26 مارس 2013
التصنيف : حوارات
لا تعليقات
5٬486 مشاهدة

فاطمةُ الزهراء عليها السلام قدوةٌ مدى الزمان

1956793_288694664613862_1363769712_o

أحرّ التعازي للأنبياء والأولياء، وعباد الله الصالحين، وجميع المؤمنات والمؤمنين

بوفاة الصديقة الطاهرة، سيّدة نساء العالمين

فاطمة الزهراء عليها السلام

 

حوارٌ مع سماحة الشيخ محمد عباس دهيني

ضمن برنامج (محطّات)، على قناة الإيمان الفضائية

بتاريخ: الخميس  7 ـ 3 ـ 2013م

للمشاهدة على الرابط التالي

https://www.youtube.com/watch?v=2sL2s1YhJ4A

 1ـ هي فاطمة بنت محمد، أمّ أبيها، بضعة من رسول الله(ص)، وروحه التي بين جنبيه، ماذا يعني ذلك في هويّة فاطمة؟

يقول أمير الشعراء أحمد شوقي: ما تمنّى غيرها نسلاً، ومَنْ يلد الزهراءَ يزهد في سواها.

إنّها بضعة المصطفى(ص)، قطعةٌ من جسده، وروحه، وقلبه، وعقله، وفكره.

إنها أمّ أبيها في ما تحمله كلمة (الأمّ) من معنى الحياة، فبها وبذرّيتها الأطهار كانت حياة الرسالة. بها استمرّت مسيرة الإسلام في أمنٍ وسلام.

هي (فاطمة) اسمٌ على مسمّى، فمع كون هذا الاسم شائعاً معروفاً في العصر الجاهليّ، حيث سُمِّيت به الكثيرُ من النساء، اختار لها رسولُ الله(ص) هذا الاسمَ دون غيره، لما أَمِلَه فيها، وكانت محقِّقةَ آماله، فكانت السيدة الطاهرة الجليلة المعصومة، وكانت ـ بحقٍّ ـ الفاطمةَ لنفسها من اتّباع الشهوات، والانغماس في الدنس والخطيئات.

مَنْ هي فاطمة؟ باختصارٍ: هي سيّدة نساء العالمين، من الأوّلين والآخرين، لا نقول ذلك غلوّاً فيها، وإنما جسَّدت سلام الله تعالى عليها في أرض الواقع ما استحقَّت به هذه المكانة السامية.

هي ابنةُ حبيب الله وخاتم رسله محمد بن عبد الله(ص)، ولكنّ ذلك لم يُصِبْها بغرورٍ، كيف وقد سمعت أباها يوصيها فيقول: يا فاطمة بنت محمّد، اعملي لما عند الله، فإنّي لا أغني عنك من الله شيئاً. وعملت لله وجاهدت في سبيل الله، أحبَّتْه فأحبَّها، وأخلَصَتْ له فاستخْلَصَها، وتقرَّبَتْ إليه فقرَّبها، وترفَّعت عن الموبقات فرَفَعَها. هي فاطمة وكفى.

2ـ يعرف المسلمون عن فاطمة أنّها بنت النبيّ(ص)، وأمّ الحسنين(ع)، وزوجة عليّ(ع)، ويزيد الشيعة على ذلك أنها شهيدةٌ مظلومةٌ، وبالتالي فإنّ جُلّ معرفتها هي معرفة بالنسب والرحيل، لماذا لا نشهد اهتماماً وافياً بمزاياها الخُلُقيّة والعلميّة؟

هو التقصير أصاب الكثير من المسلمين ـ كغيرهم ـ، فانصرفوا إلى علمٍ لا ينفعهم، أو كما يقال: لا ينفع مَنْ علمه، ولا يضرّ مَنْ جهله.

هي ابنة المصطفى(ص)، وزوجة المرتضى(ع)، وأمّ الأئمّة السادة النجباء، تلك فضيلةٌ ومنقبةٌ، لكنّها غير اختياريّة، وبالتالي لا يمكن أن تشكِّل لنا قدوةً أو أسوةً فيها، فأين مناقبها وفضائلها الاختياريّة، التي يمكننا أن نستلهمها في حياتنا وسلوكنا؟!

كما لا يعرف الكثيرون عن الحسين(ع) سوى أنّه سيّد الشهداء، وصريع كربلاء، لا يعرفون أيضاً عن الزهراء(ع) سوى أنّها مظلومةٌ مقهورة، وشهيدةٌ في نهاية المطاف.

في الحديث عن الكاظم(ع): إنّ فاطمةَ(ع) صدّيقةٌ شهيدة. وصبَبْنا جُلَّ اهتمامنا على شهادتها، وانصرفنا بوجوهنا عن التأمُّل في صدقها.

في صدقها مع الله، حيث عبدته مخلصةً له الدين، ولا تخاف فيه لومة لائم، وكانت تصلّي لله حتّى تتورَّم قدماها من الصلاة.

في صدقها مع رسول الله، حيث آمنت به، وصدّقته في ما جاء به من عند الله، قولاً وعملاً، وشاركته ما عاناه من قريش وأذاها، فكانت لقلبه الطاهر خير مسلٍّ ومعين.

في صدقها مع زوجها وإمامها أمير المؤمنين عليّ(ع)، فصبرت على شظف العيش معه، ونصرته في مطالبته بحقّه بعد النبيّ(ص)، وكانت لسانه الناطق بالحقّ.

في صدقها مع أولادها، تحيطهم بالرعاية والحنان، والتربية الصحيحة، دون تذمُّر أو شكاية، ودون أن تقول: هل هذا واجبٌ عليّ أو غيرُ واجب؟

في صدقها مع الناس من حولها، حتّى قالت فيها أمُّ المؤمنين عائشة: ما كان أحدٌ أصدقَ لهجةً من فاطمة إلاّ الذي ولدها.

