26 مارس 2023
التصنيف : حوارات
لا تعليقات
813 مشاهدة

القدِّيس والوليّ والقدرات العجائبية

بتاريخ: 6 / 3 / 2023، نشر الأخ والصديق العزيز الأستاذ طارق قبلان، في موقع رصيف raseef 22، تحقيقاً بعنوان: (القديس والوليّ في مخيال اللبناني… بين العجيب المدهش والعلم)، على الرابط:

https://raseef22.net/article/1092244-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%B3-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AC%D9%8A%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%87%D8%B4-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85

وقد تضمّن شيئاً ممّا جاء في حوارٍ خاصّ حول القدِّيس والوليّ وقدراته العجائبية في المخيال اللبناني، وإليكم نصُّه:

تشريك المادي والروحي

يؤكّد الأستاذ في الحوزة العلمية الشيخ محمد عباس الدهيني، أن الله يفيض الكرامات “على مَنْ هو أهلٌ لها”، لكنّه يفرّق “بين مقام الإمكان، ومقام الفعليّة”، متسائلاً إن كانت القداسة قد أعطيت “واقعاً وفعلاً لهذا الشخص أو ذاك”، عادّاً أن “هذا هو محلّ النقاش في أغلب هذه الدعاوى”.

يشدّد على أن “وجه الشبه بين (المعجزة) و(الكرامة) أن كليهما أمرٌ خارق ومغاير للأسباب المعتادة بين البشر”، لكن “غاية الأمر أن (المعجزة) هي ما يكون لإثبات نبوّة؛ وأما حينما يأتي بها أشخاصٌ آخرون كالأولياء الصالحين فتلك هي (الكرامة) التي يعجز عنها عموم البشر، ولكن من دون تحدٍّ بالإتيان بمثلها”.

لا يُبدي شكّاً في موت جسد الوليّ أو النبي، “وهو أمر مشهود معلوم لكل مَنْ رآهم… جثثاً هامدةً فارقتها الروح”، لكنّه يؤكّد أنهم “مطَّلعون بأرواحهم من حيث هم في عالم الأرواح”.

يستدرك على الاستفهام حول فعل الولي في الدنيا وهو في الآخرة، ليقول إنّ الوليّ الميت في “الواقع ليس في الآخرة، وإنما هو لا يزال في عالم البرزخ، وهو عالم وسط بين الدنيا والآخرة، وله خصوصياته التي تختلف عن كلا العالمين (عالم الدنيا وعالم الآخرة)؛ فقد جاء بذلك القرآن الكريم حيث قال: (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون…)”.

ويرى “أن تفاصيل الكرامات من الخفايا التي لا نعرفها، ولم يعد من السّهل أو المقبول تصديق هذه الدعاوى ببساطة، بل لا بدّ من الفحص والتدقيق في كلّ دعوى على حدة”.

يرفض دهيني أيّ “حالة تمّ فيها التشريك بين المادي والمعنوي”، ويدعو “مَنْ يريد إثبات الاستشفاء بتربة كربلاء (التربة الحسينية) مثلاً” إلى عدم تناول أيّ دواء “بل عليه (بعد إثبات مرضه المستعصي) أن يذهب بمرضه كلّه ليكون تحت القبة الحسينية، ويأكل فقط من تراب القبر وما حوله، ثمّ يستعرض للناس بعد ذلك، وهو في أتمّ الصحة وأسبغ العافية، حينها تثبت كرامة الشفاء بالتربة الحسينية”.

وحرصاً منّا على استكمال الفائدة نضع بين أيدي القرّاء الأعزّاء نصّ الحوار كاملاً:

[السؤال 1] على أيّ أساسٍ عقيديّ يقوم الإيمان بالقدِّيس أو الوليّ؟

[الجواب 1] يرتكز الإيمان بتمايز القدِّيس أو الوليّ عن سائر البشر على الإيمان بعلم الله المحيط، وقدرته المطلقة، وإرادته النافذة، واختياره الحكيم، فهو العالِم بمَنْ خلق، يعلم ما فعله وما لم يفعله بَعْدُ، يعلم كلَّ ما في ضميره، ولذلك ينزِّله المنزلة التي يستحقّها، ويجعل عنده ما يستحقّه من رسالةٍ أو وصايةٍ أو خلافةٍ أو ولايةٍ أو…، لا يمنعه من ذلك أحدٌ؛ لأنه القادر الذي يفعل ما يريد، وليس ذلك لغيره، وهو في كلّ ما يقوم به ينطلق من اللُّطف والحكمة، وهي وضع الشيء في موضعه، فهو يفيض هذه الكرامات والقُدُرات والطاقات على مَنْ هو أهلٌ لها، ولائقٌ بها، ومَنْ يُحسن الاستفادة منها، ولا تُخرجه عن جادّة الاعتدال والالتزام بأمر الله ونهيه، فلا يعتريه ـ بعد تزويده بهذه الأمور ـ كِبْرٌ أو عُجْبٌ أو غرورٌ، ولا يمارس طغياناً أو ظلماً وعدواناً.

