17 نوفمبر 2012
التصنيف : مقالات فكرية
لا تعليقات
4٬362 مشاهدة

خطوات على طريق الإصلاح (1): عاشوراء الحسين عليه السلام عَبْرةٌ وعِبْرةٌ

(بتاريخ: 15 ـ 11 ـ 2012م)

السلام عليك يا سيّدي ويا مولاي يا أبا عبد الله الحسين، السلام عليك يا ابن رسول الله، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب وليّ الله، السلام عليك يا ابن فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين، السلام عليك يا أخا الحسن الشهيد المسموم، السلام عليك وعلى ولدَيْك العليَّيْن الشهيدَيْن، السلام عليك وعلى أخيك أبي الفضل العبّاس، السلام عليك وعلى أختك الحوراء زينب، السلام عليك وعلى سائر المستشهدين معك، يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً.

تمهيدٌ

وتعود ذكرى عاشوراء، ذكرى أبي عبد الله الحسين عليه السلام كما في كلّ عام حيّة غضّة طريّة، فتتلقّاها قلوب المؤمنين بحرارةٍ لن تبرد أبداً.

تعود الذكرى حزينةً، ذكرى الحزن والأسى لمقتل الأخيار الأبرار من آل محمّدٍ الأطهار.

تعود ذكرى الإصلاح، الهدف الرئيس للحسين عليه السلام من ثورته المباركة، الإصلاح في أمّة جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

تعود الذكرى؛ ذكرى الأكباد الحرّى، والأطفال العطشى؛ ذكرى الشفاه الذابلات، والعيون الغائرات، والجسوم المقطَّعات، والنساء المسبيّات، وأيُّ نساء؟ زينب الحوراء، وبضعة الزهراء، تُسبى من بلدٍ إلى بلدٍ، فهل رأَتْ عيناك أو سمعَتْ أذناك أنّ امرأةً مسلمةً سُبِيَت قبل يوم عاشوراء؟

مجالس العَبْرة والعِبْرة

تعود الذكرى والقلوب ولهى، والعيون عبرى، وتعود مجالس العَبْرة والعِبْرة.

العَبْرة لما جرى على سبطِ النبيّ، وابنِ فاطمة والوليّ، العَبْرة على مَنْ بَكَتْه السماء والأرض، فكان حقّاً واجباً علينا أن نبكيه.

والعِبْرة من تلك النهضة المباركة لسيّد الشهداء. ومن سيرته وسيرة آبائه عليهم السلام تكون العِبْرة حقّاً.

وهنا نودّ أن نشير إلى أنّه من الخطأ أن تحتلّ العَبْرة مساحةَ المجلس كلَّها، ليتحوَّل إلى مجلس ندبٍ وبكاء وعويل، تنتهي مظاهره وآثاره بنزول الخطيب من على المنبر.

كما أنّه من الخطأ أيضاً أن تهيمن العِبْرة على المجلس كلِّه، بعيداً عن جوّ الحزن والأسى، ولوعة المصاب، وغصّة الاكتئاب، لجليل المصاب بسيّدنا ومولانا أبي عبد الله الحسين عليه السلام.

أخطاءٌ فادحة

ومن الخطأ الجلل الاقتحام بالعَبْرة المطلوبة والواجبة حريمَ بعض الأعمال المحرَّمة، كاللطم العنيف، المدمي للحم، والكاسر للعظم؛ وضرب الظهور بالسلاسل والجنازير المشفَّرة وغير المشفَّرة؛ وضرب الرؤوس بالسيوف والخناجر والسكاكين وإخراج الدم منها؛ والصراخ والعويل الشديدَيْن المخرجَيْن للإنسان عن وعيه وتوازنه.

ومن الخطأ الفادح الفاضح التنزُّل بالعِبْرة إلى مقام الإسفاف والابتذال، حيث تُطرح قضايا ومسائل هي إلى الخرافة والأساطير أقرب منها إلى الحقيقة والواقع، أو يغلَّف الغلوّ بغلافٍ من الولاء والحبّ لمحمّدٍ وآلِ محمّد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، لتطرح بعض المفاهيم السامية المقدَّسة، كمفهوم التوحيد، بصورةٍ قبيحة مشوَّهةٍ دانية، ويتحوَّل المجلس إلى مجلس شركٍ خفيّ، حيث تطلق بعض العبارات، من قبيل: «الحسين هو الله».

