17 مارس 2014
التصنيف : حوارات
لا تعليقات
2٬655 مشاهدة

سورة الفاتحة، الأهمّيّة والمعنى

دعاية هدى ونور-مفاهيم من سورة الفاتحة21186778_1433143870257025_114881691_n - Copy1908252_1433143893590356_931180383_n - Copy

أجرى الحوار الإعلامي الشيخ حسين الحايك،

في برنامج (هدىً ونورٌ)، على قناة المنار

(بتاريخ: الجمعة 6 ـ 12 ـ 2013م)

﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

أسماء السورة

لهذه السورة أسماءٌ عديدة، وأشهرها:

1ـ «الفاتحة» أو «فاتحة الكتاب». وقد سُمِّيت بذلك لافتتاح المصاحف بكتابتها؛ ولوجوب قراءتها في الصلاة، حتّى ورد عن النبيّ(ص) أنّه قال: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب». فهي فاتحةٌ لما يتلوها من سور القرآن في الكتاب والقراءة في الصلاة.

2ـ «الحَمْد». وقد سُمِّيت بذلك لأنّ فيها ذكر الحمد لله سبحانه وتعالى.

3ـ «أمّ الكتاب». وقد سُمِّيت بذلك لأنّها متقدِّمة على سائر سور القرآن. وقيل: سُمِّيت بذلك لأنّها أصل القرآن، وإنّما صارت أصل القرآن لأنّ الله تعالى أودعها مجموع ما في السور؛ لأنّ فيها إثبات الربوبيّة والعبوديّة، وهذا هو المقصود بالقرآن.

4ـ «السبع». وقد سُمِّيت بذلك لأنّها سبع آيات، لا خلاف في جملتها. وهذا ما يكشف أنّ ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جزءٌ منها، وقد رُوي عن أمير المؤمنين(ع) أنّه قال: «وإنّ ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيةٌ من فاتحة الكتاب، وهي سبعُ آيات، تمامها ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ».

5ـ «المثاني». وقد سُمِّيت بذلك لأنّها تثنّى بقراءتها في كلِّ صلاةٍ، فرضٍ ونفلٍ. وقيل: لأنّها نزلت مرّتين.

أهمّيّة السورة وخصائصها

وقد بلغت الفاتحة من الأهمّية ما جعلها بإزاء باقي القرآن كلِّه، فقد رُوي عن أمير المؤمنين(ع) أنّه قال: سمعتُ رسول الله(ص) يقول: «إنّ الله عزَّ وجلَّ قال لي: يا محمّد، ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنْ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، فأفرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب، وجعلها بإزاء القرآن العظيم، وإنّ فاتحة الكتاب أشرفُ ما في كنوز العرش [والمراد به قدرة الله]».

وسورة الحمد أساسُ القرآن، فقد رُوي عن النبيّ(ص) أنه قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: «ألا أعلِّمك أفضل سورة أنزلها الله في كتابه؟» قال جابر: بلى، بأبي أنت وأمّي يا رسول الله، علِّمْنيها، فعلَّمه الحمد أمّ الكتاب، وقال: «هي شفاءٌ من كلّ داءٍ، إلاّ السام، والسام الموت».

وتختلف سورة الحمد عن سائر سور القرآن في لَحْنها وسياقها. فسياق السور الأخرى يعبِّر عن كلام الله، وسياق هذه السورة يعبِّر عن كلام عباد الله. وبعبارة أخرى: شاء الله في هذه السورة أن يعلِّم عباده طريقةَ خطابهم له، ومناجاتهم إيّاه.

المعاني السامية

﴿الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: الربوبيّة بمعنى التدبير، كما يُقال عن الطفل الذي يكون تحت الرعاية والاهتمام (ربيب). فهنا حمدٌ وثناءٌ وشكرٌ للخالق الرازق المدبِّر لشؤون الكائنات جميعاً على ما هي عليه من تناسقٍ وانتظام.

﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾: وأيُّ رحمةٍ أعظم وأكبر من تدبير شؤون هذه الكائنات الضعيفة، وعلى رأسها الإنسان: ﴿وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً.

﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾: فبعد الالتفات إلى أنّه الخالق والرازق والمدبِّر والمستحقّ للعبادة وحده هناك التفاتٌ آخر إلى يوم القيامة، يوم الجزاء، يوم الحساب، يوم الثواب والعقاب، فمَنْ يعمل خيراً في الدنيا يره هناك، ومَنْ يعمل شرّاً في الدنيا يره هناك، ومالك ذلك اليوم، والحاكم ذلك اليوم، هو اللهُ العزيز الجبّار.

وما تقدَّم من آيات هو مدحٌ وثناء وتمجيد لله عزَّ وجلَّ، وقد روى جابر بن عبد الله الأنصاريّ، عن رسول الله(ص)، أنّه قال: «قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي، فله ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قال: حَمَدَني عبدي، وإذا قال: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قال: أَثْنى عليَّ عبدي، وإذا قال: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قال: مَجَّدَني عبدي، ثم قال: هذا لي، وله ما بقي». أي يستجيب دعاءه في ما يدعوه به بعد ذلك.

﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾: منتهى الإخلاص والتوحيد في العبادة والاستعانة، فلا نشرك في عبادة ربِّنا أحداً، ولو شركاً خفيّاً، وهو الرياء. وفي الملمّات والشدائد لا نلجأ إلاّ إلى الله؛ لأنّه لا منجي إلاّ هو، ولا مغيث إلاّ هو، ولا معين إلاّ هو.

﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾: إذا عرفنا أنّ غاية الخلق هو عبادة الله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ، وعبادة الله لا تكون إلاّ من حيث يريد ويرضى، أي بالتزام أوامره وترك نواهيه، إذاً لا بدّ أن نتعرَّف على تلك الأوامر والنواهي، وإلاّ انحرف المسير. ومن هنا فلا بدّ أن يعيش الإنسان المؤمن على الدوام قلقَ البحث عن الحقّ، وهو الصراط المستقيم، الذي لا ينحرف مَنْ سلكه، ولا يتيه مَنْ اتَّبعه.

وفي هذه الآية دلالةٌ واضحةٌ على أنّ سبيل الحقّ والرشاد واحدٌ لا غير، فهو صراطٌ مستقيم، لا صُرُطٌ متعدِّدة.

﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾: أنعمت عليهم بالإسلام ديناً قِيَماً كاملاً غير منقوص. وهنا تستوقفنا آيةٌ أخرى تقول: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِيناً، وقد نزلت في حجّة الوداع بعد تنصيب النبيّ(ص) لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) خليفةً من بعده. وبما أنّ القرآن يفسِّر بعضه بعضاً فالنتيجةُ واضحةٌ: اهدنا صراطَ الإيمان، وسبيلَ الولاية، بعيداً عن أيّ انحرافٍ أو انجرافٍ خلف هوى وأطماع وشهوات، فنكون من المغضوب عليهم؛ لأنّهم لم يتَّبعوا ما أنزل الله، أو من الضالّين التائهين عن الحقّ والصواب.



أكتب تعليقك