حرب صِفِّين وفتنة التحكيم: أسبابٌ موجِبة، ومواقف رائدة (الحلقة الأولى)
(الجمعة 13 / 11 / 2015م)
حوارٌ أعدّته الأخت حوراء قَوْصان، وأجْراه الأخ الشيخ حسين قعيق، في برنامج (محطّات) على قناة الإيمان الفضائيّة، بتاريخ: 27 / 10 / 2014م.
1ـ ما هي الأسباب التي أدَّت إلى نشوب حرب صِفِّين؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
إنّ الأسباب التي أدّت إلى نشوب حرب صِفِّين صنفان: مباشر؛ وغير مباشر.
فالسبب المباشر هو أنّ معاوية بن أبي سفيان، حاكم الشام آنذاك، قرَّر أن يخرج لحرب وقتال أمير المؤمنين وخليفة المسلمين عليّ بن أبي طالب(ع)، متذرِّعاً بأنّه يريد من الإمام(ع) إلقاء القبض على قَتَلة عثمان وقتلهم، وكأنّه يريد أن يقول: إنّ الإمام(ع) يعرف القَتَلة، ويتستَّر عليهم، ويحميهم.
وهكذا يكون معاوية قد تابع ما ابتدأه طلحةُ والزبير من قبلُ في معركة الجَمَل، وقد فشلوا وهُزِموا وقُتِلوا؛ ببغيهم، فطمع ابنُ أبي سفيان أن ينجح حيث فشلوا، فكان الاستعداد والخروج إلى الحرب، التي وقعت في صِفِّين.
وأمّا السبب غير المباشر، والذي يغفل عنه الكثيرون رغم أنّه قد يكون أهمّ من السبب المباشر، فهو أنّ الأمّة الإسلاميّة قد أجمعت، إلا نَزْراً يسيراً لا يتجاوز أصابع اليد، على حرف مسار الخلافة بعد النبيّ(ص) عن المسار الذي أراده لها الله سبحانه وتعالى، فتركوا بيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)، وبايعوا غيره، وممّا فعله أولئك أن عيَّنوا معاوية والياً على الشام وما حولها، وأقرُّوه على ذلك عاماً بعد عام، رغم اطّلاعهم على ما كان يصدر عنه من منكَرات، حتّى ورد عن الخليفة الثاني قوله يصف معاوية: «هذا كِسْرى العرب»([1]).
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ أمير المؤمنين(ع) قد بعث بعد انتهاء معركة الجمل بكتاب عزلٍ إلى معاوية، بواسطة أحد أصحابه، وقد جاء فيه: «ائتِ معاوية بكتابي، فإن دخل في ما دخل فيه المسلمون، وإلاّ فانبذ إليه، وأعلِمْه أنّي لا أرضى به أميراً، وأنّ العامّة لا ترضى به خليفة»([2]).
إذاً بعد انتهاء معركة الجمل عام 36هـ رأى معاوية أنّ الفرصة سانحةٌ للقضاء على جيش أمير المؤمنين عليّ(ع)، فخرج لحربه، وتناهى الخبر إلى أمير المؤمنين(ع)، فلاقاه بجيشٍ جرّار، وكان اللقاء في صِفِّين، حيث قُتل من الطرفين خلقٌ كثير، حتّى قيل بأنّ عدد القتلى في ليلة الهرير وحدها بلغ سبعين ألف قتيل([3])، وكان ممَّنْ قُتِل في تلك الحرب الصحابيّ الجليل عمّار بن ياسر، الذي قال فيه رسول الله(ص): «ويح عمّار، تقتله الفئة الباغية، عمّار يدعوهم إلى الله، ويدعونه إلى النار»([4]).
وهكذا طالت الحرب لعدّة أشهر، تخلَّلها شهر محرَّم من عام 37هـ، فتوقَّف القتال، ثمّ تجدَّد بعد المحرَّم.
