رحلتا الإسراء والمعراج: إعجازٌ إلهيّ، وأبعادٌ معرفيّة
(الجمعة 6 / 5 / 2016م)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
الإسراء والمعراج في القرآن والسنّة
يحدِّثنا القرآن الكريم عن هذه الرحلة الأرضيّة ـ السماويّة بجملةٍ مختَصَرة، ولكنّها ذات دلالاتٍ عظيمة: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (الإسراء: 1).
والإسراء هو السَّيْر في الليل، إذن هي رحلةٌ ليلية، لعبد الله ـ ومقام العبوديّة أرفع مقامٍ عند الله، ولهذا عبَّر به عن نبيِّه الأكرم محمد(ص) في أكثر من آيةٍ ـ، من المسجد الحرام، وهو مكّة، وليس المراد المسجد حيث الكعبة المشرَّفة، إلى المسجد الأقصى، أي الأبعد عن مكّة، فكأنْ لا مسجد آخر في ما بعد تلك المنطقة آنذاك.
وهذا المسجد هو بيت المقدس، كما في رواياتٍ كثيرة، وليس شيئاً آخر.
وميزة هذا المسجد أنّ الله بارك حوله، وكأنّها إشارةٌ إلى وظيفة المساجد في المجتمع، فليست البركة في أحجارها وأعمدتها، وإنَّما في ما تحدثه من تغيُّراتٍ وتحوُّلات في المجتمع، ينقلب معها مجتمعاً مباركاً كريماً نزيهاً.
والهدف من هذه الرحلة أن يريه الله بعض آياته في هذا الكون.
إذن هي رحلةٌ معرفيّة، رحلةٌ تربويّة.
وهكذا تنتهي رحلة الإسراء، وهي السَّيْر الأفقي في الليل من بلدٍ إلى آخر، لتبدأ رحلة المعراج، وهو سيرٌ عاموديّ في السماوات السبع، بطريقةٍ إعجازيّة خارجةٍ عن المألوف في الحركة، وفي فترةٍ قصيرة جدّاً. ﴿ولَقَدْ رَأَى [في هذه الرحلة بعضاً] مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ (النجم: 18).
وعليه فهي أيضاً رحلةٌ معرفيّة، تتكفَّل الروايات بذكر كثيرٍ من أحداثها، وإنْ كان هناك شكٌّ في بعض تلك الأحداث.
وبما أنّ رحلة المعراج تضمَّنت ـ بحَسَب ما نقلته كتب الحديث ـ بياناً لبعض العقائد والتشريعات فإنَّه يمكننا أن نعتبر هذه الرحلة قضيّةً تاريخيّة وعقائديّة وتشريعيّة.
إذن هما رحلتان: أرضيّة؛ وسماويّة؛ من أجل زيادة معرفة النبيّ(ص) بأسرار هذا الكون الفسيح، ولتبثّ في نفسه المقدَّسة، وقلبه الشريف، الاطمئنان والسكينة.
الإسراء والمعراج، بين الخيال والواقع
قد يقول بعض المشكِّكين: إنّ هذه القصة إنَّما هي أشبه بقصّةٍ خيالية، من الصعب تصديقها؛ ورُبَما يرى البعض استحالة ذلك. فكيف يمكننا إقناعهم بصحّة هذه الحادثة؟ وكيف استطاع النبيّ(ص) أساساً إقناع قومه بحدوث هذه الرحلة؟
والجواب: إنّ كلّ المعجزات هي من خارج دائرة المألوف، بل رُبَما كان بعضُ الناس يتوهَّمون أنَّها غير معقولة، وأنّه لا واقعيّة لها، بل هي سِحْرٌ. فقد خاطب بنو إسرائيل موسى، ﴿وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ (الأعراف: 132).
وفي آيةٍ أخرى يحدِّثنا اللهُ عمّا جرى لكليمه موسى(ع)، فيقول: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ * فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ (النمل: 12 ـ 13).
وكذلك عانى من هذه التُّهمة روح الله عيسى(ع): ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ (الصفّ: 6).
وصولاً إلى النبيّ الأكرم محمد(ص)، حيث ينبِّئنا الله عمّا لقيه من تُهَمٍ في هذا المجال، فيقول: ﴿اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ﴾ (القمر: 1 ـ 3).
وفي آيةٍ أخرى: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ﴾ (يونس: 2).
وفي آيةٍ أخرى: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ (ص: 4).
