24 مارس 2017
التصنيف : منبر الجمعة
لا تعليقات
4٬543 مشاهدة

سلسلة الاجتهاد الحديث الواعي (3): معاملة المسلمين لغيرهم، بِرٌّ ورحمة أم تنكيلٌ ونِقْمة؟

 (الجمعة 24 / 3 / 2017م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين.

ولا يزال الحديث في بعض التصرُّفات التي يقوم بها بعض الإسلاميِّين ـ والذين يوصَفون بالإرهاب والتكفير؛ لذلك ـ، والمستنكَرة من قِبَل الكثيرين، غير أنّ لها جَذْراً وأصلاً في التراث الحديثيّ الضخم عند المسلمين، بل يُفتي بها بعضُ الفقهاء أيضاً، غير أنّهم عاجزون عن القيام بها.

مقدّمة: التكفير ظاهرةٌ (دينيّة) بامتيازٍ

يتقاذف أهل المذاهب والأديان فيما بينهم، تضليلاً، وتفسيقاً، وتكفيراً أيضاً. غير أنّ بعض هؤلاء أكثر وضوحاً وصراحةً، وأشدّ حمأةً، وأمضى عزيمةً، وأوضح التزاماً بما يؤمنون به، فيتعاملون مع أهل المذاهب الأخرى، وأهل الأديان السابقة على الإسلام، بما يقتضيه إيمانهم والتزامهم «الديني» من عنفٍ وقسوة وغِلْظة، واستباحةٍ للأنفس والأموال والأعراض، بينما يواري آخرون من أهل المذاهب حقيقة معتقداتهم، ويتَّقون مخاطر الإفصاح عنها ومساوئه، معتبرين ذلك من الحكمة والحِنْكة. غير أنّ الحقيقة الساطعة التي لا ينبغي النقاش فيها هي أنّ جميع هؤلاء تكفيريّون تفسيقيّون تضليليّون، وبرتبة الامتياز.

أصناف الكفّار

يقسِّم فقهاء المسلمين مَنْ لا يؤمن بدين الإسلام المحمّدي إلى صنفَيْن:

1ـ المشركين، كعَبَدة الأوثان والسيخ والهندوس والبوذيّين، والملاحدة، وحكمهم «أنّه يجب دعوتهم إلى كلمة التوحيد والإسلام، فإنْ قبلوا وإلاّ وجب قتالهم وجهادهم إلى أن يسلموا، أو يقتلوا وتطهر الأرض من لَوْث وجودهم. ولا خلاف في ذلك بين المسلمين قاطبةً»([1]).

2ـ أهل الكتاب، وهم: اليهود والنصارى، ويلحق بهم المجوس والصابئة، وحكمهم «أنّه يجب مقاتلتهم حتّى يسلموا، أو يعطوا الجِزْية عن يدٍ وهم صاغرون»([2]).

وعليه يتَّضح أنّ الفقهاء يعتبرون المشرك أو الكتابيّ الذي لا يدفع الجِزْية حَرْبيّاً([3])، أي في حالة حربٍ مفتوحةٍ مع المسلمين، فيجيزون قتله، ويبيحون ماله ونساءه؛ لمجرَّد أنّه لم يعتنق دين الإسلام.

وذلك مخالفةٌ واضحةٌ لقوله تبارك وتعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة: 256)، وهي من القواعد القرآنيّة الأساس، التي ينبغي أن ترتكز عليها وتدور مدارها كثيرٌ من الأحكام الشرعيّة.

وذلك تعطيلٌ صريحٌ وواضح لحكم الله جلَّ وعلا، حيث يقول: ﴿وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ (الكهف: 29).

وذلك تغييبٌ كلّيٌّ لما أخبر الله عزَّ وجلَّ به من سنَّته الثابتة في هذا الكَوْن، حيث يقول: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (يونس: 99)، وكذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ (هود: 118 ـ 119).

بل لقد أبدع الفقهاء وتفنّنوا في ذكر وسائل إبادة الكفّار الحربيّين عن بِكْرة أبيهم([4]).

أهل الذمّة تحت القهر والإذلال

ولا يظنَّنَّ أحدٌ أنّ أهل الذِّمَّة ـ وفق رؤية الفقهاء ـ يعيشون بين المسلمين باحترامٍ، وإنّما يؤخَذون بألوانٍ من القهر والإذلال:

1ـ هم محكومون بالنجاسة البدنيّة، كالبول والغائط والكلب والخنزير([5]).

2ـ لا يُبدأون بسلامٍ، ويُضْطَرُّون إلى أضيق الطرق، ولا يُصَدَّرون في المجالس([6]).

3ـ يُلزَمون بالتمايز عن المسلمين في الثياب والمراكب ومَشْط الشَّعْر والكُنى([7]).

4ـ ليس لهم أن يعلوا في دورهم على دور المسلمين، بل لا يساوونها أيضاً([8]).

5ـ لا يحقّ لهم بناء المعابد([9]). ومع ذلك يُمنَعون عند بعض الفقهاء من دخول المساجد([10])، علماً أنّ النبيّ(ص) استقبل نصارى نجران في مسجده، بل سمح لهم بالصلاة فيه([11])؛ كما أنّ أمير المؤمنين عليّاً(ع) لم يمنع الخوارج ـ وهم كفّارٌ بحَسَب فتوى الفقهاء ـ من دخول مسجد الكوفة، حتّى قتله أحدهم فيه؛ كما أنّ الإمام الصادق(ع) كان يحاور الملاحدة والزنادقة في المسجد الحرام، ولا يمنعهم من دخوله، أو يزجرهم لكي يخرجوا منه([12]).

6ـ لا حرمة لأموالهم، فيمكن للمسلمين أخذها بأيّ وجهٍ، ولو كان باطلاً في شريعة الإسلام، فإنّ ذلك استنقاذٌ للمال من يد مَنْ لا ينبغي أن يكون مالٌ بين يدَيْه([13]).

7ـ هم ملزَمون بأن لا يجاهروا بدفن موتاهم، والندب والنياحة عليهم([14]).

8ـ تؤخذ منهم الجِزْية؛ للنجاة من القتل والاستعباد والسَّلْب([15]).

مدى حجِّية العهد العُمَري!

وخلاصة القول: إنّ معظم ما شهدناه من الفتاوى القاسية بحقّ نظرائنا في الخَلْق، أعني بهم الكفّار، سواءٌ كانوا من أهل الكتاب أم لا، مستندٌ إلى العهد الذي أبرمه الخليفة عمر بن الخطّاب مع أهل الجزيرة من أهل الكتاب([16])، وقد ألزموا فيه أنفسهم ببعض الأمور التي لم يرِدْ عن النبيّ(ص) أنّه ألزمهم بها.

بل لقد شهدت علاقة النبيّ(ص) بالنصارى، ولا سيَّما نصارى نجران ـ علماً أنّه ورد في بعض الروايات، التي يصحِّحها بعض الفقهاء، أنّ نصارى نجران هم شرُّ النصارى([17]) ـ رحمةً وإحساناً، وتسامحاً دينيّاً قلَّ نظيره؛ فلقد أدخلهم(ص) مسجده، وسمح لهم بالصلاة وضرب الناقوس فيه، وناظرهم وحاورهم في أمر المسيح وغيره، ثمّ دعاهم للمباهلة أمام الله، وجعله حَكَماً بينهم، وتواعدوا لها، ولكنّهم انسحبوا منها، وقالوا لرسول الله(ص): «نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة»، فصالحهم النبيّ(ص) على الجِزْية، وانصرفوا([18]). فليس النبيّ هو الذي فرض عليهم الجِزْية ابتداءً وابتداراً، وإنّما هم مَنْ طلب رضاه؛ ليعفيهم من المباهلة، فوضع عليهم هذه الضريبة الماليّة.

فهل لذاك العهد العُمَريّ من الحجِّية ما يجعل الفقهاء يعتمدون عليه في فتاواهم وأحكامهم؟! ولا سيَّما أنّه يتضمَّن ما هو على خلاف مصلحة الإسلام وأهله، فأيُّ مصلحةٍ في أن يُمنع أهل الكتاب من تعليم أولادهم القرآن؟!

وهل أنّ عهداً مع أهل الجزيرة من أهل الكتاب يكون ملزِماً لأهل الكتاب في أرجاء المعمورة؟!

وهل أنّ إلزام أولئك لأنفسهم ملزِمٌ لغيرهم من الأجيال اللاحقة عليهم، والتي قد لا ترتضي ما ارتضَوْه لأنفسهم، ولا سيَّما أنّ فيه إذلالاً وقهراً وشدّةً لا داعي لها، بل هي على خلاف سماحة الإسلام ومفاد آيات الكتاب العزيز.

تكفير أهل الإسلام

ولا يقف الأمر بالفقهاء عند حدّ تكفير أهل الأديان السابقة على الإسلام، بل يحكمون بكفر مَنْ يتشهَّد الشهادتين من أهل المذاهب الإسلاميّة؛ لمجرَّد اختلافٍ في بعض الآراء العَقْديّة والأحكام الشرعيّة([19]).

فأمّ المؤمنين عائشة قد ألَّبَتْ الناس على عثمان؛ لخلافاتٍ شخصيّة بينهما، وإذا بها تجاهر بقولها: «اقتلوا نعثَلاً فقد كَفَر (= فقد فَجَر)»([20])، وتعني بذلك عثمان، وقد شبَّهته بذلك الرجل اليهوديّ الفاسد. ولعلَّ قولَها هذا هو أوّل تكفيرٍ عَلَنيّ لمسلمٍ يتشهَّد الشهادتَيْن، ولكنَّه لا يعمل بسُنَّة رسول الله(ص). في حين أنّ أمير المؤمنين عليّاً(ع) رفض هذا النهج التكفيري، وما سيتبعه من إباحة الدم، فأرسل الحسنَيْن(عما) لفكّ الحصار عن دار الخليفة، وإيصال الماء إليه، ومنع الهجوم عليه، مع أنّه كان يراه منحرفاً وفاسداً، ولكنّه(ع) ما كان يرتضي مثل هذا السلوك الشائن بين المسلمين.

