جلسات السهر طريقٌ إلى جهنّم
(بتاريخ: 7 ـ 1 ـ 2013م)
قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يا أبا ذرّ، إنّ الرجل يتكلَّم بالكلمة في المجلس ليُضحكهم بها، فيهوي في جهنّم ما بين السماء والأرض». ما الهدف من هذا القول؟ هل ليخبرنا أنّ الكلمة الجارحة، أو المقصود بها إيذاء الغير، هي تسكننا جهنم بين السماء والأرض؟ أرجو التوضيح هذا، ولكم جزيل الشكر.
بالنسبة لما جاء في هذا الحديث فإنّ الكلام هو مرآة نفس الإنسان، يعكس من خلاله رضاه وسخطه، فرحه وحزنه، التزامه وانضباطه الأخلاقيّ والدينيّ وعكسهما.
وما دام الإنسان لم يتكلَّم فلا حساب عليه، ولا ممسك لأحدٍ عليه، فكما قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: «الكلامُ في وثاقك، فإذا نطقت به صرتَ في وثاقه»، أي أسيراً له، وتؤاخَذ به.
وعندما تكثر السهرات وجلسات الفراغ والبطالة، وما أكثرها هذه الأيام، يعمد الساهرون إلى قضاء وقتهم في الحديث المتشعِّب، ولا تحلو السهرات سوى بالأخبار الجديدة والطازجة.
فتكون الغيبة، وهي ذكرك أخاك بعيبٍ مستور فيه ويكره ظهوره. ويفرح القوم لهذا الخبر الجديد الذي يمكنهم استغلاله في الضغط على ذلك المسكين.
ويكون الحديث عن بعض الأسرار التي وصلت إلى أسماع البعض بحكم وظيفته أو موقعه الدينيّ أو الاجتماعيّ، وهكذا قد تصل هذه الأسرار إلى العدوّ، فيستفيد منها في تدمير مقدرات الأمّة، والقضاء على خطط المجاهدين. لكنّ المهمّ أن يفرح القوم، ويكون المخبِر نجمَ السهرة.
وهكذا يتمّ الحديث عن بعض العلاقات العاطفيّة الحميمة هنا أو هناك ـ وأخصّ بالذكر المشروعة منها ـ، مع ما في ذلك من هتكٍ لكرامةِ فتاةٍ أو امرأةٍ.
أو يتمّ تمضية الوقت، ولا سيّما في ليالي الشتاء الطويلة، بالطرائف (النِّكَت) المضحكة، وليست المشكلة مع مطلق الطرائف، وإنّما هي مع الطرائف التي تتناول قضايا الجنس، وعلاقات الرجل والمرأة، و…
وتطول قائمة الكلام والحديث الفارغ، البعيد عن أيّ هدفٍ عقلائيٍّ سامٍ، والمهمّ في ذلك كلّه أن يفرح الساهرون، ويعيدوا السهرة غداً وبعد غدٍ.
وهكذا يغرق الجميع شيئاً فشيئاً، ومن حيث لا يحتسبون في المعاصي والكبائر، والمصير حينذاك جهنّم.
والأدهى في ذلك كلّه أن كثيراً من هؤلاء الساهرين ممَّنْ يدَّعون الإسلام والإيمان، وربما يكونون من مرتادي المساجد، و…
لكنّ الله سبحانه وتعالى يقول: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)، هؤلاء ليسوا خاسرين فحسب، بل هم الأخسرون، أي الأكثرُ خسارةً يوم القيامة.
وعن إمامنا الباقر عليه السلام أنّه قال: يكتفي مَنْ انتحل التشيُّع أن يقول بحُبِّنا أهل البيت؟! فوالله ما شيعتنا إلاّ مَنْ اتَّقى الله. وما كانوا يعرفون، يا جابر، إلاّ بالتواضع، والتخشُّع، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والتعهُّد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن الناس إلاّ من خير، فكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء، فقال جابر: يا بن رسول الله، لستُ أعرف أحداً بهذه الصفة!! فقال عليه السلام: يا جابر، لا تذهبنَّ بك المذاهب، حَسْبُ الرجل أن يقول أحبُّ عليّاً وأتولاّه؟! فلو قال: إنّي أحبّ رسول الله!! فرسولُ الله خيرٌ من عليّ، ثم لا يعمل بعمله، ولا يتَّبع سنَّته، ما نفعه حبُّه إيّاه شيئاً. فاتقوا الله، واعملوا لما عند الله. ليس بين الله وبين أحدٍ قرابة. أحبُّ العباد إلى الله، وأكرمهم عليه، أتقاهم له، وأعملهم بطاعته. والله ما يُتقرَّب إلى الله تعالى إلاّ بالطاعة. ما معنا براءةٌ من النار، ولا على الله لأحد من حجّة. مَنْ كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومَنْ كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، ولا ينال ولايتنا إلاّ بالورع والعمل.
أعاننا الله على أنفسنا بما يعين به الصالحين على أنفسهم.