1 سبتمبر 2015
التصنيف : سلسلة (سؤال وجواب)
لا تعليقات
2٬965 مشاهدة

سؤال وجواب (13): هل يرى العرفاء الناس على حقيقتهم؟

(الأحد 30 ـ 8 ـ 2015م)

السلام عليكم في هذه الأيام أصبحنا نسمع الكثير من القصص العجيبة والغريبة حول كرامات الشيخ بهجت(ر). ومع كامل احترامي وتقديري له أشعر أنه بريءٌ مما ينسب إليه. لكن من أكثر الأمور غرابـة أن الكثير من المشايخ يقولون: إنـه كان يرى الإنسان على حقيقته، أو إنه يرى الكافر على هيئة خنزيرٍ أو حمار ـ أجلَّكم الله ـ. والحقيقة أنّي لا أصدق هذا ؛ لأني أعتقد أن الرسول(ص) لم يمتلك هذه القدرة؛ إذ إن القرآن الكريم يخاطبه ويقول له: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ (التوبة:101). فهل سماحتكم تصدِّقون هذه القصص، أم أنها مجرّد افتراءات على المرحوم الشيخ الجليل محمد تقي بهجت أعلى الله مقامه بحقّ محمد وآل محمد. آجركم الله.

أخي العزيز، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

ما ذكرته من استدلالٍ بالآية الشريفة صحيحٌ تماماً، فالنبيُّ الأكرم محمد(ص) قد حجب الله عنه بعض المعلومات لمصلحةٍ، فتصوَّر كيف ستكون حالُ إنسانٍ يعيش وسط مجموعةٍ من الخنازير والكلاب، بناءً على صحّة أنّ حقيقة الإنسان العاصي هي كذلك ـ وإنْ كان يمكن النقاش في ذلك أيضاً ـ!!

وقد أمر الله نبيَّه الأكرم أن يعلن على الملأ أنّه لا يعلم الغَيْب ـ ويُستثنى منه ما يتعلَّق برسالته، والدقّة في تبليغها ـ، فقال: ﴿قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ (الأعراف: 188).

ومن هذا المنطلق نحن نقول؛ انتصاراً للمنهج العلمي في التعاطي مع هذه الأمور: لا بُدَّ في كلِّ حالة ٍأو حادثة من دليلٍ على ثبوت كرامةٍ (تصرُّف في الكون، إخبار بالغَيْب، …إلخ) لأيِّ شخصٍ، حتّى الأنبياء والأوصياء(عم)، فإنّ من خصائص الأنبياء أنّهم يُزوَّدون بالمعجزات، ولكنْ هل يمكن نسبة كلِّ خارقٍ للعادة إلى أيّ نبيٍّ؛ بحجَّة أنّه مزوَّدٌ بالمعجزة من الله؟!

لا يمكن ذلك، بل لا بُدَّ من الدليل الواضح على أنّ هذه المعجزة بعَيْنها قد زُوِّد بها هذا النبيّ أو ذاك، فتكون من معجزاته.

فمثلاً: لا يمكن ادّعاء أنّ من معاجز النبيّ محمد(ص) أنّه يحيي الموتى، أو أنّ العصا تحوَّلت إلى ثعبان بين يدَيْه؛ إذ لم يقُمْ دليلٌ على حصول ذلك بالفعل.

وأمّا أنّ الله قادرٌ على أن يمنحه ذلك، فهذا ممّا لا شكَّ فيه، ولكنّ الكلام كلَّ الكلام في أنّه تعالى منحه ذلك بالفعل أو لم يمنحه؟

ونستطيع أن نعرف من القرآن الكريم أنْ ليس كلّ خارقٍ للعادة بمقدور الأنبياء أن يفعلوه، فها نحن نقرأ قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلاَلَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلاَئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً﴾ (الإسراء: 90 ـ 95).

وعليه فإنّ ما يُنسب إلى العلماء أو الصلحاء ـ سواء منهم الشيخ بهجت(ر) أو غيره ـ لا بُدَّ من محاكمته وفق المنهج العلميّ الرصين، بالسؤال عن الدليل والبرهان على الوقوع.

فإذا ثبت وقوعه ـ بالقَطْع، كما لو شاهد بعينه، أو حدَّثه العالمُ نفسه؛ أو بالظنِّ المعتَبَر، كما في خبر الثقة، ولكنْ بعد التأكُّد من انتفاء أسباب الشبهة أو الخطأ أو… ـ، فحينئذٍ يمكن عدُّ ذلك كرامةً ثابتة له.

وأمّا إذا لم يثبت الوقوع فلا يجوز الاعتقاد به، ولا الإخبار عنه، فإنّه كَذِبٌ محرَّم، بل إنّه يكون من الكَذِب على الله، حيث يُنْسَب إليه عزَّ وجلَّ أنّه أمكن (فلاناً العالِم) من هذا الأمر، وهو لم يفعل، فهذه نسبة فعلٍ إلى الله، وهو كَذِبٌ عليه، تماماً كما هو حال نسبة قولٍ إليه وهو لم يَقُلْه.

ولقد سمعنا بكثيرٍ من الأخبار تُنقَل عن الشيخ بهجت، وأنّه قد أنبأ عن بعض الحوادث القادمة، ولم تحصَلْ، بل حصل عَكْسُها تماماً.

وللمثال: راجِعْ مقالتنا: سيّدي الإمام موسى الصدر، يا رائدَ الصحوة الإسلاميّة في لبنان، رَحِمَك الله وإلى روحِك الطاهرة ثوابَ السورة المباركة الفاتحة، على الرابط التالي: http://dohaini.com/?p=136

نعوذ بالله من سخطه، وأن نكون من الكاذبين، عليه أو على غيره، والحمد لله ربِّ العالمين.



أكتب تعليقك