والخوارج الذين رفضوا ما آلت إليه الأمور في صفِّين بعد التحكيم، مع أنّهم هم الذين أصرّوا على تحكيم كتاب الله الصامت، وفيهم كتابُ الله الناطق، فلم يسمعوا نصيحته، فلمّا رأَوْا ما آلت إليه الأمور رفعوه شعارَ حقٍّ يريدون به الباطل، فقالوا: «لا حكم إلاّ لله»، وكفَّروا أمير المؤمنين عليّاً(ع)([21])، متَّهمين إيّاه بتحكيم الرجال في كتاب الله، وتقديم أحكامهم على حكم الله.

وهكذا حكم فقهاء الشيعة الإمامية بكفر كلٍّ من: الغلاة؛ والخوارج؛ والنواصب؛ والمفوِّضة؛ والمجبِّرة([22])، وصولاً إلى قول بعض الفقهاء بكفر كلِّ مخالفٍ، فها هو الشيخ البحراني، صاحب الحدائق، يقول: «والمفهوم من الأخبار المستفيضة هو كفر المخالف الغير المستضعف ونصبه ونجاسته»([23]).

وذهب بعض الفقهاء إلى جواز ـ بل ربما يُفهَم استحباب ـ الدعاء على الميت من غير أهل الولاية، وهم المخالفون([24]).

مستنداتٌ واهية

وكأنّي بهم يعتمدون في لا وَعْيهم على بعض الأحاديث الضعيفة التي تفيد مثل هذا الاعتقاد الفاسد، حيث نشهد في حديث الفرقة الناجية، وهو من الأحاديث الموضوعة ـ ولا أقلّ من كون زياداته التي تحدَّد مصير الفرق الإسلاميّة موضوعةً ـ([25])، حيث يقسِّم هذا الحديث ـ بصيغه المختلفة ـ أمّة الإسلام إلى فرقٍ متعدِّدة، تربو على السبعين، واحدةٌ منها ناجيةٌ، ومستقرُّها الجنّة، والباقي كلُّه هالكٌ في النار. وبقرينة قوله تعالى: ﴿وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ﴾ (الرعد: 35) يكون أهلُ الفرق الإسلاميّة كلِّها، ما عدا واحدة، كفّاراً.

وصيّةٌ نبويّة خالدة

فواعجباً من هؤلاء كيف تناسَوْا وصيّة نبيِّهم(ص)، في حجّة الوداع، وكأنّي به يعرف ما سيكون من بعده، من اختلافٍ وفُرْقة، وتناوشٍ وتناحر، وصولاً إلى التكفير، وما يتبعه من الحرب والتقتيل، فصدح بها وصيّةً خالدة، لا نجاة للمسلم إلاّ إذا تمسَّك بها: «لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»([26]).

أيُّها الإنسان، هلُمَّ إلينا، لا إلى غيرنا

أيُّها الأحبّة، لقد أرادنا الله سبحانه وتعالى أن نكون الدعاة إلى دينه، وهذا يعني أن نفرح لدخول أيّ إنسانٍ في الإسلام، ولو نطقاً بالشهادتين، وأن نعامله بقِيَم الإسلام وتعاليمه الحقّة، القائمة على التسامح والرحمة والمحبّة، وحسابُه، في سرِّه وعلانيته، على الله. ولا يجوز أن يكون لنا أدنى اهتمامٍ بإثبات خروج ومروق هذه الفرقة أو هذه الطائفة أو هؤلاء الأفراد من الإسلام. وأتخطَّر هاهنا قصّةً حصلت لي مع أحد دعاة الوهّابيّة، حيث منعني في مسجد قباء من التصوير الفوتوغرافي، زاعماً أنّه كفرٌ، وأني كافرٌ، فاحتَلْتُ عليه بالقول: إنّني شاهدتُ صورةً لـ (جلالة الملك) في إحدى الجرائد، وبما أنّه يُفترض بالملك أن لا يُقْدِم على ما هو كفرٌ فالتصوير الفوتوغرافي أبعد ما يكون عن الكفر، فلم يقتنع، وأصرّ على رأيه، فرأيتُ أن أصرفه بأيّ وجهٍ ممكن، فقلتُ: هو كفرٌ، وأنا كافرٌ، وماذا بعد؟ فأدار ظهره وانصرف فرحاً مستبشراً أنّه قد زاد عدد الكفّار واحداً!!! وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) الخوئي، منهاج الصالحين 1: 360؛ وحيد الخراساني، منهاج الصالحين 2: 405.

([2]) الخوئي، منهاج الصالحين 1: 361؛ وحيد الخراساني، منهاج الصالحين 2: 406.

([3]) سُئل السيد الخوئي: الكافر الحربي يجوز قتله وأخذ أمواله، لكنْ ما المقصود من الحربي، فهل هو كلُّ مَنْ لم يعقد عقد ذِمَّةٍ مع المسلمين، بحيث يشمل الذي يعيش في البلاد الإسلامية ولو منح جوازاً أو إقامة أو بعض القضايا الأخرى، أو أنه أخصّ من ذلك، الرجاء بيان الضابط له؟ فأجاب(ر): المقصود من الحربيّ هو الكافر غير الكتابي، أو الكتابي الذي لم يتعهَّد بشرائط الذِّمَّة مطلقاً، والله العالم. (الخوئي والتبريزي، صراط النجاة 1: 448).

وسُئل الخوئي أيضاً: ما المقصود بالحربيّ؟ أهو الذي يقاتل في الميدان أم مطلق الكافر، سواء كان يقاتل أم لا، أم مراده كافرٌ من الدولة الكافرة؟ فأجاب: مطلق الكافر الأصلي الذي لم يتعهَّد بدفع الجِزْية. (الخوئي والتبريزي، صراط النجاة 1: 449 ـ 450).

وقال الشهيد الثاني في الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 8: 26: (ويمنع الإرثَ) للمسلم (الكفرُ) بجميع أصنافه، وإنْ انتحل معه الإسلام، (فلا يرث الكافر)، حربيّاً أم ذمّياً أم خارجيّاً أم ناصبيّاً أم غالياً، (المسلمَ)، وإنْ لم يكن مؤمناً.

وقال السيد محمد كلانتر في هامش شرح اللمعة: الكافر إذا لم يكن كتابيّاً فهو حربيّ، أو كان كتابيّاً ولم يدخل في ذِمَّة الإسلام. أما الذِّمّي فهو الكتابي الداخل في ذِمَّة الإسلام، والتزم بشرائط الذِّمَّة. والخارجي: الخارج على إمام زمانه بما يوجب قتله كأهل النهروان خرجوا على (أمير المؤمنين) عليه الصلاة والسلام. والناصبي: مَنْ نصب العداء لأئمّة الدين المعصومين(عم)، وجاهر بسبِّهم وشتمهم. والغالي: مَنْ غالى بشأن الأئمّة فزعم فيهم مزاعم الربوبيّة.

([4]) فها هو العلاّمة الحلّي يقول في تحرير الأحكام 2: 142: إذا نزل الإمام على بلدٍ جاز له محاصرته بمنع السابلة، دخولاً وخروجاً؛ وأن ينصب عليهم المنجنيق، ويرميهم بالحجارة، ويهدم الحيطان والحصون والقلاع، وإنْ كان فيهم نساءٌ أو صبيان؛ للضرورة، ولو لم يحتَجْ إلى ذلك فالأَوْلى تركه، ولو فعله جاز. ولو كان فيهم أسارى مسلمون، وخاف الإمام إنْ رموهم على الأسارى جاز رميهم. ويجوز إلقاء النار إليهم، وقذفهم بها، ورميهم بالنفط مع الحاجة، ويُكْرَه لا معها. ويجوز قتالهم بجميع أسباب القتل، من رمي الحيّات القواتل والعقارب، وكلّ ما فيه ضررٌ عظيم، وتغريقهم بالماء، وفتح الأنهار عليهم، ويُكْرَه مع القدرة بغيره. وهل يجوز إلقاء السمّ في بلادهم؟ الأَوْلى الكراهية.

([5]) راجِعْ: الخميني، تحرير الوسيلة 1: 118، حيث يقول في تعداد النجاسات: «العاشر: الكافر وهو مَنْ انتحل غير الإسلام، أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورةً، بحيث يرجع جحوده إلى إنكار الرسالة، أو تكذيب النبيّ(ص)، أو تنقيص شريعته المطهَّرة، أو صدر منه ما يقتضي كفره من قولٍ أو فعل، من غير فرق بين المرتدّ والكافر الأصلي، الحربي والذِّمِّي».

([6]) قال الطوسي في المبسوط 2: 44 ـ 45: ورُوي عن النبيّ(ص) أنه قال في أهل الذِّمَّة: لا تبدؤوهم بالسلام، واضطرّوهم إلى أضيق الطرق.