إذن ليس المهمّ أن يكون الحَدَث مألوفاً، بل المطلوب أن يكون مستدَلاًّ، أي من حقِّك أن تسأل: ما هو الدليل على وقوعها؟
1ـ لقد حدَّث النبيّ(ص) أصحابَه، والمشركين، بما رأى في رحلتَيْه: الأرضيّة؛ والسماويّة([1])، وهو الذي لم يزُرْ بيت المقدس من قبلُ، فعَلِم الذين زاروه أنَّه قد ذهب إليه فِعْلاً.
2ـ القرآن الكريم يحدِّثنا عن وقوع هاتين الرحلتين، ونحن ـ كمسلمين ـ نعتقد صدق القرآن، وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يدَيْه ولا من خلفه، فهو تنزيلٌ من الله العليم الخبير.
نعم، القرآن لا يذكر تفاصيل هاتين الرحلتين، وإنَّما تتعرَّض لذلك بعض الروايات، التي ينبغي دراستُها ومحاكمتها بمنهجيّةٍ علميّة واضحة؛ للوصول إلى الحقائق الثابتة.
ونحن نعترف أنّ بعض الروايات التي تتحدَّث عن تفاصيل الرحلة مبتلاةٌ بضعف السند، وبعض الخلل في المضمون، فقد لا نلتزم بكلِّ تلك التفاصيل، ولكنّ أصل القضية والحادثة ثابتٌ بلا شكٍّ ولا رَيْب.
المسجد الأقصى مهدُ الأنبياء والرسالات
أشرنا في ما سبق إلى أنّ المسجد الأقصى كان أبعد بيتٍ لله عن مكّة المكرَّمة، فكأنَّه لا مسجد بعده، والمسير الليليّ إليه يحقِّق رؤية أكبر قدرٍ ممكن من آيات الله، وهي الهدف والغاية لهذه الرحلة. تماماً كما أُري إبراهيم الخليل(ع) ﴿مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ﴾ (الأنعام: 75).
ولا ننسى أنّ المسجد الأقصى وما حوله من بلاد الشام ومصر شكَّل مهد أغلب الأنبياء السابقين، ولا سيَّما الذين ذُكروا في القرآن الكريم. ويُقال: إنّه «جُمع للنبيّ(ص) في بيت المقدس مَنْ شاء الله من الأنبياء، وتحدَّث إليهم جميعاً»([2]). ولم تبيِّن لنا الآيات أو الروايات طبيعة هذا الحديث، ولكنَّه ـ بناءً على صحّة هذا القول ـ سيكون حديثاً مفيداً. يعني هو أشبه بمؤتمرٍ نبويّ رساليّ كونيّ، يحضره جميع الأنبياء، ولكلٍّ تجربتُه الخاصّة. وهكذا توضع كلُّ هذه التجارب بين يدَيْ النبيّ الخاتم محمد(ص).
وقد لا نستطيع تشخيص الحكمة الكاملة والكامنة خلف هذه الرحلة. واللهُ هو العالم.
مشاهد التعذيب، بين الخوف والرَّجاء
يدّعي الكثيرون أنّ قصّة المعراج تتضمَّن مشاهد مرعبة اطَّلع عليها النبيّ(ص)، كما في تعذيب وعقاب المذنبين بأساليب غايةٍ في القسوة([3]). ويرَوْن أنّ هذه المشاهد تؤدِّي إلى ردَّة فعلٍ سلبيّة تجاه الله سبحانه وتعالى. وقد يقول أحدهم: وهل هناك اليوم ـ أي قبل قيام الساعة ـ جنّةٌ أو نار؟
والجواب: إنّنا قد لا نوافق على بعض المشاهد التي تنقل في حديثٍ هنا أو هناك؛ لعدم الدليل الصحيح على صدور ذلك من المعصوم(ع)، الذي لا ينطق عن الهَوَى؛ ولعدم انسجام تلك المشاهد مع بعض العقائد أو التشريعات اليقينيّة.
كما في نزول الماء من ساق العرش الأيمن، وتلقّي النبيّ(ص) له باليمين، ومن أجل ذلك صار أوّلُ الوضوء اليمنى([4]). وهذا يتنافى مع عقيدتنا بأنّ عرش الرحمن هو سلطتُه وقدرتُه، وليس هناك عرشٌ مجسَّم، له ساقٌ أو يمين أو شمال.
