطف معها، وصولاً إلى إقدام حزب البعث الحاكم ـ وبكلّ جرأة، وكيف لا يتجرّأ أمام الصمت المريب للحوزة العلميّة في النجف وأقطابها؟! ـ على اعتقال السيد الصدر(رحمه الله) وإعدامه. وهذا ما حال دون أن تعطي هذه الحركة المباركة ثمارها المرجوّة منها.

وإلى جانب جهود السيد محمد باقر الصدر كانت جهود الإمام الخمينيّ في النجف الأشرف في العراق أيضاً، منذ وصوله إليها في 5/10/1965م، منفيّاً من إيران، ومبعَداً من تركيا، وحتّى خروجه منها في 6/10/1978م، طيلة ثلاث عشرة سنة.

وقد كان لانتصاره في ثورته المباركة الأثر الكبير على الشعب العراقيّ المسلم في حركته نحو التغيير.

3ـ في لبنان (بيروت، والبقاع، والجنوب)    

وفي لبنان أحدثت حركة السيد موسى الصدر(رحمه الله) التجديديّة والتغييريّة تحوّلاً مصيريّاً وانعطافةً نهائيّةً نحو الإصلاح الاجتماعيّ والاقتصاديّ، والتحرُّر الفكريّ والثقافيّ، والنهضة السياسيّة والعسكريّة (الأمنيّة)، من أجل مواجهة العدوّ الحقيقيّ للأمّتين العربيّة والإسلاميّة، ألا وهو (الكيان الإسرائيليّ الغاصب في فلسطين المحتلّة)، الأمر الذي أدّى إلى انحسار الشيوعيّة وتقوقعها ضمن تنظيمات وأحزاب وأفراد لا تأثير لهم في المجتمع، وسقوط نظام المارونيّة السياسيّة، وزوال الإقطاع السياسيّ والزعامات العائليّة، وضعف المنظّمات المسلَّحة (الميليشيات) في مقابل قوّة حركات المقاومة الإسلاميّة، المؤمنة والصادقة. وهذا ما جعل حياة المجتمع المؤمن مستقرّةً وآمنةً وحرّةً وكريمةً.

انطلاق عهد الصحوة الإسلاميّة: خطّ المقاومة والممانعة

بهذه الحركات الثلاث افتُتح عهد الصحوة الإسلاميّة والإيمانيّة في إيران والعراق ولبنان، البلدان التي يتواجد فيها شيعةٌ لأهل البيت(عليهم السلام).

ولئن كانت حركة السيد محمد باقر الصدر(رحمه الله) لم تعطِ ثمارها المرجوّة منها، وإنّما مثّلت شعلةً فكريّةً تستضيء بها حركات التغيير والإصلاح الدينيّ في العالم الإسلاميّ، فقد انتصرت الثورة الإسلاميّة في إيران بقيادة الإمام روح الله الخمينيّ(رحمه الله)، وأُقيمت للمرّة الأولى في التاريخ الإسلاميّ حكومةٌ إسلاميّةٌ بقيادة الفقيه المؤمن والعادل، الأمر الذي شكّل مظلّة أمانٍ للكثير من الحركات الإسلاميّة في منطقة الشرق الوسط والعالم، وحقَّقت حركة السيد موسى الصدر(رحمه الله) نقلةً نوعيّةً للمجتمع المؤمن في لبنان، سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً وأمنيّاً.

وأحسّ الاستكبار العالميّ ـ المتمثِّل بأمريكا وأوروبا وربيبتهما (إسرائيل) ـ بالخطر الداهم والفاعل من هذا المثلَّث، مثلَّث الصحوة الإسلاميّة في إيران والعراق ولبنان، فقرَّر القضاء على تلك الحركات، الواحدة تلو الأخرى.

فعمد في 31/8/1978م ـ عبر عملائه في المنطقة، وعلى رأسهم العقيد معمَّر القذّافي ـ إلى إخفاء السيد موسى الصدر(رحمه الله)، وتغييبه عن ساحة جهاده في لبنان.

