7 مايو 2014
التصنيف : استفتاءات
لا تعليقات
3٬004 مشاهدة

ملامسة الطبيب للمريضة، بين الحرمة والجواز

بين السائل والمجيب

(7 ـ 5 ـ 2014م)

سلام عليكم سماحة الشيخ، حفظكم الله تعالى ورعاكم. هل يجب أن نطلب من الطبيب أن يرتدي القفازات الطبّية حتّى لا يلمس المريضة مباشرة؛ مراعاة للحدود الشرعيّة، عندما يلمس الأنف والأذن وما إلى ذلك؛ لأنّني لاحظتُ أنّهم بشكلٍ عام لا يفعلون ذلك، وكذلك بالنسبة للطبيبة والمريض؟

في علاقة الرجل بالمرأة الأجنبيّة عنه، أي التي ليست بذي محرَمٍ عليه؛ وكذا علاقة المرأة بالرجل الأجنبيّ عنها، هناك حدودٌ وضوابط قرَّرتها الشريعة المقدَّسة؛ منعاً للافتتان، والسقوط في شِرْك الشهوة والغريزة الجامحة.

ومن هذه الحدود والضوابط أنْ لا يلامس الرجل أيَّ جزءٍ من جسد المرأة الأجنبيّة بشيءٍ من أعضاء بدنه، ولو ملامسةً عابرةً، كما في المصافحة، إلاّ من وراء الثياب، ومن دون غمزٍ أو عَصْرٍ، وهو الضغط الهادف إلى التعرُّف على حَجْمه؛ إذ هو مدعاةٌ لإثارة الشهوة، ومقدِّمةٌ غالبةٌ للانحراف.

وقد جاء النهي عن ذلك في أكثر من روايةٍ معتبرة عن أئمّة أهل البيت(عم).

وتؤكِّد هذا الحكم الشرعيّ قصّة مبايعة النساء للنبيّ(ص)، حيث جعل الماء في طشتٍ، ثمّ غمس يده فيه، ثمّ أمر النساء بوضع أيديهنّ في ذلك الطشت، وهكذا تمَّتْ البيعة.

وما فعله النبيّ(ص) هنا يؤكِّد عدم جواز مماسّة الرجل للمرأة الأجنبيّة عنه.

هذا كلُّه في الحالات الطبيعيّة والاعتياديّة. وأمّا في الحالات الضروريّة، كالعلاج ونحوه، فهناك القاعدة الفقهيّة التي تقول: (الضرورات تبيح المحظورات). ولكنّ قاعدةً فقهيّة أخرى حاضرةٌ في المقام، وهي: (الضرورات تُقدَّر بقَدَرها). فصحيحٌ أنّه قد تضطرّ المرأة لكشف شيءٍ من جسدها، ممّا يجب عليها ستره عن الرجال، أمام الطبيب؛ للعلاج، ولكنْ إذا لم تقتضِ الضرورة أنْ يلمسها فلا يجوز له ذلك؛ إذ (الضرورات تُقدَّر بقَدَرها).

وعليه فإذا كان يمكن للطبيب أن يلبس القفّازات الطبّيّة حين علاج المرأة، ويكتفي بارتكاب النظر إليها، دون المماسّة، فهذا واجبٌ عليه. وكذلك يجب على المرأة أن تمنعه من ارتكابه. ويجب حينئذٍ على المرأة أنْ تطلب منه ارتداء تلك القفّازات.

وأمّا إذا كان العلاج يتطلّب ملامسةً مباشرة، ولا غنى عنها لتحقيق العلاج الصحيح والكامل، وتشخيص ذلك موكولٌ إلى الطبيب الماهر والمختصّ، فهنا يجوز للطبيب مماسّة جسد المرأة، ولكنْ أيضاً عليه تحرّي الدقّة والتدرُّج من جهة الضغط على ذلك الجزء الذي يلمسه، وطول الفترة التي يلامسه فيها.

إذاً المسألة فيها تدرُّجٌ، ودقّة، وتتطلَّب معرفة تفصيليّة بالحكم الشرعي الذي يقرِّر الضوابط والحدود لكلٍّ من الرجل والمرأة، في جميع الحالات.

ومن هنا ننصح الإخوة والأخوات بمراجعة الأطبّاء الملتزمين دينيّاً، وقد أصبحوا كُثُراً، ولله الحمد. فهؤلاء الأطبّاء يتفهَّمون واقع الحال، ويراعون الضوابط الشرعيّة في تعاملهم.

ونسأل الله توفيق الطاعة للجميع، إنَّه أرحم الراحمين.



أكتب تعليقك