26 أغسطس 2016
التصنيف : مقالات فكرية، منبر الجمعة
لا تعليقات
3٬160 مشاهدة

وسائل التواصل الاجتماعي، حدودٌ وضوابط

(الجمعة 26 / 8 / 2016م)(الجمعة 14 / 7 / 2017م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

1ـ حكم وسائل الإعلام والتواصل

أـ من وسائل الإعلام ما هو متمحِّضٌ في الفساد، كالأفلام الخلاعيّة وقصص الغرام المبتذلة وكتب الضلال ونحوها.

وحكم هذه الوسائل أنّه يحرم كتابتها، وبيعها، وشراؤها، وإهداؤها، وقبول هديّتها، واقتناؤها بأيّ نحوٍ، ومشاهدتها، وقراءتها….

ب ـ هناك وسائل إعلام مشتركة، بحيث يمكن للإنسان أن ينتفع بها منفعةً محلَّلة ومقصودة للعقلاء، كسماع الأخبار، ونحو ذلك، كما يمكن لآخرين أن يستفيدوا منها في الباطل واللهو واللغو والمحرَّم من النظر والاستماع، كالغناء والموسيقى والفحش من القول والابتذال في الملبس وغيره. وهذه الوسائل من قبيل: الراديو، والتلفزيون، والإنترنت (فايسبوك، ونحوه)، والكمبيوتر، والتلفون (واتسآب وأمثاله)، وغيرها من وسائل الإعلام والتواصل.

وحكم هذه الوسائل أنّه يجوز بيعها، وشراؤها، وتملُّكها بأيّ نحوٍ. ولكنْ يحرم منها الانتفاع الحرام، فلا يجوز استماع الغناء والموسيقى و…، في حين يجوز الاستماع إلى قراءة القرآن والعزاء والمحاضرات والدروس والمقابلات المفيدة.

والنتيجة: إنّ اقتناء هذه الوسائل ذات المنافع المشتركة (المتعدِّدة والمتنوِّعة) جائزٌ وحلال.

خلافاً لما يحكم به بعض الفقهاء ـ كما جاء في موقعه الرسمي كجوابٍ على استفتاءٍ وُجِّه إليه) من حرمة الاشتراك في الفايسبوك؛ لأنّه من قبيل: كتب الضلال، التي لا فائدة محلَّلة تُرجى منها، وهي متمحِّضةٌ في الفساد والإفساد.

وهذا خطأٌ واشتباه في التشخيص والتطبيق، فالفايسبوك من الوسائل المشتركة، وليس متمحِّضاً في الفساد، بل ليست مفسدته أكبر من مصلحته؛ فإذا أحسن المؤمنون والمؤمنات استعماله كان منبراً عالميّاً لكلمات الله، وحججه على عباده.

2ـ الحدود الشرعيّة في التعاطي مع وسائل الإعلام والتواصل

قبل استعراض خطوات التعاطي مع وسائل التواصل أودُّ التنبيه إلى أنّه من الضروريّ بمكانٍ المشاركة في هذه الوسائل؛ لأجل المساهمة الفاعلة في نشر الدين الحنيف، والمواجهة المؤثِّرة للمدّ الانحرافي، في كافّة المستويات: العَقْديّة والشرعيّة والأخلاقيّة…

أـ التأسيس والهدف

حَرِيٌّ بالمؤمن والمؤمنة أن يكون في كلِّ علاقاته هادفاً لنيل رضا الله سبحانه وتعالى، ومتقرِّباً إليه.

ومن هنا فإنّ الهدف من مشاهدة التلفاز، أو التواصل الاجتماعي عبر المواقع المتعدِّدة له، قد يكون اللَّهْو وتضييع الوقت، وتلك خسارةٌ في الدنيا، وحَسْرةٌ في الآخرة.

فقد رُوي عن النبيّ(ص) «أنّه يُفتح للعبد يوم القيامة على كلِّ يوم من أيام عمره أربعة وعشرون خزانة ـ عدد ساعات الليل والنهار ـ؛ فخزانةٌ يجدها مملوءة نوراً وسروراً، فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور ما لو وُزِّع على أهل النار لأدهشهم عن الإحساس بألم النار، وهي الساعة التي أطاع فيها ربَّه؛ ثمّ يفتح له خزانةٌ أخرى، فيراها مظلمةً منتنة مفزعة، فيناله عند مشاهدتها من الفَزَع والجَزَع ما لو قُسِّم على أهل الجنة لنغَّص عليهم نعيمها، وهي الساعة التي عصى فيها ربَّه؛ ثمّ يُفتَح له خزانةٌ أخرى، فيراها فارغةً، ليس فيها ما يسرُّه ولا ما يسوؤه، وهي الساعة التي نام فيها أو اشتغل فيها بشيءٍ من مباحات الدنيا، فيناله من الغبن والأسف على فواتها حيث كان متمكِّناً من أن يملأها حسناتٍ ما لا يوصف، ومن هذا قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ»([1]).

