هل المسجد الأقصى في الأرض أو في السماء؟
المسجد الأقصى هو بيت المَقْدِس في فلسطين
الإسراء النبويّ قد بدأ من المسجد الحرام، وهو مكّة، وليس المراد المسجد حيث الكعبة المشرَّفة؛ بل من بيت أمّ هانئ بنت أبي طالب، وكان النبيّ(ص) نائماً عندها، إلى المسجد الأقصى، أي الأبعد عن مكّة، فكأنّه لا مسجد آخر في ما بعد تلك المنطقة آنذاك، وهذا المسجد هو بيت المقدس، كما في رواياتٍ كثيرة، وليس شيئاً آخر.
من كلامٍ للشيخ محمد عباس دهيني
وقيل:
هل يمكن أن توجز لنا دليلاً على وجود بيت المقدس في فلسطين، بعيداً عن الروايات التي ذُكرت والتي غالباً ما تكون ضعيفة السند؟ وكيف وصف الرسول الأكرم بيت المقدس علماً أن البيت لم يكن موجوداً زمن رسول الله(ص)؟
الجواب عن السؤال الأوّل:
وهل كلّ ضعيف السند من الروايات هو خاطئٌ حَتْماً… هناك مناهج كثيرة لإثبات مضامين الروايات ضعيفة السند… وفرقٌ كبير بين ضعيف السند والموضوع (أي الكاذب)…
ولذلك يكفينا تلك الروايات، مؤيَّدةً بوصف القرآن الكريم للمسجد الأقصى بـ ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ (الإسراء: 1)، ولا ضرورة لمثل هذا الوصف لو كان المسجد في السماء، فكلُّها مباركةٌ، وليس ما حول المسجد فقط. وبضميمة ما ورد في القرآن الكريم من حديث عن الأرض المقدَّسة، أي المباركة، نعرف أن المعنيّ هو المسجد الواقع في تلك الأرض: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ… * يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ﴾ (المائدة: 20 ـ 21).
وكذلك يتأيَّد قولُنا بالآيات التي تلَتْ الآية الأولى من سورة الإسراء، وهي تتحدَّث عن فساد بني إسرائيل، وفيها ذكرٌ لمسجدٍ: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ (الإسراء: 7). وهذه اللام عهديّةٌ ترجع إلى المسجد المذكور في أوّل آيةٍ من السورة، وهو المسجد الأقصى. وعليه فهو أرضيٌّ، لا سماويّ…
إشكالٌ وجوابه
فإنْ قيل: وهل وجود الكيان الغاصب في فلسطين دليلٌ على بركة وقُدْسية هذه الأرض؟
قلنا: لا ربط بين القداسة وإمكانية العدوان، فقريش كانت تعتدي على النبيّ(ص) والمسلمين في مكّة، فهل لا تعود مكّة مقدَّسةً ومباركة؟!
كما أن نفس هذه الأرض المقدَّسة كان فيها قومٌ جبّارين، وقد أراد النبيّ موسى(ع) قتالهم، وامتنع بنو إسرائيل عن نصرته: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * … * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ (المائدة: 22 ـ 24).
مناقشةٌ وردّ
وقد يُقال: ما ذكرتموه من أنه لو كان المسجد في السماء لم يكن هناك لزومٌ لقوله: ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾؛ لأن السماء مباركةٌ. ولكنْ ألا ينطبق ذلك على الأرض أيضاً؛ لقوله تعالى: ﴿خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ… * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾ (فصِّلت: 9 ـ 10)؟
والجواب:
قد يُقال: إن هذه البركة في الأرض عامّةٌ لجميع بقاعها، ولكنها ناقصةٌ؛ بمقتضى المادّية، وتحتاج إلى إتمامٍ ببركةٍ اعتباريةٍ وجَعْليةٍ، كبركة المساجد والأنبياء والأولياء؛ وأما بركة السماء فهي منذ تكوينها تامّةٌ، ولا تحتاج إلى إتمامٍ.
وقد يُقال: إن الحديث في الآية الكريمة من سورة فصِّلت خاصٌّ ببركةٍ معيَّنة، وهي بركة الإنتاج الزراعيّ، حيث كان الحديث عن الجبال المثبِّتة والحافظة، ثمّ عن تقدير الأقوات، فتكون البركة بمعنى البقاء والثبات والحفظ والقابلية للإنبات، ولا علاقة لها بالبركة العامّة التي تثبتها الآية الكريمة من سورة الإسراء.
والجواب عن السؤال الثاني:
إن بيت المقدس موجودٌ منذ بناه النبيّ سليمان(ع). نعم، يتهدَّم بفعل عوامل طبيعية وبشرية، ولكنْ يُعاد بناؤه من جديدٍ. وهذا هو الذي حصل في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب، حيث بنى مسجداً في الحَرَم القُدْسي، حيث آثار وبقايا المسجد الأقصى، ثمّ بُني في عهد بني أمّية مسجدُ قبّة الصخرة، وهو ذو القبّة الذهبية التي يتداول الناسُ صورها.
س/ يخبر الله عن أهل الكتاب بأنهم لن يرضوا عن النبي ص
حتى يتبع ملتهم . في حين نعلم بأن اليهود يرفضون دخول أحد في دينهم . فكيف نفهم ذلك؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
رُبَما يُقال: إن المقصود من ذلك أنهم يريدون من النبيّ(ص) أن يتخلّى عن دينه وشريعته ويلتزم عقائدهم وشريعتهم ولو لم يقبلوه ولم يعتبروه واحداً منهم، وفي هذا غاية الإذلال للمختلف عنهم في فكره وسلوكه. وعلى أيّ حالٍ لا يحلّ للمسلم أن يتخلّى عن دينه، سواء قبله أهل الأديان الأخرى أم رفضوه. مع خالص محبّتي ودعائي.