22 يناير 2016
التصنيف : منبر الجمعة
لا تعليقات
3٬504 مشاهدة

اللهُ جلَّ جلالُه: الخالق، المدبِّر، الوليّ

2016-01-22-منبر الجمعة#أمثال-الله جلَّ جلالُه، الخالق، المدبِّر، الوليّ

(الجمعة 22 / 1 / 2016م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين.

البعوضة معجزة القدرة الإلهيّة

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ﴾ (البقرة: 26).

هو مَثَلٌ جديد أراده الله أن يكون عبرةً لكلِّ كافرٍ ومتكبِّر وجبّار.

فالبعوضةُ هي أصغر مخلوقٍ عرفه البشر آنذاك، ورأَوْه بالعين المجرَّدة. وهكذا ضرب الله المَثَل بها، وبما فوقها في الحَجْم والقوّة.

وقد يُقال: إنّ المراد بـ (ما فوقها) ما دونها في الصِّغَر، فهو من حيث الصِّغَر في درجةٍ أرفع([1]).

ويُحتَمَل أن يكون قد اختار التمثيل بالبعوضة لأنّ هناك حيواناتٍ مجهريّةً حمراء اللون تعيش فوقها. وهذا ما أثبته العلمُ الحديث اليوم([2])، ولم يكن لهم به من علمٍ آنذاك. وحينها يكون قولُه تعالى: ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ إشارةً إلى هذه الحيوانات الصغيرة، التي كانت آنذاك سرّاً من الأسرار الكونيّة.

إذن هي دعوةٌ للتفكُّر في المخلوقات، بَدْءاً من أصغرها إلى ما هو أكبر منها.

وللبعوضة ـ أيُّها الأحبَّة ـ خصائصُ كثيرة، تدلُّ على أنَّها مخلوقٌ لخالقٍ عالم وحكيم.

فقد رُوي عن مولانا الصادق جعفر بن محمد(ع) أنه قال: «إنَّما ضرب الله المَثَل بالبعوضة؛ لأنّ البعوضة على صِغَر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كِبَره، وزيادة عضوين آخرين، فأراد الله أن ينبِّه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه، وعجيب صنعه»([3]).

فلنلاحِظْ خرطومَ هذا الحيوان الصغير، فهو يشبه خرطومَ الفيل، وهو أجوف، ذو فَتْحةٍ دقيقة جدّاً، وله قوّةٌ ماصّة تسحب الدم. وقد منح الله هذا الحيوان قوّةَ هضمٍ وتمثيل ودَفْع، كما منحه أطرافاً وأُذُناً وأجنحة تتناسب تماماً مع وضع معيشته. هذه الحشرة تتمتَّع بحساسيّةٍ تشعر معها بالخطر بسرعةٍ فائقة، وتفرّ عندما يداهمها عدوٌّ بمهارةٍ عجيبة، وهي مع صِغَرها وضعفها يعجز عن دفعها كبار الحيوانات، فضلاً عن الإنسان، مهما بلغت قوّتُه وسلطته([4]).

ويقولون: إنّ البعوضة تحيا ما جاعَتْ، فإذا سمنَتْ ماتَتْ، فكذلك القوم الذين ضُرب لهم هذا المَثَل، إذا امتلأوا من الدنيا ريّاً أخذهم الله عند ذلك، وذلك قولُه: ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾([5]) .

وقد شكَّل هذا المَثَل امتحاناً واختباراً للناس؛ فالذين آمنوا يعلمون أنّه الحقّ من الله، وعليهم أن يتَّعظوا به؛ وأمّا الذين كفروا فيهزؤون به، ويتساءلون مستنكرين: ما الذي يريده اللهُ من هذا التمثيل بالحَشَرة؟! وبذلك يتميَّز مَنْ يطلب الضلال ممَّنْ يطلب الحقّ والهُدى.

ولا يسعني هاهنا إلاّ أن أشير إلى ما جاء من رواياتٍ في تفسير هذه الآية، وبيان مصداقها، فقد روى عليُّ بن إبراهيم القمّي في (التفسير) بإسناده عن أبي عبد الله(ع)، أنّ هذا المَثَل ضربه الله لأمير المؤمنين(ع)، فالبعوضةُ هي أمير المؤمنين(ع)، وما فوقها هو رسولُ الله(ص)، والدليلُ على ذلك قوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾([6]).

وهذه الروايات مرفوضةٌ؛ لما تتضمَّنه من إهانةٍ للنبيّ الأكرم(ص) ولأمير المؤمنين(ع)، وإساءةٍ لمقامهما الرفيع عند الله جلَّ وعلا. نعوذ بالله من سخطه في تحقير نبيِّه ووليِّه، أو الكذب عليهم.

