22 ديسمبر 2017
التصنيف : مقالات قرآنية، منبر الجمعة
التعليقات : 1
7٬299 مشاهدة

تفسير القرآن الكريم، الأساليب والاتّجاهات

(الجمعة 22 / 12 / 2017م)

تنقسم التفاسير القرآنيّة بلحاظ أساليب التفسير إلى قسمين:

ما كان مختلفاً من حيث التوسُّع والإيجاز في التفسير. وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى:

أـ تفسير تحليليّ؛ ب ـ تفسير إجماليّ.

أـ  التفسير المختصر؛ ب ـ التفسير المتوسِّط؛ ج ـ التفسير المفصَّل.

أـ التفسير المزجي؛ ب ـ التفسير التشريحي التفكيكي.

أـ التفسير الكلِّي؛ ب ـ التفسير الجزئي.

2ـ ما كان مختلفاً من حيث عموم الموضوعات التي تقابل المفسِّر في كلّ سورةٍ، ومن حيث خصوص موضوعٍ بعينه في القرآن الكريم كلِّه. وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى:

أـ التفسير الترتيبي (وفق المصحف). والأصحُّ أن يُقال له: التفسير التجزيئي الموضعي؛ إذ قد يفسِّر الآيات القرآنيّة من دون مراعاة ترتيبها في المصحف، وإنَّما يفسِّرها منفصلةً عن بعضها البعض، ودون أن يجمع بينها جامعٌ. وهذا هو التفسير التقليديّ للقرآن الكريم، الذي اعتمدَتْه أغلب التفاسير، إنْ لم نقُلْ: كلّها.

ب ـ التفسير الموضوعي أو التوحيدي أو الارتباطي. وهو ـ كما يقول الشهيد محمد باقر الصدر ـ يتناول القيام بالدراسة القرآنيّة لموضوعٍ من موضوعات الحياة العقائديّة أو الاجتماعيّة أو الكونيّة، فيبيِّن ويبحث ويدرس([1]).

وقد بيَّن الصدر وظيفة هذا التفسير بقوله: إنَّما وظيفة التفسير الموضوعي دائماً، في كلِّ مرحلةٍ وفي كلّ عصر، أن يحمل كلَّ تراث البشرية الذي عاشه، يحمل أفكار عصره، يحمل المقولات في تجربته البشرية، ثمّ يضعها بين يدَيْ القرآن، الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يدَيْه ولا من خلفه؛ ليحكم على هذه الحصيلة بما يمكن لهذا المفسِّر أن يفهمه من خلال مجموع آياته الشريفة([2]).

الفوارق بين التفسير التجزيئي والموضوعي

1ـ الاختلاف في الأهداف: ففي التفسير التجزيئي يستهدف المفسِّر فهم مدلول الآية التي يواجهها([3])، رغم أنّه قد يستعين بآياتٍ أخرى، كما قد يستعين بالأحاديث؛ وأمّا في التفسير الموضوعي فإنّ الهدف يمتدّ ليستوعب موقف القرآن من موضوعٍ ما، وهو ما لا يمكن الوصول إليه إلاّ بفهم عددٍ كبير من الآيات.

2ـ تعدُّد المدلولات القرآنية ووحدتها (فارقٌ رئيس): ففي التفسير التجزيئي يحصل المفسّر على عددٍ كبير من المعارف والمدلولات القرآنية، ما يوجب عدم اكتشاف أوجه الارتباط بينها، إلاّ بمحض الصدفة؛ أمّا في التفسير الموضوعي فيحصل المفسِّر على معرفة نظريّةٍ قرآنيّة واحدة([4]).

3ـ تحديد النظريّة القرآنيّة وعدمها (فارقٌ رئيس): فالتفسير الموضوعي يستطيع أن يقدِّم لنا النظر النهائيّ للقرآن والإسلام؛ وأمّا التفسير التجزيئي فهو غير قادرٍ على ذلك، إلاّ بعد تفسير القرآن كلِّه ـ من بدايته إلى نهايته ـ أوّلاً، ثمّ تركيب النظرات المتفرِّقة الحاصلة من الآيات والسور ثانيّاً.