وعمد ـ عبر عميله في العراق (صدّام حسين) ـ إلى التضييق على حركة الإمام الخمينيّ(رحمه الله) السياسيّة في النجف الأشرف، الأمر الذي دفعه إلى مغادرة العراق إلى فرنسا/پاريس في 6/10/1978م. غير أنّ الله عزَّ وجلَّ شاء له النصر وإقامة الحكومة الإسلاميّة، فمكث في فرنسا أشهراً قليلةً، ثمّ عاد إلى إيران، وتحقَّق الانتصار في 11/2/1979م.

وعمد الاستكبار العالميّ ـ عبر عميله في العراق (صدّام حسين) أيضاً ـ إلى القضاء على حركة السيد محمد باقر الصدر(رحمه الله)، من خلال إعدامه وأخته السيدة آمنة الصدر (بنت الهدى) بأبشع صورة في 9/4/1980م.

وظنّ الاستكبار العالميّ أنّه قضى على ركنين أساسيّين في مثلَّث الصحوة الإسلاميّة هذا، ولن يكون بمقدور الركن الثالث ـ وهو الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران ـ أن يتحرّك خارج حدود إيران. إذاً لقد حوصرت الصحوة الإسلاميّة في بقعةٍ ضيِّقة، وصار القضاء عليها أمراً مقدوراً.

غير أنّ نسلَ أبناء الإسلام البَرَرة لم ينقطع يوماً، ولنْ ينقطع بإذن الله تعالى. وهكذا نهض بالأمر في لبنان عالمٌ مجاهدٌ يحمل روح الإسلام الحركيّ والواعي بين جنبَيْه، عنيتُ به العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله(رحمه الله)، الذي قدم من النجف الأشرف إلى لبنان في العام 1966م، واستقرّ في منطقة النبعة (شرق بيروت)، واعظاً ومرشداً ومربّياً، وراعياً للفقراء والمستضعفين من المؤمنين، يأخذ بأيديهم نحو الالتزام والعزّة والكرامة والأمن والاستقرار.

لقد مثَّل السيد فضل الله الخطّ الثاني للسكّة التي يسير عليها قطار التغيير والإصلاح الدينيّ والاجتماعيّ والسياسيّ والأمنيّ في لبنان، إلى جانب السيد موسى الصدر(رحمه الله)، الخطّ الأوّل لتلك السكّة.

وأكمل العلاّمة فضل الله مشوار السيد موسى الصدر، وكان له خليفةً في قلوب الناس وعقولهم، فأحبّوه واتّبعوه، كما أحبّهم وأخلص لهم.

الانفتاح والاستقلاليّة

لكنّ السيد فضل الله لا يطيق العمل في دائرة خاصّة مهما اتَّسعت. فهو يحبّ الفضاء الرحب الذي ينفتح على كلّ آفاق الحرِّيّة. ومن هنا لم يقصِر نفسه يوماً على تنظيم أو حزبٍ أو مجلسٍ أو حركةٍ أو جبهةٍ أو فئةٍ أو طائفةٍ، وإنّما تحرّك مستقلاًّ حُرّاً عالِماً مفكِّراً مجدِّداً مصلحاً، يلقي ما يراه من الأفكار، ولا يُلزِم أحداً باتّباعها، فيسمعُها الناس جميعاً، المسلم وغيره، واللبنانيّ وغيره، فمَنْ اقتنع بها، وروَتْ ظمأ نفسه إلى المعرفة والحقيقة، اتّبعها، وأحبّ صاحبَها، ومن لم يقتنع بها فذاك خيارُه، ويبقى صدرُ العلاّمة فضل الله مفتوحاً له على مصراعَيْه للنقاش العلميّ الموضوعيّ الهادئ، بعيداً عن الإثارات الغوغائيّة، والحساسيّات العصبيّة والمذهبيّة. وهكذا أطلق أفكاره منذ البداية، فتلقّاها بالقبول والرضا والعمل ثلّةٌ من المؤمنين، شكّلوا في ما بعدُ ما بات يعرف اليوم بـ «حزب الله».

