14 يونيو 2012
التصنيف : مقالات فكرية
لا تعليقات
3٬133 مشاهدة

كيف نحمي مقدّساتنا؟

(بتاريخ: 23 ـ 3 ـ 2011م)

وفعلها القسّ الأمريكيّ المتعصِّب تيري جونز، وأحرق نسخة من القرآن الكريم (كتاب الله الخالد) في كنيسة صغيرة في ولاية فلوريدا الأمريكية، بعد «محاكمة استمرّت ثماني دقائق، اعتُبر فيها كتابُ المسلمين المقدّس مذنباً، وتمّ إعدامه».

فما هو ذنب القرآن يا ترى؟

يدّعي أنصار هذا العمل الشنيع أنّ القرآن الكريم «مسؤول عن عدّة جرائم، ومنها: أحداث الحادي عشر من أيلول2001م».

لم تكن هذه الحادثة هي الحادثة الأولى في تاريخ الإساءة إلى الإسلام ورموزه، فقد فعلها من قبل الكاتب البريطانيّ سلمان رشدي، في كتابه «آيات شيطانيّة»، وأساء إلى نبيّ الرحمة والهدى والخير والمحبّة، واصفاً إيّاه بأبشع الأوصاف، وأبذأ التعابير، ما استدعى ردّاً عاجلاً من إمام المسلمين آنذاك السيد روح الله الموسويّ الخمينيّ (رحمه الله)، فكانت الفتوى الشهيرة بضرورة إعدامه.

غير أنّه تمتّع منذ ذلك الحين بحماية أمنيّة بريطانيّة لا تتوفِّر سوى للزعماء السياسيّين والقادة العسكريّين الكبار. ولم تتمكّن يد المخلصين من أبناء الأمّة الإسلاميّة من الوصول إليه حتّى اليوم.

وهكذا طالعتنا منذ سنوات خلت إساءة رسّام كاريكاتور دانماركيّ بجملة من الرسوم الكاريكاتوريّة المسيئة إلى نبيّ الإسلام محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وانتشرت هذه الرسوم في صحف متعدّدة حول العالم ، كما في السويد والدانمارك وبلجيكا وغيرها من الدول الأوروبيّة والأمريكيّة.

فماذا فعلنا؟

لم تتعدَّ ردّات فعلنا، كعرب وكمسلمين، وكما هي العادة، بيانات الاستنكار الصارخ، وخطابات الإدانة الرنّانة، والتظاهرات والمسيرات الشبابيّة والطلابيّة الغاضبة، نحو سفارات تلك الدول، وقد خرج بعضها ـ وللأسف الشديد ـ عن هدفه الحقيقيّ، فتحوّل إلى ما يشبه الاجتياح الهمجيّ لمناطق المواطنين المسيحيّين، كما حصل في لبنان في ما غدا يُعرف بـ «غزوة الأشرفيّة».

وهكذا انطلقت الدعوات من هنا وهناك لمقاطعة بضائع تلك الدول، وحصلت المقاطعة بالفعل، غير أنّها ما لبثت أن تلاشت شيئاً فشيئاً، حتّى أصبحت أثراً بعد عين، وكأنّ شيئاً لم يكن.

هكذا نحن العرب والمسلمون، بل الشرقيّون، انفعاليّون في ساعة الحدث، فإذا ما ذهبت السكرة وجاءت الفكرة ـ كما يقولون ـ عدنا إلى حياتنا الطبيعيّة، وكأنّ شيئاً لم يحصل على الإطلاق.

هنا هو مكمن الخطر، وهذا هو المقتل. وقد أحاط به أعداؤنا علماً، فأحسنوا استغلاله أيّما استغلال. فمن إساءة إلى النبيّ محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى إساءة إلى القرآن الكريم إلى ما لا يعرفه إلاّ الله ممّا تخبّئه لنا الأيّام القادمة.

