9 يناير 2013
التصنيف : مقالات فكرية
لا تعليقات
3٬250 مشاهدة

سيرة النبيّ محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وأثرها في حياة الشباب


541013_406167406131019_2087549363_n

Copy of 72840_533785839979403_445185649_n

19011_132596610235237_594466864_n

(بتاريخ: 9 ـ 1 ـ 2013م)

في ليلة رحيل منقذ البشريّة من الضلالة، والمبعوث رحمةً للعالمين، نبيّنا وحبيبنا وطبيبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم المصطفى محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، نتقدَّم من المسلمين جميعاً بأسمى آيات العزاء، سائلين الله عزّ وجلّ أن يجعلنا من أتباعه وأنصاره.

ميِّزات مرحلة الشباب

الشباب مرحلةٌ من عمر الإنسان تتَّسم بعدّةٍ من الميِّزات والصفات؛ فهي مرحلة المَرَح والفَرَح، وهي مرحلة الطموح والأَمَل، وهي مرحلة القوّة والعطاء.

فكيف نستطيع الاستفادة من هذه العناصر كلّها لتنشئة جماعةٍ صالحة من الناس؟

هذا هو السؤال المحوريّ في أيّ عمليّة إصلاحٍ اجتماعيّ بنّاء وهادف، ويتوخّى الاستمرار والدوام.

قد تحصل إصلاحات جزئيّة في زمن معيَّن، ولكنْ إذا لم تكن مستندةً إلى الكيفيّة الصحيحة في الاستفادة من العناصر التي ذكرناها فلن يكون لها دوامٌ واستمرار.

الشباب يحتاجون مَنْ يعيش همومهم في مشاكل الزواج، والضائقة المعيشيّة، والعلاقات الاجتماعيّة والعاطفيّة، فيجترح لهم الحلول المناسبة والواقعيّة، بدل اللوم والعتاب، فضلاً عن التعنيف والتوبيخ.

هموم الشباب

الشباب يعيشون هموماً عديدة، أهمّها:

1ـ همّ المعرفة. فيحتاجون إلى مَنْ يفتح لهم قلبه، ويتقبَّل منهم كلّ سؤالٍ وإشكال مهما كان نوعه أو مساسه ببعض المقدَّسات.

وهنا تستحضرني العلاقة المميَّزة لسيِّدنا الأستاذ المرجع فضل الله مع والده السيّد عبد الرؤوف فضل الله، الذي كان يسمح له بطرح ما يخطر في ذهنه من أسئلة، حتّى في المحرَّمات من النقاش، وتلك التربيةُ الواعية أنتجت لنا ذلك العالم الفذّ رحمه الله.

2ـ همّ التغيير. فالشباب يتوق دائماً وباستمرارٍ إلى التغيير، ويحتاج إلى مَنْ يصوِّب له بوصلة الحركة التغييريّة إذا انحرفت، لا مَنْ يحظِّر عليه أيّ محاولةٍ للتغيير.

3ـ همّ الحياة الحرّة الكريمة في هذه الدنيا، ولو من خلال بذل جميع الطاقات الكامنة في داخله. فيحتاج إلى مَنْ يؤمِّن له آليّةً صحيحة لتفريغ هذه الطاقات، والاستفادة منها على أكمل وجه، لا إلى مَنْ يزهِّده في الدنيا وملذّاتها، ويَدَعُه في سردابٍ أو محراب على الدوام. ومن هنا كان قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «اعمَلْ لدنياك كأنّكَ تعيش أبداً، واعمَلْ لآخرتك كأنّك تموت غداً».

إذاً الشباب يحتاجون مَنْ يَسَعَهُم بحِلْمه ورأفته ورحمته، فإنّه لا يمكن أن نَسَعَهُم بمالٍ أو جاه، وقد جاء في حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يا بني عبد المطَّلِب، إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر». وفي حديث آخر عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إنّكم لن تَسَعُوا الناس بأموالكم، فسَعُوهم بأخلاقكم».

الشباب يحتاجون قدوةً وأسوة سلوكيّة حسنة، بعيداً عن القول الذي لا يتطابق مع العمل، قدوةً تشعرهم أنّ التكليف يُطاق ويُقدَر عليه.

العلاج الشافي

حاجات الشباب هذه كلُّها تُسَدُّ بدراسةٍ واعيةٍ لحياة النبيّ الأكرم محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم:

فلقد سُئلت إحدى زوجاته عن خُلُقه؟ فقالت: «كان خُلُقُه القرآن».

ويكفينا قول الله عزّ وجلّ ـ ومَنْ أصدق من الله حديثاً ـ يصفه فيقول: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).

كان يأمر بالحياء للرجال والنساء، وكان يعيش الحياءَ في حياته سلوكاً دائماً، حتّى قيل فيه: «وكان أرحم الناس بالصبيان، وأشدَّ حياءً من عذراء في خدرها، ولا يأنف، ولا يستكبر».