ولمّا رأى معاوية أنّ مجريات الحرب لن تنتهي لصالحه ـ حتّى أنّ عليّاً(ع) قام خطيباً في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أيُّها الناس، قد بلغ بكم الأمر وبعدوِّكم ما قد رأيتم، ولم يبق منهم إلاّ آخر نفس… »([5]) ـ فزع إلى صاحبه ووزيره عمرو بن العاص، فأشار عليه بخدعة رفع المصاحف على أسنّة الرماح، والدعوة إلى تحكيم كتاب الله([6]).
وهكذا فوجئ عسكر أمير المؤمنين(ع) برفع المصاحف([7])، واختلفوا في الرأي، فما بين مخدوعٍ داعٍ إلى وقف القتال استجابةً للدعوة الحقّ، ألا وهي تحكيم كتاب الله، والرجوع إليه؛ وصاحب بصيرةٍ مُصرٍّ على حسم المعركة وتحقيق النصر المؤزَّر الذي لم يكن سوى صبر ساعات، وكان هذا هو موقف أمير المؤمنين عليٍّ(ع) وصاحبه وقائد جيشه العظيم مالك الأشتر(ر)([8]).
2ـ نرى الإمام عليّ(ع) في عهده لمالك الأشتر يقول: «الناس صنفان: أخٌ لك في الدين؛ أو نظيرٌ لك بالخلق»([9])، في حين أننا نراه في أكثر من موقفٍ يدخل المعارك التي تهدر فيها الدماء، وأشهر معاركه هي المعارك الداخلية بين المسلمين أنفسهم. ما هو المعيار الذي انطلق منه الإمام(ع) في كلّ موقفٍ من المواقف؟
السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل أنّ عليّاً(ع) هو الذي دخل في هذه المعارك أو أنّ أقواماً خرجوا عليه، فكان لا بُدَّ من قتالهم؟
الوقائع التاريخيّة تثبت أنّه(ع) كان كارهاً للحرب، لم يَخَفْ يوماً منها، ولكنّه لم يكن يرغب في سفك الدماء سريعاً، وإنّما كان يُعطي الفرصة تلو الفرصة، لعلّ الله يهدي تلك الفئات الباغية. لقد كان يكره أن يبدأ أحداً بقتالٍ، وهذا ما نقرأه في كلامٍ له(ع) لأصحابه وقد استبطأوا إِذْنَه لهم في القتال بصفّين: «أمّا قولُكم: أكلّ ذلك كراهيةَ الموت، فواللهِ ما أبالي أدخلتُ إلى الموت أو خرج الموتُ إليَّ. وأما قولكم: شكّاً في أهل الشام، فواللهِ ما دفعتُ الحربَ يوماً إلاّ وأنا أطمع أن تلحق بي طائفةٌ فتهتدي بي، وتعشو إلى ضوئي، وذلك أحبُّ إليَّ من أن أقتلها على ضلالها، وإنْ كانت تبوء بآثامها»([10]).
إذاً هي معارك ثلاث فرضَتْ نفسها عليه: معركة الجمل، ومعركة صِفِّين ومعركة النهروان.
في موضوع هذه الحلقة، وهو معركة صِفِّين، معاوية رفض تسليم ما بيده من البلاد إلى الخليفة والأمير، واختار الحرب، وأعدَّ لها عدَّتَها، وخرج قاصداً الكوفة؛ للقتال، فهل ينتظره عليٌّ على مشارف الكوفة، أو يخرج لملاقاته بعيداً عن مقرِّ الخلافة؟
وهكذا لم يخرج لحرب أصحاب الجمل إلاّ بعد أن احتلُّوا مدينة البصرة، واعتقلوا والي عليٍّ(ع) عليها، ومثَّلوا به حيّاً، فخرج من المدينة لقتالهم.
وهكذا لم يتعرَّض للخوارج ـ وهم الفئة الضالّة التي أفرزَتْها حرب صِفِّين ـ إلاّ بعد أن عاثوا في الأرض فساداً، وقتلوا امرءاً مسلماً، وبقروا بطن زوجته الحامل، دون جرمٍ اقترفوه. فكان لا بُدَّ من محاسبتهم ومعاقبتهم.