بعضٌ ممّا شهدناه

ولا يستغربنّ البعضُ ما نقول، ففي ذكرى عاشوراء الماضية، وفي مجالس أقامتها جهةٌ دينيّة نحترمها ونجلُّها، غير أنّ في حواشيها مَنْ لا يستحقّ احتراماً أو تقديراً، كانت محاضرةٌ بعنوان «فِناء الموحِّدين» ـ والأنسب أن تكون بعنوان «فَناء الموحِّدين»، حيث لم يبقَ فيها لموحِّدٍ مكانٌ ـ، وكان الشركُ الصريح؛ إذ قالت المحاضِرة: «خليفةُ الله فيه كلّ صفات الله، ولا فرقَ بينه وبينهم إلاّ أنّهم عبيدُه».

ويمكن غضّ الطرف عن ذلك، حيث قد يُقال: فيه كلّ صفات الله بمراتبها الأدون ممّا عند الله.

وقالت: «لولا الحسين لم نعرف اللهَ أنّه وليٌّ عالمٌ مدبِّرٌ».

وأين هذا من الدعاء القائل: «اللهم عرِّفْني نفسَك فإنّك إن لم تعرِّفني نفسَك لم أعرف رسولَك، اللهم عرِّفْني رسولَك فإنّك إن لم تعرّفني رسولَك لم أعرف حجَّتَك، اللهم عرِّفْني حجَّتَك فإنّك إن لم تعرِّفني حجَّتَك ضللتُ عن ديني»؟!

فالمعرفة التوحيديّة تبدأ من فوق إلى تحت، وأمّا المعرفة من تحت إلى فوق فهي معرفة شِرْكيّة.

وأين هذا من دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام، المعروف بدعاء أبي حمزة الثَّمالي: «بكَ عرفتُك، وأنتَ دللتَني عليكَ، ولولا أنتَ لم أدرِ ما أنتَ»؟!

وأين هذا من دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة: «عميَتْ عينٌ لا تراكَ عليها رقيباً، متى غِبْتَ حتّى تحتاج إلى دليلٍ يدلُّ عليكَ».

وأين هذا من دعاء الصباح لأمير الموحِّدين عليّ عليه السلام: «يا مَنْ دلَّ على ذاته بذاته، وتنزَّه عن مجانسة مخلوقاته».

هذا هو توحيد أهل  البيت عليهم السلام، وهو ما نؤمن به، وما عداه شركٌ خفيٌّ.

وقالت: «الحسينُ هو قدرةُ الله، الحسينُ هو علمُ الله، الحسينُ هو ولايةُ الله».

وفي هذا شركٌ بيِّنٌ؛ فصفاتُ الله ـ في مذهب أهل البيت عليهم السلام ـ هي عينُ ذاته جلّ وعلا، فإذا كان الحسينُ قدرةَ الله وعلمَ الله وولايةَ الله فهو اللهُ، وهذا شركٌ صريحٌ يجب التوبةُ منه فوراً.

وفرقٌ كبيرٌ بين أن تقول: الحسين هو قدرةُ الله أو هو علمُ الله أو هو ولايةُ الله وأن تقول: الحسين أعطاهُ الله قدرةً أو علماً أو ولايةً.

ولو قلنا بإمكان غضّ الطرف عن ذلك، وتأويله كما هي العادة غير الموفَّقة عموماً، إلاّ أنّ الطامّة الكبرى والمصيبة العظمى في العبارة التالية، التي ليست ـ وربِّ محمّدٍ وآلِ محمّد صلوات الله عليهم أجمعين ـ بأهون على قلب الحسين عليه السلام من ذلك السهم المثلَّث الذي أصاب قلبه الشريف، فصرعه روحي له الفداء، قالت ـ وبتَؤُدَةٍ، ما يعني أنّها قاصدةٌ لما تقول ـ: «أَقصدُ الحسينَ، أَزورُ الحسينَ، عِلْمَ الحسين، أزورُ اللهَ، الحسينُ هو اللهُ».