لماذا لم تتمّ هذه الدراسة الواعية؟

1ـ قد يتحمَّل جزءاً من المسؤوليّة بعض علماء الدين، الذين لم يعودوا يتفرَّغون لنشر العلم وثقافة الوعي والإصلاح بين الناس، من خلال سيرة النبيّ وأهل بيته عليهم السلام.

2ـ الحديث عن أخلاقه وسيرته غير كافٍ في هذا المجال، بل لا بدّ من تطبيقٍ عمليّ لهذه السيرة أمام الناس، تماماً كما كان يفعل أهل البيت عليهم السلام في استمالتهم للناس إلى المذهب الحقّ، فيلقاهم الرجل وهو عدوٌّ لهم شديد العداوة، وسرعان ما ينقلب صديقاً ووليّاً لهم عليهم السلام.

3ـ تشويه صورته من قبل أعداء الإسلام من خلال رسومات وأفلام وما شابه ذلك، وهذا ينفِّر بعض العوامّ منه صلّى الله عليه وآله وسلّم، ويظنّون أنّه يتَّصف حقّاً بما يصفونه به.

وهنا أذكر شعاراً قرأناه على أكثر من جدارٍ ولافتة؛ تنديداً بالإساءة للنبيّ الأكرم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو: (لو عَرَفُوكَ لأَحَبُّوكَ). وهذا شعارٌ صادق.

ولكن يبقى السؤال: لماذا لم يعرفوه؟! ولماذا قرأوا عنه فما أحبّوه؟!

أمّا السؤال الأوّل فقد أجبنا عنه.

الواقع المرير

وأمّا السؤال الثاني فجوابُه: إنّ ذلك من النقل المشوَّه لسيرته وأخلاقه ومفاهيمه ومبادئه ودينه إلى الناس، فعرفوا عنه ما ليس فيه، وما هو براءٌ منه، من قبيل:

1ـ يستمع لضرب الدفّ والمزمار، وهو حرامٌ.

2ـ يُؤتَى بزوجته إليه وتُرمَى في حجره، على مرأىً ومسمعٍ من الرجال والنساء من أصحابه، فلا يعترض ولا يستنكر، وإنّما يتقبَّل ذلك ببساطة، فينسحب أصحابه بسرعةٍ من المجلس؛ ليخلو له الجوّ مع زوجته، فيسارع إلى غشيانها في بيت أهلها.

3ـ قلّة صبره عن النساء حتّى إنّه ليواقع جاريته لمجرّد غياب زوجته عن البيت.

4ـ متيَّمٌ بالنساء إلى درجة أنّه يطوف على نسائه التسعة كلّهنّ في ليلةٍ واحدةٍ، وبغسلٍ واحدٍ. وقد زوَّده الله لذلك بقوّة أربعين رجلاً.

5ـ بُعث بالسيف والقتال وإراقة الدماء، وأنّه يؤمِّن رزقه ممّا يحصل عليه من غنائم الحروب، قاهراً للمخالفين له.

هذا كلّه يُذكر في التراث الحديثيّ الإسلاميّ، وللأسف الشديد.

صرخةٌ للتغيير

أيّها الأحبّة، إنّنا بحاجة إلى تنقية تراثنا الحديثيّ، وبأقصى سرعةٍ ممكنة، من هذا الكمّ غير القليل من الروايات المزوَّرة والموضوعة، والتي تتضمَّن إساءةً وتشويهاً لصورة الأنبياء والأوصياء والأولياء.

إنّ مشكلتنا الكبرى تتمثَّل في:

1ـ الروايات الموضوعة والمزوَّرة، التي لا يمكننا أن نقبل مضمونها بحالٍ، والتي يجب علينا أن نضرب بها عرض الجدار، كما أوصانا مولانا الصادقُ عليه السلام.

2ـ في الفهم الخاطئ لبعض الروايات الصحيحة والصادرة عن أهل بيت العصمة والطهارة، محمّد وآله الخيار البررة عليهم السلام، ما قد يجعلنا في موقع الإساءة والطعن في الذات الإلهيّة نفسها، فضلاً عن الأنبياء والأوصياء والأولياء وعباد الله الصالحين.

عودٌ على بدء

بالعودة إلى ما ذكرناه في أوّل هذه المقالة نحن في عمليّة الإصلاح الدينيّ والاجتماعيّ للشباب بحاجةٍ إلى فسح المجال أمام طموحهم في التغيير، وأملهم في حياة سعيدة وهانئة، مستفيدين من روح المَرَح والفَرَح لديهم، الممزوجة بالقوّة والعطاء، لنبثّ فيهم من الأفكار الواقعيّة الصالحة، والسيرة النبويّة والوَلَويّة العَطِرة، مصحوبةً بالقُدْوة المشهودة، ما يثبّتهم على خطّ الاستقامة في الحياة الدنيا، لتأمين حياة مرضيّة في الحياة الآخرة، التزاماً بقوله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا). هكذا نستفيد من طاقة الشباب الهادرة، وعقولهم النيِّرة، وسجاياهم الصافية، وهكذا نحصل على مجتمعٍ إيمانيّ شابّ قابل للحياة والاستمرار.



أكتب تعليقك