وسُئل السيد الخوئي: هل يجوز ابتداء الكافر بالسلام، أو ردّ سلامه اختياراً؟ فأجاب(ر): نعم، يجوز للذِّمِّي، ولكنه مكروهٌ. وإنْ سلَّم الذِّمّي على مسلمٍ فالأحوط الردّ بقوله: سلام، دون عليك، وأما في غير الذِّمِّي فلا يجوز، والله العالم. (الخوئي والتبريزي، صراط النجاة 1: 449 ـ 450)

وقال محيي الدين النووي في المجموع 19: 411 ـ 412: قال المصنِّف رحمه الله تعالى: (فصلٌ) ولا يُبدؤون بالسلام، ويُلْجَأون إلى أضيق الطرق؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله(ص): «إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدؤوهم بالسلام، واضطرّوهم إلى أضيقها». ولا يصدَّرون في المجالس؛ لما روى عبد الرحمن بن غنم في كتاب عمر: وأن نوقِّر المسلمين، ونقوم لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس؛ ولأن في تصديرهم في المجالس إعزازاً لهم، وتسويةً بينهم وبين المسلمين في الإكرام، فلم يَجُزْ ذلك.

([7]) قال الطوسي في المبسوط 2: 44 ـ 45: وينبغي للإمام أن يشرط على أهل الذمّة أنهم يفرّقون بين لباسهم ولباس المسلمين بفرقٍ ظاهر يعرفون به، يكون مخالفاً للبسهم، على حَسْب ما يراه من المصلحة في الحال. فإنْ ألزمهم أن يلبسوا الملوَّن جاز، ويأخذهم بشدّ الزنانير في أوساطهم، فإنْ كان عليه رداء شدّه فوق جميع الثياب وفوق الرداء؛ لكي لا يخفى الزُّنّار. ويجوز أن يلبسوا العمامة والطيلسان؛ لأنه لا مانع من ذلك، فإنْ لبسوا قلانس شدّوا في رأسها عَلَماً؛ ليخالف قلانس القضاة. وإنْ رأى أن يختم في رقابهم نحاساً أو رصاصاً أو جرساً جاز. وكذلك أن يأمر نساءهم بلبس شيءٍ يفرّق بينهنّ وبين المسلمات، من شدّ الزُّنّار، وتجنُّب الإزار، وتغيّر أحد الخفَّيْن بأن يكون أحدهما أحمر والآخر أبيض، وتجعل في رقبتها خاتماً؛ لتعرف به إذا دخلت الحمّام. وجملته أن ذلك من رأي الإمام واجتهاده، ولا نصّ لنا في شيءٍ من ذلك، بل يفعل من ذلك ما يراه.

وأضاف العلاّمة الحلّي في تحرير الأحكام 2: 210: …ولا يمنعوا من فاخر الثياب. ولا يفرقون شعورهم. ولا يركبون الخيل، بل ما عداها، بغير سروجٍ، ويركبون عَرْضاً، رجلاه إلى جانب وظهره إلى آخر. ويمنعون تقليد السيوف وحمل السلاح واتّخاذه. ولا يُكَنّوا بكُنى المسلمين، كأبي القاسم وأبي عبد الله وأبي محمد، ولا يمنعون من الكُنى بالكلِّية. وكذا ذكر العلاّمة الحلّي أيضاً في قواعد الأحكام 1: 482 ـ 483.

وقال العلاّمة الحلّي في تذكرة الفقهاء 9: 321 ـ 322: وينبغي للإمام أن يشترط عليهم في عقد الذمّة التميُّز عن المسلمين في أربعة أشياء: في لباسهم، وشعورهم، وركوبهم، وكُناهم. أما اللباس فيلبسوا ما يخالف لونه سائر ألوان الثياب، فعادة اليهود: العسلي، وعادة النصارى: الأدكن، والمجوس: الأسود. ويكون هذا في ثوبٍ واحد، لا في الجميع. ويأخذهم بشدّ الزُّنّار في وسط النصراني فوق الثياب، واليهودي بوضع خرقة فوق عمامته أو قلنسوته تخالف في اللون. ويجوز أن يلبسوا العمائم والطيلسان، فإنْ لبسوا قلانس شدّوا في رأسها عَلَماً ليخالف قلانس القضاة. ويختم في رقبته خاتم رصاص أو نحاس أو حديد، لا من ذهبٍ وفضّة، أو يضع فيه جلجلاً أو جرساً؛ ليمتاز به عن المسلمين في الحمّام. وكذا يأمر نساءهم بلبس شيءٍ يفرّق بينهنّ وبين المسلمات، من شدّ الزُّنّار تحت الإزار. ويختم في رقبتهنّ. ويغيِّروا أحد الخفَّيْن، فيكون أحدهما أحمر والآخر أبيض. ولا يُمنعون من لبس فاخر الثياب. وأما الشعور فلا يفرقون شعورهم؛ لأن النبيّ(ص) فرق شعره. ويحذفون مقاديم رؤوسهم، ويجزّون شعورهم. وأما الركوب فلا يركبون الخيل؛ لأنه عِزٌّ، ويركبون ما عداها بغير سرج، ويركبون عَرْضاً، رجلاه إلى جانب وظهره إلى آخر. ويمنعون تقليد السيوف وحمل السلاح واتّخاذه. وأما الكُنى فلا يتكنّوا بكُنى المسلمين، كأبي القاسم، وأبي عبد الله، وأبي محمد، وأبي الحسن، وشبهها، ولا يمنعون من جميع الكُنى؛ فإنّ النبيّ(ص) قال لأسقف نجران: «أسلم أبا الحارث». ومثله قال النجفي في جواهر الكلام 21: 272 ـ 273.

وقال فخر المحقّقين (محمد ابن العلاّمة) في إيضاح الفوائد 1: 354: وينبغي للإمام أن يشترط في العقد التمييز عن المسلمين بأمور أربعة: في اللباس؛ والشعر؛ والركوب؛ والكُنى. أما الثوب فيلبسون ما يخالف لونه لون غيره، فيشدّ الزُّنّار فوق ثوبه إنْ كان نصرانياً، ويجعل لغيره خرقة في عمامته، أو يختم في رقبته خاتم رصاص أو حديد أو جلجل. ولا يمنعون من فاخر الثياب، ولا العمائم. وأما الشعور فإنهم يحذفون مقاديم شعورهم، ولا يفرقون شعورهم. وأما الركوب فيُمنعون من الخيل خاصّة، ولا يركبون السروج، ويركبون عرضاً، رجلاهم إلى جانبٍ واحد. ويمنعون تقليد السيوف ولبس السلاح واتّخاذه. وأما الكُنى فلا يكنّوا بكُنى المسلمين. وكذا قال الكركي في جامع المقاصد 3: 379 ـ 380؛ والسبزواري في كفاية الأحكام 1: 372 ـ 373.

وقال محيي الدين النووي في المجموع 19: 409 ـ 410: قال المصنِّف رحمه الله تعالى: (فصلٌ) وإنْ كان أهل الذمّة في دار الإسلام أخذوا بلبس الغيار، وشدّ الزُّنّار، والغيار أن يكون في ما يظهر من ثيابهم ثوبٌ يخالف لونه لون ثيابهم، كالأزرق والأصفر ونحوهما، والزُّنّار أن يشدّوا في أوساطهم خيطاً غليظاً فوق الثياب، وإنْ لبسوا القلانس جعلوا فيها خرقاً؛ ليتميَّزوا عن قلانس المسلمين؛ لما روى عبد الرحمن بن غنم في الكتاب الذي كتبه لعمر حين صالح نصارى الشام: فشرطنا أن لا نتشبَّه بهم في شيءٍ من لباسهم، من قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، وأن نشدّ الزنانير في أوساطنا؛ ولأنّ الله عزَّ وجلَّ أعزَّ الإسلام وأهله، وندب إلى إعزاز أهله، وأذلَّ الشِّرْك وأهله، وندب إلى إذلال أهله، والدليل عليه ما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبيّ(ص) قال: «بعثت بين يدي الساعة بالسيف؛ حتّى يعبد الله، ولا يشرك به شيءٌ، وجعل الصغار والذلّ على مَنْ خالف أمري»، فوجب أن يتميَّزوا عن المسلمين؛ لنستعمل مع كلّ واحدٍ منهم ما ندبنا إليه. وإنْ شرط عليهم الجمع بين الغيار والزُّنّار أخذوا بهما، وإنْ شرط أحدهما أخذوا به؛ لأن التمييز يحصل بأحدهما. ويجعل في أعناقهم خاتم؛ ليتميَّزوا به عن المسلمين في الحمّام وفي الأحوال التي يتجرَّدون فيها عن الثياب، ويكون ذلك من حديدٍ أو رصاص أو نحوهما، ولا يكون من ذهبٍ أو فضّة؛ لان في ذلك إعظاماً لهم. وإنْ كان لهم شعرٌ أمروا بجزّ النواصي، ومنعوا من إرساله كما تصنع الأشراف والأخيار من المسلمين؛ لما روى عبد الرحمن بن غنم في كتاب عمر على نصارى الشام: وشرطنا أن نجزّ مقادم رؤوسنا. ولا يمنعون من لبس العمائم والطيلسان؛ لأن التمييز يحصل بالغيار والزُّنّار. وهل يمنعن من لبس الديباج؟ فيه وجهان: (أحدهما): إنهم يمنعون؛ لما فيه من التجبُّر والتفخيم والتعظيم؛ (والثاني): إنهم لا يمنعون، كما لا يمنعون من لبس المرتفع من القطن والكتّان. وتُؤخَذ نساؤهم بالغيار والزُّنّار؛ لما روى أن عمر كتب إلى أهل الآفاق: أن مُروا نساء أهل الأديان أن يعقدْنَ زنانيرهُنَّ أو تكون زنانيرهُنَّ تحت الإزار؛ لأنه إذا كان فوق الإزار انكشفَتْ رؤوسهُنَّ، واتَّصفَتْ أبدانهم، ويجعلْنَ في أعناقهنَّ خاتم حديد؛ ليتميزْنَ به عن المسلمات في الحمّام، كما قلنا في الرجال، وإنْ لبسنَ الخفاف جعلنَ الخفَّيْن من لونين؛ ليتميزْنَ عن النساء المسلمات. ويمنعون من ركوب الخيل؛ لما روي في حديث عبد الرحمن بن غنم: شرطنا أن لا نتشبَّه بالمسلمين في مراكبهم، وإنْ ركبوا الحمير والبغال ركبوها على الأكفّ، دون السروج. ولا يتقلَّدون السيوف ولا يحملون السلاح؛ لما روى عبد الرحمن بن غنم في كتاب عمر: ولا نركب بالسروج، ولا نتقلّد بالسيوف، ولا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نحمله. ويركبون عرضاً من جانبٍ واحد؛ لما روى ابن عمر أن عمر كان يكتب إلى عمّاله يأمرهم أن يجعل أهل الكتاب المناطق في أوساطهم، وأن يركبوا الدواب عرضاً على شقّ.

