سؤال وجواب (15): حقيقة الخلاف بين الشلمغاني والحسين بن روح
(الجمعة 13 ـ 11 ـ 2015م)
أخي العزيز، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إنّه الحَسَدُ وحبُّ الرئاسة، أعاذنا الله وجميعَ المؤمنين منهما؛ فمن الحَسَد قتل الأخُ (قابيل) أخاه (هابيل)؛ ومن حُبِّ الرئاسة كانت الفِتَن كلُّها بعد رسول الله الأكرم محمد(ص)، وهما لا يَدَعان صاحبهما حتّى يورداه موارد الهَلَكة.
الشلمغاني هو محمد بن عليّ، المكنّى بـ (أبي جعفر)، والمعروف بابن أبي العزاقر.
قال عنه النجاشي في (فهرست أسماء مصنِّفي الشيعة: 378 ـ 379): «كان متقدِّماً في أصحابنا، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الرديئة (الرديّة)، حتّى خرجَتْ فيه توقيعاتٌ، فأخذه السلطان وقتله وصلبه. وله كتبٌ، منها: كتاب التكليف، ورسالة إلى ابن همام، وكتاب ماهيّة العصمة، كتاب الزاهر بالحجج العقليّة، كتاب المباهلة، كتاب الأوصياء، كتاب المعارف، كتاب الإيضاح، كتاب فضل النطق على الصمت، كتاب فضائل (فضل) العمرتين، كتاب الأنوار، كتاب التسليم، كتاب البرهان والتوحيد، كتاب البداء والمشيئة، كتاب نظم القرآن، كتاب الإمامة الكبير، كتاب الإمامة الصغير…».
وقال عنه الطوسي في (الفهرست: 224): «له كتبٌ وروايات. وكان مستقيم الطريقة، ثمّ تغيَّر، وظهرت منه مقالاتٌ مُنْكَرة، إلى أن أخذه السلطان، فقتله، وصلبه ببغداد. وله من الكتب التي عملها في حال الاستقامة كتاب التكليف».
ووصفه الطوسي في (الرجال: 448) بأنّه غالٍ (أي من الغلاة).
ويظهر ممّا تقدَّم:
1ـ إنّه كان محبّاً للرياسة، فغاظه أن صار أبو القاسم الحسين بن روح نائباً ووكيلاً للإمام(عج)، فادَّعى الوكالة والنيابة أيضاً. وهي دعوى كاذبةٌ، فيها ضلالٌ وإضلال، ولهذا خرجَتْ التوقيعاتُ الكثيرة بذمِّه ولعنه والبراءة منه ومن أتباعه.
وممّا يدلّ على ذلك ما رواه الطوسي في (الغيبة: 307)، عن الحسين بن عبيد الله، عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود القمي(ر)، عن أبي علي بن همام قال: أنفذ محمد بن علي الشلمغاني العزاقري إلى الشيخ الحسين بن روح يسأله أن يباهله وقال: أنا صاحب الرجل، وقد أُمِرْتُ بإظهار العلم، وقد أظهرته باطناً وظاهراً، فباهلني، فأنفذ إليه الشيخ(رض) في جواب ذلك: أيُّنا تقدَّم صاحبه فهو المخصوم، فتقدَّم العزاقري، فقُتل وصُلب، وأخذ معه ابن أبي عون، وذلك في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة.
2ـ كانت له كتبٌ كثيرة. وقد ألَّف بعضها في زمن استقامته، ومنها: كتاب التكليف، كما قال الطوسي في الفهرست؛ وكتاب الوصيّة (أو الأوصياء)، كما قال الحُرّ العاملي في (وسائل الشيعة 25: 31).
ولكنْ روى الطوسي نفسه في كتاب (الغَيْبة: 408 ـ 409)، عن الحسين بن إبراهيم، عن أحمد بن عليّ بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد، عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد الحامدي البزّاز المعروف بغلام أبي عليّ بن جعفر المعروف بابن زهومة النوبختي ـ وكان شيخاً مستوراً ـ قال: سمعتُ روح بن أبي القاسم بن روح يقول: لما عمل محمد بن عليّ الشلمغاني كتاب التكليف، قال [الشيخ] يعني أبا القاسم(رض): اطلبوه إليّ لأنظره، فجاؤوا به، فقرأه من أوّله إلى آخره، فقال: ما فيه شيءٌ إلّا وقد رُوي عن الأئمّة إلّا موضعين أو ثلاثة، فإنّه كذب عليهم في روايتها، لعنه الله.
ويُستنتج من هذه الرواية أنّ الشكّ تطرَّق إلى قلب الحسين بن روح في مضمون كتاب التكليف، فطلبه وقرأه، ثمّ أمضاه إلاّ ثلاث روايات، ولعن صاحبه (وهو الشلمغاني) الكذّاب، ما يعني أنّ الشلمغاني قد ألَّف هذا الكتاب في حال انحرافه أو إرهاصات هذا الانحراف.
3ـ ممّا نُسب إلى الشلمغاني من مقولات مُنْكَرة أنّه كان يدّعي لنفسه الربوبيّة؛ وكانت له عقائد خاصّة به، ومنها: أن الله يحلّ في كلِّ إنسانٍ على قدره. والظاهر أنّه ممَّنْ اعتقد بالحلول؛ فقد قال النمازي في مستدركات علم رجال الحديث 8: 558، في ترجمة أمّ كلثوم بنت أبي جعفر العمري محمد بن عثمان: «…وهي التي اعتقد فيها بنو بسطام؛ بإضلال الشلمغاني، أن روح فاطمة الزهراء(عا) انتقلت إليها، كما يظهر ذلك في حكايتها لأبي القاسم الحسين بن روح».
وهكذا يتّضح أنّ أبا جعفر محمد بن عليّ الشلمغاني كان على المذهب الحقّ، ثمّ غلا، واعتقد بالباطل، وخالف الشريعة، يحمله على ذلك كلِّه حسدُه ومنازعته لوكيل الإمام(عج) الحسين بن روح في ما آتاه اللهُ من شرف هذه الوكالة، فتبرّأ منه الإمام(عج)، ولعنه، وطلب من الشيعة أن ينفضّوا عنه، وهكذا كان. نعوذ بالله من شرِّ أنفسنا، ومن حبّ الدنيا الدنيّة، والحمد لله ربِّ العالمين.
بارك الله بكم مولانا وأعاذنا وجميع المؤمنين من الحسد وحب الرئاسة…