4ـ سعة الموضوع وضيقه: فموضوع التفسير التجزيئي هو القرآن كلّه؛ وأمّا التفسير الموضوعي فإنّ موضوعه ليس سوى الموضوع المبحوث عنه.

5ـ ظهور التناقضات المذهبيّة وعدمه: فنزعة الاتِّجاه التجزيئي أدَّت إلى ظهور التناقضات المذهبيّة العديدة في الحياة الإسلامية؛ إذ كان يكفي أن يجد هذا المفسّر أو ذاك آيةً تبرِّر مذهبه لكي يعلن عنه، ويجمع حوله الأنصار والأشياع، كما وقع في كثير من المسائل الكلامية، كمسألة الجبر والتفويض والإجبار([5])، والسرّ في ذلك هو التراكم العددي للمعلومات، والذي يختصّ به التفسير التجزيئي؛ أمّا التفسير الموضوعي فليس كذلك؛ لأنّ المفسِّر لم يقتصر فيه على تجميع عدديّ، بل يتقدَّم خطوةً على المفسِّر التجزيئي، فيحاول تركيب مدلولات القرآن والمقارنة بينها.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ هذا الأثر السلبي حاضرٌ في التفاسير الموضوعية المدوّنة لدى الفرق الكلامية، وعليه فالسرّ في هذه التناقضات هو المواقف المذهبية المسبقة ومجموعة الأفكار التي يحمّلها المفسِّر على القرآن، سواء كان في الاتجاه التجزيئي أو الموضوعي.

6ـ الدور السلبي والدور الإيجابي (فارقٌ رئيس): فدَوْرُ المفسِّر التجزيئي ـ على الأغلب ـ سلبيّ([6])، حيث يكون القرآن بمنزلة المتحدِّث والناطق، ويكون المفسِّر بمنزلة المستمع والمسجِّل؛ إذ إنّ المفسّر يبدأ في عملية التفسير التجزيئي بتناول النصّ القرآني المحدَّد، دون أيّ افتراضاتٍ أو طروحات مسبقة، ويجلس بذهنٍ مضيء، وفكرٍ صافٍ، وروحٍ محيطة بآداب اللغة وأساليبها، بين يدَيْ القرآن؛ ليستمع ويأخذ ما تحدَّث به القرآن، فدور القرآن دور المتحدِّث، ودور المفسِّر هو الإصغاء والفهم.

أما المفسِّر الموضوعي فدورُه إيجابيّ؛ فعملية التفسير الموضوعي عمليّة حوارٍ مع القرآن، واستنطاق له([7])، ومعنى ذلك أنّ المفسِّر الموضوعي يبدأ عمله من واقع الحياة، ويركِّز نظره على موضوع من الموضوعات، ويجمع حصيلةً ترتبط بذلك الموضوع، فيصير موضوعاً جاهزاً مشرَّباً بعددٍ كبير من الأفكار والمواقف البشرية، ثمّ ينفصل عنها، ويأتي ويجلس بين يدَيْ القرآن، ويبدأ معه حواراً، ويستنطقه حول ذلك الموضوع، فالمفسِّر يسأل والقرآن يجيب، ويستهدف المفسِّر من ذلك اكتشاف موقف القرآن من الموضوع.

وفي ضوء هذا الفارق الرئيس ذكر الشهيد الصدر فوارق أخرى:

أـ تتصل نتائج التفسير الموضوعي دائماً بالتجربة البشرية؛ أما التجزيئي فأجنبيٌّ عنها.

ب ـ يبدأ التفسير الموضوعي من الواقع الخارجي وينتهي بالقرآن؛ أما التفسير التجزيئي فيبدأ من القرآن وينتهي إليه.

ج ـ التفسير الموضوعي قادرٌ على العطاء المستجدّ، وعلى الإبداع أيضاً؛ أمّا التجزيئي فهو عاجزٌ عن ذلك؛ لأنّ هذا الاتجاه تفسيرٌ للفظ، وطاقاتُه متناهية، بحيث لو حصل تجدُّد في المدلول اللغويّ فلا معنى لتحكيمه على القرآن، وكذا لو ظهرت لغةٌ أخرى بعد القرآن فلا معنى لفهمه من خلالها([8]).

