الزواج للنجاة من المعصية
(بتاريخ: 10 ـ 1 ـ 2013م)
أخٌ مؤمن مبتلى برؤية الأفلام المحرَّمة (الأفلام الخلاعيّة المثيرة للشهوة)، وهو يريد التخلُّص جذريّاً من هذه المشكلة، لكنّه لا يستطيع الزواج؛ لأنه مريض، ولا يستطيع الصيام. وقد نصحناه بأن يُشغِل نفسَه برؤية المحاضرات والأفلام والمسلسلات الإسلاميّة. ونودّ معرفة العلاج الشافي لهذا الأخ.
هذه آفةٌ تحتاج إلى حلِّ جذريّ. وليس الكلام في ما يشغل به نفسه، ومن هنا لا يكفي دعوته إلى حضور الأفلام الإسلاميّة، وإنّما الكلام في الخطوات الكفيلة بتخليصه من التعلُّق بتلك الأفلام المحرَّمة.
فنقول: إنّ حبّ الشهوات من النساء من جِبِلّة الإنسان السويّ، وقد قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ). كما نلاحظ أنّ الأنبياء عليهم السلام لم يأنفوا من هذا العمل، بل فعلوه كبقيّة البشر، واعتبروه حاجةً طبيعيّة، كالطعام والشراب، لا بدّ منها؛ لاستمرار الحياة، ولسدّ حاجةٍ طبيعيّة في داخل الإنسان.
غير أنّ الله سبحانه وتعالى أراد لهذه الحاجة الطبيعية أن تُقضى وتُشبَع في إطارٍ منظَّم وطاهر، ألا وهو الزواج ـ أو ملك اليمين عندما كان نظام الرِّقّ سائداً، وقد زال ولله الحمد بجهودٍ حثيثة من الدين الحنيف، وأصبح الناس كلّهم أحراراً ـ.
إذاً الطريق الصحيح والسليم لإشباع تلك الرغبة المشروعة هو الزواج. وهو طريقٌ إلى السكينة والطمأنينة في الحياة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
والزواج أمرٌ يمكننا أن نجعله صعباً للغاية، ويمكننا أن نجعله بسيطاً للغاية.
عندما نعرف أنّ طريقنا نحو السكينة والطمأنينة هو الزواج لا غير؛ إذ كل علاقة خارج إطار الزواج لا يمكن أن تتَّسم بالثبات والاستقرار، وبالتالي لا تنتج سكينةً واطمئناناً، فلا بدّ من تسهيل أمر الزواج، بعيداً عن المهور العالية، والمتطلَّبات الكثيرة.
إذاً الوضع المادّيّ لا يشكِّل من منظور الإسلام عائقاً أمام تحصين كلٍّ من الفتاة والشابّ بالزواج.
وأمّا المرض فلا يشكِّل عائقاً واقعيّاً في هذا المجال؛ إذ لا بدّ أن يجد الشابّ مَنْ ترضى بالارتباط به رغم مرضه، وهكذا تكون له زوجةٌ تسرُّه إذا نظر إليها، وتعينه في أمر دنياه وآخرته.
وللزواج الشرعيّ قسمان: الدائم؛ والمنقطع. وكلاهما شُرِّع في الإسلام، ولهما شروط وقيود، تجعلهما في إطارٍ من التنظيم الدقيق الذي يمنع أيّ نتائج سلبيّة في هذا المجال. فمَنْ لم يستطع الزواج الدائم؛ لقصورٍ مادّيّ أو جسديّ، فليستعِنْ بالزواج المؤقَّت ـ بعد الاطّلاع على شروطه وقيوده ـ فإنّه قد يكون الحلّ الأوفق له.
وهنا أشير إلى أنّه لا ينبغي للمؤمن أن يلجأ إلى الزواج المؤقَّت من غير ضرورة، وإلى ذلك أشارت بعض الروايات الشريفة.
وإذا لم يكن قادراً على الزواج مطلقاً فلا بدّ له من الاستعانة بالصوم، حيث ورد عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَنْ استطاع منكم الباه فليتزوَّجْ، ومَنْ لم يستطعه فَلْيَصُمْ؛ فإنّ الصوم وجاءٌ».
وأمّا إذا لم يكن قادراً على الصوم فما عليه سوى اللجوء إلى ذكر الله على الدوام، فبذكر الله تطمئنّ القلوب، وعسى يكون انشغاله بالذكر، مع التفاته إلى معانيه، عاملاً محرِّكاً لمخزون إيمانه، كي يَحُول بينه وبين ارتكاب المعصية.
وفي الختام لا بُدَّ من التذكير بأنّ من أنجع الطرق للتخلُّص من هيجان الغريزة الجنسيّة الابتعاد عن كلّ أشكال الاختلاط بين النساء والرجال. هكذا ينشغل المرء، سواء كان شابّاً أم فتاة، بما بين يديه من أعمال، دون أن تكون منبِّهات الغريزة حاضرةً.
إنّ الاختلاط بين النساء والرجال، في السهرات، في العمل، في الأسواق، في أيّ مكان، محرِّكٌ قويّ للغريزة في كلٍّ من الرجل والمرأة على السواء، وحينها لا يؤمَنُ على المرء من الوقوع في معصية الزنا ـ والعياذ بالله ـ، أو معصية النظر المحرَّم، مباشَراً أو إلى صورة.
اللهمّ اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعفُ عنّا، في الدنيا والآخرة، يا أرحم الراحمين.