علاقة السيد فضل الله بالثورة والجمهوريّة الإسلاميّة في إيران

وبهذه العقليّة المنفتحة والروح الحرّة ارتبط السيد فضل الله بالثورة الإسلاميّة المباركة في إيران، بقيادة الإمام الخمينيّ(رحمه الله)، فأيّد الثورةَ وقائدَها، ودافع عنها في كلّ محفِل وفي كلّ مناسبة. ومن هنا كان الاحترام والتقدير الكبير من الإمام الخمينيّ ـ وهو العارف بالرجال ومؤهِّلاتهم ـ للعلاّمة المرجع فضل الله(رحمه الله). يقول نجلُ الإمام السيد أحمد الخمينيّ(رحمه الله): «كان والدي يستقبل الناس، وله أوضاع مختلفة؛ فمنهم مَنْ يضع له يده على صدره وهو جالسٌ؛ ومنهم مَنْ يقوم له ربع أو نصف قيام؛ ومنهم مَنْ يقوم له من مجلسه، إلاّ السيد محمد حسين فضل الله، فإنّ والدي كان يقوم من مجلسه ويستقبله عند باب الدار، وهذا خيرُ دليل على قيمته».

وتابع السيد فضل الله نهجه في دعم الثورة الإسلاميّة المباركة، أو فقُلْ: الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة، فرغم أنّه لم يكن في يوم من الأيّام التابع لها، أو المتأثِّر بتوجيهاتها إذا لم يكن مقتنعاً بها، غير أنّه كان يخاف عليها خوف الأمّ على ولدها، فلم يكن يرضى أن ينالها سوءٌ أو ضعفٌ أبداً.

البدران النيِّران الخامنئي وفضل الله

لم يعُدْ خافياً على ذي مِسْكةٍ ـ وهذا ما كنتُ أقوله منذ سنوات ـ أنّ ما تعرّض له سيّدنا الأستاذ السيد محمد حسين فضل الله(رحمه الله) هو حملاتٌ مشبوهةٌ، وهو حلقةٌ في سلسلة المؤامرة الكبرى على الخطّ الجهاديّ، ورموز الإسلام الحركيّ ـ حسب تعبير السيد فضل الله ـ، والإسلام المحمّديّ الأصيل ـ حسب تعبير الإمام الخمينيّ ـ.

فلقد أزعج الكثيرين أن يرَوْا في سماء الأمّة الإسلاميّة بدرَيْن نيِّرَيْن، عنيتُ بهما السيد محمد حسين فضل الله(رحمه الله) في لبنان وقائد الثورة الإسلاميّة المباركة في إيران السيد عليّ الخامنئيّ(حفظه الله)، ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(النور: 35)، يديران دفّة الفُلْك الإسلاميّة الجارية بأمر ربِّها في بحرٍ لجّيٍّ متلاطم الأمواج، أمواج الجهل والتخلُّف والخرافة والغلوّ والعصبيّة المذهبيّة المقيتة.

نعم، «وجد المغرضون أنّ المرجعيّة الحركيّة الواعية ستمتلك هذه المرّة قوّةً هائلةً؛ فالتقارب الفكريّ والسياسيّ واضحٌ بين السيّدَيْن الخامنئيّ وفضل الله، وهما متَّحدان في التوجُّهات الاستراتيجيّة، والوعي الحركيّ، والنظرة الشموليّة لمشاكل الأمّة، والفهم الدقيق لموقع الإسلام في معركته الحضاريّة ضدّ قوى الاستكبار. كلّ هذا يعني أن الاتّجاه الحركيّ في المرجعيّة سيكون هو الغالِب في عالم الشيعة. وهذا يعني في المقابل أنّ الاتجاه التقليديّ سينحسر في القريب»([1]).

التقارب السياسيّ والفكريّ

نعم، إنّ التقارب الفكريّ والسياسيّ للسيّدَيْن الجليلَيْن لا يخفى على ذي عينَيْن، فهما معاً في حركة التجديد الفقهيّ والأصوليّ والمنهجيّ، ومعاً في الدعوة إلى الوحدة بين المسلمين كافّةً، بعيداً عن السباب والشتائم، وعن التكفير والتفسيق والتضليل.