أيُّهما أفضل: التفسير التجزيئي أو الموضوعي؟

يصرِّح الصدر بأن التفسير الموضوعي أفضل اتِّجاهي التفسير([9])؛ للمبرّرات التالية:

أـ المبرِّر العلمي: ويتمثَّل بالحاجة الكبيرة في عصرنا لعرض نظريّات أساسية في الحياة العقائديّة والكونيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة وغيرها من الموضوعات المهمّة، ولا يتأتّى ذلك إلاّ من خلال التفسير الموضوعي، الذي يدلّنا على نظريات الإسلام والقرآن.

ب ـ المبرِّر العملي: حيث إنّ شوط التفسير التجزيئي طويل، ويحتاج إلى فترةٍ زمنية طويلة أيضاً، ولهذا لم يحْظَ بهذا الشرف العظيم إلاّ عددٌ محدود من علماء الإسلام الأعلام. ولهذا كان من الأفضل اختيار أشواط أقصر([10]).

ج ـ المبرِّر الروائي: وهو ما جاء في كلام الإمام عليّ(ع)، حيث قال: «ذلك القرآن استنطقوه، ولن ينطق، ولكنْ أخبركم عنه، ألا إنّ فيه علم ما يأتي، والحديث عن الماضي…»([11]). فالتعبير بالاستنطاق هو أروع تعبير عن عملية التفسير الموضوعي بوصفها حواراً مع القرآن الكريم، وطرحاً للمشاكل الموضوعية عليه؛ بقصد الحصول على الإجابة القرآنية([12]).

د ـ المبرِّر العيني: والمقصود به المثل الأعلى للاتجاه الموضوعي، وهو الاتِّجاه السائد في الفقه الإسلامي. فالفقه يتقدَّم خطواتٍ على التفسير في النموّ والإبداع والتوسُّع، وذلك لتفضيله الاتِّجاه الموضوعي على التجزيئي، خلافاً للتفسير. فها هو القسم الأعظم من الكتب الفقهيّة والدراسات العلمية قد صنَّفَتْ البحث إلى مسائل وفقاً لوقائع الحياة، وجعلت في إطار كلّ مسألةٍ الأحاديثَ التي تتَّصل بها، وفسَّرتها بالقَدْر الذي يلقي ضوءاً على تلك المسائل، ويؤدِّي إلى تحديد موقفٍ للإسلام في تلك الواقعة([13]).

الشروط اللازمة للتفسير الموضوعي

يجب على المفسّر التوحيدي الموضوعي مراعاة عدّة أمور ، ومنها:

1ـ مطالعة القرآن كلِّه تفسيراً تجزيئياً، فيطَّلع على المواضيع والمواقف إجمالاً، ثمّ يدخل في بحثه الموضوعي تفصيلاً.

2ـ ملاحظة الآيات الدالّة على الموضوع، سواء كانت صريحةً فيه أم لم تكن. وعليه لا يكفي لاستقصاء الآيات مراجعة المعاجم والبرامج الكمبيوتريّة، بل يحتاج المفسِّر إلى هيمنةٍ كاملة على الآيات. نعم، يمكن الاستعانة بالتفاسير التي جاءَتْ وفقاً للمنهج القرآني، أي تفسير القرآن بالقرآن.

3ـ البحث عن الآيات المستخرجة كلِّها، آيةً فآيةً.

4ـ البحث عن الآيات المنتَخَبة، مع القرائن المتَّصلة والمنفصلة.

5ـ استنطاق القرآن ومحاورته، وأخذ الأجوبة منه.

6ـ تركيب المباحث وتبويبها بشكلٍ جامع، أو توحيد المدلولات القرآنيّة.

7ـ استنتاج النظريّة من القرآن، وعرضها للآخرين.

هذا إذا أراد الوقوف على نظريّة قرآنية، أما إذا أراد الوقوف على موقف الإسلام فيجب عليه أيضاً البحث في الأحاديث الواردة التي تتَّصل بالموضوع، ثمّ يوحِّد بين الموقف القرآني والموقف الروائي؛ حتَّى يستخرج المفهوم الإسلامي.