المَدعوُّون من دون الله: لا خَلْقٌ، ولا تدبير

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحجّ: 73 ـ 74).

إنّه لعَجَبٌ عُجاب ما يقوم به بعضُ الناس من عبادة غير الله، وتقديسه، واللجوء إليه في المُهمّات والشدائد، يتوسَّلون ويستشفعون به من غير دليلٍ أو برهانٍ على أنّ الله عزَّ وجلَّ قد آتاه مقام الشفاعة، وأَذِن له في أن يكون واسطةً في الرَّحْمة أو العَفْو أو المغفرة.

هكذا كان ديدنُ أهل الجاهليّة، يتَّخذون لأنفسهم أصناماً وأوثاناً، من حجارةٍ أو خشب أو حديد أو طعام، ويعبدونها من دون الله، ويقدِّمون إليها القرابين، ويركعون بين يدَيْها، ويخشَوْنها كأشدِّ ما تكون خشيةٌ.

وبعضُ الناس يتَّخذ من المخلوقين أمثالِه أصناماً وأوثاناً بشريّة، فيتَّبعهم من دون تفكيرٍ، ويلتزم أوامرَهم من دون تدبُّرٍ، ويرفعهم شيئاً فشيئاً ليصل بهم إلى مقام الآلهة أو قاب قوسَيْن من ذلك.

ويهزأ اللهُ بهؤلاء جميعاً، وفعلهم هذا، ويريد أن يبيِّن لهم ضَعْف هذه الأوثان ـ الحَجَريّة منها والبَشَريّة ـ، فضرب لهم مَثَلاً في غاية الرَّوعة والوضوح، وبيان حقيقة ضَعْف هذا الإنسان، فضلاً عمّا سواه من الجمادات.

فقال: يا بني آدم، سنضرب لكم مَثَلاً جديراً بأن تستمعوا له، وتتفكَّروا فيه، فإنّ فيه الحقَّ والحقيقة كلَّها.

إنّ الذين تدعون من دون الله، بشراً أو أصناماً، هم عاجزون عن أبسط الأمور. هم عاجزون عن أن يخلقوا كائناً صغيراً في حَجْم الذُّباب، فلا يقدرون على إيجاد شيءٍ من العَدَم. ولا زالوا إلى يومنا هذا لا يستطيع أكابر العلماء والمكتشفين إيجاد شيءٍ من العَدَم، وإنَّما قد يوجدون كثيراً من الأشياء، ولكنْ بالاستفادة من موادّ موجودةٍ ومخلوقة، واللهُ هو الذي خلقها.

وقد يقولون: ليس لهؤلاء مقام الخالقيّة، وإنَّما لهم مقام التدبير، وإدارة شؤون الكون.

وسُرْعان ما يأتيهم الجواب الإلهيّ الحاسم: إنّ هؤلاء أضعف وأعجز من أن يستردّوا من الذباب ما يسلبهم إيّاه، هم عاجزون عن خَلْقه وإيجاده، رغم صِغَر حجمه، وضَعْف بُنْيته، ومع ذلك هم عاجزون عن حماية أنفسهم من سَطْوته وغارته، فلو سلبهم بعضَ طعامهم أو شرابهم فلا يستطيعون استنقاذ ذلك منه. فأيُّ ضعفٍ وأيُّ وهنٍ أنتَ فيه يا ابنَ آدم؟!

وقد ورد في الروايات أنّ الوثنيّين من قريش نَصَبوا أوثانهم حول الكعبة، وأغرقوها بالمِسْك والعَنْبر، وأحياناً بالزَّعْفَران والعَسَل، وطافوا حولها، وهم يردِّدون: «لبَّيْك اللهمَُّ لبَّيْك، لبَّيْك لا شريك لك، إلاّ شريكاً هو لك، تملكه وما ملك». والبُعْد عن التوحيد واضحٌ في هذه التلبية، والشِّرْك مؤكَّدٌ فيها، فقد جعلوا هذه الموجودات التافهة شركاءَ لله الواحد الأحد، وهم يرَوْن الذباب يحوم عليها، ويسرق منها العَسَل والزَّعْفَران والمِسْك، دون أن تستطيع إعادةَ ما سُلب منها!!!([7]).

أيُّها المتكبِّر المتجبِّر، الشامخُ بأنفه، الثاني لعِطْفه، لقد خُلقتَ ضعيفاً، وستبقى مخلوقاً ضعيفاً، محتاجاً إلى الله جلَّ وعلا في كلِّ شؤونك. فاعرِفْ قَدْرَك، واعرِفْ قَدْرَ خالقك، وحقَّه عليك، وواجبَك تجاهه، وليكُنْ تصرُّفك على هذا الأساس.

