هل قبض الله عزَّ وجلَّ بنفسه روح الحسين عليه السلام؟، قراءةٌ نقديّة
(بتاريخ: الأحد 10 ـ 11 ـ 2013م)
ما مدى صحّة هذا القول: «إن الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وصلوا إلى مرتبة بحيث إنّ جبرائيل قال للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّ الله تعالى بنفسه يقبض أرواحهم. فما هذا المقام الذي بلغ أنّ الله يقبض أرواحهم، وليس عزرائيل، والنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يحفر لهم ويدفنهم؟!».
ما يُنقَل على أنّه روايةٌ ليس له عينٌ أو أثرٌ في كتب الحديث والأخبار. وبالتالي فهو من مخترَعات قائليه، وبناتِ أوهامهم، كائناً مَنْ كانوا. فلا يغرَّنَّك مَنْ قال، بل انظُرْ إلى ما قيل، هل هو صادرٌ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أو أهل بيته عليهم السلام؟ ولمعرفة ذلك طرقه المعروفة للعلماء المحقِّقين، والباحثين الجادّين. ولا يكفي أن نجده في كتابٍ هنا أو هناك، بل لا بدّ أن يكون مؤلِّف هذا الكتاب معروفاً أنّه من العلماء، بل من الثقات، وينقل الخبر مُسْنَداً، أي بذكر جميع الرواة له عن المعصوم عليه السلام. فحتّى لو وجدنا خبراً في كتابٍ للشيخ الطوسي، أو الشيخ المفيد، أو غيرهما من علمائنا الكبار، ولكنّه قد نسبه مباشرةً إلى المعصوم عليه السلام، فلا يمكن الاعتماد على هذا الخبر؛ إذ لا بدّ من إثبات الاتّصال بين مؤلِّف الكتاب والمعصوم من خلال مجموعةٍ من الرواة، ينقل الواحد عمَّنْ قبله ممَّنْ شاهده والتقاه وسمع منه أو نقل من كتابه. فكيف إذا لم يكن للخبر وجودٌ أصلاً في كتابٍ من الكتب المختصّة بنقل روايات المعصومين عليهم السلام؟!
ولو ثبت وجود الحديث في كتابٍ معتَبَر، وكان الاتّصال بالمعصوم متحقِّقاً، من خلال رواةٍ ثقات، فلا بدّ من النظر في مضمون الرواية، ومدى صحّة مضمونها وموافقته للقرآن الكريم والسنّة القطعيّة الثابتة عن المعصومين عليهم السلام؛ إذ هما المرجع في الحُكم على صحّة الروايات الغريبة. وهذا ما أمرنا به أهلُ البيت عليهم السلام حيث نريد التمييز بين الصحيح وغيره عند اختلاف الروايات في موضوعٍ واحد؛ وذلك أنّ أهل البيت عليهم السلام تعرَّضوا للأذى عبر طريقَيْن:
1ـ الطعن في فضائلهم، حتّى قيل للناس يوماً أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام لا يصلّي، وصدَّقوا ما قيل، وفوجئوا بشهادته في محراب المسجد.
2ـ الغلوّ في فضائلهم، حتّى أصبح الناس ينفرون منهم، ويعتقدون أنّهم يرَوْن لأنفسهم مكاناً لم يجعله الله لهم، وفي ذلك جرأةٌ منهم على الله.
ومن خلال الطريقَيْن معاً ينفر الناس من أهل البيت عليهم السلام، وهذا ما تريده السلطة الحاكمة آنذاك.
إذاً لقد استُخدم الطريقان معاً؛ للإساءة إليهم عليهم السلام. ولهذا حذَّر الأئمّة عليهم السلام من الوقوع في هذا الفخّ، فقال عليٌّ عليه السلام: «هلك فيَّ اثنان: محبٌّ غالٍ، ومبغضٌ قالٍ».
وقال بعض أئمّة أهل البيت عليهم السلام: «وكونوا زيناً، ولا تكونوا شيناً، حبِّبونا إلى الناس، ولا تبغِّضونا، جرّوا إلينا كلّ مودة، وادفعوا عنّا كلَّ قبيح، وما قيل فينا من خيرٍ فنحن أهله، وما قيل فينا من شرٍّ فما نحن كذلك. لنا حقٌّ في كتاب الله، وقرابةٌ من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وولادةٌ طيبة، فهكذا فقولوا، ولا تعدوا بنا أقدارنا، فإنمّا نحن عبيدٌ لله مربوبون، لا نملك إلاّ ما ملكنا، ولا نأخذ إلاّ ما أعطانا، لا نستطيع لأنفسنا نفعاً ولا ضرّاً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، لا واللهِ لا أعلم ـ أنا، ولا أحدٌ من آبائي ـ الغيب، ولا يعلم الغيب إلاّ الله، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾».