ماذا يجب علينا أن نفعل؟

لقد آن لنا أن نقلع عن ردّات الفعل غير المجدية، والتي لا تزيد العدوّ إلا فرحاً وابتهاجاً بنجاح خطّته. ما الذي ستحقّقه المظاهرات الصاخبة، والبيانات المندِّدة، والمؤتمرات المتعدِّدة، والخطابات الرنّانة؟ إنّها لم ولن تحقِّق شيئاً يُذكر.

ما يفيدنا حقّاً هو وقفةُ عزّة وكرامة وعنفوان، وقفةُ الأمة كلّ الأمّة، بكافّة أبنائها، السنّيّ إلى جنب الشيعيّ، بل المسلم إلى جنب المسيحيّ، وقفةٌ تُتَّخذ فيها المواقف الحاسمة والخطوات القاطعة التي لا رجعة فيها حتّى إزالة العدوان ومحاسبة المعتدين.

أوّلاً: على علماء الدين المسلمين أن يتوجّهوا برسالة مفتوحة إلى بابا الفاتيكان، رأس الكنيسة المسيحيّة في العالم، وهو الذي طالما أكّد على مفاهيم المحبّة والسلام والتسامح، ليسألوه: هل هذا هو مصداق تلك المفاهيم عندكم؟ وسيجيب بالنفي حتماً، وأنّ المسيحيّة لا ترتضي مثل هذه الأعمال. وعليهم هنا توثيق ذلك كلّه بالصوت والصورة ونشره في كلّ بقعة على امتداد هذا العالم.

نعم، نحن مَنْ ينشر كلمات بابا الفاتيكان عندما تكون صائبة ومحقّة، وبهذا نؤمِّن الغطاء الدينيّ المسيحيّ لإدانة هذا العمل وما قد يتبعه في مستقبل الأيّام.

ثانياً: على شعوب العالم الحرّة، ولاسيّما شعوب الأمّتين العربيّة والإسلاميّة، دعوة كافّةً الحكومات في هذا العالم إلى طرد سفراء الولايات المتّحدة الأمريكيّة المعتَمَدين لديها، وقطع كافّة العلاقات معها، إلى حين تحقيق مطلب واحد وبسيط جدّاً، ألا وهو معاقبة هذا القسّ ومَنْ شاركه عمله الهمجيّ ذاك بالسجن مدى الحياة، ليكونوا عبرةً لغيرهم ممَّن قد تسوِّل له نفسه في يوم من الأيام أن يتجرّأ على انتهاك حرمات المقدّسات الدينيّة لكافّة الشعوب في هذا العالم.

ولا ضرورة لنزع ثيابه الدينيّة عنه، فليُحاكم بثيابه الدينيّة؛ إذ لا ينبغي أن يكون أحدٌ في هذا العالم فوق أن يحاسب إذا ما ارتكب خطأً وأساء إلى الآخرين.

ثالثاً: على شعوب العالم الحرّة، ولاسيّما شعوب الأمّتين العربيّة والإسلاميّة، المقاطعة الجادّة والدائمة لكافّة البضائع الأمريكيّة، ولو كانت في أمسّ الحاجة إليها، إلى حين إنزال العقاب الرادع بحقّ هذا القسّ الأرعن وشركائه.

وهنا تظهر الفوائد التربويّة للصوم، فإنّه يربّي الإنسان على الاستغناء عمّا هو محتاج إليه.

وليكونوا على ثقة بأنّ أمريكا ستخضع لكلّ طلباتهم إذا ما شعرت أنّ مصالحها السياسيّة والاقتصاديّة في خطر.

رابعاً: على علماء الدين، مسلمين ومسيحيّين، أن ينطلقوا، كلٌّ في محيطه وبيئته، إلى تنقية التعاليم الدينيّة من كل ما يشوبها من الخرافة والغلوّ والحقد على الإنسان، لمجرّد الاختلاف معه في الدين.