مظاهر وجود التفسير الموضوعي

ويمكن إجمالها في ما يلي:

1ـ تفسير القرآن بالقرآن: لا رَيْبَ أن تفسير القرآن بالقرآن هو لبُّ التفسير الموضوعي وأعلى ثمراته. وهذا اللون من التفسير هو أعلى مراتب التفسير وأصدقها؛ إذ لا أحد أعلم بكلام الله من الله.

2ـ آيات الأحكام: حيث قام الفقهاء بجمع آيات كلّ بابٍ من أبواب الفقه على حدةٍ، وأخذوا في دراستها واستنباط الأحكام منها، والجمع بين ما يظهر التعارض، وذكروا ما نصّ عليه، وما استنبط من القرآن بطريق الإشارة والدلالة الخفيّة، ونحو ذلك. وكلُّه داخلٌ تحت مسمّى «التفسير الموضوعي».

3ـ الأشباه والنظائر: وهو اتِّجاه نحاه بعض العلماء في تتبُّع اللفظة القرآنية، ومحاولة معرفة دلالاتها المختلفة. مثال ذلك: كلمة «خير»، حيث وردت في القرآن على ثمانية أوجه، حسب ما ذكره الدامغاني في كتابه «إصلاح الوجوه والنظائر»، وهي: المال: كقوله: ﴿إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إن تَرَكَ خَيْراً (البقرة: 180)؛ والإيمان، كقوله: ﴿ولَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ (الأنفال: 23)؛ والإسلام، كقوله: ﴿مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ (القلم: 2)؛ وبمعنى أفضل، كقوله: ﴿وأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (المؤمنون: 109)؛ والعافية، كقوله: ﴿وإن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ وإن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (الأنعام: 17)؛ والأجر، كقوله: ﴿لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ (الحجّ: 36)؛ والطعام، كقوله: ﴿فَقَالَ رَبِّ إنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (القصص: 24)؛ وبمعنى الظفر والغنيمة والطعن في القتال، كقوله: ﴿ورَدَّ اللهُ الَذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً (الأحزاب: 25).

4ـ الدراسات في علوم القرآن: اهتمّ العلماء بموضوعات علوم القرآن فأشبعوها، ومن هذه الموضوعات والدراسات لونٌ ينصبُّ على دراسة وجمع الآيات التي لها رابطةٌ واحدة، كآيات النَّسْخ، والإعجاز، والقَسَم، والمُشْكِل، والجَدَل، والأمثال، وغير ذلك.

أهمِّية التفسير الموضوعي

1ـ إبراز وجوه جديدة من إعجاز القرآن الكريم.

2ـ التأكيد على أهمِّية تفسير القرآن بالقرآن.

3ـ سدّ حاجة البشريّة، عند بروز أفكارٍ جديدة على الساحة الإنسانية، وانفتاح ميادين للنظريات العلمية الحديثة، إلى تحديد الموقف من هذه الافكار وتلك النظريّات، وذلك من خلال تتبُّع آيات القرآن، ومحاولة استنباط ما يجب نحو كلّ أولئك.

4ـ إثراء المعلومات حول قضيّةٍ معينة، حيث تتبيَّن لذوي الشأن أدلّةٌ جديدة، ورؤى مستفيضة، ويتفتَّق كثيرٌ من أبعاد القضية المطروحة.

5ـ تأصيل الدراسات الجديدة في العلوم القرآنيّة، أو تصحيح مسارها، حتّى يؤمن عثارها.

ومثاله: «الإعجاز العلمي في القرآن»، الذي كثر الكاتبون حوله، إلاّ أنه بحاجةٍ ماسّة إلى ضبط قواعده؛ ليُتَجَنَّب الإفراط فيه أو التفريط.

وكذا علم التاريخ، الذي أخذ منهجاً في سرد الوقائع والأحداث من غير تعرُّضٍ لسنن الله في الكون والمجتمع، علماً بأن هذه السنن قد أبرزتها آيات القرآن خلال قصصه بشكلٍ واضح، وهناك انحرافاتٌ مبثوثة في كتب التاريخ تخالف ما نصَّ عليه في القرآن الكريم، ولن يتمّ تعديلها وتقويم مثل هذه العلوم إلاّ بطريق استقصاء منهج القرآن في عرضها ودراستها.