3ـ رفع معاوية وجنوده المصاحف على أسنّة الرماح، فأوقف الإمام(ع) القتال. لماذا خضع الإمام(ع) لخديعة عمرو بن العاص؟
أمير المؤمنين(ع) لم ينخدع بحيلة عمرو بن العاص، وإنّما رفع صوتَه مفنِّداً دعوتهم، وفاضحاً سريرتهم، فقال بعد أن شاهد المصاحف على رؤوس الرِّماح: «اللهمّ إنّك تعلم أنَّهم ما الكتاب يريدون، فاحكم بيننا وبينهم، إنّك أنت الحَكَم الحقّ المبين»([11]).
لكنْ ماذا يفعل بأصحابٍ عصاة، لا يفقهون من الدين إلاّ اسمَه، ولا يلتزمون ببيعةٍ أو ميثاق، وهم مستعدّون للانقلاب والانقضاض على خليفتهم وأميرهم متى خالف رأيُه أهواءَهم؟!
فها هو الأشعث بن قيس، بعد أن سمع مقالة عليٍّ، وسمع مقالات مالك الأشتر وعمرو بن الحمق وغيرهم، يقف مُغْضَباً ليقول: «يا أمير المؤمنين، إنّا لك اليوم على ما كنّا عليه أمس، وليس آخرُ أمرنا كأوّله، وما من القوم أحدٌ أحنى على أهل العراق ولا أوتر لأهل الشام منّي، فأجِبْ القوم إلى كتاب الله، فإنّك أحقّ به منهم. وقد أحبَّ الناس البقاء، وكرهوا القتال»([12]).
وهو ـ أي الأشعث بن قيس ـ الذي كان قبل ظهور الخديعة قد خطب في أصحابه من كِنْدة بمثل ما انجَلَت عنه الخديعة في اليوم التالي، فقال: «ألا فليبلغ الشاهد الغائب، أنّا إنْ نحن تواقفنا غداً إنّه لفناء العرب وضيعة الحرمات. أما واللهِ ما أقول هذه المقالة جَزَعاً من الحَتْف، ولكنّي رجلٌ مُسِنٌّ أخاف على [النساء و] الذراري غداً إذا فنينا»([13]).
وكانت الخديعة في اليوم التالي، وكان النداء: «يا معشر العرب، الله الله في نسائكم وبناتكم، فمَنْ للروم والأتراك وأهل فارس غداً إذا فنيتم. الله الله في دينكم. هذا كتاب الله بيننا وبينكم»([14]).
فهل من رابطٍ بين النداءَيْن؟!
ويحدِّثنا المؤرِّخون أنّ الناس ماجوا، وقالوا: أكلَتْنا الحرب وقتلَتْ الرجال. وقال قومٌ: نقاتل القوم على ما قاتلناهم عليه أمس. ولم يقُلْ هذا إلاّ قليلٌ من الناس. ثم رجعوا عن قولهم مع الجماعة، وثارت الجماعة بالموادعة. فقام عليّ أمير المؤمنين(ع) فقال: «إنّه لم يزل أمري معكم على ما أحبُّ إلى أن أخذَتْ منكم الحرب، وقد واللهِ أخذَتْ منكم وتركَتْ، وأخذَتْ من عدوِّكم فلم تترك، وإنّها فيهم أنكى وأنهك. ألا إنّي كنتُ أمس أمير المؤمنين فأصبحْتُ اليوم مأموراً، وكنتُ ناهياً فأصبحْتُ منهيّاً. وقد أحبَبْتُم البقاء، وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون»([15]).
إذاً هو قبول المضطرّ الذي لم يجِدْ بديلاً، ولم يلقَ ناصراً أو معيناً على أيّ قرارٍ آخر، فاختار أهون الشرَّيْن.
4ـ اليوم يرفع التكفير راياتٍ ممهورةً باسم الله ونبيِّه، ويرفعون الأذان والمصاحف، ويتحصَّنون في المساجد. ما هو الموقف الذي يجب علينا اتّخاذه في هذا المقام؟
ما أشبه اليوم بالأمس. ولقد صدق مَنْ قال: الزمن يعيد نفسه. فهنيئاً للمتَّعِظ من أمسه ليومه.