وقالوا أيضاً: «فكونوا لنا شيعةً، ولا تقولوا فينا ما لا نقول في أنفسنا فلا تكونوا لنا شيعةً».
ومن هنا لو سلَّمنا بوجود هذا القول في كتاب حديثيّ، وبسندٍ صحيح، فلا بدّ من النظر والتأمُّل في مضمونه؛ للوقوف على صحّته:
مضمون القول: عزرائيل يؤمَر من قبل الله عزَّ وجلَّ بقبض روح الحسين عليه السلام، فينزل لقبضها، ثمّ يصعد متحيِّراً من أيّ مكانٍ يقبض روح الحسين عليه السلام، وبالتالي يعتذر عن أداء المهمّة، فيتولّى الله سبحانه وتعالى ذلك بنفسه.
ويرِد على هذا القول من الإشكالات ما يلي:
أوّلاً: الملائكة كما وصفهم الله سبحانه وتعالى فقال: ﴿عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾، وهذا يعني أنّه ليس لعزرائيل أن يعصي أمر الله، أو يعتذر عن تلبيته.
وهنا أودّ الإشارة إلى ما يُقال أيضاً من أنّ ملكاً يُسمّى «فطرس» عصى الله عزَّ وجلَّ، فعاقبه، ثمّ تشفَّع فيه الحسين عليه السلام، فعفا الله عنه، وسُمّي «عتيق الحسين». هذا كلامٌ خاطئ؛ فالملائكة لا تعصي الله أبداً. هذه عقيدتُنا في الملائكة عليهم السلام، وقد جاء بها القرآن الكريم، ومَنْ أصدقُ من الله حديثاً.
ثانياً: هل خفي على الله تقطُّع أعضاء الحسين عليه السلام، بحيث لا مجال لنزع روحه من أحدها، وبالتالي يكون قد كلَّف عزرائيل بمهمّةٍ مستحيلة غير مقدورة، والتكليف بغير المقدور قبيحٌ، لا يصدر منه سبحانه وتعالى، تعالى اللهُ عن الجهل والقبيح علوّاً كبيراً.
ثمّ مَنْ قال بأنّ نزع الروح لا بدّ أن يكون من أحد الأعضاء؟! وإذا كان ذلك ضروريّاً فكيف نزع الله روح الحسين عليه السلام؟! ومن أيّ عضوٍ، ما دامت كلّها مقطوعة، وقد عجز عزرائيل قبله عن نزعها منها؟!
ثالثاً: إذا كان امتناع عزرائيل عن قبض روح الحسين عليه السلام لشرفها فروح رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أشرف من روحه، ومن روح أمّه وأبيه ـ وهذه هي عقيدتُنا، التي استقيناها من روايات المعصومين عليهم السلام الصحيحة التي تقول: «فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلمّ هو خيرٌ من عليّ» ـ، فكيف قبض عزرائيل روح النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم؟!
وأمّا ما قد يُقال من أنّ قبض الأرواح يكون من قِبَل عزرائيل تارةً؛ ومن قِبَل الله مباشرةً وبلا واسطة تارةً أخرى، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾.
فجوابُه: إنّ الصحيح في تفسير هذه الآية أنّ عزرائيل هو الذي يتولّى قبض الأرواح بمشيئة الله وإذنه، لا بشكلٍ مستقلّ وإرادةٍ ذاتيّة. ومن هنا فإنّ الفاعل الحقيقي هو الله، ولكنْ بواسطة المَلَك الكريم عزرائيل. ولا دليل على أنّ الله يقبض الأرواح بنفسه. إذاً هاتان الآيتان تدلاّن على أنّ الله هو الفاعل الحقيقي، ولكنْ هناك مَنْ قد أذن اللهُ له وكلّفه بمهمّة قبض الأرواح، ولا يفعل شيئاً من تلقاء نفسه.
وخلاصة القول: إنّه لا وجود لهذه الخرافة في كتب الحديث والأخبار. وإنّما هي قولٌ مخترَعٌ، مكذوبٌ، موضوعٌ، يسيء لأهل البيت عليهم السلام، وللملائكة الكرام عليه السلام، وقد راج مؤخَّراً من قبل بعض الغلاة المنحرفين. فالحذر الحذر من التصديق بها أو الركون إليها. كما ويحرم تداولها وترويجها. ويجب مع القدرة والتمكُّن الردُّ عليها وتفنيدها في كلّ موقعٍ تطرح فيه؛ حفظاً لعقائد المؤمنين من الانحراف.
اللهمّ نبِّهْنا من نومة الغافلين، وثبِّتْنا على صراطك المستقيم، بمحمّد وآله الطيّبين الطاهرين.