أمثال/ح6: المكذِّبُ بآيات الله… ﴿كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، والسلام عليكم ـ أيُّها الأحبَّة ـ ورحمة الله وبركاته.
﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ * مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾(الأعراف: 175 ـ 178)(صدق الله العليّ العظيم).
في حديثه عن المكذِّبين بآيات الله يضرب لهم القرآن الكريم مَثَلاً واضحاً يلحظه كلُّ إنسانٍ بيُسْرٍ وسهولة.
فلقد آتى الله بني آدم آياتِه واضحةً جليّة، ودعاهم إلى التفكُّر في آياته في هذا الكَوْن الفسيح، فقال: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ﴾ (الروم: 8)، وقال: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ﴾ (آل عمران: 190)، وقال: ﴿أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ (الغاشية: 17 ـ 21)، وأقام لهم أعلامَ هدايةٍ، يفسِّرون لهم ما خَفِي عليهم من معاني آيات الله.
ولكنَّ بعض الناس اختار لنفسه طريقاً آخر، فأعرض عن آيات الله، واتَّبع هواه، مستَكْبِراً بعلمه، ومختالاً بفكره. وهكذا أعلن تكذيبه لآيات الله، ورفضه الامتثال لما جاء فيها، وعزمه على عدم اتِّباعها، فلا تراه يرتدع عن غيبةٍ، أو نميمة، أو فتنة، أو سفور، أو شرب خمر، أو خيانة، أو فاحشة، أو ظلم، أو معصية من معاصي الله.
كما أنّه لا يلتزم بطاعةٍ أو عبادة، فلا هو يقيم الصلاة، ولا يؤتي الزكاة، ولا يصوم، ولا يحجّ، ولا يجاهد…
لقد وسوس لهم الشيطانُ فاتَّبعوه، وأغراهم بالمعصية فأطاعوه.
لقد ركنوا إلى الدنيا، وغرَّتهم زينتُها وشهواتها، فاتَّبعوا أهواءهم، وحكَّموا آراءهم، غافلين عن أنّ «حبَّ الدنيا رأس كلِّ خطيئةٍ»، وكأنَّهم لم يسمعوا قولَ أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب(ع): «أخوفُ ما أخاف عليكم اثنان: اتِّباعُ الهوى؛ وطولُ الأَمَل».
مَثَل هؤلاء في هذه الحياة الدنيا كمَثَل الكَلْب، يلهث دائماً، وكأنَّه تَعِبٌ عطشان. وهؤلاء في حالة تعطُّشٍ دائمٍ لمزيدٍ من الشَّهوات ولذائذ الدنيا.
ويقولون: إنّ هذه الآية نزلَتْ في شخصٍ معيَّن من بني إسرائيل. ورُبَما كان ذلك صحيحاً، ولكنَّها قابلةٌ للانطباق على كلِّ مَنْ كذَّب بآيات الله، من الأوَّلين والآخرين. وقد ورد عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: «الأصلُ من ذلك بَلْعَم [بن باعوراء]، ثمَّ ضربه الله مَثَلاً لكلِّ مُؤْثِرٍ هواه على هوى الله من أهل القبلة».
اللهُمَّ، لا تجعل الحقّ والباطل متشابهَين علينا، فنتّبعَ هوانا بغير هُدىً منكَ، يا لطيفاً بالمؤمنين. والحمد لله ربِّ العالمين.