هل ذُكر آل النبيّ(ص) صراحةً في القرآن، التفسير الخاطئ لقوله: (سلامٌ على إلياسين)
(الأربعاء 26 ـ 8 ـ 2015م)
في مولد الإمام الثامن من أئمّة أهل البيت(عم)
عليّ بن موسى الرضا المرتضى(ع)
نتقدَّم بأسمى آيات التهنئة والتبريك من الإنسانيّة جمعاء
سائلين الله عزَّ وجلَّ أن يعيده علينا بالخَيْر واليُمْن والبَرَكة والرَّحمة
وبهذه المناسبة العَطِرة نتذاكر شيئاً من العلم؛ استجابةً لأمرهم(عم)
فقد نُسب إلى مولانا الرضا(ع) أنّه فسَّر قوله تعالى: ﴿سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ (الصافّات: 130) بأنّهم آلُ محمد(عم)، وبالتالي يكون آل محمد(عم) قد ذُكِروا صراحةً في القرآن الكريم.
فقد روى الصدوق(ر) في الأمالي: 615 ـ 626، عن عليّ بن الحسين بن شاذويه المؤدّب وجعفر بن محمد بن مسرور(رضما)، عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن الريّان بن الصلت، قال: حضر الرضا(ع) مجلس المأمون بمَرْو، وقد اجتمع في مجلسه جماعةٌ من علماء أهل العراق وخراسان، فقال المأمون: أخبروني عن معنى هذه الآية: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾(فاطر: 32). فقالت العلماء: أراد الله عزَّ وجلَّ بذلك الأمّة كلّها. فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال الرضا(ع): لا أقول كما قالوا، ولكني أقول: أراد الله العترة الطاهرة…. قال المأمون:…فهل عندك في الآل شيءٌ أوضح من هذا في القرآن؟ قال أبو الحسن(ع): نعم، أخبروني عن قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾(يس: 1 ـ 4)، فمَنْ عنى بقوله: ﴿يس﴾؟ قالت العلماء: ﴿يس﴾ محمد(ص)، لم يشكّ فيه أحدٌ. قال أبو الحسن(ع): فإن الله أعطى محمداً(ص) وآل محمد من ذلك فضلاً لا يبلغ أحد كنه وصفه إلاّ مَنْ عقله، وذلك أن الله لم يسلِّم على أحدٍ إلاّ على الأنبياء(صلوات الله عليهم)، فقال تبارك وتعالى: ﴿سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾، وقال: ﴿سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾، وقال: ﴿سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾، ولم يقُلْ: سلام على آل نوح، ولم يقُلْ: سلام على آل موسى، ولا على آل إبراهيم، وقال: (سلامٌ على آل ياسين)، يعني آل محمد(ص)….
ولكنْ اعتماداً على السياق القرآنيّ، الذي لا ينبغي إغفاله في معرض التفسير للآيات الشريفة، نشير إلى خطأٍ شائع بين المؤمنين، ألا وهو اعتقادهم بأنّ الآية 130 من سورة الصافّات تُقرأ بهذا الشكل: (سلامٌ على آل ياسين)، وهم أهل بيت النبيّ المصطفى محمد(ص)، بناءً على أنّ من أسمائه(ص) (ياسين)، وأنّه خوطب بهذا الاسم في أوّل سورة يس. مع الإشارة إلى أنّ هناك رأياً آخر في المقام ـ وهو احتمالٌ قويّ جدّاً ـ، وهو أن يكون قوله: ﴿يس﴾ مشابهاً لقوله: ﴿الم﴾، ﴿حم﴾، ﴿كهيعص﴾، فيكون من الحروف المقطَّعة، التي تعدَّدت الأقوال فيها وفي معناها ودلالاتها، فراجع مقالتنا: «الحروف المقطّعة عند السيد مصطفى الخميني(ر)، قراءةٌ وتقويم»([1]).
والصحيح أنّ الآية الكريمة هي: ﴿سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾، وهي تخصّ نبيَّ الله إلياس(ع)؛ إذ (إلياسين) لغةٌ في (إلياس)، كسينا وسينين([2])؛ وقد جاء في القرآن الكريم: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ﴾(المؤمنون: 20)، وهو يعني شجرة الزيتون، وفي آيةٍ أخرى: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ﴾(التين: 1 ـ 2).
والآيةُ الكريمة ﴿سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ في سياق الحديث عن أنبياء الله وجهودهم، وسلامِ الله عليهم: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ المُجِيبُونَ *…سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ *…وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ *…سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ *…وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ *…سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ *…وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ المُرْسَلِينَ *…سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ *…وَإِنَّ لُوطاً لَمِنْ المُرْسَلِينَ *…وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ المُرْسَلِينَ﴾(الصافّات: 75 ـ 148).
ولا علاقة لها من قريبٍ أو بعيد بأئمّة أهل البيت(عم)، حتّى لو وردَتْ رواياتٌ تؤكِّد علاقتها بهم؛ فهي روايات ضعيفةٌ ـ وإنْ كانت كثيرةً ـ، ومخالفةٌ للقرآن الكريم، أي مخالِفةٌ لما يُفهَم منه بلحاظ سياقه.
**********
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