مميِّزات التفسير الموضوعي

لهذا الأسلوب في التفسير خصائص ومميزات، وأهمّها:

1ـ إنه تفسير للقرآن بالقرآن: فما أُطلق في مكان منه قُيِّد في مكانٍ آخر، وما ذُكر موجزاً في موطنٍ منه ذُكر مفصَّلاً في آخر.

2ـ الوقوف على عظمة القرآن الكريم، من خلال مواضيعه المتنوِّعة، والتعرُّف على تشريعاته النيِّرة والمتعدِّدة في معالجة قضايا الأمّة.

3ـ بيان أنواع ما تضمَّنه القرآن الكريم من الهداية الربّانية من خلال المواضيع المختلفة، والوقوف عندها بتأمُّل.

4ـ التخلُّق بأخلاق القرآن، والانتفاع به من حيث زيادة الإيمان، والتمكُّن من فهم القرآن الكريم فهماً جيِّداً، وتوجيه ما يمكن توجيهه وفق قواعد التفسير وأصول الترجيح؛ لإزالة ما يوهم التعارض بين الآيات القرآنية([14]).

5ـ يُعَدّ التفسير الموضوعي في أهمِّ أغراضه تفسيراً دَعَوياً تربوياً اجتماعياً عصريَّاً، يهدف إلى بيان الحقائق القرآنية في موضوعاتٍ معيَّنة، واستجلاء المنهج القرآني في تناولها، وتنزيل ذلك كلّه على واقع الناس ومنهج الحياة.

6ـ الرَّد على أهل الأهواء والشُّبَه، قديماً وحديثاً؛ لكون دراسة مثل هذا النوع من التفسير يجمع شتات الموضوع الواحد، ويُحيط بجميع أطرافه، فيمكن دراسته والردّ على الآخرين.

فوائد التفسير الموضوعي

من أهمّ الفوائد التي يتلمَّسها الباحث في دراسته لهذا الأسلوب التفسيري:

1ـ الاطِّلاع على أساليب القرآن الكريم المتنوِّعة.

2ـ الاطِّلاع على أحاديث النبيّ(ص) وأهل البيت(عم)، وأقوال الصَّحابة والتابعين، مع تسجيل المزيد من الفوائد والاستنباطات والمناقشات العلميَّة، فضلاً عن الاطِّلاع على تفسير الآيات التي استخدمت المصطلح أو الموضوع القرآني في أمّهات كتب التفسير؛ للتعرّف على ما قالوه فيها؛ إذ لا يمكن للباحث أن يصل إلى نتيجةٍ صحيحة إلاّ إذا سلك طريقةً سليمة في التعامل مع القرآن الكريم وفهم معانيه، وليس ذلك إلاّ في طريقة المفسِّرين وكتبهم.

3ـ الاستفادة من تسجيل الحقائق واللطائف والإشارات، ونقل ما يراه الباحث مناسباً، وما يربطه بالواقع المعاصر، مع اختلاف وتنوُّع هذه اللطائف، ثمَّ استخلاص بعض ما يجده من هدايةٍ وعِبَر خلال رحلته مع هذا المصطلح القرآني، واستنتاج بعض الاستنباطات ممّا يوافق الماضي والحاضر والمستقبل.

4ـ إنّ هذا النوع من التفسير يُمكِّن الباحث من الوصول سريعاً إلى الهدف، دون تعبٍ أو مشقّة، بين ما مُلئَتْ به كتب التفسير التحليلي من أبحاثٍ لغويّة أو فقهية وغير ذلك، مما يعوقه عن غرضه نوعاً ما.

5ـ إنَّ هذا التفسير يُمكِّن الداعية ـ محاضراً كان أو باحثاً ـ من الإحاطة التامَّة بأبعاد الموضوع وجوانبه، بالقدر الذي يُمكِّنه أن يُعلِّل للناس أحكامه بطريقةٍ سهلة واضحة مقنعة، وأن يكشف لهم أسرار القرآن؛ ليذكِّرهم برحمة الله تعالى بعباده في ما يشرِّع لهم.