وقال تامر باجن أوغلو في حقوق أهل الذمّة في الفقه الإسلامي: 30: ملابس أهل الذمّة: حدّد عمر بن الخطاب أنواع الملابس وطريقة ركوب أهل الذمّة فاشترط عليهم لبس الزُّنّار؟ ونهاهم عن التشبيه بالمسلمين في ثيابهم وسروجهم ونعالهم؟ وأمرهم أن يجعلوا في أوساطهم زُنّارات، وأن تكون قلانسهم مضربة؟ وأمر عمر بمنع نساء أهل الذمّة من ركوب الرحائل. فكتب إلى عديّ بن أرطأة، عامله على العراق: مروا مَنْ كان على غير الإسلام أن يضعوا العمائم، ويلبسوا الأكيسة. تحدّث أبو يوسف عن لباس أهل الذمّة وزيّهم، فقال: لا يترك أحدٌ منهم يتشبّه بالمسلمين في لباسه، ولا في مركبه، ولا في هيئته. واعتمد أبو يوسف في تفسير ذلك على قول عمر بن الخطاب: حتّى يعرف زيّهم من زيّ المسلمين!

([8]) قال العلاّمة الحلّي في تحرير الأحكام 2: 215: دور أهل الذمّة إنْ كانت مُحْدَثة، مثل أن يشتري الذمّي عرصةً يستأنف فيها بناءً، فليس له أن يعلو على بناء المسلمين، ولا أن يساويه، بل يجب أن يقصر عنه؛ وإنْ كانت مبتاعةً تُركت على حالها، وإنْ كانت أعلى من المسلمين، وكذا لو كان للذمّي دارٌ عالية، فاشترى المسلم داراً إلى جانبها أقصر منها، فإنه لا يجب على الذمّي هدم علوّه.

وقال الحلّي أيضاً في تحرير الأحكام 2: 215 ـ 216: ولو انهدمت دار الذمّي العالية فأراد تجديدها لم يجُزْ له العلوّ على المسلم، ولا المساواة. وكذا لو انهدم ما ارتفع لم يكن له إعادته، ولو تشعّث منه شيءٌ ولم ينهدم جاز رمّه وإصلاحه. ولا يجب أن يكون أقصر من بناء المسلمين بأجمعهم في ذلك البلد، وإنّما يلزمه أن يقصره عن بناء محلّته.

وقال النجفي في جواهر الكلام 21: 273: بل ينبغي للإمام(ع) أيضاً اشتراط عدم علوّ دورهم على دور المسلمين، بل عدم مساواتها.

وقال محيي الدين النووي في المجموع 19: 411 ـ 412: (فصلٌ) ويُمنعون من إحداث بناء يعلو بناء جيرانهم من المسلمين؛ لقوله(ص): «الإسلام يعلو، ولا يُعلى». وهل يُمنعون مساواتهم في البناء؟ فيه وجهان: (أحدهما): إنهم لا يُمنعون؛ لأنّه يؤمن أن يشرف المشرك على المسلم. (والثاني): إنهم يمنعون، لأن القصد أن يعلو الإسلام، ولا يحصل ذلك مع المساواة. وإنْ ملكوا داراً عالية أُقرّوا عليها، وإنْ كانت أعلى من دور جيرانهم؛ لأنه ملكها على هذه الصفة. وهل يُمنعون من الاستعلاء في غير محلّة المسلمين؟ فيه وجهان: (أحدهما): إنهم لا يُمنعون؛ لأنه يؤمن مع البُعْد أن يعلو على المسلمين. (والثاني): إنهم يُمنعون في جميع البلاد؛ لأنهم يتطاولون على المسلمين.

([9]) قال تامر باجن أوغلو في حقوق أهل الذمّة في الفقه الإسلامي: 27: الوضع القانوني للمعابد في الفقه: على ما يبدو هناك اتّفاقٌ بين الفقهاء على الوضع القانوني للمعابد. يمكننا أن نختصر الأحكام المتَّفق عليها كما يلي: 1ـ لا يجوز بناء معابد للذمّيين في المواضع الإسلامية أو المحيط المجاور لها. الرخصة في هذا المجال تُمنح فقط كحالةٍ استثنائية إذا تأكّد الإمام أن بناء الكنائس والمعابد اليهودية تخدم مصلحة المسلمين. 2ـ يجوز تعمير وتعديل المعابد المتضرِّرة، وإعادة بناء الكنائس والمعابد المتهدِّمة، عند مالك والشافعي وأبي حنيفة، غير أنه يشترط أن تتواجد تلك المعابد في موضعٍ عقد معه عهد الصلح. 3ـ أما الحنابلة وبعض الشافعية فيذهبون إلى أنّه لا يجوز بناء المعابد، ولا الصوامع، ولا يجوز ترميم ما انهدم منها في بلاد المسلمين. ويرجع أبو حنيفة الحكم في ذلك إلى عمر بن الخطّاب.

([10]) سُئل السيد السيستاني: هل يجوز إدخال الكافر الكتابي والغير الكتابي الى المسجد؟ فأجاب: لا يجوز إدخال الكافر غير الكتابي، بل ولا الكتابي على الأحوط. (http://www.sistani.org/arabic/qa/0269).

وسُئل أيضاً: ما حكم دخول شخص غير مسلم للمسجد أو الحسينية؛ لحضور حفل زواج شخصٍ مسلم أو لتعزية شخص مسلم؟ فأجاب: يجوز في الحسينية، ولا يجوز إدخال غير الكتابي في المسجد، بل حتّى الكتابي على الأحوط. (http://www.alseraj.net/ar/fikh/2/?pesLMZ5UfY1075094099&91&120&4).

([11]) عليّ بن إبراهيم القمّي، التفسير 1: 104، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن ابن سنان [وهو عبد الله]، عن أبي عبد الله(ع): إنّ نصارى نجران لمّا وفدوا على رسول الله(ص)، وكان سيّدهم الأهتم والعاقب والسيد، وحضرت صلاتهم، فأقبلوا يضربون بالناقوس وصلّوا، فقال أصحاب رسول الله(ص): هذا في مسجدك؟! فقال: دَعوهم…، الحديث.

([12]) روى الكليني في الكافي 1: 72 ـ 74، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عليّ بن منصور قال: قال لي هشام بن الحكم: كان بمصر زنديقٌ تبلغه عن أبي عبد الله(ع) أشياء، فخرج إلى المدينة؛ ليناظره، فلم يصادفه بها، وقيل له: إنه خارجٌ بمكّة، فخرج إلى مكة، ونحن مع أبي عبد الله، فصادفنا ونحن مع أبي عبد الله(ع) في الطواف…، فقال أبو عبد الله: إذا فرغتُ من الطواف فأتنا، فلما فرغ أبو عبد الله أتاه الزنديق، فقعد بين يدي أبي عبد الله ونحن مجتمعون عنده…، الحديث.

وروى أيضاً في الكافي 1: 74 ـ 78، عن عدّةٍ من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي هشام، عن أحمد بن محسن الميثمي قال: كنتُ عند أبي منصور المتطبِّب فقال: أخبرني رجلٌ من أصحابي قال: كنتُ أنا وابن أبي العوجاء وعبد الله بن المقفَّع في المسجد الحرام، فقال ابن المقفع: ترون هذا الخلق ـ وأومأ بيده إلى موضع الطواف ـ، ما منهم أحدٌ أوجب له اسم الإنسانية إلاّ ذلك الشيخ الجالس ـ يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد(عما) ـ، فأمّا الباقون فرعاعٌ وبهائم…. قال [ابن أبي العوجاء]: جلستُ إليه فلمّا لم يبقَ عنده غيري ابتدأني فقال: إنْ يكن الأمر على ما يقول هؤلاء ـ وهو على ما يقولون ـ، يعني أهل الطواف، فقد سلموا وعطبتم، وإنْ يكن الأمر على ما تقولون ـ وليس كما تقولون ـ فقد استويتم وهم، فقلتُ له: يرحمك الله، وأيّ شيءٍ نقول وأيّ شيء يقولون؟ ما قولي وقولهم إلاّ واحداً، فقال: وكيف يكون قولك وقولهم واحداً؟! وهم يقولون: إن لهم معاداً وثواباً وعقاباً، ويدينون بأن في السماء إلهاً، وأنها عمران؛ وأنتم تزعمون أن السماء خرابٌ، ليس فيها أحدٌ…، الحديث.

