الاستغاثةُ بغير الله عزَّ وجلَّ منطقٌ غريب عن منطق أهل البيت(عم)
(الجمعة 28 / 10 / 2016م)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
تمهيد
يعمد بعض المؤمنين اليوم للدعوة إلى بعض الصلوات والأذكار، زاعمين أنّها واردةٌ عن أهل البيت(عم)، من قبيل: صلاة الغياث، وصلاة الاستغاثة بالزهراء(عا). وفي المقابل يقول آخرون: إنّ مضمون هذه الصلوات والأذكار غريبٌ عن منطق أهل البيت(عم) في دعاء الله وحده لا شريك له، والاستغاثة به دون سواه. وكذلك هو حال ما يروِّجون له، ويوصون به، من الفَزَع عند الشدائد إلى تكرار نداء: يا صاحب الزمان أَغِثْنا، ويا صاحب الزمان أَدرِكْنا؛ أو التحرُّز من الأمراض والأخطار بهذا البيت من الشعر:
إنّي أريد أماناً يا ابن فاطمة |
مستمسكاً بيدي من طارق الزمن |
فما هو الصحيح في هذا المجال؟
صلاة الغياث في الميزان
أمّا (صلاة الغياث) فقد رواها الشيخ الطبرسي(548هـ)، معلَّقاً عن مولانا أبي عبد الله الصادق(ع) قال: إذا كانت لأحدكم استغاثةٌ إلى الله تعالى فليصلِّ ركعتين، ثمّ يسجد، ويقول: «يا محمد، يا رسول الله، يا عليّ، يا سيّد المؤمنين والمؤمنات، بكما أستغيث إلى الله تعالى، يا محمد يا عليّ أستغيث بكما، يا غوثاه بالله وبمحمد وعليّ وفاطمة ـ وتعدّ الأئمة ـ بكم أتوسَّل إلى الله تعالى»، فإنّك تُغاث من ساعتك إنْ شاء الله تعالى([1]).
والتعليق في الحديث هو حذف واحدٍ أو أكثر من الرواة من مبتدأ الإسناد.
وهنا لم يذكر الشيخ الطبرسي الواسطة بينه وبين الإمام الصادق(ع)، مع أنّ المدّة الفاصلة بينهما تزيد عن 350 سنة.
وعليه يكون هذا الحديث ضعيفاً سنداً، ولا يمكن الاحتجاج به، واعتباره مصدراً لتشريعٍ.
وقفةٌ نقديّة مع صلاة الاستغاثة بالزهراء(عا)
وأمّا صلاة الاستغاثة بالزهراء(عا) فقد نقل العلاّمة المجلسي(1111هـ) عن (قبس المصباح)، لسليمان بن الحسن الصهرشتي ـ وهو فقيهٌ من تلامذة الشيخ الطوسي(460هـ) ـ، قال: روى المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله(ع) قال: «إذا كانت لك حاجةٌ إلى الله، وضقْتَ بها ذَرْعاً، فصلِّ ركعتين، فإذا سلَّمتَ كبِّر الله ثلاثاً، وسبِّح تسبيح فاطمة(عا)، ثمّ اسجُدْ، وقُلْ مائة مرّةٍ: يا مولاتي فاطمة أغيثيني، ثم ضَعْ خدّك الأيمن على الأرض، وقُلْ مثل ذلك، ثمّ عُدْ إلى السجود، وقُلْ ذلك مائة مرّةٍ وعشر مرّات، واذكر حاجتك فإنّ الله يقضيها»([2]).
ونقل العلاّمة المجلسي أيضاً أنّ الشيخ إبراهيم الكفعمي رواها أيضاً في (البلد الأمين) بهذه الصيغة: «تصلّي ركعتين، فإذا سلَّمتَ فكبِّر الله ثلاثاً، وسبِّح تسبيح الزهراء(عا)، واسجُدْ، وقُلْ مائة مرّةٍ: يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني، ثمّ ضَعْ خدَّك الأيمن، وقُلْ كذلك، ثمّ عُدْ إلى السجود، وقُلْ كذلك، ثمّ ضَعْ خدَّك الأيسر على الأرض، وقُلْ كذلك، ثمّ عُدْ إلى السجود، وقُلْ كذلك مائة مرّة وعشر مرّات، واذكُرْ حاجتك تُقضَى».