6ـ تسهيل الوصول إلى الموضوعات القرآنية بصورةٍ متكاملة على القارئ والباحث، من خلال تجميع موضوعٍ متكامل في بحثٍ واحد؛ إذ يجمع الآيات المتناثرة في القرآن ذات الموضوع والهَدَف الواحد في مكانٍ واحد، ثمّ يدرسها دراسةً متكاملة، فضلاً عن إزالة ما يُوهِم التعارض بين آيات القرآن الكريم، وتوجيهها توجيهاً سليماً([15]).

ألوان التفسير الموضوعي

يقوم مبدأ التفسير الموضوعي على مفهوم (الوحدة الموضوعية) للقرآن، وبناءً على هذا المفهوم وجد هناك ثلاثة أنواع (ألوان) للتفسير الموضوعي، وهي:

1ـ وحدة المفردة القرآنية: حيث يتتبَّع الباحث لفظةً من كلمات القرآن الكريم، ثم يجمع الآيات التي ترد فيها اللفظة أو مشتقّاتها من مادّتها اللغوية. وبعد جمع الآيات والإحاطة بتفسيرها يحاول استنباط دلالات الكلمة من خلال استعمال القرآن الكريم لها؛ إذ إنّ أيَّ لفظٍ في القرآن الكريم، مهما اختلفت أماكن وروده، يتكامل مع بعضه في منطقيةٍ وانسجام؛ لأن المصدر الذي صدر عنه القرآن كلُّه واحد.

مثال: ما يقدِّمه القرآن في أوله عن (المال) له علاقةٌ بما يذكره عن (المال) في آخره، ويتكامل معه. فيجمعون لفظ (المال) من سور القرآن، ثمّ يتعرَّفون على دلالة اللفظ في أماكن وروده داخل القرآن الكريم، وفي حدوده فحَسْب.

ولكنَّ بعض الباحثين لا يعتبر هذا من التفسير الموضوعي؛ لأنه لا يعطي صورةً كاملة عن موضوعٍ ما أو سورةٍ ما، وإنَّما هو مجرَّد تفسير لمفردات القرآن الكريم، وتحديد لدلالتها فقط.

2ـ وحدة الموضوعات القرآنيّة: تحديد موضوعٍ ما يلحظ الباحث تعرُّض القرآن المجيد له بأساليب متنوِّعة في العرض والتحليل والمناقشة والتعليق، أو تطرأ مشكلةٌ أو تُطْرَح قضيةٌ فيُراد بحثها من وجهة نظرٍ قرآنيّة. وهذا اللَّوْن من التفسير الموضوعي هو المشهور في عرف أهل الاختصاص، حتَّى أنّ اسم «التفسير الموضوعي» لا يكاد ينصرف إلاّ إليه.

طريقة التفسير الموضوعي للموضوع القرآني: جمع الآيات القرآنية ذات الهدف المشترك، وترتيبها على حسب النزول ـ ما أمكن ذلك ـ، والوقوف على أسباب النزول ـ إنْ وجدت ـ، ثمّ يتمّ شرحها وبيانها والتعليق عليها والاستنباط منها، بمعونة السنَّة النبوية وأقوال السَّلَف، مع الإحاطة التامَّة بكلِّ جوانب الموضوع كما ورد في القرآن الكريم؛ بقصد الوصول إلى الغاية المرجوّة من وراء هذا البحث القرآني، وإفادة الأمَّة في معالجة قضاياها([16]).

لكنّ المشكلة أنه لا يمكن أن يشكِّل تفسيراً كاملاً للقرآن الكريم؛ لأن الموضوعات التي تناولها القرآن الكريم يصعب حصرها، فتحديدها بطبيعة الحال اجتهادٌ.

ومن الموضوعات التي تناولها القرآن على سبيل المثال: (آيات الإيمان بالله)، و(آيات الإيمان بالملائكة)، و(آيات الإيمان بالكتب)، و(آيات الإيمان بالرسل)، و(آيات الإيمان بالآخرة)، و(آيات الحجّة على المشركين)، و(آيات الأحكام)، وغيرها.