ومن لطيف ما يُروى حول خَلْق الذُّباب أنّ المنصور العباسيّ قال يوماً لمولانا أبي عبد الله الصادق(ع)، وقد وقع على المنصور ذبابٌ، فذبَّه عنه، ثمّ وقع عليه فذبَّه عنه، ثمّ وقع عليه فذبَّه عنه، فقال: يا أبا عبد الله، لأيِّ شيءٍ خلق الله تعالى الذباب؟ قال: «ليذلّ به الجبّارين»([8]).

وقد رُوي عن النبيّ(ص) أنّه قال: «إذا وقع الذُّباب في إناء أحدكم فليغمسه؛ فإنّ في أحد جناحيه داءً، وفي الآخر شفاءٌ، وإنّه يغمس بجناحه الذي فيه الداء، فليغمسه كلَّه، ثمّ لينزعه»([9]).

ولا بُدَّ من التوقُّف مليّاً أمام هذه الروايات، التي تتعارض مع ما أثبته العلم الحديث من أنّ الذباب ـ بجميع أجزائه ـ يحمل الكثير من الميكروبات الضارّة، فينبغي أن يُجتَنَب ما يلاقيه، لأنّه ضارٌّ مؤذٍ، وكلُّ ذلك حرامٌ.

المُتَّخِذون وليّاً غير الله، في وَهْم القوّة والقدرة

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ﴾ (العنكبوت: 41 ـ 43).

الإنسانُ كائنٌ ضعيف، في وجوده وبقائه. فهو محتاجٌ إلى الخالِق ليخرج من طور العَدَم إلى الوجود. كما أنّه مفتقرٌ إلى الناصر والمعين، والمدبِّر لشؤونه، والراعي لجميع أموره، وذاك هو الوليّ.

والإنسانُ المؤمن لا يرى لغير الله ولايةً عليه، كما أنَّه لا يتولّى غيرَ الله، وذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ (المائدة: 55).

غير أنّ مَنْ لم يؤمن بالله خالقاً أو ربّاً أو إلهاً يستحقّ العبادة، وحده لا شريك الله، قد يتَّخذ وليّاً من دون الله، وهو يظنّ أنّ هذا المخلوق قادرٌ على أن يدفع عنه السُّوء، أو ينقذه من هَلَكةٍ، أو يأخذ بيده نحو الخير والكمال المنشود.

وقد ضرب اللهُ للناس مَثَلاً في هذا الشأن، فشبَّه كلَّ أولئك الذين يمكن أن يتَّخذهم بعضُ الناس أولياء من دون الله، يحبُّونهم كحبِّ الله أو أكثر، ويخشونهم كخشية الله أو أشدَّ خشيةً، ويعتمدون عليهم، ويسألونهم، ويتوسَّلون ويستشفعون ويستغيثون بهم، لقد شبَّههم بالعنكبوت، تلك الحشرة الضعيفة، التي تنسج خيوطها بترتيبٍ رائع، وزمنٍ ليس بالقصير، وهي تظنّ أنّه سيحميها، ويمنعها من أن تطالها يدٌ أو نحوها، فإذا بهذا البيت الهشّ يتمزَّق عند أدنى تماسٍ مع جسمٍ صَلْب، فيزول كأنْ لم يكن أصلاً. ذلك بيت العنكبوت، وهو أَوْهَنُ البيوت، لا يدفع حرّاً ولا برداً، ولا يُكِنُّ شخصاً، ولا يقي من مكروهٍ.

ولكنْ حبَّذا لو كان هؤلاء الذين يتَّخذون من دون الله أولياء وأنصاراً وأتباعاً يعلمون أنّ فعلهم هذا ما هو إلاّ كاتّخاذ العنكبوت بيتاً واهياً، وحينئذٍ لما اتَّخذوهم أولياء؛ إذ ليس لولاية أوليائهم إلاّ الاسم فقط، حيث لا ينفعون ولا يضرّون، ولا يملكون مَوْتاً ولا حياةً ولا نشوراً.

ورُبَما يُقال: إنّ في هذه الآية الكريمة إشارةً إلى الوَهْن المعنويّ الكامن في أسرة العنكبوت؛ حيث إنّ أنثى العنكبوت تطرد الذَّكَر (زوجها) من البيت بعد أن تنجب أولادها. فأيُّ وَهْنٍ أكبر من هذا؟!([10]).