وفي زيادةٍ على الحديث المتقدِّم: …فلمّا كان من العام القابل التقى معه في الحَرَم، فقال له بعض شيعته: إن ابن أبي العوجاء قد أسلم، فقال العالم(ع): هو أعمى من ذلك، لا يسلم، فلمّا بصر بالعالم قال: سيِّدي ومولاي، فقال له العالم(ع): ما جاء بك إلى هذا الموضع؟ فقال: عادة الجسد، وسنّة البلد، ولننظر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة؟ فقال له العالم(ع): أنت بعد على عتوّك وضلالك يا عبد الكريم، فذهب يتكلّم، فقال له(ع): لا جدال في الحجّ، ونفض رداءه من يده وقال: إنْ يكن الأمر كما تقول ـ وليس كما تقول ـ نجونا ونجوت؛ وإنْ يكن الأمر كما نقول ـ وهو كما نقول ـ نجونا وهلكت، فأقبل عبد الكريم على مَنْ معه فقال: وجدتُ في قلبي حزازةً فردّوني، فردّوه، فمات، لا رحمة الله.

وروى الطبرسي في الاحتجاج 2 : 142 ـ 143، معلَّقاً عن هشام بن الحكم قال: اجتمع ابن أبي العوجاء وأبو شاكر الديصاني الزنديق وعبد الملك البصري وابن المقفَّع عند بيت الله الحرام، يستهزئون بالحاجّ، ويطعنون بالقرآن…، قال هشام بن الحكم: فبينما هم في ذلك إذ مرَّ بهم جعفر بن محمد الصادق(ع) فقال: ﴿قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾، فنظر القوم بعضهم إلى بعض وقالوا: لئن كان للإسلام حقيقةٌ لما انتهت أمر وصيّة محمدٍ إلاّ إلى جعفر بن محمد، والله ما رأيناه قطّ إلاّ هبناه واقشعرَّتْ جلودنا لهيبته، ثمّ تفرَّقوا مقرّين بالعجز.

وروى الطبرسي أيضاً في الاحتجاج 2: 104 ـ 105، معلَّقاً عن حفص بن غياث قال: شهدت المسجد الحرام وابن أبي العوجاء يسأل أبا عبد الله(ع) عن قوله تعالى:…، الحديث.

وروى قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح 2: 710، أن ابن أبي العوجاء وثلاثة نفر من الدهريّة اتّفقوا على أن يعارض كلّ واحد منهم ربع القرآن، وكانوا بمكّة، وعاهدوا على أن يجيئوا بمعارضته في العام القابل، فلمّا حال الحول واجتمعوا في مقام إبراهيم(ع) [أيضاً]…، إذ مرّ عليهم الصادق(ع)، فالتفت إليهم، وقرأ [عليهم]: ﴿قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾، فبُهتوا.

([13]) سُئل السيد الخوئي: رجلٌ عمل موظفاً في البنك، غير عالمٍ بحرمة ذلك، ولما أحيل على التقاعد انتبه للحكم، فهل يجوز له استلام الراتب التقاعدي الذي يعطيه له البنك؟ وماذا لو كان مال البنك مجهول المالك أو مال الكافر الحربي؟ فأجاب(ر): نعم يجوز له الاستلام بإذنٍ من الحاكم الشرعي أو وكيله إذا كان من مجهول المالك، وأما إذا كان من الكافر فلا حاجة إلى الإجازة، وليستلم استنقاذاً، والله العالم. (الخوئي والتبريزي، صراط النجاة 2: 317 ـ 318).

وسُئل أيضاً: ما يقول سماحة الإمام في الوديعة في إحدى البنوك الغير إسلامية (الأوروبية) بواسطة أحد البنوك الإسلامية؟ وهل يحقّ لي التفاوض مع الواسطة على مقدار نسبة الربح؟ فأجاب(ر): لا يجوز القرض الربوي واشتراط الفائدة مطلقاً، حتّى في البنوك الأجنبية، غاية الأمر ما تستلمه منها تعتبره إنقاذاً منهم، فيعدّ من أرباحك، تتصرّف فيه، وتخمِّس ما زاد. (الخوئي والتبريزي، صراط النجاة 2: 313 ـ 314).

وسُئل أيضاً: نساء الكافر الحربي هل يجوز استرقاقهنّ دون إجازة الحاكم الشرعي؟ وهل يجوز وطؤهنّ قبل أن يسلمْنَ؟ ولو اشترى أو امتلك جارية غير مسلمة هل يجوز له وطؤها؟ فأجاب(ر): عمل الاسترقاق لا يحصل إلاّ بالاستيلاء والسيطرة الكاملة، ولا يتحقَّق بالقصد المجرَّد، والله العالم. وأضاف التبريزي: وكما لا يحصل الاسترقاق بالقصد كذلك لا يحصل بالتراضي والتوافق.

وسُئل الخوئي أيضاً: هل يجري على الناصبي ـ المحرز نصبه العداء ـ في أحكام الزواج ما يجري على الكافر من بطلان العقد ابتداءً، وانفصال زوجته عنه لو طرأ النصب بعد العقد؟. فأجاب(ر): نعم يجري عليه حكم الكافر كاملاً. وعلَّق التبريزي: نعم يجري عليه حكم الكافر غير الكتابي. (الخوئي والتبريزي، صراط النجاة 1: 306).

وسُئل أيضاً: هل يجوز غشّ شركات التأمين، خصوصاً أن لديكم فتوى بأنّه لا حرمة لمال الكافر، وهل يجوز إذا أمن أن لا يعرفوه بالتأكيد؟ فأجاب(ر): لا ينبغي للمسلم ذلك، والله العالم. (الخوئي والتبريزي، صراط النجاة 1: 446). ومن الواضح دلالة لا ينبغي هنا على التنزُّه الأخلاقي، دون الإلزام الشرعي.

وسُئل أيضاً: الكافر الحربي يجوز قتله وأخذ أمواله، لكنْ ما المقصود من الحربي؟ فهل هو كلّ مَنْ لم يعقد عقد ذمّة مع المسلمين، بحيث يشمل الذي يعيش في البلاد الإسلامية، ولو منح جوازاً أو إقامة أو بعض القضايا الأخرى، أو أنه أخصّ من ذلك؟ الرجاء بيان الضابط له. فأجاب(ر): المقصود من الحربي هو الكافر غير الكتابي، أو الكتابي الذي لم يتعهَّد بشرائط الذمّة مطلقاً، والله العالم. ولم يعترض على ما جاء في مقدّمة السؤال من جواز القتل وأخذ الأموال، ما يعني أنّه يرتضيها، والنتيجة أنّ كلّ كافر غير كتابي، وكلّ كافر كتابي (يهودي أو نصراني) لم يتعهَّد بشرائط الذمّة ـ وقد تقدَّم بعض شرائطها ـ، هو كافر حربيّ، ويجوز قتله واخذ أمواله.

وسُئل أيضاً: هل السرقة من الكافر الحربي أو الغشّ له في المعاملة أو غيرها جائزٌ أم أن حرمة ذلك مطلقة؟ فأجاب(ر): نعم، لا حرمة معهم في ما ذكر، والله العالم. (الخوئي والتبريزي، صراط النجاة 1: 448).

وسُئل أيضاً: التأشيرة أو (كارت) الزيارة أو الإقامة الدائمة التي تعطيها سفارة الدولة الإسلامية للكافر الذي يأتي إلى بلاد الإسلام هل تعتبر عهداً، بحيث لا يجوز استرقاقه؟ فأجاب(ر): لا تعتبر عهداً. وعلَّق الشيخ التبريزي: يعتبر كافراً مستأمناً، فلا يجوز الاعتداء عليه. (الخوئي والتبريزي، صراط النجاة 1: 449).

وسُئل الخوئي أيضاً: هل المقصود بدار الحرب بلاد غير إسلامية وبدار الإسلام بلاد إسلامية، أم لدار الحرب معنى آخر، فما هو؟ فأجاب(ر): نعم، المقصود بدار الحرب بلاد غير إسلامية. وعلَّق التبريزي: المراد بدار الحرب دار الكفّار الذين لم يلتزموا بشرائط الذمّة. (الخوئي والتبريزي، صراط النجاة 1: 450).

وسُئل السيد الكلبايكاني: الكفّار الذين يعيشون في بلاد المسلمين هذه الأيام، حيث يدخلون بلاد المسلمين بإذن الحكومات، هل هم حربيّون، ولا تكون لأعراضهم وأموالهم حرمة؟ فأجاب(ر): لو لم يتعرّضوا بسوءٍ لعقائد المسلمين وأعراضهم وأموالهم، ولم يكونوا بصدد التعرُّض للإسلام وأحكامه، لم يَجْرِ عليهم حكم الكافر الحربي، والله العالم. (الكلبايكاني، إرشاد السائل: 183).

([14]) قال علي أكبر الكلانتري في الجزية وأحكامها: 178 ـ 179: وأما المستحبّ فستّة أشياء: …والخامس: أن يخفوا دفن موتاهم، ولا يجاهروا بندبٍ عليهم، ولا نياحة.

([15]) قال وحيد الخراساني في منهاج الصالحين 2: 441 ـ 442: تؤخذ الجزية من أهل الكتاب، وبذلك يرتفع عنهم القتال والاستعباد، ويقرّون على دينهم، ويسمح لهم بالسكنى في دار الإسلام آمنين على أنفسهم وأموالهم.