وقد جمع المفسِّرون آيات كلّ بابٍ على حِدَةٍ، وأخذوا في دراستها واستنباط الأحكام منها، والجمع بين ما يظهر التعارض، وذكروا ما أُثر فيها من أقوال السلف، وما استنبط من القرآن الكريم بالرأي ونحو ذلك. وكلُّه داخل تحت مسمّى (التفسير الموضوعي).

3ـ وحدة السورة القرآنية: البحث عن موضوعٍ من خـــلال سورةٍ من القرآن، بتحديد الهدف الأساسي للسورة أو غيره من الأهداف، ودراسته من خــلال تلك السورة. وهذا اللَّوْن شبيهٌ بسابقه، إلاّ أن دائرته أضيق.

وطريقته: أن يستوعب الباحث أهداف السورة المنبثّة في أسباب نزولها، وترتيبها، ومكِّيها ومدنيها، وأسمائها، وعدد آيها، ومقاصدها الفرعيّة، وأساليب عرضها، والمناسبات بين مقاطعها([17]).

وهذا اللون ظفر بعناية القدماء، وجاءت في ثنايا تفاسيرهم الإشارات إلى بعض أهداف السورة، ومحاولة الانطلاق منها لبيان تفسيرها، كما فعل البقاعي في كتابه «نظم الدرر في تناسب الآيات والسور».

أما في العصر الحديث فقد أُولع به سيِّد قطب في تفسيره «في ظلال القرآن»، حيث يقدِّم لكلّ سورةٍ ببيان أهدافها الرئيسة أو هدفها الوحيد، وينطلق في باقي تفسير السورة من خلال هذا المحور الذي تتحدَّث السورة عنه.

اتِّجاهات التفسير

1ـ المذاهب التفسيريّة

فسَّرَ أصحاب المذاهب الإسلامية آيات القرآن على أساس العقائد التي يؤمنون بها، فرُبَما يختار المفسِّر في تفسيره أحد المذاهب، أو يتَّخذ طريقةً خاصّة. فمثلاً: اعتنى مفسِّرو الشيعة؛ طبقاً لإرشادات أئمّتهم(عم)، بظاهر وباطن القرآن، والآيات المتعلّقة بأهل البيت(عم).

2ـ المدارس التفسيريّة (الاتِّجاهات الكلاميّة)

أقدمَ بعضُ أصحاب المدارس الكلاميّة، كالمعتزلة والأشاعرة، على تفسير القرآن على أساس ميولهم الفكريّة. فمثلاً: كتب الزمخشري تفسيره الكشّاف بأسلوبٍ كلاميّ.

3ـ الألوان (الاتِّجاهات) التفسيريّة

ذهب المفسِّرون الذين لهم تخصُّصٌ أو اهتمامٌ بعلمٍ من العلوم إلى كتابة تفاسيرهم على أساس ذلك التخصُّص أو الاهتمام، فأكثروا من طرح المباحث التي تخصَّصوا بها. ومن هنا ظهرت اتِّجاهاتٌ وألوان تفسيريّة متعدِّدة، ومنها:

1ـ الاتِّجاه الأدبي.

2ـ الاتِّجاه اللغوي.

3ـ الاتِّجاه الكلامي. ويتفرَّع بحَسَب تعدُّد المذاهب الإسلاميّة إلى: شيعي؛ زيدي؛ أشعري؛ معتزلي؛ إباضي؛…

4ـ الاتِّجاه الفقهي، كما في كتب (آيات الأحكام).

5ـ الاتِّجاه الاجتماعي.

6ـ الاتِّجاه الأخلاقي.

7ـ الاتِّجاه التاريخي.

8ـ الاتِّجاه العلمي.

9ـ الاتِّجاه العرفاني، ويُعرَف أيضاً بـ (التفسير الرمزي الإشاري الباطني الشهودي التأويلي). وعليه فالتفسير الإشاري هو ما يُطلق على الإشارات الخفيّة الموجودة في آيات القرآن، والتي تعتمد على أساس العبور من ظواهر القرآن، والأخذ بالباطن، أي استخراج وفهم وتوضيح نكتةٍ من الآية لا توجد في ظواهر الآية، عن طريق دلالة الإشارة.