ليس مهمّاً على الإطلاق لون الراية التي تُرفَع أو الشعار المكتوب على الراية، بل ليس مهمّاً أبداً أن تتوسَّل وتتحصَّن بالأذان أو الصلاة أو قراءة القرآن أو مجالس عزاء أهل البيت(عم).
وإنّما المهمّ والنافع في مقام تحديد مستوى الإيمان والولاء، وبالتالي الآليّة المناسبة في التعامل، هو العمل والسلوك الخارجي، الذي يتّسم به أيُّ فريقٍ من الناس عامّةً، أو من المسلمين خاصّةً.
فالشيعي مَنْ كان في سلوكه ومواقفه وكلّ تصرُّفاته ممتثِلاً قولَ رسول الله(ص) وأهل بيته الطاهرين(عم)، والسنّي كذلك هو مَنْ كان في حركته متَّبِعاً سنّة رسول الله(ص)، وأصحابه الأبرار(رض).
وهذا ينطبق على المسلم عموماً، فـ «المسلم مَنْ سلم الناس من يده ولسانه»([16]).
وعليه فنحن نمتثل أمر الله عزَّ وجلَّ الذي قال: ﴿وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾(النساء: 94)، فمَنْ لم يقاتل المسلمين، ولم يعتدِ عليهم، ولم ينتهك منهم الحُرُمات، فهو محقون الدم، وإنْ اختلفنا معه في الرأي، في عقيدةٍ أو شريعة، فإذا وصل الأمر إلى الإفساد في الأرض فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العظيم، الدفاعُ عن النفس واجبٌ، ورفع الفساد، كما دفعُه، واجبٌ.
5ـ دخل الإمام(ع) التحكيم ممثَّلاً بأبي موسى الأشعري، وفي المقابل دخل معاوية التحكيم ممثَّلاً بعمر بن العاص. ومن المعلوم أن أبا موسى الأشعري قام بخلع صاحبه ـ أي الإمام(ع) ـ، بينما ثبَّت عمرو بن العاص معاوية على الحكم. ما هي حقيقة ما حصل بين كلٍّ من الأشعري وابن العاص؟
عبد الله بن قيس، المعروف بـ (أبي موسى الأشعري) كان قد فارق أمير المؤمنين(ع)، وخذَّل الناس عنه، وهرب إلى الشام([17])، واعتزل هناك في أرضٍ يُقال لها (عُرْض)، فهو الفارّ من الجهاد، جهاد الباغين (الفئة الباغية)، ومع ذلك فرضه بعض أصحاب عليٍّ(ع) حَكَماً صالحاً.
أمّا عمرو بن العاص فهو الداهية الماكر، والمستشار الأعظم لمعاوية.
وهكذا نلحظ انعدام التوازن في اختيار هذين الرجلين كحَكَمَيْن سيصلان إلى حلٍّ لأعقد المشاكل في تاريخ الأمّة الإسلاميّة.