([16]) النجفي، جواهر الكلام 21: 273 ـ 275: رُوي أنه كتب أهل الجزيرة من أهل الكتاب في زمن عمر إلى عبد الرحمن بن عتم: إنا حين قدمت بلادنا طلبنا إليك الأمان لأنفسنا وأهل ملّتنا، على أنا شرطنا لك على أنفسنا: أن لا نحدث في مدينتا كنيسة، ولا في ما حولها ديراً ولا قلابة ولا صومعة راهب، ولا نجدِّد ما خرب من كنائسنا، ولا ما كان منها في خطط المسلمين، ولا نمنع كنائسنا من المسلمين أن ينزلوها في الليل والنهار، وأن توسع أبوابها للمارّة وابن السبيل، ولا نؤوي فيها ولا في منازلنا جاسوساً، وأن لا نكتم أمر مَنْ غشي المسلمين، وأن لا نضرب نواقيسنا إلاّ ضرباً خفيّاً في جوف كنائسنا، ولا نظهر عليها صليباً، ولا نرفع أصواتنا في الصلاة ولا القراءة في كنائسنا في ما يحضره المسلمون، ولا نخرج صليبنا ولا كتبنا في سوق المسلمين، ولا نخرج بأعيادنا ولا شعانينا، ولا نرفع أصواتنا مع أمواتنا، ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين، وأن لا نجاورهم بالخنازير، ولا نبيع الخمور، ولا نظهر شركاً ولا ترغيباً في ديننا، ولا ندعو إليه أحداً، ولا نتخذ شيئاً من الرقيق الذي ضربت عليهم سهام المسلمين، وأن لا نمنع أحداً من أقربائنا إذا أراد الدخول في الإسلام، وأن نلزم زيناً حيثما كنا، وأن لا نتشبّه بالمسلمين في لبس قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، ولا في مراكبهم، لا نتكلَّم بكلامهم، وأن لا نتكنّى بكناهم، وأن نجزّ مقاديم رؤوسنا، ولا نفرق نواصينا، ونشدّ الزنانير على أوساطنا، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية، ولا نترك الروح، ولا نتّخذ شيئاً من السلاح ولا نحمله ولا نتقلَّد السيوف، وأن نوقِّر المسلمين في مجالسهم، ونرشد الطريق ونقوم لهم عن المجالس إذا أرادوا المجالس، ولا نطلع عليهم في منازلهم، ولا نعلّم أولادنا القرآن، ولا يشارك أحدٌ منّا مسلماً في تجارةٍ إلاّ أن يكون إلى المسلم أمر التجارة، وأن نضيف كلّ مسلمٍ عابر سبيل ثلاثة أيام، وأن نطعمه من أوسط ما نجد. ضمنا ذلك على أنفسنا وذرارينا وأزواجنا ومساكننا، وإنْ نحن غيرنا أو خالفنا عمّا شرطنا على أنفسنا وقبلنا الأمان عليه فلا ذمّة لنا، وقد حلّ لك منّا ما يحلّ لأهل المعاندة والشقاق، فكتب بذلك عبد الرحمن بن عتم إلى عمر بن الخطاب، فكتب له عمر أن أمْضِ لهم ما سألوا، وألحق فيه حرفين اشترطهما عليهم مع ما شرطوا على أنفسهم: أن لا يشتروا من سبايانا شيئاً، ومَنْ حارب مسلماً عمداً فقد خلع عهده، فأنفذ عبد الرحمن بن عتم ذلك، وأقرّ مَنْ أقام من الروم في مدائن الشام على هذا الشرط. وعن ابن الجنيد: واختار أن يشترط عليهم عند عقد الذمّة لهم أن لا يظهروا سبّاً لسيدنا رسول الله(ص)، ولا أحد من أنبياء الله وملائكته، ولا سبّ أحد من المسلمين، ولا يطعنوا في شيءٍ من الشرائع التي رسمها أحدٌ من الأنبياء، ولا يظهروا شركهم في عيسى والعزير، ولا يرعون خنزيراً في شيءٍ من أمصار المسلمين، ولا يمثِّلوا ببهيمةٍ، ولا يذبحوها إلاّ من حيث نصّ لهم في كتبهم على مذبحها، ولا يقرِّبوها لصنمٍ ولا لشيءٍ من المخلوقات، ولا يربوا مسلماً ولا يعاملوه في بيعٍ ولا إجارة ولا مساقاة ولا مزارعة معاملة لا تجوز للمسلمين، ولا يسقوا مسلماً خمراً، ولا يطعموه محرَّماً، ولا يقاتلوا مسلماً، ولا يعاونوا باغياً، ولا ينقلوا أخبار المسلمين إلى أعدائهم، ولا يدلّوا على عوراتهم، ولا يحيوا من بلاد المسلمين شيئاً إلاّ بإذن واليهم، فإنْ فعلوا كان للوالي إخراجه من أيديهم، ولا ينكحوا مسلمةً بعقدٍ ولا غيره، ويشترط عليهم أيضاً كلّ ما قلنا: إنه ليس بجائزٍ لهم فعله، كدخول الحرم وسكنى الحجاز وغيره، ثمّ يُقال: فمَنْ فعل شيئاً من ذلك فقد نقض عهده وأحلّ دمه وماله وبرئت منه ذمّة الله ورسوله(ص) والمؤمنين، وقد سمعت ما عن أمير المؤمنين(ع) في بني تغلب.

البيهقي في السنن الكبرى 9: 202: أخبرنا أبو طاهر الفقيه: أنبأنا أبو الحسن عليّ بن محمد بن سختويه: حدَّثنا أبو بكر بن يعقوب بن يوسف المطوعي: حدَّثنا الربيع بن ثعلب: حدَّثنا يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، عن سفيان الثوري والوليد بن نوح والسري بن مصرف، يذكرون عن طلحة بن مصرف، عن مسروق، عن عبد الرحمن بن غنم قال: كتبتُ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح أهل الشام: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا: إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا ولا في ما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا نجدِّد ما خرب منها، ولا نحيي ما كان منها في خطط المسلمين، وأن لا نمنع كنائسنا أن يذلها [والصحيح: ينزلها] أحدٌ من المسلمين في ليلٍ ولا نهار، ولا [والصحيح: وأن] نوسِّع أبوابها للمارّة وابن السبيل، وأن ننزل مَنْ مرّ بنا من المسلمين ثلاثة أيام، ونطعمهم، وأن لا نؤمن في كنائسنا ولا منازلنا جاسوساً، ولا نكتم غشّاً للمسلمين، ولا نعلِّم أولادنا القرآن، ولا نظهر شركاً، ولا ندعو إليه أحداً، ولا نمنع أحداً من قرابتنا الدخول في الإسلام إنْ أراده، وأن نوقِّر المسلمين، وأن نقوم لهم من مجالسنا إنْ أرادوا جلوساً، ولا نتشبَّه بهم في شيءٍ من لباسهم، من قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، ولا نتكلَّم بكلامهم، ولا نتكنّى بكُناهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلَّد السيوف، ولا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نحمله معنا، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية، ولا نبيع الخمور، وأن نجز مقاديم رؤوسنا، وأن نلزم زيناً حيثما كنا، وأن نشدّ الزنانير على أوساطنا، وأن لا نظهر صلبنا وكتبنا في شيءٍ من طريق المسلمين، ولا أسواقهم، وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا، وأن لا نضرب بناقوسٍ في كنائسنا بين حضرة المسلمين، وان لا نخرج سعانينا (شعانينا) ولا باعونا (باعوثا)، ولا نرفع أصواتنا مع أمواتنا، ولا نظهر النيران معهم في شيءٍ من طريق المسلمين، ولا نجاوزهم موتانا، ولا نتّخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين، وأن نرشد المسلمين، ولا نطّلع عليهم في منازلهم. فلما أتيت عمر رضي الله عنه بالكتاب زاد فيه: وأن لا نضرب أحداً من المسلمين، شرطنا لهم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا، وقبلنا منهم الأمان، فإنْ نحن خالفنا شيئاً ممّا شرطناه لكم فضمناه على أنفسنا فلا ذمّة لنا، وقد حلّ لكم ما يحلّ لكم من أهل المعاندة والشقاوة.

([17]) روى الكليني في الكافي 3: 246، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(ع) قال: قال رسول الله(ص): «شرُّ اليهود يهود بيسان، وشرُّ النصارى نصارى نجران، وخيرُ ماءٍ على وجه الأرض ماء زمزم، وشرُّ ماءٍ على وجه الأرض ماء برهوت، وهو وادٍ بحضرموت يرد عليه هام الكفّار وصداهم».

([18]) راجِعْ: الشربيني، مغني المحتاج 4: 248: ولا يجري هذا الحكم في حرم المدينة؛ لاختصاص حرم مكة بالنُّسُك، وثبت أنه(ص) أدخل الكفّار مسجده، وكان ذلك بعد نزول براءة؛ فإنها نزلت سنة تسع، وقدم الوفد عليه سنة عشر، وفيهم وفد نصارى نجران، وهم أوّل مَنْ ضرب عليهم الجِزْية، فأنزلهم مسجده، وناظرهم في أمر المسيح وغيره.

ابن طاووس، إقبال الأعمال 2: 342 ـ 343: فأقبل القوم حتّى دخلوا على رسول الله(ص) في مسجده، وحانت وقت صلاتهم، فقاموا يصلّون إلى المشرق، فأراد الناس أن ينهوهم عن ذلك فكفَّهم رسول الله(ص).