وينكسر القلم ويعجز اللسان عن التعليق على هذا الشرك الصريح، وأترك للقادة والسادة والمراجع والعلماء والفضلاء والطلبة، ولكلّ بني البشر وأصحاب العقول، التعليقَ على هذا المقال.

وهنا أقول للمحاضِرة ومنظِّمي هذه المجالس؛ فإنّهم مسؤولون عمّا يُقال فيها، وقد سكتوا عمّا قيل: كفى سخفاً وتفاهةً وإساءةً لله عزّ وجلّ في قدرته وسلطانه وعزّته وجبروته، وللحسين عليه السلام في توحيده وعبوديّته وإخلاصه وإسلامه. إذا أردتُّم أن تشركوا بالله ما لم ينزِّل به سلطاناً فأشركوا لوحدكم، ولكنْ دَعُوا الحسين وآباءه وأبناءه بعيداً عن شرككم هذا، ولغوكم هذا، وسخفكم هذا، وحقارتكم هذه.

ألا تستحون من دعواكم أنّكم أولياء أمير المؤمنين عليّ عليه السلام؟! وأين أنتم من ولايته عليه السلام؟ ولستم ـ واللهِ ـ تعرفون منها سوى «أشهد أن عليّاً وليّ الله» تدسّونها في آذانكم وإقامتكم من دون أيّ دليلٍ أو اقتداءٍ بمعصوم، و«يا عليّ»، و«توكّلتُ على حيدر»، و«سوَّدتُ صحيفة أعمالي ووكلتُ الأمر إلى حيدر»، ونحو ذلك. وهكذا تحوّلت ولايةُ عليّ عندكم إلى لقلقة لسان، وتركتُم العمل بأركانها، وضيَّعتُم شروطها، وإذا نبّهكم أحدٌ إلى سيِّئ أعمالكم هذا عَلَتْ أصواتُكم بالويل والثبور وعظائم الأمور، واتَّهمتموه بالمروق والعصيان والخروج من المذهب، دون أن تأتوا بدليلٍ علميٍّ واحدٍ على ما تقومون به.

وللجهة المقيمة لتلك المجالس أقول: نحن بانتظار موقفٍ واضحٍ وصريحٍ منكم، وإجراءاتٍ تأديبيّة بحقّ المسؤولين عن إقامة هذه المجالس، المطَّلعين على مضمونها إجمالاً، والساكتين عمّا جرى.

وممّا شهدناه أيضاً أن يعمد بعض «أهل العلم» في أحاديثهم عن أهل البيت عليهم السلام إلى توصيفهم بما لا يرتضيه أهلُ البيت عليهم السلام أنفسُهم، من قبيل قولهم: «المهدويّة جوهرةٌ كنهُها الربوبيّة». فهل يرضى إمامنا المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف بهذه المقولات.

وللموالين كلمةٌ

أيّها الأحبّة، إنّ هذا أمرٌ خطير جدّاً جدّاً، ويذكِّرنا بقول الله تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾.

أيّها الأحبّة، أهل البيت عليهم السلام ـ والحسينُ منهم ـ سفنُ نجاة، وأعلامُ هدى، وراياتُ حقّ وحقيقة، فلا تغرُّنا دعوى حبّهم وولائهم عن حقيقة ما نرتكبه من أعمالٍ قد تبعدنا عنهم أشواطاً كثيرة.