وكما في تشريع الصلوات الخَمْسين، ثمّ تخفيفها بطلبٍ من النبيّ(ص)، بعد أن أشار عليه موسى بذلك؛ لأنّ أمّته لن تطيقها، حتَّى وصلَتْ إلى الفرائض الخمس لا غير([5])، ففاتتنا مصالحُ الصلوات الباقية!!! مع العلم أنّ النصّ القرآني تكفَّل تحديد أوقات الفرائض بما لا يدعُ مجالاً للشكّ في أنّها خمس فرائض لا أكثر.
وأمّا كون المشاهد ـ مشاهد أهل النار والعذاب ـ مرعبةً، وتنعكس سلباً على العلاقة بالله سبحانه وتعالى، فإنّنا نؤكِّد على مطلوبيّة الخوف، والرَّهْبة، والخَشْية، والتَّقوى، والحَذَر، من الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 175)، ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ (البقرة: 40)، ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ (الأحزاب: 37)، ﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنْ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ (الزمر: 16)، ﴿فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النور: 63)، ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الأَلْبَابِ﴾ (الزمر: 9)، ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ (البقرة: 235)، ﴿وَيُحَذِّرُكُمْ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ (آل عمران: 30).
إذن الخوف مطلوبٌ، ولكنْ أيُّ خوفٍ؟ خوف الإصلاح، لا خوف السقوط والانهيار؛ الخوف الذي يقترن بالرجاء والأمل برحمةِ الله وعفوه ومغفرته: ﴿يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾.
ولا ننسى أن بعض المشاهد التي تعرَّضت لها أحاديث المعراج تبعث على الأَمَل، والطَّمَع برحمة الله، كالذي يُروى من «أنّ النبيّ(ص) سمع مَلَكاً يؤذِّن ويقول: حيَّ على الصلاة، فقال تعالى: صدق عبدي، ودعا إلى فريضتي، فمَنْ مشى إليها، راغباً فيها محتسباً، كانت له كفّارةً لما مضى من ذنوبه، فقال: حيَّ على الفلاح، فقال الله: هي الصلاح والنجاح والفلاح…الخبر»([6]).
ويروى أيضاً في حديث المعراج بيانُ رفع الآصار، حيث قال الله تعالى: «وإنّ الرجل من أمَّتك ليذنب عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو مائة سنة، ثمّ يتوب ويندم طرفة عينٍ، فأغفر له ذلك كلَّه…الخبر»([7]).
المبعث النبويّ والإسراء والمعراج، دروسٌ مستفادة
بما أنّ هاتين الحادثتين لم تقعا عَبَثاً ولَغْواً، وإنّما كانتا لحكمةٍ وهدفٍ سام، فلا بُدَّ بعد التفكُّر والتعرُّف على أهدافهما من الاستفادة منها قدر الإمكان.
1ـ يُروى عن النبيّ(ص) أنّه قال: «إنّما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق»([8]). فهذا هو الهدف الأسمى للبعثة النبويّة المحمديّة الشريفة. إذن كلّما سعينا للتحلّي بمكارم الأخلاق نكون قد حصلنا على الفائدة العمليّة المرتجاة لتلك الحادثة.
2ـ أيضاً النبيّ(ص) تحمَّل في سبيل القيام بمسؤولية الدعوة والتبليغ على أكمل وجهٍ الكثيرَ من الأذى، الجسدي والنفسي، حتّى رُوي عنه أنّه قال: «ما أُوذي نبيٌّ مثل ما أُوذيتُ»([9]). فلكي نحصل على الفائدة العمليّة من هذه الحادثة لا بُدَّ أن نوطِّن أنفسنا على تحمُّل كافّة المشقّات والصعوبات، والأذى والضَّرر الذي قد يصيبنا، ونحن نتابع مسيرة هذا النبيّ العظيم، في نشر العقيدة الصحيحة، والشريعة السمحاء.
3ـ وأيضاً تضمَّنت كلتا الحادثتين سَيْراً تفكُّريّاً ومعرفيّاً للنبيّ(ص). ومن الضروريّ أن نستفيد من هاتين الحادثتين في إحياء هذه النزعة التفكُّريّة والمعرفيّة في نفوس أبناء هذه الأمّة، ولا سيَّما أتباع هذا النبيّ العظيم؛ فإنّها سبيلٌ عريضة إلى الرقيّ والتحضُّر والنصر.