هي الصادقةُ المصدِّقة والمصدَّقة، والشاهدة على المسلمين، بَرِّهم وفاجرهم، ويوم القيامة تقف(ع) لأداء الشهادة، فهل نستحضر أنّها تشهد أعمالنا، وستشهد بها لنا أو علينا يوم القيامة؟! (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسولُه والمؤمنون).

3ـ الزهراء قدوةٌ، فكيف للمرأة في هذا العصر أن تقتدي بالزهراء(ع)؟

عندما نتحدّث عن الزهراء نتحدّث عن المرأة الكاملة. ومن هنا لن نستطيع أن نحيط بكلّ صفاتها في هذه الفترة القصيرة. ولكنّ ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه، فنختار ثلاث صفاتٍ يمكن للنساء أن يقتدين من خلالها بالزهراء(ع):

1ـ العالمة: لقد أولَتْ الزهراء(ع) العلم اهتماماً كبيراً، فكان لها ورقاتٌ قد كتبت فيها بعضاً من حديث رسول الله(ص)، فافتقدتها ذات يوم ولم تجدها، فنادت بفضّة: اطلبيها (ابحثي عنها)، فإنّها تعدل عندي حسناً وحسيناً. وكلّنا يعرف مكانة الحسن والحسين عند فاطمة(ع).

وكانت لها جلسات مع نساء المهاجرين والأنصار تعلمهنّ أحكام الإسلام، وتوصيهنّ بمكارم الأخلاق.

2ـ العاملة لعيالها داخل بيتها: لا تتأفَّف ولا تشكو، فلقد استَقَتْ وطحنت وكَسَحَت (أي كنست) وأَوْقَدَت حتّى أصابها ضررٌ شديد، فأشفق عليها عليٌّ(ع)، وطلب من رسول الله(ص) خادمةً تعينها، فكان أن علّمهما(ص) تسبيحَ الزهراء(ع).

3ـ الصابرة: فقد صبرت على ما لَقِيَه رسول الله(ص) من أذى المشركين في بداية الدعوة، وما عاناه في مواجهته لأعداء الرسالة طيلة 23 سنة.

ثم تحمَّلت شظف العيش مع زوجها الفقير، الذي لم يكن فقرُه لكسلٍ في الطلب، وإنّما هو زهدٌ في ملذّات الدنيا الفانية.

وصبرت على فراق أبيها(ص)، وظلامة زوجها(ع)، فلم تجزع، ولم تهِنْ، ولم تضعف، وإنّما دافعت عن الحقّ حتّى الرمق الأخير من حياتها.

خلافاً لما يرويه بعضُهم من أنّها شكت إلى أبيها فقرَ زوجها فأخذ يسلِّيها بما  أعدّه الله له من النعيم يوم القيامة.

وخلافاً لما يقوله البعض من أنّها أقامت نياحةً دائمة عاليةً حتّى تأذّى منها سكّان المدينة.

وخلافاً لما يذكره بعضهم من أنّها وجَّهت اللوم والعتاب لأمير المؤمنين(ع) على قعوده عن استرداد حقّه بالسيف.

4ـ نسمع كثيراً من الأقاويل عن صفات الزهراء الخَلْقِيّة فهل لكم أن تضعونا في حقيقة مثل هذه الأقاويل؟

يعتقد بعض العوامّ أنّ الزهراء(ع) امرأةٌ لا تشبه بنات جنسها، فهي بنظرهم قد وَلَدَتْ أولادها من فخذها، ولا ترى دماً كبقيّة النساء. وكلُّ ذلك مخالفٌ لطبيعتها البشريّة. وهي على أيّة حالٍ ليست أفضل من أبيها رسول الله(ص) الذي كان يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وقد خاطبه الله عزّ وجلّ بقوله: (قُلْ إنّما أنا بشرٌ مثلُكم)، ولم يكتفِ بصفة البشريّة حتّى أثبت لها صفة المثليّة التامّة، إلاّ في ما يرتبط بتلقيّ الوحي، فقال: (يوحى إليّ). ومن هنا فنحن نرى أنّ إلصاق هذه الصفات بالصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء(ع) غيرُ صحيح، وقد وردت روايةٌ صحيحة في أنّ رسول الله(ص) كان يأمر فاطمة(ع) بقضاء ما يفوتها من الصيام، وكانت تأمر بذلك المؤمنات.

بل نرى أنّ هذه الإشاعات تمثِّل في حقيقتها إساءةً وإهانةً لشخص الزهراء(ع)، حيث ترمى بما هو نقصٌ وعيبٌ في الفتاة، وهو أمرٌ معروفٌ ولا نقاش فيه.

وهي حجّة الله، (ولله الحجّة البالغة)، وحجّته على النساء في ما أمرهنّ به من أحكام خاصّة بهنّ هي الزهراء(ع)، وزينب(ع)، ومريم البتول(ع)، وخديجة(ع)، وكل تلك النسوة الطاهرات المؤمنات، فأيّ حجّةٍ ستبقى مع التمايز في الخَلْق؟!

وتبقى فاطمةُ الزهراء، والبضعةُ الحوراء، الطاهرةَ من كلّ رجس، والمعصومةَ من كلّ إثم، والقدوةَ للمؤمنات من النساء، فقد بلغت(ع) ما بلغت بكامل اختيارها، مع كونها امرأة عاديّة في طبيعة تكوينها، فاستحقّت الدرجات العلى، (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً).



أكتب تعليقك