أيّها الأحبّة، لقد بذل الحسين عليه السلام مهجتَه دفاعاً عن دين جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، دين الإسلام الخالص، ودين التوحيد الصافي. لقد أراد معاوية ويزيد أن يجعلا من الإسلام كرةً تتقاذفها أطماع المستكبرين، وأهواء الجاهلين، وخرافات الغالين، وأساطير الأوّلين والآخرين. واتّضح ذلك للحسين عليه السلام، فخرج شاهراً سيفه، مجرِّداً قناته، آمراً بالمعروف، وناهياً عن المنكر، وداعياً إلى التوحيد الخالص لله، والتسليم الكامل لله، والخضوع التامّ لله، وحدَه لا شريكَ له، ولو كره المشركون، وبذل في سبيل ذلك مهجته، وضحّى بأطفاله وأهل بيته، وعرَّض نساءه الطاهرات الزاكيات للسبي والترويع؛ في سبيل إعلاء كلمة الله وتوحيده، والإصلاح في أمّة جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

أيّها الأحبّة، حرامٌ حرامٌ علينا أن نطعن الحسين بعد مرور كلّ هذه السنين. حرامٌ حرامٌ علينا أن نضيِّع دم الحسين وسبي زينب هدراً، بتصرُّفاتٍ طائشةٍ تافهة ساقطة هنا وهناك.

إنّ دم الحسين وسبي زينب أمانةُ الله في أعناقنا إلى يوم القيامة، جيلاً بعد جيل، وخلفاً عن سلف. فمَنْ أضاع دم الحسين وسبي زينب بمثل تلك التصرُّفات المشينة والمحرَّمة لن يكون له في الولاء لمحمّد وآل محمّد عليهم السلام نصيبٌ، ولو حمل ألف راية سوداء أو حمراء، واعتمر ألف عمامة بيضاء أو سوداء، ونصب ألف مجلس للعزاء، وإنّما هو في الطرف المقابل للحسين، في طرف القَتَلة والمجرمين، أعداء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأعداء الدين. ولكلّ عصرٍ يزيدُه ولو تلوّن بالسواد.

ولا عذر بعد اليوم لمعتذرٍ أن يقول: لا عِلْمَ لي، فها إنّ الجميعُ يُحاطون علماً بما جرى، وهو يجري في كلّ يوم وفي كلّ ساعة. فالعجل العجل لوقف هذه المهزلة الفضيحة ومثيلاتها التي تتكرّر كلّ عام، لا في مذهب التشيُّع؛ فالتشيُّع من هؤلاء براءٌ، ولا في أوساط المؤمنين؛ فالإيمان من هؤلاء براءٌ، ولا في أوساط المسلمين؛ فالإسلامُ والتوحيد من هؤلاء براءٌ، بل في بعض المجالس التي تقام باسم الحسين عليه السلام، وطلباً لمرضاته، وإني لعلي يقين بأنّه لا يرضى عنها أبداً.

ها نحن وأنتم أمام الاستحقاق الحقيقيّ لنصرة الحسين عليه السلام، فليست النصرة شعاراتٍ نرفعها، ولا هتافات نطلقها في المجالس والمحافل هنا وهناك. هنا هو المكان الصحيح لنهتف بالصوت العالي: «لبّيك يا حسين». وهنا هو المكان للصيحة بأعلى الصوت: «هيهات منّا الذِّلّة». وأيّ ذلّة أعظم وأكبر من أن تطلق عبارات الشرك بمرأىً منّا وبمسمعٍ ثمّ نقف مكتوفي الأيدي؟!

وإذا لم نقف هاهنا للدفاع عن الله وتوحيده، والإسلام له، ودفاعاً عن الحسين وأهل البيت جميعاً، الذين لا يرضون بهذه الترّهات والتفاهات، فكلّ شعار «لبّيك يا حسين» و«هيهات منّا الذلّة» نطلقه بعد اليوم هو شعارٌ زائف وكاذب، ويجعلنا في عداد الذين حدّثنا الله عنهم بقوله: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ (الكهف: 103 ـ 104).

أمّا نحن فقد رفعنا الصوت عالياً من خلال هذا المقال، ولا نستطيع غيرَه إلى اليوم، ونسأل الله أن يمكِّننا من غيره في القريب العاجل.

اللهمّ أرِنا الحقّ حقّاً، وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، ولا تجعلهما متشابهَيْن علينا، فنتّبع الهوى، بغير هدىً منك، يا أرحم الراحمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.



أكتب تعليقك