13 يناير 2017
التصنيف : مقالات عقائدية، منبر الجمعة
لا تعليقات
3٬271 مشاهدة

شبهاتٌ في الميزان

(الجمعة 13 / 1 / 2017م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين.

المجاهرة بلعن أعداء أهل البيت(عم)

كثر في الآونة الاخيرة أن نسمع ونشاهد على بعض القنوات الفضائيّة بعض الخطباء والعلماء يجاهرون بلعن أعداء أهل البيت(عم)، وكذا نشهد تزايداً ملحوظاً لذلك في بعض صفحات التواصل الاجتماعي، فهل يجوز ذلك؟

ورد في الأثر: «تخلَّقوا بأخلاق الله»([1]). ومن أخلاق الله التي ظهرت في القرآن الكريم أن لا يلعن قوماً بأسمائهم، وإنّما يلعن فئةً بما فعلوا، فيقول مثلاً: ﴿أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. فمَنْ كان ظالماً شملَتْه هذه اللعنة وعَرَفَت طريقها إليه، دون أن تستفزّ أحداً، أو تستدعي ردّة فعلٍ غير مرضيّة.

وقد نهى سبحانه وتعالى صراحةً المؤمنين عن أن يسبُّوا الأصنام، وهي معبودات أهل الجاهليّة، لئلا تكون ردّةُ فعلهم سبَّ الذات الإلهيّة المقدَّسة، فقال عزّ وجل: ﴿وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ.

كما أنّ أهل البيت(عم) نهَوْا شيعتهم عن التعرُّض بالشتم والسبّ واللعن لأعدائهم جهاراً؛ خوفاً من ردّة الفعل العنيفة من الطرف الآخر، التي ستتمظهر بسبّ وشتم ولعن أهل البيت(عم). وقد قيل لمولانا الصادق(ع): يا بن رسول الله، إنّا نرى في المسجد رجلاً يعلن بسبِّ أعدائكم ويسمِّيهم؟ فقال: «ما له ـ لعنه الله ـ يعرِّض بنا»([2]).

ومن هنا ذهب علماؤنا إلى وجوب ممارسة التقيّة في هذه الأمور، فقد قال الشيخ الصدوق(ر): «اعتقادنا في التقيّة أنّها واجبةٌ، مَنْ تركها كان بمنزلة مَنْ ترك الصلاة… وقال الله تعالى : ﴿وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ، وقال الصادق(ع) في تفسير هذه الآية : لا تسبّوهم فإنّهم يسبُّون عليَّكم، وقال(ع): مَنْ سبَّ وليَّ الله فقد سبَّ الله، وقال النبيّ(ص) لعليٍّ: مَنْ سبَّك يا عليّ فقد سبَّني، ومَنْ سبَّني فقد سبَّ الله تعالى. والتقيّةُ واجبةٌ لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم(ع)، فمَنْ تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله ودين الإماميّة، وخالف الله ورسوله والأئمّة. وسُئل الصادق عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ قال: أعملُكم بالتقيّة»([3]).

ومن هنا يظهر أنّ ما يحصل على بعض القنوات الفضائيّة، التابعة لشيعة أهل البيت(عم)، أو في بعض صفحات التواصل الاجتماعي، من تَجاهُرٍ باللعن والسبِّ لأعداء أهل البيت(عم)، أمرٌ مذموم، لا ينبغي للشيعيّ الموالي لأهل البيت(عم)، المطيع لأوامرهم، المقتدي بنهجهم وسلوكهم، أن يقوم به.

هدانا الله جميعاً لما فيه الخير والصلاح، ووفَّقنا الله وإيّاكم لطاعته ومراضيه، إنّه سميعٌ مجيب.

جلسات السَّهَر طريقٌ إلى جهنَّم

قال النبيُّ(ص): «يا أبا ذرّ، إنّ الرجل يتكلَّم بالكلمة في المجلس ليُضحكهم بها، فيهوي في جهنّم ما بين السماء والأرض»([4]). فما هو معنى هذا القول؟

بالنسبة لما جاء في هذا الحديث فإنّ الكلام هو مرآة نفس الإنسان، يعكس من خلاله رضاه وسخطه، فرحه وحزنه، التزامه وانضباطه الأخلاقيّ والدينيّ وعكسهما.