وقد يكون الهدف الإفادة والاستفادة، من خلال نشر تعاليم الله عزَّ وجلَّ، ووصايا الأنبياء والأولياء والعلماء، والاطّلاع على كثيرٍ من المواضيع المفيدة والهادفة، في كلِّ المجالات.

هنا يكون لتأسيس الصفحة والنشر فيها وإدارتها ومتابعتها هدفٌ سامٍ، ومشروعيّةٌ موصوفة.

وفي طور التأسيس لصفحةٍ أو مجموعة هناك بعض الخطوات المطلوبة، نتعرَّض لبعضها:

1ـ التسمية

وهنا نلاحظ أنّ كثيراً من المشتركين لا يظهرون بأسمائهم الحقيقيّة، ولا يبرزون هويّتهم الأصليّة. والسؤال الذي يطرح نفسه هاهنا: لماذا يفعلون ذلك؟

الانطباع الأوّل هو أنّ هؤلاء لا يثقون في أنفسهم وفي قدراتهم فيتَّخذون من التخفّي غطاءً لهفواتهم. وبعبارةٍ أخرى: هم يستحيون من الناس؛ من جرّاء ما سيقعون فيه من سَقَطات؛ لأنّهم غير قادرين على تجنُّبها. إذن هم ذوو شخصيّةٍ ضعيفة هزيلة غير مقتدرة، وبالتالي لا يريدون ظهور ذواتهم على هذه الحقيقة المرّة.

والانطباع الثاني هو أنّ التخفّي يوحي بأنّ في نيّة صاحبه أن لا يكون مستقيماً في أقواله وأفعاله، فيترك مجالاً لإنكار نسبة القول أو الفعل المُشين إليه.

كلا هذين الانطباعين يكشف عن صفاتٍ مذمومة في الشخصيّة، وعلى المؤمن أن يبتعد عنها.

كما أنَّه يَحْرِم نفسه من نسبة الكثير من الأقوال والأفعال الجيِّدة والقيِّمة إلى نفسه، وهذا حقُّه الطبيعيّ، وليس من الفَخْر أو الكِبْر المذموم، وإنَّما هو حقٌّ مقدَّس له، ولا ينبغي له أن يفرِّط فيه.

وهنا قد يُقال: إنّ لإخفاء الهويّة الشخصيّة إيجابيّاتٌ كثيرة، ومنها:

أـ التخفّي في العمل القُرْبي، حيث يكون العمل في ترويج تعاليم الدين سرّاً مع الله؛ منعاً للرياء والعُجْب، وهما مبطلان للعمل، ومحبطان للثواب.

ب ـ منع المجاملات الشخصيّة من قِبَل بعض أصدقاء ومعارف الناشر، فيكون للقارئ كامل الحرِّيّة والاختيار في الإعجاب بالمنشور أو لا.

والجواب عن ذلك: لو سلَّمنا بأنّ ذلك صحيحٌ على إطلاقه فإنّ لإخفاء الهويّة الشخصيّة سلبيّاتٌ كثيرة أيضاً، ومنها:

أـ انعدام أو قلّة مصداقيّة الخبر الذي ينشره شخصٌ مجهول، بخلاف ما لو نشره شخصٌ معروفٌ بسمعته الطيِّبة، وتديُّنه، وعلمه، ومكانته الاجتماعيّة والثقافيّة.

ب ـ إتاحة الفرصة للخبثاء والمندسِّين في الدخول إلى هذه الصفحة؛ لإنشاء صداقةٍ خادعة، أو بثّ منشورٍ مسيء، أو حكمٍ دينيّ خاطئ، فإنّه لا يعتريهم الخوف من انفضاح أمرهم، كما لا يهابون المواجهة مع شخصٍ لا يعرفون عنه شيئاً. وهذا بخلاف ما لو كانت هويّة صاحب الصفحة واضحةً، وكان من العلماء أو المثقَّفين أو الوجهاء، فإنّهم يحسبون لمواجهته والإساءة إليه ألف حسابٍ.

2ـ وضع صورة للصفحة

نتفهَّم ونقدِّر امتناع الأخوات المؤمنات عن وضع صورهنَّ الشخصيّة في هذه المواقع؛ لئلاّ تُستغلَّ بشكلٍ سيِّئ، كما نسمع عن ذلك كثيراً.

مضافاً إلى ما يمكن أن يُطرَح من الناحية الفقهية من وجوب ستر المرأة لوجهها، وإنْ خالف في ذلك كثيرون، وهو الصحيح؛ حيث لم تفعله سيِّدة نساء العالمين(عا) ولا بناتُها من بعدها.

ولكنْ لماذا يفعل ذلك الشباب؟!

يتولَّد عن فعلهم هذا نفس الانطباعين المتولِّدين من إخفاء الاسم والهويّة، وقد تقدَّم الحديث في ذلك مفصَّلاً فلا نعيد.

وضع الصور والرموز الدينيّة

وهنا يعمد البعض (وهو كثيرٌ جدّاً) إلى وضع الصور الدينية المقدَّسة، كالمساجد، والكتب السماويّة، ومقامات النبيّ والأئمّة(عم)، وصور المراجع والعلماء، وشعارت المذهب الحقّ، مقامَ صورهم الشخصيّة.