وروى عليّ بن إبراهيم القمّي في التفسير 1: 104، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن ابن سنان [وهو عبد الله]، عن أبي عبد الله(ع): إن نصارى نجران لمّا وفدوا على رسول الله(ص)، وكان سيّدهم الأهتم والعاقب والسيد، وحضرت صلاتهم، فأقبلوا يضربون بالناقوس وصلّوا، فقال أصحاب رسول الله(ص): هذا في مسجدك؟! فقال: دَعوهم، فلمّا فرغوا دنوا من رسول الله(ص)، فقالوا: إلى ما تدعو؟ فقال: إلى «شهادة أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله، وأن عيسى عبدٌ مخلوق يأكل ويشرب ويحدث»، قالوا: فمَنْ أبوه؟ فنزل الوحي على رسول الله(ص)، فقال: قُلْ لهم: ما تقولون في آدم(ع)، أكان عبداً مخلوقاً يأكل ويشرب وينكح؟ فسألهم النبيّ(ص)، فقالوا: نعم، فقال: فمَنْ أبوه؟ فبُهِتوا، فبقوا ساكتين، فأنزل الله: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ…الآية، وقوله: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إلى قوله: ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ، فقال رسول الله(ص): فباهلوني، فإنْ كنتُ صادقاً أنزلت اللعنة عليكم؛ وإنْ كنتُ كاذباً نزلت عليَّ، فقالوا: أنصفْتَ، فتواعدوا للمباهلة. فلمّا رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم، السيد والعاقب والأهتم: إنْ باهلنا بقومه باهلناه؛ فإنّه ليس بنبيٍّ؛ وإنْ باهلنا بأهل بيته خاصّةً فلا نباهله؛ فإنه لا يقدم على أهل بيته إلاّ وهو صادقٌ، فلمّا أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله(ص) ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، فقال النصارى: مَنْ هؤلاء؟ فقيل لهم: هذا ابنُ عمِّه ووصيُّه وختنُه عليُّ بن أبي طالب، وهذه بنته فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسين(عم)، فعرفوا، وقالوا لرسول الله(ص): نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة، فصالحهم رسول الله(ص) على الجِزْية، وانصرفوا.

([19]) الشهيد الثاني، شرح اللمعة 8: 26: (ويمنع الإرث) للمسلم (الكفر) بجميع أصنافه، وإنْ انتحل معه الإسلام، (فلا يرث الكافر)، حربيّاً أم ذمّياً أم خارجيّاً أم ناصبيّاً أم غالياً. وعلّق السيد محمد كلانتر في الهامش: وإنْ كان منتحلاً للإسلام ومدَّعياً له، مع كونه كافراً، فهو كافرٌ، ولكنّه يدَّعي الإسلام، كفرق الخوارج، والنواصب، والغلاة، يزعمون الإسلام وهم كفّارٌ.

وقال عليّ بن محمد القمّي في جامع الخلاف والوفاق: 614: وقال الشافعي: أهل الآراء على ثلاثة أضرب منهم: مَنْ نخطِّئه ولا نفسِّقه ـ كالمخالف في الفروع ـ، فلا يرد شهادته إذا كان عدلاً. ومنهم: مَنْ نفسِّقه ولا نكفِّره ـ كالخوارج والروافض ـ، نفسِّقهم، ولا نكفِّرهم، ولا نقبل شهادتهم. ومنهم: مَنْ نكفِّره ـ وهم القدرية الذين قالوا: بخلق القرآن، ونفي الرؤية، وإضافة المشيئة إلى نفسه، وقالوا: إنا نفعل الخير والشرّ معاً ـ فهؤلاء كفار، لا تقبل شهادتهم، وحكمهم حكم الكفّار، وبه قال مالك وشريك وأحمد بن حنبل.

وقال ابن عابدين في حاشية ردّ المحتار 4: 429: وفي نور العين عن التمهيد: أهل الأهواء إذا ظهرت بدعتهم، بحيث توجب الكفر، فإنه يباح قتلهم جميعاً إذا لم يرجعوا ولم يتوبوا، وإذا تابوا وأسلموا تقبل توبتهم جميعاً، إلاّ الإباحية والغالية والشيعة من الروافض والقرامطة والزنادقة من الفلاسفة لا تقبل توبتهم بحالٍ من الأحوال، ويقتل بعد التوبة وقبلها؛ لأنهم لم يعتقدوا بالصانع تعالى حتّى يتوبوا ويرجعوا إليه.

([20]) راجِعْ: تاريخ الطبري 3: 477؛ تاريخ ابن الأثير 3: 206؛ ابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1: 52، 72.

([21]) جاء في نهج البلاغة: 4: 98 ـ 99، أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) كان جالساً في أصحابه فمرَّتْ بهم امرأةٌ جميلة، فرَمَقها القومُ بأبصارهم [على عادة الشباب هذه الأيّام، يتحرَّشون بالنساء في الطُّرُقات]، فقال(ع): «إنّ أبصارَ هذه الفحول طوامح، وإنّ ذلك سببُ هَبابها، فإذا نظر أحدُكم إلى امرأةٍ تعجبه فليلامِسْ أهلَه، فإنّما هي امرأةٌ كامرأة»، فقال رجلٌ من الخوارج: قاتله الله كافراً ما أفقهه! فوثب القومُ [أي أصحاب الإمام(ع)] ليقتلوه، فقال(ع): «رُوَيْداً، إنّما هو سبٌّ بسبٍّ، أو عفوٌ عن ذنبٍ».

([22]) السيد محمد بحر العلوم، بلغة الفقيه 4: 205 ـ 211؛ السيد الخميني، كتاب الطهارة 3: 336 ـ 337. وفيه يقول: «وبالجملة لا دليل على نجاسة النصّاب والخوارج إلاّ الإجماع وبعض الأخبار، وشيءٌ منهما لا يصلح لإثبات نجاسة مطلق الناصب والخارج، وإنْ قلنا بكفرهم مطلقاً، بل وجوب قتلهم في بعض الأحيان». (الخميني، كتاب الطهارة 3: 338).

([23]) البحراني، الحدائق الناضرة 5: 177 ـ 178. ثمّ يقول بعد ذلك: في بيان معنى الناصب الذي وردت الروايات أنه نجسٌ، وأنه شرٌّ من اليهودي والنصراني والمجوسي، وأنه كافرٌ بإجماع الإمامية. والذي ذهب إليه أكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن المراد به من نصب العداوة لآل محمد(ص) وتظاهر ببغضهم، كما هو الموجود في الخوارج وبعض ما وراء النهر، ورتَّبوا الأحكام في باب الطهارة والنجاسة والكفر والإيمان وجواز النكاح وعدمه على الناصبي بهذا المعنى. وقد تفطَّن شيخنا الشهيد الثاني من الاطّلاع على غرائب الأخبار فذهب إلى أن الناصبي هو الذي نصب العداوة لشيعة أهل البيت(عم)، وتظاهر في القدح فيهم، كما هو حال أكثر المخالفين لنا في هذه الأعصار في كلّ الأمصار… إلى آخر كلامه زيد في مقامه. وهو الحقّ المدلول عليه بأخبار العترة الأطهار، كما ستأتيك إن شاء الله تعالى ساطعة الأنوار.

ويقول أيضاً في الحدائق الناضرة 3: 405 ـ 406: المشهور بين المتأخِّرين أن كلّ مظهر للشهادتين وإنْ لم يكن معتقداً للحقّ يجوز تغسيله، عدا الخوارج والغلاة، فيغسله غسل المخالفين، ولو تعذّر معرفته غسّله غسل الإمامية. وقال المفيد (عطّر الله مرقده) في المقنعة: «ولا يجوز لأحد من أهل الايمان أن يغسِّل مخالفاً للحقّ في الولاية، ولا يصلّي عليه، إلاّ أن تدعو ضرورة إلى ذلك من جهة التقيّة». واستدلّ له الشيخ في التهذيب بأن المخالف لأهل الحقّ كافرٌ، فيجب أن يكون حكمه حكم الكافر، إلاّ ما خرج بدليلٍ. وإذا كان غسل الكافر لا يجوز فيجب أن يكون غسل المخالفين أيضاً غير جائز… أقول [والكلام لصاحب الحدائق]: وهذا القول عندي هو الحقّ الحقيق بالاتّباع؛ لاستفاضة الأخبار بكفر المخالفين وشركهم ونصبهم ونجاستهم، كما أوضحناه بما لا مزيد عليه في الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب وما يترتّب عليه من المطالب. وممَّنْ اختار هذا القول ابن البرّاج أيضاً على ما نقل عنه، وهو لازمٌ للمرتضى وابن إدريس؛ لقولهما بكفر المخالف، إلاّ أني لم أقف على نقل مذهبهما في هذه المسألة، لكنّ ابن إدريس صرَّح بذلك في السرائر في مسألة الصلاة بعد أن اختار مذهب المفيد في عدم جواز الصلاة على المخالف، فقال ما هذا لفظه: «وهو أظهر، ويعضده القرآن، وهو قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً، يعني الكافر، والمخالف لأهل الحقّ كافرٌ بلا خلاف بيننا». وبذلك صرّح جملةٌ من متأخِّري المتأخِّرين.