وما دام الإنسان لم يتكلَّم فلا حساب عليه، ولا ممسك لأحدٍ عليه، فكما قال أمير المؤمنين عليّ(ع): «الكلامُ في وثاقك ما لم تتكلَّم به، فإذا تكلَّمْتَ به صرتَ في وثاقه»([5])، أي أسيراً له، وتؤاخَذ به.

وعندما تكثر السهرات وجلسات الفراغ والبطالة، وما أكثرها هذه الأيام، يعمد الساهرون إلى قضاء وقتهم في الحديث المتشعِّب، ولا تحلو السهرات سوى بالأخبار الجديدة والطازجة.

فتكون الغيبة، وهي ذكرك أخاك بعيبٍ مستور فيه ويكره ظهوره. ويفرح القوم لهذا الخبر الجديد الذي يمكنهم استغلاله في الضغط على ذلك المسكين.

ويكون الحديث عن بعض الأسرار التي وصلَتْ إلى أسماع البعض بحكم وظيفته أو موقعه الدينيّ أو الاجتماعيّ، وهكذا قد تصل هذه الأسرار إلى العدوّ، فيستفيد منها في تدمير مقدرات الأمّة، والقضاء على خطط المجاهدين. لكنَّ المهمَّ أن يفرح القوم، ويكون المخبِر نجمَ السهرة.

وهكذا يتمّ الحديث عن بعض العلاقات العاطفيّة الحميمة هنا أو هناك ـ وأخصّ بالذِّكْر المشروعة منها ـ، مع ما في ذلك من هتكٍ لكرامةِ فتاةٍ أو امرأة.

أو يتمّ تمضية الوقت، ولا سيَّما في ليالي الشتاء الطويلة، بالطرائف (النِّكَت) المضحكة، وليست المشكلة مع مطلق الطرائف، وإنّما هي مع الطرائف التي تتناول قضايا الجِنْس، وعلاقات الرجل والمرأة، و…

وتطول قائمة الكلام والحديث الفارغ، البعيد عن أيِّ هدفٍ عقلائيٍّ سامٍ، والمهمّ في ذلك كلِّه أن يفرح الساهرون، ويعيدوا السهرة غداً وبعد غدٍ.

وهكذا يغرق الجميع شيئاً فشيئاً، ومن حيث لا يحتسبون في المعاصي والكبائر، والمصير حينذاك جهنّم.

والأدهى في ذلك كلّه أن كثيراً من هؤلاء الساهرين ممَّنْ يدَّعون الإسلام والإيمان، وربما يكونون من مرتادي المساجد، و…

لكنّ الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً، هؤلاء ليسوا خاسرين فحسب، بل هم الأخسرون، أي الأكثرُ خسارةً يوم القيامة.

وعن إمامنا الباقر(ع) أنّه قال: «يكتفي مَنْ انتحل التشيُّع أن يقول بحُبِّنا أهل البيت؟! فوالله ما شيعتنا إلاّ مَنْ اتَّقى الله. وما كانوا يعرفون، يا جابر، إلاّ بالتواضع، والتخشُّع، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والتعهُّد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن الناس إلاّ من خير، فكانوا أُمَناء عشائرهم في الأشياء»، فقال جابر: يا بن رسول الله، لستُ أعرف أحداً بهذه الصفة!! فقال(ع): «يا جابر، لا تذهبنَّ بك المذاهب، حَسْبُ الرجل أن يقول أحبُّ عليّاً وأتولاّه؟! فلو قال: إنّي أحبّ رسول الله!! فرسولُ الله خيرٌ من عليّ، ثم لا يعمل بعمله، ولا يتَّبع سنَّته، ما نفعه حبُّه إيّاه شيئاً. فاتقوا الله، واعملوا لما عند الله. ليس بين الله وبين أحدٍ قرابة. أحبُّ العباد إلى الله، وأكرمهم عليه، أتقاهم له، وأعملهم بطاعته. والله ما يُتقرَّب إلى الله تعالى إلاّ بالطاعة. ما معنا براءةٌ من النار، ولا على الله لأحد من حجّة. مَنْ كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومَنْ كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، ولا ينال ولايتنا إلاّ بالورع والعمل»([6]).