وهنا نلاحظ أنّ الشيخ الصهرشتي روى هذا الحديث معلَّقاً عن المفضَّل بن عمر، الذي هو من أصحاب الصادق والكاظم والرضا(عم).
وهذه أوّل خَدْشةٍ في الإسناد.
كما أنّ المفضَّل بن عمر الجعفي ضعَّفه النجاشي قائلاً: «فاسد المذهب، مضطرب الرواية، لا يُعبَأ به، وقيل: إنّه كان خَطَّابيّاً، وقد ذكرت له مصنَّفات لا يعوَّل عليها…» ([3]).
وأورد الكشّي حوله رواياتٍ كثيرة، ذامّةً ومادحة([4]).
وفي الروايات المادحة ما هو صحيح السند، وبعضُها يفيد ترحُّم الإمام الكاظم عليه عقب إعلامه بوفاته.
ويبدو أنّ الروايات الذامّة له كلَّها صدرت عن الإمام الصادق(ع)، وأمّا الروايات المادحة فقد صدرت عن الإمام الصادق(ع)، وعن الإمامين الكاظم والرضا(عما). وهذا قد يشير إلى أنّ المفضَّل بن عمر تأثَّر في فترةٍ من حياته بالحركات الباطنية والمغالية، كالخَطَّابيّة، ولهذا طعن فيه الإمام الصادق(ع)، واتَّهمه بالكفر والشِّرْك، وذمَّه ذمّاً شديداً، لكنّه فيما بعد، وقبل وفاة الإمام الصادق(ع)، عدل عن اتّجاهه ذاك.
ولهذا لا بُدَّ من التحفُّظ من رواياته التي نقلها وهو في فترة الانحراف، وهي الروايات التي نقلها عن الصادق(ع) وتحتوي قضايا تتناسب مع ثقافة الغلوّ والباطنيّة، وأمّا رواياته عن الإمامين الكاظم والرضا(عما) فيؤخَذ بها.
وهذه الرواية ممّا نقله عن الصادق(ع)، فهل تتضمَّن ما يتناسب مع ثقافة الغلوّ؟
بعد التأمُّل في مضمون الرواية ـ وكذا رواية صلاة الغياث المتقدِّمة ـ نجد أنّها تتضمَّن بعض العبارات من قبيل: «يا محمد يا عليّ أستغيث بكما»، و«يا مولاتي فاطمة أغيثيني»، التي تتنافى فعلاً مع منطق الإسلام والقرآن وأهل البيت(عم)، الذي شهدناه يُفرِد الله وحدَه بطلب العَوْن والاستغاثة والدعاء، كما في قول مولانا زين العابدين(ع) في الدعاء المعروف بـ (دعاء أبي حمزة الثمالي): «يا مفزعي عند كربتي، ويا غَوْثي عند شدَّتي، إليكَ فزعتُ، وبكَ استغثتُ، وبكَ لُذْتُ، لا ألوذُ بسواكَ، ولا أطلب الفرجَ إلاّ منكَ ، فأَغِثْني، وفرِّجْ عنّي»([5]).
فحتّى لو لم يكن اعتقادُ الداعي بوجود تأثيرٍ مستقلٍّ لغير الله قائماً يبقى التوجُّه إلى غير الله بخطاب الاستعانة والاستغاثة غريباً عمّا ورد في الأَثَر الصحيح عن النبيّ وأهل بيته(عم). ومن الواضح أنّهم مصدر التشريع، واجبو الاتِّباع في ما صَحَّ عنهم.
وبما أنّ لغة الخطاب في هاتين الروايتين تختلف عن لغتهم المعهودة في ما صحّ عنهم ـ مع ضعف سندهما ـ فإنّنا نشكِّك في صدور هاتين الروايتين عن مولانا الصادق(ع).