ولا يقولَنَّ قائلٌ: وما أدرانا بصِحَّة هذا التمثيل؟ فالجوابُ: إنّ الله عالِمٌ بقدرة وقوّة هؤلاء الذين يتَّخذونهم أولياء من دونه، أليس هو الذي خَلَقهم؟! تبارك وتعالى من عزيزٍ حكيم.

لكنَّ المسألة تحتاج إلى قليلٍ من التدبُّر والتفكُّر. فهذه الأمثال لا يفهمها كما ينبغي إلاّ العالمون؟ فمَنْ هم هؤلاء؟

قالوا: هم آلُ محمد(ص)([11]).

وقالوا: هم العلماء بالله([12])، لا الجهلة الذين يهزؤون بما يضربه اللهُ للناس من مَثَلٍ حول العنكبوت والبعوضة والذُّباب.

ولا تعارُضَ بين القولَيْن، فالآيةُ عامّةٌ، تشمل كلَّ العلماء، وفي مقدَّمهم النبيّ(ص) وأهل بيته الطاهرين(عم)، فهم المصداق الأبرز للعلماء المتدبِّرين والمتفكِّرين في آيات الله جلَّ وعلا.

معلوماتٌ مهمّة حول العنكبوت: إنّ بيتَ العنكبوت ونسيج خيوطه المضروب به المَثَل هو نفسه من عجائب الخَلْق. والتدقيق فيه يعرِّف الإنسان على عظمة الخالق أكثر. فخيوط العنكبوت مكوَّنةٌ من مائعٍ لزج، وهذا المائع مستقرّ في حُفَرٍ دقيقة وصغيرة كرأس الإبرة تحت بطن العنكبوت. ولهذا المائع خصوصيّةٌ أنّه متى لامس الهواء جمد وتصلَّب. والعنكبوت تخرج هذا المائع بواسطة آليّاتٍ خاصّة، وتصنع خيوطها منه. ويقال: إنّ كلَّ عنكبوت يمكن لها أن تصنع من هذا المائع القليل جدّاً ما مقداره خمسمائة مترٍ من خيطها المفتول!

وقال بعضُهم: إنّ الوَهْن في هذه الخيوط منشؤه دقّتها القصوى، ولولا هذه الدقّة فإنّها أقوى من الفولاذ لو قدِّر أن تفتل بحجم الخيط الفولاذي. العجيب أنّ هذه الخيط تنسج أحياناً من أربع جدائل، كلُّ جديلة هي أيضاً منسوجةٌ أو مصنوعة من ألف جديلة، وكلُّ جديلة تخرج من ثقب صغير جدّاً في بدن العنكبوت. ففكِّروا الآن في هذه الخيوط التي تتكوَّن منها هذه الجديلة كم هي ناعمةٌ ودقيقة وظريفة؟!

وإضافة إلى العجائب الكامنة في بناء بيت العنكبوت ونسجه فإنّ شكل بنائه وهندسته طريفٌ أيضاً. فلو دقَّقنا النظر في بيوت العنكبوت لرأينا منظراً طريفاً مثل الشمس وأشعتها مستقرّة على قواعد هذا «البناء النسيجي»، وبالطبع فإنّ هذا البيت مناسبٌ للعنكبوت وكافٍ، ولكنَّه في المجموع لا يمكن تصوُّر بيتٍ أوهن منه. وهكذا بالنسبة إلى آلهة الضالّين ومعبوديهم؛ إذ تركوا عبادة الله، والتجأوا إلى الأصنام والأحجار والأوثان!!([13]).

اللهُمَّ، أنتَ وليُّنا في الدنيا والآخرة، فوفِّقنا لمت تحبّ وترضى، واختِمْ بالصالحات أعمالنا. وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالَمين.

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) ذكره أبو الليث السمرقندي في التفسير 1: 63، وقال: «وقال بعضهم»؛ وقال ابن كثير في تفسير القرآن العظيم 1: 68: «وهذا قول الكسائي وأبي عبيد، قاله الرازي وأكثر المحقِّقين».

([2]) راجِعْ: الإعجاز العلمي في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها﴾، من أبحاث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بدولة تركيا 1432هـ ـ 2011م، للأستاذ الدكتور مصطفى إبراهيم حسن، أستاذ علم الحشرات الطبّية، مدير أبحاث ناقلات الأمراض، في كلّية العلوم ـ جامعة الأزهر، على الرابط التالي:

http://www.eajaz.org/index.php/Encyclopedias/Research-Scientific-Miracles-Encyclopedia/Medicine-and-Life-Sciences/146-%D8%A8%D8%B9%D9%88%D8%B6%D8%A9-%D9%81%D9%85%D8%A7-%D9%81%D9%88%D9%82%D9%87%D8%A7

http://vb.tafsir.net/tafsir404/#.VbeVwbVf3uY

([3]) رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان في تفسير القرآن 1: 135، معلَّقاً.

