27 يناير 2016
التصنيف : سلسلة (سؤال وجواب)
لا تعليقات
2٬415 مشاهدة

سؤال وجواب (16): ما هو حكم مَنْ يكفِّر مسلماً؟

صورة لمقالة موقعي

(الأربعاء 27 / 1 / 2016م)

أخي الحبيب، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

ما ذكرتَه من أنّ العامّة يروون هذا الحديث صحيحٌ. ويمكن مراجعة الكثير من مصادرهم الحديثيّة، كصحيح البخاري، وصحيح مسلم، ومسند أحمد بن حنبل، وموطَّأ مالك، وغيرها. وهم يروونه عن عبد الله بن عمر.

كما أنّه يُروى عن غير ابن عمر، وهو ما ذكره الهيثمي في (مجمع الزوائد 8: 73)، حيث قال: «وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله(ص): ما من مسلمين إلا وبينهما ستر من الله، فإذا قال أحدهما لصاحبه هجراً هتك ستره، وإذا قال: يا كافر فقد كفر أحدهما. رواه الطبراني والبزّار باختصارٍ، وفيه يزيد بن أبي زياد، وحديثه حَسَنٌ، وفيه خلاف، وبقيّة رجال البزّار ثقات.

وعن أبي ذرّ أنه سمع رسول الله(ص) يقول: لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلاّ ارتدَّتْ عليه إنْ لم يكن صاحبه كذلك. رواه أحمد والبزّار، ورجالُه رجال الصحيح.

وعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله(ص): إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فهو كقتله. رواه البزّار، ورجاله ثقات».

إذن فالحديث صحيح السند، ومضمونه واضحٌ في أنّ التكفير ذنبٌ كبير يستوجب خروج فاعله من ربقة الإسلام إلى مذهب أهل الكفر.

وأمّا في الروايات الشيعيّة فليس هناك حديثٌ نبويّ في هذا الشأن. ولكنَّ هذا المعنى يظهر في أحاديث أهل البيت(عم)، الذين تلقُّوا العلم عن رسول الله(ص)، كابراً عن كابر (الابن عن أبيه)، فحديثُهم حديثُ النبيّ(ص).

فقد روى الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب (المؤمن: 67)، معلَّقاً (أي دون ذكر الواسطة؛ فالحسين بن سعيد من أصحاب الإمامين الرضا والجواد(عما)، ولا يمكن أن يروي عن الإمام الصادق(ع) بلا واسطة، وهي هنا مفقودةٌ) عن أبي عبد الله [الصادق](ع) أنه قال: لو قال الرجل لأخيه: أفٍّ لك انقطع ما بينهما. قال: فإذا قال له: أنتَ عدوّي فقد كفر أحدهما، فإن اتَّهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء.

وهذا الإسناد ضعيفٌ؛ للتعليق؛ ولعدم ثبوت نسبة نسخة كتاب (المؤمن) التي بأيدينا اليوم للحسين بن سعيد الأهوازي.

وروى الكليني في (الكافي 2: 170 ـ 171)، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله(ع) ـ في حديثٍ طويل ـ أنّه قال: … وإذا قال: أنت عدوّي كفر أحدهما، فإذا اتّهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء…، الحديث.

وهذا الإسناد صحيحٌ أو حَسَنٌ على المشهور؛ حيث يرَوْن أنّ إبراهيم بن هاشم ثقةٌ، أو ممدوحٌ يمكن الاعتماد على رواياته. بينما نرى أنّ هذا الإسناد ضعيفٌ؛ للتوقُّف في روايات إبراهيم بن هاشم؛ لأسبابٍ ذُكرَتْ في محلِّه.

ورُوي هذا المضمون في مصادر أخرى، وبأسانيد أخرى، ولكنَّها ضعيفةٌ، فلم نجِدْ ضرورةً لاستعراضها في هذه العجالة.

ومع ذلك كلِّه فإنّ مضمون هذا الحديث صحيحٌ مقبول، فإنّ فلسفة هذا المآل، وهو كفر المكفِّر للمؤمنين، أنّ الله عزَّ وجلَّ يقول في محكم كتابه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: 10)، وهذا يقول: أنتَ أيُّها المؤمن عدوّي، ولستَ أخي، فتكون المعادلة أنّ الله يقول، وهذا يقول بخلاف قول الله، وفي هذا رُوح الكفر بالله العظيم، وكتابه الكريم، وشرعه القويم.

وأمّا أنّ هذا ينطبق على ما يجري اليوم في عالمنا الإسلامي من تكفيرٍ متبادَل بين المسلمين فللأسف الشديد يحاول البعضُ إخراجَه من سياق مثل هذه الأحاديث؛ حيث يحاولون التفريق بين (المسلم) و(المؤمن)، فالمسلم مَنْ نطق الشهادتين فقط، والمؤمن من أكملهما بالشهادة الثالثة بولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)، وحينها تكون الأُخوّة ثابتةً بين المؤمنين، دون المسلمين، ومن هنا يبيحون لأنفسهم تكفير المخالفين (أي السُّنَّة).

وهذا تفسيرٌ خاطئ؛ فما ذُكر في القرآن بعنوان (المؤمن) المقصود به (المسلم)، ويشمل أهل الخلاف (أي غير الشيعة الإماميّة). وهذا ما ذهب إليه السيِّد الخوئي(ر).

وفَّقنا الله وإيّاكم لمراضيه، والسعي الدؤوب في بيان الحقّ، بعيداً عن لغة التكفير والتضليل والتفسيق، والسُّباب واللَّعْن، فتلك حِرْفةُ العاجز، وهي لا تجدي نفعاً، بل إنّها تعود بالضَّرَر البليغ على الإسلام وأهله.



أكتب تعليقك