وهنا لا بُدَّ من التنبيه إلى أنّ ذلك يتنافى مع المنشورات اللَّهْويّة والعَبَثيّة، حتَّى ولو لم تكن محرَّمةً.

كُنْ أنتَ وكوني أنتِ، وانشرا ما يليق بكما؛ وأمّا أن تنسب نفسكَ، أو تنسبي نفسكِ، إلى جهةٍ جليلة ومحترمة، وتنشر، أو تنشري، ما هو عديم الاحترام أو قليله، كالنُّكات السخيفة، والتعليقات المسيئة، أو التي تنمّ عن جهلٍ وحقدٍ وافتراء على الناس والمذاهب والأديان، فهذا يُسيء إلى الجهة التي تنتسبان إليها.

ب ـ التلقّي

في التلقّي للمعلومات والبوستات لا ينبغي السماح لكلّ الناس، ولا سيَّما إذا كانت الصداقات واسعة، بالنشر في الصفحة، لأنّ ما يُنشر في الصفحة يمثِّل صاحبها، شاء أو أبى.

كما أنّ المتلقَّى يترك أثره في النَّفْس والرُّوح والسلوك اليومي، بشكلٍ قهريّ، فقلَّما ينجو من تأثيراته أحدٌ. ولذلك كان تحريم الاطّلاع على كتب الضلال لمَنْ لا يحرز (يقطع ويجزم) بعدم تأثُّره بها. كما لا يجوز الاستماع إلى الغناء، مع أنّه لن يؤدّي إلى الحرام من المرّة الأولى لاستماعه، بل ربما لم يؤدِّ إليه بعد مرّاتٍ عديدة، ومن هنا نجد في الروايات التعبير بأنّ «الغناء ينبت النِّفاق في القلب، كما ينبت الماء البَقْل»([2]). فكما أنّ النبات لا يظهر بسرعة، وإنّما تحتاج البذرة أيّاماً ـ وقد تصل إلى شهرٍ ـ حتّى تظهر، فكذلك أثر الغناء السيّئ يظهر بعد فترةٍ من الاستماع إليه.

ج ـ النَّشْر

صاحب الصفحة مسؤولٌ عمّا يُنشَر على صفحته، ولذلك فهو مطالَبٌ بمراقبتها على الدوام، وأن لا ينشر عليها إلاّ ما يتوافق مع أحكام الشريعة، وما ثبتت صحّته من الأخبار والروايات، واجتهادات المجتهدين، وإلاّ كان ذلك ترويجاً للباطل.

من هنا فما يُرسَل أحياناً بعنوان (انشروها، ولكم الأجرُ والثواب)، ويُطلب إرساله لـ 10 أشخاص، ليس ملزِماً، سواءٌ كان كلاماً حقّاً أو باطلاً.

ومن أسوأ ما نشاهده في بعض هذه الرسائل الدعاء على مَنْ لا ينشرها، وكأنَّ له الولاية على المُرسَل إليه، بحيث يصبح مكلَّفاً بنشرها وإرسالها، وإلاّ فعليه ما عليه من الوزر والآثام. إنّها قلّةُ أدب، وإساءةٌ في القول والعمل، غفر الله لأصحابها، ولكنْ ينبغي تنبيههم إلى خطئهم؛ كي لا يتمادَوْا فيه.

وهنا أجد لزاماً عليّ التنبيه إلى ضرورة توخّي الاحتياط والحَذَر في نشر المعلومات الحسّاسة، التي قد يستفيد منها مُنْشِئُو هذه المواقع. فهؤلاء لم ينشئوا هذه المواقع لخدمة عباد الله، وإنَّما فعلوا ذلك طَلَباً للربح الوفير الذي تحقِّقه، وطَمَعاً في الشُّهْرة، وإحكاماً للقبضة الأمنيّة المعلوماتيّة على شعوب العالم أجمع. وقد حقَّقوا ذلك بالفعل. فعلى الجميع أن يستحضروا دائماً أنّ هذه المواقع مراقبة، ومتابعة، وكلّ معلومةٍ تنشر فيها يمكن أن تساهم في بعض الجرائم والأذى والضرر للمؤمنين والأبرياء، وهو محرَّمٌ. فالدقّةُ والحَذَرُ واجبان في هذا المجال.

كما ينبغي الالتفات إلى أنّ على المؤمن أن لا يكثر من نشر اللَّهْويّات واللَّغْويّات (نُكات، و…)، ولو كانت حلالاً، حتّى لا يتحوَّل إلى شخصيّةٍ تهريجيّة مضحكة، وهذا يتنافى مع المروءة واللياقة والاحترام، وهي صفاتٌ يجب توافرها في المؤمن والمؤمنة؛ حفظاً للكرامة والحرمة والعزَّة. وللحديث تتمّةٌ إنْ شاء الله تعالى، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.

**********

الهوامش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) رواه ابن فهد الحلِّي في عدّة الداعي: 103، معلَّقاً عن النبيّ(ص).

([2]) رواه ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللآلي 1: 244.



أكتب تعليقك