وهكذا سقط أبو موسى الأشعري في فخّ عمرو بن العاص بسرعةٍ؛ إذ بعد أن لم يستطع أحدهما إقناع الآخر بشخصٍ محدَّد، حيث نفض الأشعري يده من خلافة أمير المؤمنين(ع)، ولم يتعرَّض لها أبداً، في حين أصرّ ابنُ العاص على خلافة معاوية، ثمّ طرح الأشعري خلافة عبد الله بن عمر، أمّا ابنُ العاص فقد طرح خلافة ابنه عبد الله بن عمرو بن العاص، وهكذا طال الكلام بينهما حتّى أوعز معاوية إلى ابن العاص أن يحسم الأمر، ولا سيّما بعد أن بلغه عنه أنّه يطلب الخلافة لنفسه، وهكذا وضع ابن العاص أبا موسى الأشعري أمام الموقف الحاسم، طالباً رأيه، فما كان من هذا الأخير إلاّ أن أشار بخلع عليٍّ ومعاوية معاً عن الخلافة، وإرجاعها شورى في المسلمين، فوافق عمرو بن العاص، وقدَّم أبا موسى للكلام، فنصحه عبد الله بن عبّاس أن يَدَع عمرواً يتحدَّث قبله، فلم يعتنِ بنصيحته، وهكذا وقف خطيباً فقال: وإنّي قد خلعْتُ عليّاً ومعاوية، فاستقبلوا أمركم، وولُّوا مَنْ رأيتم لها أَهْلاً، ثم تنحّى فقعد. وقام عمرو بن العاص مقامه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنّ هذا قال ما قد سمعتُم، وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأُثْبت صاحبي معاوية [في الخلافة]؛ فإنّه وليُّ عثمان، والطالب بدمه، وأحقّ الناس بمقامه. فقال له أبو موسى: ما لك، لا وفَّقَكَ الله، قد غدرْتَ وفجرْتَ. وإنَّما مثلك مثل الكلب ﴿إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾(الأعراف: 176). قال: فقال له عمرو: إنَّما مثلك مثل ﴿الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾(الجمعة: 5)([18]).
وهكذا انتَهَتْ هذه المهزلة بالتسليم على معاوية بالخلافة، بانتظار جولةٍ أخرى من الحرب، لن تكون قريبةً، ولن يكون بالميسور جمعُ الرجال لها.
ـ يتبع ـ
**********
الهوامش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) قال ابنُ عبد البرّ في الاستيعاب 3: 1417 ـ 1418: «وقال عمر إذ دخل الشام، ورأى معاوية: هذا كِسْرى العرب، وكان قد تلقّاه معاوية في موكبٍ عظيم، فلما دنا منه قال له: أنت صاحب الموكب العظيم؟! قال: نعم، يا أمير المؤمنين، قال: مع ما يبلغني من وقوف ذوي الحاجات ببابك؟! قال: مع ما يبلغك من ذلك، قال: ولِمَ تفعل هذا؟! قال: نحن بأرضٍ جواسيس العدوّ بها كثيرة، فيجب أن نظهر من عزّ السلطان ما نرهبهم به؛ فإنْ أمرتني فعلتُ؛ وإنْ نهيتني انتهيتُ، فقال عمر لمعاوية: ما أسألك عن شيء إلاّ تركتني في مثل رواجب الضرس، إنْ كان ما قلتَ حقّاً إنّه لرأي أريب، وإنْ كان باطلاً إنه لخدعة أديب، قال: فمُرْني يا أمير المؤمنين، قال: لا آمرك، ولا أنهاك، فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، ما أحسن ما صدر الفتى عمّا أوردته فيه، قال: لحسن مصادره وموارده جشّمناه ما جشّمناه».
([2]) نصر بن مزاحم المنقري، وقعة صِفِّين: 28.
([4]) رواه البخاري في الصحيح 3: 207، عن إبراهيم بن موسى، عن عبد الوهّاب، عن خالد، عن عكرمة، أن ابن عباس قال له ولعليّ بن عبد الله: ائتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه، فأتيناه وهو وأخوه في حائطٍ لهما يسقيانه، فلما رآنا جاء فاحتبى، وجلس، فقال: كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين، فمرّ به النبيّ(ص)، ومسح عن رأسه الغبار، وقال: «…».
([6]) روى نصر بن مزاحم في وقعة صِفِّين: 476 ـ 477 أنّه لما بلغ معاوية خطبة أمير المؤمنين(ع) المتقدِّمة دعا عمرو بن العاص فقال: يا عمرو، إنما هي الليلة حتى يغدو على علينا بالفيصل فما ترى؟ قال: إنّ رجالك لا يقومون لرجاله، ولستَ مثله. هو يقاتلك على أمرٍ وأنت تقاتله على غيره. أنتَ تريد البقاء وهو يريد الفناء. وأهل العراق يخافون منكَ إنْ ظفرتَ بهم، وأهل الشام لا يخافون عليّاً إنْ ظفر بهم. ولكنْ أَلْقِ إليهم أمراً إنْ قبلوه اختلفوا، وإنْ ردُّوه اختلفوا. ادْعُهم إلى كتاب الله حَكَماً فيما بينك وبينهم، فإنّك بالغٌ به حاجتك في القوم، فإنّي لم أزل أؤخِّر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه. فعرف ذلك معاوية، فقال: صدقْتَ.