ألم يُفْتِ السيد القائد الخامنئيّ(حفظه الله) بثبوت الهلال بالعين المسلَّحة؟ وهذا مخالفٌ للمشهور عند «علماء الشيعة». وكان السيد فضل الله(رحمه الله) قد أفتى من قبلُ بثبوت الهلال إذا أخبر الفلكيّون الخبراء والموثوقون بإمكانيّة الرؤية ـ ولو بالعين المسلَّحة ـ. وأنا أعتقد أنّنا سنشهد قريباً جدّاً اليومَ الذي يفتي فيه المرجع القائد الخامنئيّ بذلك أيضاً.

ألم يُفْتِ السيد القائد الخامنئيّ(حفظه الله) بحرمة سبّ الصحابة وأمّهات المؤمنين «زوجات النبيّ(صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)»؟ وكان السيد فضل الله(رحمه الله) قد سبقه إلى ذلك منذ أكثر من عشر سنين.

ألم يُفْتِ السيد القائد الخامنئيّ(حفظه الله) بحرمة التطبير (ضرب الرؤوس بالسكاكين والسيوف)؟ وقد أفتى السيد فضل الله(رحمه الله) بحرمة التطبير أيضاً، وحرّم كذلك ضرب الجسد بالسلاسل والجنازير، المشفَّرة وغير المشفَّرة.

إذاً هما في خطٍّ فكريٍّ واحد. ولو قُدِّر لهما أن يمسكا بزمام الأمور في هدوء بالٍ، وتنسيقٍ مستمرٍّ، وتواصلٍ دائمٍ، لكانت الأمّة على غير ما هي عليه الآن، ولكنّ بعض الموتورين المعتوهين قرَّروا أن ينالوا منهما على حدٍّ سواء:

فكان ما كان ممّا لستُ أذكُرُه

فظُنَّ [شرّاً] ولا تسأل عن الخَبَرِ

وتجذَّر الخطّ الواعي في الأرض ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾(إبراهيم: 24 ـ 25)، وذاع صيته في الآفاق، وكانت صدارة المرجعيّة للسيدَيْن الجليلَيْن القائد والمرجع الخامنئيّ(حفظه الله) والمرجع فضل الله(رحمه الله)، ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى﴾، ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً﴾(طه: 61، 111).

شهادة صدقٍ ووفاء

ويشهد لهذه النتيجة ما أُثِر عن مرشِد الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة المرجع السيد عليّ الخامنئيّ(حفظه الله) أنّه قال: صلُّوا خلف هذا الفيض الإلهيّ الكبير، السيد فضل الله، فهو عَلَمٌ من أعلام المذهب الشيعيّ.

ويحكي أحد المرافقين للسيد فضل الله أثناء زيارةٍ له إلى إيران أنّ قائد الثورة الإسلاميّة السيد عليّ الخامنئيّ قال له: حافظوا على هذه الدرّة الثمينة، التي لا يوجد مثلها في العالم الإسلاميّ.

ولمّا انتقل المرجع فضل الله(رحمه الله) إلى جوار ربِّه راضياً مرضِيّاً نعاه المرجع القائد السيد عليّ الخامنئيّ(حفظه الله). وممّا جاء في بيان النعي: «لقد قدَّم هذا العالم الكبير والمجاهد الكثير في الساحات الدينيّة والسياسيّة، وكان له الأثر الكبير على الساحة اللبنانيّة، والتي لن تنسى خدماته وبركاته الكثيرة على مرّ السنين. إن المقاومة الإسلاميّة في لبنان، والتي لها حقٌّ كبير على الأمّة الإسلاميّة، كانت على الدوام تحت رعاية ودعم ومساعدة هذا العالم المجاهد. لقد كان الراحل الرفيق المخلص والمقرَّب من الجمهوريّة الإسلاميّة ونظامها، وكان وفيّاً لنهج الثورة الإسلاميّة، وأثبت ذلك قولاً وعملاً على مدار الثلاثين سنة من عمر الجمهوريّة الإسلاميّة».

إنّها شهادةُ صدقٍ ووفاء، من مخلِصٍ لمخلِص مثلِه، فهل مَنْ يستمِعُ ويعي ويتدبَّر، ويقلِع عن حسدٍ إلى حقدٍ وخِسَّة معدنٍ؟!

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) حسين بركة الشاميّ، الفقيه المجدِّد المقدَّس السيد محمد حسين فضل الله، من الذات إلى المؤسَّسة: 131.



أكتب تعليقك