([4]) ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزَل 1: 138 (بتصرُّفٍ وزيادة).

([5]) الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 1: 111، حيث قال: وقال الربيع بن أنس: هذا مثلٌ ضربه الله للدنيا؛ لأن البعوضة تحيا ما جاعت…؛ وراجِعْ: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 1: 135.

([6]) رواه عليّ بن إبراهيم القمّي في التفسير 1: 34 35، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن المعلّى بن خنيس، عن أبي عبد الله(ع)….

([7]) ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزَل 10: 400.

([8]) رواه الصدوق في علل الشرائع 2: 496، عن محمد بن عليّ ماجيلويه، عن عمّه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عمَّنْ ذكره، عن الربيع صاحب المنصور….

([9]) رواه الحسن بن الفضل الطبرسي في مكارم الأخلاق: 152، معلَّقاً مرفوعاً.

ورواه أحمد بن حنبل في مسنده 2: 229 230، عن بشر بن مفضل، عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(ص): «إذا وقع الذُّباب في إناء أحدكم فإنّ في أحد جناحيه داءً، وفي الآخر شفاءٌ، وإنّه يتقى بجناحيه الذي فيه الداء، فليغمسه كلَّه». ورواه كثيراً بأسانيد مختلفة. وكذلك رواه البخاري بلفظٍ مشابه في الصحيح 4: 100.

([10]) وجاء في ويكيبيديا الموسوعة الحرّة، الإعجاز العلمي في بيت العنكبوت: وبعد أن تتم مرحلة التزاوج، وينتهي الذكر من تلقيح الأنثى، تقوم الأُنثى بقتل الذَّكَر وأكله…. ويحدث ذلك بين كثير من أنواع العناكب وأكثرها شهرة عنكبوت الأرملة السوداء، وهذا الأكل لا بُدَّ أن يتمّ؛ حيث إن أنسجة الذكر مهمّة في عملية إنضاج البيض. وفي بعض أنواع العناكب تترك الأنثى الذكر ليعيش في العشّ بعد عملية التلقيح؛ ليقوم الأبناء بقتله وأكله بعد أن يخرجوا من البيض. وفي بعض الأنواع الأخرى تقوم الأنثى بتغذية صغارها، حتّى إذا اشتد عودهم قتلوا أمَّهم وأكلوها. وفي حالات أُخرى تلتهم الأنثى صغارها دون أدنى رحمةٍ!

وفي بعض الأنواع تموت الأنثى بعد إتمام إخصاب بيضها…, وعندما يفقس البيض تخرج فتجد نفسها في مكان شديد الازدحام…, فيبدأ الإخوة الأشقّاء في الاقتتال؛ من أجل الطعام، أو من أجل المكان، أو من أجلهما معاً، فيقتل الأخ أخاه وأخته, وتقتل الأخت أختها وأخاها، حتّى تنتهي المعركة ببقاء عدد قليل من العنيكبات…. وبذلك يثبت أن بيت العنكبوت من الناحية المعنوية هو أوهن بيتٍ على الإطلاق، فهو بيت محروم من معاني المودّة والرحمة، التي يقوم على أساسها كلُّ بيتٍ سعيد. راجِعْ:

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D8%AC%D8%A7%D8%B2_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%8A_%D9%81%D9%8A_%D8%A8%D9%8A%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D9%83%D8%A8%D9%88%D8%AA

([11]) ذكره عليّ بن إبراهيم القمّي في التفسير 2: 150.

([12]) ذكره الطبرسي في جوامع الجامع 2: 771. ثمّ قال: ورُوي عن النبي(ص) أنه تلا هذه الآية فقال: «العالم الذي عقل عن الله، فعمل بطاعته، واجتنب سخطه».

وقال الطبرسي في مجمع البيان في تفسير القرآن 8: 28: وروى الواحدي بالإسناد عن جابر قال: تلا النبيّ(ص) هذه الآية، وقال: «العالم الذي عقل عن الله، فعمل بطاعته، واجتنب سخطه».

وجاء في بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث: حدَّثنا داوود بن المحبر: حدَّثنا عبّاد، عن ابن جريج، عن عطاء وأبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، أنّ النبيّ(ص) تلا هذه الآية: ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ﴾ قال: «العالم الذي عقل عن الله عزَّ وجلَّ، فعمل بطاعته، واجتنب سخطه».

([13]) ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزَل 12: 395 ـ 396.



أكتب تعليقك