رواياتٌ أخرى ضعيفة
ومثلُ هاتين الروايتين في الضعف ـ سَنَداً ومضموناً ـ جملةٌ من الروايات الأُخَر، ومنها:
1ـ رواية دعاء الكفاية، التي رواها الكليني، عن عدّةٍ من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن إسماعيل بن يسار، عن بعض مَنْ رواه قال: «إذا أحزنك أمرٌ فقُلْ في آخر سجودك: يا جبرئيل يا محمّد، يا جبرئيل يا محمّد ـ تكرِّر ذلك ـ، اكفياني ما أنا فيه؛ فإنّكما كافيان، واحفظاني بإذن الله؛ فإنّكما حافظان»([6]).
وهذا الإسناد ضعيفٌ؛ بسهل بن زياد الآدمي، الذي ضعَّفه النجاشي بقوله: «كان ضعيفاً في الحديث، غير معتمد فيه، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ والكذب، وأخرجه من قم إلى الريّ، وكان يسكنها»([7]). وإلى تضعيفه خلص السيد الخوئي أيضاً بعد مناقشة كلِّ ما أُقيم من أدلّةٍ على وثاقته.
وكذلك هو ضعيفٌ؛ بإسماعيل بن يسار الهاشمي، الذي ضعَّفه النجاشي بقوله: «ذكره أصحابنا بالضَّعْف»([8]).
وكذلك فيه مَنْ لم يُسمَّ، وبالتالي يكون مجهول الهويّة والحال، فلا تثبت وثاقته.
كما أنّ الحديث مضمَرٌ، فلا يُدرى مَنْ هو القائل؟ وهل هو المعصوم أو غيره؟! نعم، رواه الشيخ الحسن بن الفضل الطبرسي في (مكارم الأخلاق، تحت عنوان: (صلاة الكفاية)، معلَّقاً عن الصادق(ع) قال: تصلّي ركعتين وتسلِّم، وتسجد، وتثني على الله تعالى، وتحمده، وتصلّي على النبيّ محمد وآله، وتقول:…إلخ([9]).
وهو ضعيفٌ؛ للتعليق.
2ـ رواية دعاء الفَرَج، التي رواها أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري، عن أبي الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، عن أبي الحسين بن أبي البغل الكاتب، قال : تقلَّدتُ عملاً من أبي منصور بن الصالحان، وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري، فطلبني وأخافني، فمكثتُ مستتراً خائفاً، ثمّ قصدتُ مقابر قريش ليلة الجمعة، واعتمدتُ المبيت هناك للدعاء والمسألة، وكانت ليلة ريح ومطر، فسألتُ ابن جعفر القيِّم أن يغلق الأبواب، وأن يجتهد في خلوة الموضع؛ لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة، وآمن من دخول إنسان ممّا لم آمنه، وخفتُ من لقائي له، ففعل، وقفل الأبواب، وانتصف الليل، وورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع، ومكثتُ أدعو وأزور وأصلّي. فبينما أنا كذلك إذ سمعتُ وطأة عند مولانا موسى(ع)، وإذا رجلٌ يزور، فسلَّم على آدم وأولي العزم(عم)، ثم الأئمّة واحداً واحداً، إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان(عج)، فلم يذكره، فعجبتُ من ذلك، وقلتُ: لعلّه نسي، أو لم يعرف، أو هذا مذهبٌ لهذا الرجل. فلما فرغ من زيارته صلّى ركعتين، وأقبل إلى عند مولانا أبي جعفر(ع)، فزار مثل الزيارة، وذلك السلام، وصلّى ركعتين، وأنا خائفٌ منه؛ إذ لم أعرفه، ورأيته شابّاً تامّاً من الرجال، عليه ثيابٌ بيض، وعمامة محنَّك بها بذؤابة، ورداء على كتفه مسبَلٌ، فقال لي: يا أبا الحسين بن أبي البغل، أين أنتَ عن دعاء الفرج؟! فقلتُ: وما هو يا سيدي؟ فقال: تصلّي ركعتين، وتقول: يا مَنْ أظهر الجميل، وستر القبيح، يا مَنْ لم يؤاخذ بالجريرة، ولم يهتك الستر، يا عظيم المَنّ، يا كريم الصفح، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا منتهى كلّ نجوى، يا غاية كلّ شكوى، يا عون كلّ مستعين، يا مبتدئاً بالنعم قبل استحقاقها، يا ربّاه ـ عشر مرّات ـ، يا سيّداه ـ عشر مرّات ـ، يا مولياه ـ عشر مرّات ـ، يا غايتاه ـ عشر مرات ـ، يا منتهى رغبتاه ـ عشر مرات ـ، أسألك بحقّ هذه الأسماء، وبحقّ محمد وآله الطاهرين(عم)، إلاّ ما كشفت كربي، ونفَّست همّي، وفرَّجت عنّي، وأصلحت حالي، وتدعو بعد ذلك بما شئتَ، وتسأل حاجتك. ثمّ تضع خدّك الأيمن على الأرض، وتقول مائة مرة في سجودك: يا محمد يا عليّ، يا عليّ يا محمد، اكفياني؛ فإنّكما كافياي، وانصراني؛ فإنّكما ناصراي. وتضع خدّك الأيسر على الأرض، وتقول مائة مرة: أدركني، وتكرّرها كثيراً، وتقول: الغَوْث الغَوْث، حتّى ينقطع نفسك، وترفع رأسك، فإنّ الله بكرمه يقضي حاجتك إنْ شاء الله تعالى…إلخ([10]).
