المعيار في تحديد الانتصار
ليس من الضروريّ أن تنتهي الحرب بمنتصرٍ ومنهزمٍ؛ فقد تنتهي الحروب بمنهزمَيْن لم يحقِّقا شروط النصر
ففي معركة أُحُد لم تنتصر قريش؛ لأنها لم تحقِّق هدفها في سَحْق جيش المسلمين وإبادتهم
ولكن الجيش الإسلاميّ أيضاً لم ينتصر؛ لأنه أخطأ في التكتيك، ولم ينفِّذ أمر النبيّ(ص)، فكانت الخسارةُ الجسيمة، ومنها: مقتل الحمزة عمّ الرسول(ص)، ومنها: جرح النبيّ(ص) وكسر رباعيّته (أي مقدّم أسنانه)
لم ينتصر المسلمون والنبيّ معهم، يوجِّه ويرشد ويخطِّط، ولكنهم أخطأوا في التنفيذ فكانت الهزيمة
فكيف بمَنْ لا نبيّ لهم، ولا معصوم بينهم؟! فهم عرضةٌ للخطأ على كلا المستويين: التخطيط؛ والتنفيذ، معاً
ليست نهاية الدنيا أن تعيش هزيمةً في موقعٍ ما
ولكنّ نهاية العقل والوَعْي أن لا تتعلَّم من الأخطاء، ولا تستفيد من التجارب، ولا تستمع لذوي النصيحة، فهذا كمينٌ مُحْكَمٌ، ومقتلٌ لا نجاة منه
هل كان انتصاراً أو هزيمةً؟
أوّلاً: لا بُدَّ من التأكيد على ضرورة ولزوم ووجوب عدم الاستخفاف بالعدوّ، فهو مجرمٌ قاتلٌ سفّاحٌ، ذو عقلٍ دَمَويّ، ويمتلك أكبر وأقوى ترسانةٍ من الأسلحة، ومخازنُه مليئةٌ ولا تنفد؛ لأنها تُعبَّأ وتُموَّن على الدوام…
نعم، لا نخشاه، ولا نسقط أمامه، ولكنْ لا نتهاون ولا نستخفّ به؛ لئلا نُفاجَأ، فالأمر واضحٌ لا يجوز التفاجُؤ به.
ثانياً: لا معنى صحيحاً ومقبولاً لكون الزمن كلِّه انتصاراتٍ، وخلوِّه من الهزائم؛ فالنبيُّ الأكرم(ص) وأميرُ المؤمنين(ع) والإمامان الحسن والحسين(عما) لم يعيشوا مثل هذه الحالة، بل كانوا ما بين:
نصرٍ (كبَدْرٍ والجمل)
وهزيمةٍ (كأُحُد وصفِّين)
أو لا نصر ولا هزيمة (كبعض الغَزَوات التي لم يلتقوا فيها بالجيش المعادي فعادوا إلى ديارهم، كغزوة تَبُوك)
فهل سيكون قومٌ أكرمَ على الله من هؤلاء، ليكون لهم النصر الدائم؟!
ثالثاً: قال تعالى: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}
فالنصر محبوبٌ
ويتمنّى المرء تكراره
فهذه علامةٌ من علاماته
متى تحقَّقَتْ كان
ومتى فُقدَتْ لم يكُنْ
فإذا قيل: أعادها الله؛ أو تنعاد إنْ شاء الله؛ أو منعادة بإذن الله
الذي يفرح ويبتهج ويرغب ويتمنّى ويحبّ ذلك فهو منتصرٌ
ومَنْ لا يكون كذلك (مهما كان السبب) فهو غيرُ منتصرٍ
نعم، قد لا يكون مهزوماً، ولكنه ليس منتصراً أيضاً.
إذن، من علامات الانتصار تمنِّي الإعادة والتكرار