أعاننا الله على أنفسنا بما يعين به الصالحين على أنفسهم.

متى ينتهي العالَم؟

نسمع بين حينٍ وآخر مَنْ ينذر الناس بأنّ القيامة ستقوم يوم كذا في سنة كذا، أو أنّ نهاية العالم ستكون في اليوم الفلاني من السنة الفلانيّة، فما هو موقف الدين الحنيف من هذه الإشاعات؟ وهل يمكن أن تكون صحيحةً؟

نحن المؤمنون لا تخيفنا هذه التوقُّعات؛ لا لأنّنا نؤمن بأنّنا سننتقل إلى حياةٍ أفضل من هذه الحياة فحَسْب؛ بل لأنّنا على يقينٍ بأنّ القيامة لن تقوم قبل ظهور القائم من آل محمّد المهديّ المنتظر(عج)، يطلب بثارات دين الله من البغاة والكفرة، وسيحكم العالَمَ أجمع، ويعمّ العدلُ في دولته، ويُؤخَذ الحقُّ للمظلوم من الظالم.

ومدّة حكمه على أقلّ تقدير ـ كما في الروايات ـ سبع سنين، ونحن ـ ومن موقعنا الشرعيّ ـ نبشِّر كلَّ الخائفين من نهاية العالم ونقول: لا نهاية للعالم قبل سبع سنوات من اليوم، بل من كلّ يومٍ يسبق ظهور القائم من آل محمد(عج).

وهكذا دائماً أضيفوا على تاريخكم سبع سنوات، واعلموا أنّه لا قيامة ولا نهاية للعالَم قبل ذلك.

هذا تحدٍّ منّا لكلّ مَنْ يروِّج هذه الدعايات، وهدفُهم منها ـ في ما نعتقد ـ تشكيك الناس في القيامة، فعندما لا يصيب توقُّعهم في المرّة الأولى والثانية والثالثة وهكذا مَنْ ذا سيصدِّق بعد ذلك ما يقوله علماء الدين، المبشِّرين والمنذرين، عن وجود يوم قيامة وحساب. أوّلُ ما سيواجهونه ضحك وسخرية الناس من هكذا كلامٍ، بعد أن ثبت كذب مثله لمرّات ومرّات.

غير أنّ هذا حقٌّ ثابت في القرآن والروايات، بل يحكم به العقل؛ ليجازى المسيء، ويثاب المحسن، وإلاّ كان ظلماً لمَنْ عمل الصالحات أن يكون مع الذي أساء وجنى ما جنى من الموبقات.

إذن نعتقد أنّ هذه التوقُّعات صنيعة مخابراتٍ ثقافيّة تريد أن تشكِّكنا في يوم القيامة والحساب، ولكنّ إيماننا يفضحها ويكذِّبها.

ولَيْتَ بعض العلماء الكبار ـ أمثال المراجع والمجتهدين المعروفين ـ يدخلون في مثل هذا التحدّي لهذه التنبُّؤات، ما يقلب المشهد من تشكيك الناس في المعتقدات الإلهيّة إلى إيمانٍ راسخ بهذه المعتقدات، ولكنْ من دون توقيتٍ محدَّد لزمانها.

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) بحار الأنوار 58: 129.

([2]) الصدوق، الاعتقادات في دين الإماميّة: 107.

([3]) المصدر نفسه.

([4]) الطوسي، الأمالي: 536 ـ 537.

([5]) نهج البلاغة 4: 91.

([6]) الفتّال النيسابوري، روضة الواعظين: 294.



أكتب تعليقك