وهذا الإسناد ضعيفٌ؛ بأبي الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري؛ إذ لم يرِدْ له توثيقٌ في كتب الرجال، قديمها وحديثها، فهو مجهول الحال، وبالتالي لا تثبت وثاقته.
وكذا هو حال أبي الحسين بن أبي البغل الكاتب، حيث قال النمازي: «لم يذكروه»([11]). وعليه فهو مجهول الحال، ولا تثبت وثاقته.
3ـ رواية الدعاء عقيب صلاة الحجّة(عج)، التي رواها عليّ بن موسى بن طاووس بلا إسنادٍ([12]). والدعاء هو: «اللهمّ، عظم البلاء، وبرح الخفاء، وانكشف الغطاء، وضاقَتْ الأرض، ومنعت السماء، وإليك يا ربِّ المشتكى، وعليك المعوَّل في الشدّة والرخاء، اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد، الذين أمرتنا بطاعتهم، وعجِّل اللهمّ فرجهم بقائمهم، وأظهر إعزازه. يا محمّد يا عليّ، يا عليّ يا محمّد، اكفياني؛ فإنّكما كافياي. يا محمّد يا عليّ، يا عليّ يا محمّد، انصراني؛ فإنّكما ناصراي. يا محمّد يا عليّ، يا عليّ يا محمّد، احفظاني؛ فإنّكما حافظاي. يا مولاي يا صاحب الزمان ـ ثلاث مرّات ـ، الغوث الغوث الغوث، أدركني أدركني أدركني، الأمان الأمان الأمان».
وبما أنّ هذا الدعاء لا إسناد له فلا وثوق لنا بصدوره عن أهل البيت(عم).
ومن هذا المنطلق أدعو إخوتي وأحبّتي، المؤمنين والمؤمنات، إلى تجنُّب العمل بهذه الروايات المشكوكة، مهما كثُرت الدعوة إليها من هنا وهناك، ومهما صدر من الوصيّة بها؛ فإنّها دعواتٌ ووصايا من غير دليلٍ صحيح يُركَن إليه. مع الإشارة إلى أنّ في ما صحّ عنهم(عم) الكفاية، ألا وهو طلب الغَوْث والعَوْن من الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، فإنّه غَوْثُ مَنْ لا غَوْث له، ومنجى مَنْ لا منجى له، وملجأ مَنْ لا ملجأ له.
وفَّقنا الله وإيّاكم لما فيه خير الدنيا والآخرة، إنّه سميعٌ مجيب. وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.
**********
الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) الحسن بن الفضل الطبرسي، مكارم الأخلاق: 330 ـ 331.
([2]) المجلسي، بحار الأنوار 99: 254.
([4]) الكشّي، الرجال 2: 612 ـ 620.
([6]) الكليني، الكافي 2: 558 ـ 559، كتاب الدعاء، باب الدعاء للكَرْب والهَمّ والحزن والخوف، ح9.
([9]) الحسن بن الفضل الطبرسي، مكارم الأخلاق: 329.
([10]) محمد بن جرير بن رستم الطبري (أبو جعفر)، دلائل الإمامة: 552.