وقال أيضاً في الحدائق الناضرة 5: 175 ـ 177: المشهور بين متأخِّري الأصحاب هو الحكم بإسلام المخالفين وطهارتهم، وخصّوا الكفر والنجاسة بالناصب، كما أشرنا إليه في صدر الفصل، وهو عندهم مَنْ أظهر عداوة أهل البيت(عم). والمشهور في كلام أصحابنا المتقدِّمين هو الحكم بكفرهم ونصبهم ونجاستهم، وهو المؤيَّد بالروايات الإمامية، قال الشيخ ابن نوبخت (قُدِّس سرُّه)، وهو من متقدِّمي أصحابنا، في كتابه فصّ الياقوت: دافعو النصّ كفرةٌ عند جمهور أصحابنا، ومن أصحابنا مَنْ يفسِّقهم…إلخ. وقال العلاّمة في شرحه: أما دافعو النصّ على أمير المؤمنين(ع) بالإمامة فقد ذهب أكثر أصحابنا إلى تكفيرهم؛ لأن النصّ معلومٌ بالتواتر من دين محمد(ص)، فيكون ضرورياً، أي معلوماً من دينه ضرورةً، فجاحده يكون كافراً، كمَنْ يجحد وجوب الصلاة وصوم شهر رمضان. واختار ذلك في المنتهى، فقال في كتاب الزكاة، في بيان اشتراط وصف المستحق بالإيمان ما صورته: لأن الإمامة من أركان الدين وأصوله، وقد علم ثبوتها من النبي(ص) ضرورةً، والجاحد لها لا يكون مصدِّقاً للرسول في جميع ما جاء به، فيكون كافراً. انتهى. وقال المفيد في المقنعة: ولا يجوز لأحدٍ من أهل الإيمان أن يغسِّل مخالفاً للحقّ في الولاية، ولا يصلّي عليه. ونحوه قال ابن البرّاج. وقال الشيخ في التهذيب، بعد نقل عبارة المقنعة: الوجه فيه أن المخالف لأهل الحقّ كافرٌ، فيجب أن يكون حكمه حكم الكفّار، إلا ما خرج بالدليل. وقال ابن إدريس في السرائر، بعد أن اختار مذهب المفيد في عدم جواز الصلاة على المخالف، ما لفظه: وهو أظهر، ويعضده القرآن، وهو قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً، يعني الكفّار، والمخالف لأهل الحقّ كافرٌ بلا خلاف بيننا. ومذهب المرتضى في ذلك مشهورٌ في كتب الأصحاب، إلاّ أنه لا يحضرني الآن شيءٌ من كلامه في الباب. وقال الفاضل المولى محمد صالح المازندراني في شرح أصول الكافي: ومَنْ أنكرها يعني الولاية فهو كافرٌ، حيث أنكر أعظم ما جاء به الرسول، وأصلاً من أصوله. وقال الشريف القاضي نور الله في كتاب إحقاق الحقّ: من المعلوم أن الشهادتين بمجردهما غير كافيتين، إلاّ مع الالتزام بجميع ما جاء به النبيّ(ص) من أحوال المعاد والإمامة، كما يدل عليه ما اشتهر من قوله(ص): «مَنْ مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»، ولا شَكَّ أن المنكر لشيءٍ من ذلك ليس بمؤمن ولا مسلم؛ لأن الغلاة والخوارج وإنْ كانوا من فرق المسلمين؛ نظراً إلى الإقرار بالشهادتين، إلا أنهما من الكافرين؛ نظراً إلى جحودهما ما عُلم من الدين، وليكن منه بل من أعظم أصوله إمامة أمير المؤمنين(ع). وممَّنْ صرح بهذه المقالة أيضاً الفاضل المولى المحقق أبو الحسن الشريف ابن الشيخ محمد طاهر، المجاور بالنجف الأشرف حيّاً وميتاً، في شرحه على الكفاية، حيث قال في جملة كلام في المقام في الاعتراض على صاحب الكتاب، حيث إنه من المبالغين في القول بإسلام المخالفين: وليت شعري أيُّ فرقٍ بين مَنْ كفر بالله تعالى ورسوله ومَنْ كفر بالأئمّة(عم) مع أن كلّ ذلك من أصول الدين؟ إلى أن قال: ولعلّ الشبهة عندهم زعمهم كون المخالف مسلماً حقيقة. وهو توهُّمٌ فاسد، مخالف للأخبار المتواترة. والحقّ ما قاله علم الهدى، من كونهم كفّاراً مخلَّدين في النار، ثمّ نقل بعض الأخبار في ذلك، وقال: والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى، وليس هنا موضع ذكرها، وقد تعدَّتْ عن حدِّ التواتر. وعندي أن كفر هؤلاء من أوضح الواضحات في مذهب أهل البيت(عم). انتهى.

وها هو المجلسي في بحار الأنوار 4: 123، يصف الفخر الرازي، صاحب التفسير المعروف، بـ «الناصبي المتعصِّب».

وفي رسائل المرتضى 1: 155 ـ 156، سُئل عن شارب الخمر والزاني ومَنْ جرى مجراهما من أهل المعاصي الكبائر، هل يكونون كفّاراً بالله تعالى ورسوله(ص) إذا لم يستحلّوه لمّا فعلوه؟ فأجاب: وبالله التوفيق. إن مرتكبي هذه المعاصي المذكورة على ضربين: مستحلّ؛ ومحرِّم. فالمستحلّ لا يكون إلاّ كافراً، وإنّما قلنا: إنه كافرٌ؛ لإجماع الأمّة على تكفيره؛ لأنه لا يستحلّ الخمر والزنا مع العلم الضروريّ بأن النبي(ص) حرَّمهما، وكان من دينه(ص) حظرهما، إلاّ مَنْ هو شاكٌّ في نبوّته وغير مصدِّق به، والشكّ في النبوّة كفرٌ، فما لا بُدَّ من مصاحبة الشكّ في النبوة له كفرٌ أيضاً. فأمّا المحرِّم لهذه المعاصي مع الإقدام عليها فليس بكافرٍ، ولو كان كافراً لوجب أن يكون مرتدّاً؛ لأن كفره بعد إيمانٍ تقدَّم منه، ولو كان مرتدّاً لكان ماله مباحاً، وعقد نكاحه منفسخاً، ولم تجز موارثته، ولا مناكحته، ولا دفنه في مقابر المسلمين؛ لأن الكفر يمنع من هذه الأحكام بأسرها. وهذه المذاهب إنما قال به الخوارج، وخالفوا فيه جميع المسلمين، والاجماع متقدِّمٌ لقولهم، فلا شبهة في أن أحداً قبل حدوث الخوارج ما قال في الفاسق المسلم: إنه كافرٌ، ولا له أحكام الكفّار.

([24]) قال الشهيد الثاني في روض الجنان: 307: …ثم يكبِّر رابعةً ويدعو للميت إنْ كان مؤمناً، وعليه إنْ كان منافقاً. قيل: وهو هنا الناصب، كما يشهد به بعض العبارات والروايات، كرواية عمار (عامر) بن الشمط (السمط)، عن الصادق(ع): إنّ منافقاً مات، فخرج الحسين(ع)، فقال مولى له: أفرّ من جنازته، قال: قم عن يميني، فما سمعتني أقول فقُلْ مثله، فلمّا أن كبَّر عليه وليّه قال الحسين(ع): الله أكبر، اللهمّ العَنْ عبدك ألف لعنةٍ مؤتلفة غير مختلفة. اللهم أخْزِ عبدك في عبادك وبلادك، وأصْلِه حرَّ نارك، وأذِقْه أشدَّ عذابك؛ فإنه كان يتولّى أعداءك، ويعادي أولياءك، ويبغض أهل بيت نبيّك، ونحوه…، فدلّ قوله(ع): ويبغض أهل بيت نبيّك على أنه ناصبي، واختاره في الذكرى. ويحتمل أن يريد به مطلق المخالف للحقّ، وهو اختيار الدروس، ويشهد له من الأخبار خبر محمد بن مسلم، عن أحدهما(عما): إنْ كان جاحداً للحقّ فقل: اللهم املأ جوفه ناراً، وقبره ناراً، وسلِّط عليه الحيات والعقارب. ولا منافاة بين الأخبار؛ لاشتراكها في الدعاء على المخالف، وتأكيده على الناصب، وهو الظاهر. وظاهر العبارة كون الدعاء على هذا القسم واجباً، ويؤيِّده وروده في الأخبار في كيفية الواجب… ويدعو عقيب الرابعة بدعاء المستضعفين إنْ كان الميت منهم، والمراد بالمستضعف ـ على ما فسَّره في الذكرى ـ مَنْ لا يعرف الحقّ ولا يعاند فيه ولا يوالي أحداً بعينه؛ وحكى عن الغرية أنه يعرف بالولاء ويتوقّف عن البراء؛ وقال ابن إدريس: هو مَنْ لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ولا يبغض أهل الحقّ على اعتقادهم. والكلُّ متقاربٌ. ودعاء المستضعفين على ما رواه الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر(ع): وإنْ كان منافقاً مستضعفاً فكبِّر وقل: اللهم اغفر للذين تابوا واتَّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. وفى هذا الخبر دلالة على أن المنافق هو المخالف مطلقاً؛ لوصفه له بكونه قد يكون مستضعفاً، فكيف يختص بالناصب؟! وعلى أن المستضعف لا بُدَّ أن يكون مخالفاً، فيقرب حينئذٍ تفسير ابن إدريس. كما سقط قول بعضهم: إن المراد به مَنْ لا يعرف دلائل اعتقاد الحقّ وإنْ اعتقده، فإن الظاهر كون هذا القسم مؤمناً، وإنْ لم يعرف الدليل التفصيلي.

([25]) ولمزيدٍ من التفصيل راجِعْ: مجلّة الاجتهاد والتجديد 17: 30 ـ 50، مقالةٌ للدكتور عبد الأمير كاظم زاهد، بعنوان: الأسس الدينيّة للتطرُّف، قراءةٌ نقديّة في حديث الفرقة الناجية.

([26]) راجِعْ: الكليني، الكافي 7: 273، 274 ـ 275؛ الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 92 ـ 93؛ الطوسي، الأمالي: 361 ـ 363، 502 ـ 503، 503؛ أحمد بن حنبل في المسند 1: 230، 402؛ 2: 85، 87، 104، 351، 358؛ 4: 366؛ 5: 39، 44، 45، 49، 68، 72 ـ 73؛ الدارمي، السنن 2: 69؛ البخاري، الصحيح 1: 38؛ 2: 191، 191 ـ 192؛ 5: 125 ـ 126، 126؛ 7: 112؛ 8: 15 ـ 16، 35 ـ 36؛ 36، 91؛ مسلم، الصحيح 1: 58؛ 5: 107 ـ 108؛ ابن ماجة، السنن 2: 1300؛ أبو داوود السجستاني، السنن 2: 409؛ الترمذي، السنن 3: 329.



أكتب تعليقك