أمثال/ح1: المنافقون… ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً﴾
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين. والسلام عليكم ـ أيُّها الأحبَّة ـ ورحمة الله وبركاته.
مقدّمة
﴿وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (النور: 35).
إنَّها الأمثال في القرآن الكريم، حيث نشهد آياتٍ كثيرةً تصوِّر لنا مفاهيم وموضوعاتٍ وأشخاصاً وفئاتٍ بصورٍ حسِّيّة، قريبةٍ من أذهاننا، في أسلوبٍ عرفيّ عامّ؛ للإقناع، وتقريب الفكرة أكثر فأكثر، فهل مَنْ يعْقِل أو يتفكَّر أو يتذكَّر؟!: ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الحشر: 21)؛ ﴿وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ (إبراهيم: 25)؛ ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ﴾ (العنكبوت: 43).
1ـ المنافقون… ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً﴾
﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلاَ إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾(البقرة: 8 ـ 16).
الآية الأولى التي نتعرَّض لها في هذه السلسلة من حلقات هذا البرنامج القرآنيّ الرمضانيّ هي قوله تعالى:
﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(البقرة: 17 ـ 20).
مَثَلان يضربهما الله جلَّ وعلا للمنافقين، الذين وصفتهم الآياتُ المتقدِّمة على هذه الآية بأوصافٍ عديدة، فهم الذين يقولون ما لا يفعلون، وهم المخادِعون، وقلوبُهم مريضةٌ، إنَّهم مفسدون، وسفهاء، ومستهزئون، فكانت تجارتُهم خاسرةً.
والمنافق هو الذي يسرُّ خلافَ ما يعلن، فهو يتظاهر بالتديُّن والالتزام، ويخفي في نفسه كُفْراً وفسوقاً وعصياناً.
في المَثَل الأوّل بيانٌ لعلاقة المنافقين بالإسلام، حيث من المفترض أن يضيء حياتهم، تماماً كما تضيء النار ما حولها، فيستبشر الجالسون، ويأملون بسهرةٍ دافئة أنيسة. لكنَّهم؛ لمَرضٍ في قلوبهم وعقولهم، رفضوه، وكذَّبوا بآيات الله، واستهزؤوا بها.
والسببُ الرئيس لهذا النفور يكمن في أنّهم عطَّلوا مصادر المعرفة الرئيسة، فلا يسمعون، ولا ينطقون، ولا يبصرون. لا يستمعون إلى تعاليم الأنبياء(عم)، ولا يسألونهم عن التكليف الموجَّه إليهم، ولا ينظرون في ما حولهم ليتفكَّروا ويتدبَّروا في هذا الكَوْن.
إذن هم الذين ظلموا أنفسهم، وليس الله بظلاّمٍ للعبيد، فلقد فتح لهم باب الهُدى، وأرسل إليهم رسولاً كريماً، فأعرضوا عنه، فكان جزاؤهم البقاء في حِيرةٍ وضلال، كمَنْ هو في الظُّلُمات لا يهتدي سبيلاً.
وفي المَثَل الثاني بيانٌ للحالة الداخلية لهؤلاء المنافقين، فهم يعيشون الخَوْف والقلق من الدعوة الإسلاميّة، مع أنّه ليس هناك ما يُخيف أو يقلق، تماماً كما هو حال بعض الناس الذين يعترضهم سحابٌ ممطِر، فيه ظلماتٌ ورَعْد وبَرْق، فيعيشون الخوف من ذلك كلِّه، فيجعلون أصابعهم في آذانهم لئلاّ يسمعوا الصوت القويّ للصواعق، وليس ذلك بمنجٍ لهم من الموت، لو شاء الله لهم ذلك. فإذا لمع البَرْق في السماء استغلّوا ذلك، فتحرَّكوا من أماكنهم على ضوئه، فإذا عاد الظلامُ ـ في لمحٍ من البصر ـ وقفوا في أماكنهم لا يجرؤون على حركةٍ؛ خوفاً من أن يتضرَّروا.
ومع كلِّ هذه الصعوبات يبقى لذلك العارِض الممطر فوائدُه الجمّة، التي يعرفها كلُّ مزارعٍ وصانِع وعالِم.
هذا هو مَثَلُ علاقة المنافقين بالإسلام، الذي هو دين الخَيْر والمحبَّة والسلام والرحمة، لكنَّهم أعرضوا عنه، وتوجَّسوا منه خيفةً، فحُرِموا بذلك فضلَه.
اللهُمَّ، نوِّرْ قلوبنا بدينك القويم، واهدِنا صراطَك المستقيم، يا رحمن، يا رحيم. والحمد لله ربِّ العالمين.