4ـ ولا ننسى خطابَ الله جلَّ جلالُه لنبيِّه الأعظم محمد(ص): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107)، وليس للمسلمين فحَسْب. إذن ينبغي أن نقتدي بهذا النبيّ الرحيم والعطوف والرؤوف والحريص على أمّته، بل العالمين جميعاً، فنكون الرحماء في ما بيننا، ونسعى لنشر ثقافة المحبّة والرأفة والرحمة، بعيداً عن الخصومة والشِّقاق والفتنة.
5ـ ونستوحي من لقاء النبيّ الأكرم(ص) بجميع الأنبياء السابقين في بيت المقدس، وصلاته بهم، وحدة الأديان السماويّة كافّة، وهذا ما أكَّدته الآية الكريمة: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ﴾ (آل عمران: 19)، وقوله تعالى: ﴿لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ (البقرة: 285)، وقوله جلَّ وعلا: ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ * قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (البقرة: 135 ـ 137).
إذن فلنلْتَقِ على الكلمة السواء، والقواسم المشتركة، وهي كثيرةٌ؛ استجابةً لأمر الله تبارك وتعالى، حيث يقول: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لا نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ (آل عمران: 64). وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالَمين.
**********
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) راجع: مسند أحمد بن حنبل 1: 374، 3: 377 ـ 378؛ والأمالي (للصدوق): 533 ـ 534.
([2]) رواه عليّ بن إبراهيم في التفسير 2: 3 ـ 4، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(ع)، مرفوعاً.
([3]) ربما يكون ذلك إشارةً إلى هذه المقاطع من حديث المعراج:
1ـ في حديث المعراج قال(ص): رأيتُ امرأةً يُحرَق وجهُها ويداها، وهي تأكل أمعاءها، وأنها كانت قوّادةً.
2ـ في حديث المعراج قال(ص): أما المعلَّقة بلسانها فإنها كانت تؤذي زوجها.
3ـ في حديث المعراج قال النبيّ(ص): ثمّ مضيتُ، فإذا أنا بأقوامٍ لهم مشافر كمشافر الإبل، تقرض اللحم من جنوبهم، وتلقى في أفواههم، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هؤلاء الهمّازون اللمّازون…الخبر.
4ـ في حديث المعراج قال رسول الله(ص): ثمّ مضيتُ، فإذا أنا بنسوانٍ معلَّقات بثديهنَّ، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هؤلاء اللواتي يُورِثْنَ أموال أزواجهنَّ أولاد غيرهم.
5ـ في حديث المعراج قال(ص): فإذا أنا بأقوامٍ تُقذَف النار في أفواههم، وتخرج من أدبارهم، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبرئيل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً…إلخ.
6ـ في حديث المعراج قال(ص): ثمّ مضيتُ، فإذا أنا بأقوامٍ تُرضَخ رؤوسُهم بالصخر، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال: هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء.
7ـ في حديث المعراج قال(ص): ثمّ مضيتُ، فإذا أنا بأقوامٍ يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر من عظم بطنه، فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبرئيل؟ قال: هؤلاء ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ﴾ (البقرة: 275).
والمقاطع الخمسة الأخيرة رواها عليّ بن إبراهيم في التفسير 2: 3 ـ 7، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(ع)، مرفوعاً ـ في حديثٍ طويل ـ.
([4]) رواه الصدوق في علل الشرائع 2: 312 ـ 315، عن أبيه ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن أبي عمير ومحمد بن سنان، عن الصباح السدي وسدير الصيرفي ومحمد بن النعمان مؤمن الطاق وعمر بن أذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام؛ وعن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب ويعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى، عن عبد الله بن جبلة، عن الصباح المزني وسدير الصيرفي ومحمد بن النعمان الأحول وعمر بن أذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام، مرفوعاً.
([5]) رواه عليّ بن إبراهيم في التفسير 2: 3 ـ 12، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(ع)، مرفوعاً.
([6]) رواه عليّ بن إبراهيم في التفسير 2: 3 ـ 12، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(ع)، مرفوعاً.
([7]) رواه الطبرسي في الاحتجاج 1: 314 ـ 330، معلَّقاً عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه(عم)، عن الحسين بن عليّ(عما)، عن أمير المؤمنين عليّ(ع)، مرفوعاً.
([8]) قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 15: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(ص): إنما بعثت لأتمِّم صالح الأخلاق. رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. ورواه البزّار، إلا أنه قال: لأتمِّم مكارم الأخلاق. ورجاله كذلك، غير محمد بن رزق الله الكلوداني وهو ثقةٌ.
([9]) رواه محمد بن همام الإسكافي في التمحيص: 4، معلَّقاً مرفوعاً.