فلربما ـ ونحن لا نبرِّر له فعلته النكراء ـ كان اعتماد سلمان رشدي على ما تذكره بعض كتب الحديث عند المسلمين من صفات رسول الله محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، من حبّ النساء، وأنّ الله أعطاه قوّة أربعين رجلاً، وأنّه كان يستمع إلى نقر الدفّ، ولا يرى به بأساً، في حين يستنكر ذلك أبو بكر وعمر، وغير ذلك، ممّا لا يسع المجال لذكره، ولا لبيان خطئه ووضعه، في هذه العجالة.

ولربما ـ ونحن لا نبرِّر له عمله الشائن أيضاً ـ كان اعتماد هذا القسّ المتعصِّب على ما يذكره بعض العلماء المسلمين ممّا ينبغي للمسلمين أن يتعاطَوا به مع غير المسلمين، من إذلالٍ وقهرٍ وتمييز.

نحن لا نبرِّر لهؤلاء عملهم، وندعوهم وغيرَهم إلى مراجعة شاملة غير مجتزأة ولا مبتورة لتعاليم الدين الحنيف، وندعوهم أيضاً إلى التمييز بين ما قد يطرحه بعض العلماء من هنا وهناك ودين الله الحنيف الذي جسّده رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأوصياؤه الأخيار الأبرار (عليهم السلام) من بعده، من تسامح ومحبّة وسلام ورحمة.

يقول الله (عزّ وجلّ) في كتابه العزيز: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).

خامساً: على علماء الدين، مسلمين ومسيحيين، أن يقفوا صفّاً واحداً في وجه أيّ شخص يعمل على إثارة الفتنة الدينيّة أو الطائفيّة أو المذهبيّة باسم الدين، ويتشدَّق بتكفير هذا وذاك، لمجرّد خلافٍ فكريٍّ معه. ولتكن صرختنا في وجه كلّ هؤلاء: (اسكتوا، وارحلوا إلى بيوتكم، ممنوعٌ عليكم أن تتصدَّوا للشأن العامّ، وأن ترتقوا منابر المساجد والكنائس، وأن تطلقوا الفتوى ضدّ هذا وذاك).

ينبغي أن تبقى للدين قيمته وقدسيّته في نفوس الناس، كما ينبغي أن تبقى للفتوى الدينيّة قيمتها في نفوس الناس، وعلينا أن نمنع من يعبث بالفتوى ـ من حيث أراد أو لم يُرِد ـ، بأن ننبِّهه ونحذِّره، وصولاً إلى الأخذ على يديه بالقوّة.

سادساً: على علماء الدين، مسلمين ومسيحيين، وبعيداً عن أيّ انفعال أو تشنُّج، أن يعمدوا إلى تعريف الناس في كلّ أنحاء العالم بما تتضمّنه الكتب السماويّة الحقّة، والتعاليم الدينيّة الصائبة، من قيم عالية ومفاهيم راقية وإرشادات سامية وأخلاق نبيلة، كي تُسحب الذرائع الواهية من أيدي الهمج الرعاع، ولا يكون لهم حجّةٌ ـ ولو ظاهراً ـ بعد اليوم في الاعتداء السافر على مقدَّس هنا أو هناك.

فهل عملنا على ذلك من قبل، بعد كلّ الاعتداءات المتكرِّرة على المقدَّسات؟

للأسف الشديد كنّا ـ ولاسيّما مراجع المسلمين ـ نغطّ في نوم عميق، وفي أحسن الحالات في حالة من الاسترخاء والبطالة، واثقين ومطمئنّين بأن للبيت ربّاً يحميه.

نعم، للبيت ربٌّ يحميه حتماً، ولكن هل يسقط ذلك التكليف عن عواتقنا؟!

هذه هي خارطة الطريق التي ستوصلنا إلى استرجاع احترام مقدّساتنا، وستساعدنا على عرض أفكارنا وقِيَمنا بكلّ شفافية ووضوح، بعيداً عن الخرافة والغلوّ والتكفير والتضليل.

آيات بيِّنات من القرآن الكريم: ذكرى لأولي الألباب

1ـ (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ * لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ * ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ).

2ـ (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).

3ـ (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاَء مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الْكَافِرُونَ).



أكتب تعليقك