ومن أهمّ المؤاخذات على التفاسير الصوفيّة والعرفانيّة هو ابتناؤها على الذَّوْق والسليقة، والتي هي أحاسيس شخصيّة.

الخلاصة

يرى المتصفِّح لكتب التفاسير التي خلَّفها علماء الإسلام تنوُّعاً كبيراً بينها، بحيث يمكن تقسيمها إلى عدّة أقسام، بالنظر إلى عدّة اعتبارات، ولقد أرجع المتخصِّصون تلك الأقسام إلى اعتبارات ثلاثة:

1ـ من حيث المصادر التي يستمدّ منها التفسير. وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين: تفسير بالمأثور، وتفسير بالرأي. ويدخل تحت التفسير بالرأي كلّ أنواع التفسير بالرأي: المحمود؛ والمذموم، بسائر اتِّجاهاته: الفقهية، والصوفية، والبلاغية، والأدبية، والموضوعية، والتحليلية، والإجمالية، والعلمية، وغير ذلك.

2ـ من حيث التوسُّع والإيجاز في التفسير. وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين: تفسير تحليلي؛ وتفسير إجمالي.

3ـ من حيث عموم موضوعات التفسير، التي تقابل المفسِّر في كلّ سورةٍ، ومن حيث خصوص موضوع بعينه في القرآن الكريم كلِّه. وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين: تفسير عامّ، وتفسير موضوعي.

وبما أن هذه التقسيمات نتجت عن جهاتٍ متعدِّدة فليس بينها تباين كلِّي، وعليه قد يتداخل بعضها مع بعض، مثل ما إذا كان التفسير اجتهادياً في المنهج، اجتماعياً في الاتجاه، وترتيبياً في الأسلوب، أو كان التفسير نقلياً في المنهج، فقهياً في الاتِّجاه، وموضوعياً في الأسلوب…

وهناك تفسيرٌ جامع، أي يسلك المفسِّر على ضوئه في المناهج كلَّها مع الاتِّجاه الفكري الموسَّع في مجموعة المعارف والعلوم، مستخدماً الأسلوب الترتيبي، مع اهتمامٍ خاصّ بموضوعٍ واحد في بعض الأحيان.

**********

الهوامش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) المدرسة القرآنية: 12.

([2]) المدرسة القرآنية: 22.

([3]) المدرسة القرآنية: 11.

([4]) المدرسة القرآنية: 12.

([5]) المدرسة القرآنية: 12.

([6]) المدرسة القرآنية: 19.

([7]) المدرسة القرآنية: 21.

([8]) المدرسة القرآنية: 23.

([9]) المدرسة القرآنية: 33، 37.

([10]) المدرسة القرآنية: 41.

([11]) نهج البلاغة، الخطبة 158.

([12]) المدرسة القرآنية: 21.

([13]) المدرسة القرآنية: 15.

([14]) انظر: البداية في التفسير الموضوعي، دراسة منهجية موضوعية: 68 ـ 70؛ د. أحمد عبد الله الزهراني، التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ونماذج منه، مقالة منشورة في مجلة الجامعة الإسلامية / المدينة المنورة، العدد 85، 1423هـ ـ 2002م.

([15]) انظر: البداية في التفسير الموضوعي، دراسة منهجية موضوعية: 68 ـ 70.

([16]) انظر: التفسير الموضوعي للقرآن الكريم: 22 ـ 23.

([17]) انظر: د. مصطفى مسلم، مباحث في التفسير الموضوعي: 2.


عدد التعليقات : 1 | أكتب تعليقك

  • د.حسين
    السبت 12 سبتمبر 2020 | الساعة 21:35
    1

    سماحة الشيخ محمد عباس دهيني المحترم:
    تحية طيبة
    اذا توفرت لديكم مصادر حول الاجتهاد التخصصي اما ان تعلمونا عن اسماء المصادر او ارسالها في حالة توفرها على هذا الايميل.
    ولكم كل التقدير والاحترام .


أكتب تعليقك