([7]) كما بالنداء الصادر من جيش معاوية: «يا معشر العرب، الله الله في نسائكم وبناتكم، فمن للروم والأتراك وأهل فارس غداً إذا فنيتم. الله الله في دينكم. هذا كتاب الله بيننا وبينكم». (وقعة صِفِّين: 478).
([8]) حيث قال عليٌّ(ع) بعد أن شاهد المصاحف على رؤوس الرِّماح: «اللهمّ إنّك تعلم أنَّهم ما الكتاب يريدون، فاحكم بيننا وبينهم، إنّك أنت الحَكَم الحقّ المبين». فاختلف أصحاب عليٍّ في الرأي، فطائفة قالت القتال، وطائفة قالت المحاكمة إلى الكتاب، ولا يحلّ لنا الحرب وقد دُعينا إلى حكم الكتاب. فعند ذلك بطلت الحرب ووضعت أوزارها. (وقعة صِفِّين: 478 ـ 479).
وفي وقعة صِفِّين: 489 ـ 490: لمّا رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يدعون إلى حكم القرآن قال عليّ (ع): «عباد الله، إني أحقُّ مَنْ أجاب إلى كتاب الله، ولكنّ معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب ابن مسلمة وابن أبي سرح، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن. إني أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالاً، وصحبتهم رجالاً، فكانوا شرَّ أطفالٍ وشرَّ رجال. إنها كلمة حقٍّ يُراد بها باطل. إنّهم، واللهِ، ما رفعوها أنهم يعرفونها ويعملون بها، ولكنّها الخديعة والوهن والمكيدة. أعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعةً واحدة، فقد بلغ الحقُ مقطعه، ولم يبقَ إلاّ أن يقطع دابر الذين ظلموا». فجاءه زهاء عشرين ألفاً مقنَّعين في الحديد، شاكّي السلاح، سيوفهم على عواتقهم، وقد اسودَّت جباههم من السجود، يتقدَّمهم مسعر بن فدكي وزيد بن حصين، وعصابة من القُرّاء الذين صاروا خوارج من بعد، فنادَوْه باسمه، لا بإمرة المؤمنين: يا عليّ، أجِبْ القومَ إلى كتاب الله إذا دُعيت إليه، وإلاّ قتلناكَ كما قتلنا ابنَ عفّان، فواللهِ لنفعلنَّها إنْ لم تُجِبْهُم. فقال لهم: «ويحكم، أنا أوّل مَنْ دعا إلى كتاب الله، وأوّل مَنْ أجاب إليه، وليس يحلّ لي، ولا يسعني في ديني، أن أُدعى إلى كتاب الله فلا أقبله، إنّي إنّما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن؛ فإنهم قد عصَوْا الله في ما أمرهم، ونقضوا عهده، ونبذوا كتابه، ولكنّي قد أعلمتُكم أنّهم قد كادوكم، وأنّهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون».
([16]) رواه الصدوق في معاني الأخبار: 239، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله(ع) أنّه قال: «المسلم مَنْ سلم الناس من يده ولسانه».
وروى أحمد في المسند 6: 21، عن عليّ بن إسحاق، عن عبد الله، عن ليث، عن أبي هانئ الخولاني، عن عمرو بن مالك الجبني، عن فضالة بن عبيد، قال: قال رسول الله(ص) في حجّة الوداع: «ألا أخبركم بالمؤمن، مَنْ أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم مَنْ سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد مَنْ جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر مَنْ هجر الخطايا والذنوب». ونقله الهيثمي في مجمع الزوائد 3: 268، عن البزّار والطبراني في المعجم الكبير، ثم قال: ورجال البزّار ثقاتٌ.