إذن الإيمان بالقدِّيس أو الوليّ يتّكئ على أوّل الأُسُس العقائديّة، وهو الإيمان بالله وصفاته…

ولكنْ لا بُدَّ في التعاطي مع دعاوى القداسة والولاية من التفريق بين مقام الإمكان ومقام الفعليّة، فأن يمنح الله القداسة والولاية لأحدٍ من خلقه ـ وفق التصوُّر الذي ذكرناه ـ هو أمرٌ ممكنٌ ومقبولٌ، ولكنْ هل هو واقعٌ فعلاً مع هذا الشخص أو ذاك؟ فهذا هو محلّ النقاش في أغلب هذه الدعاوى…

[السؤال 2] وما هي الأعجوبة والمعجزة، وهل من فَرْقٍ؟

[الجواب 2] أعتقد أن مرادَكم بالأعجوبة هنا ما يسمِّيه المسلمون (الكرامة).

ووجه الشَّبَه بين (المعجزة) و(الكرامة) أن كلَيْهما أمرٌ خارقٌ ومغايرٌ للأسباب المعتادة بين البشر، ومن هنا كان مدعاةً للعَجَب (أعجوبة)، ويعجز البشر عن الإتيان بمثله؛ لعدم معرفتهم به، فهو من الأسرار الكَوْنيّة التي لم ولن يُسْمَح لعموم البشر بالاطِّلاع عليها.

غاية الأمر أن (المعجزة) هي ما يكون لإثبات نبوّة ورسالة بعض الأشخاص، فيأتي بها مدَّعو هذا المنصب الإلهيّ، متحدِّين غيرهم أن يأتوا بمثلها، كدليل وعلامةٍ على صدقهم في دعواهم النبوّة والرسالة والسفارة.

وأما حين يأتي بها أشخاصٌ آخرون، كأوصياء الأنبياء أو الأولياء الصالحون أو العلماء الأبرار، فتلك هي (الكرامة)، التي يعجز عنها عموم البشر، ولكنْ من دون تحدٍّ بالإتيان بمثلها، وإنما تكون فقط لإظهار وإبراز فضلهم وعلمهم وكرامتهم عند الله، وأنهم عبادٌ مُكْرَمون جزاءً بما كانوا يعملون.

[السؤال 3] هل القدِّيس أو الوليّ هو مَيْتٌ أم حَيٌّ؟

[الجواب 3] وأما حياة القدِّيس أو الوليّ (فضلاً عن النبيّ والوصيّ) فلا شَكَّ في موت جسده، وهو أمرٌ مشهودٌ معلومٌ لكلّ مَنْ رآهم على المغتسل، وفي النعش، وفي القبر، فهم جُثَث هامدةٌ فارقَتْها الروح، ولا يتحرَّكون، ولا يتنفَّسون، ولا يشعرون بحواسِّهم المادِّية المعروفة…

نعم، هم مطَّلعون بأرواحهم من حيث هم في عالم الأرواح (وهو عالَمٌ مجرَّد تحكمه قوانين مغايرةٌ لقوانين هذا العالم المادّي) على هذا العالم، وقد يُسْمَح لهم بزياراتٍ روحيّةٍ لا نعرف كيفيّتها وعددها تفصيلاً… وليس ذلك خاصّاً بالأنبياء والأوصياء والأولياء، بل الذين قُتلوا في سبيل الله كذلك أحياءٌ عند ربِّهم يُرْزَقون… وغاية الأمر أنهم يتفاضلون بعدد هذه الزيارات وكيفيّتها (مدى القُرْب الذي يُسْمَح لهم بالوصول إليه) وما يُسْمَح لهم بفعله أثناءها…

[السؤال 4] كيف يفعل في الدنيا، وهو في الآخرة، أم هو من طبيعةٍ لا تسري عليها قوانين الموت؟

[الجواب 4] أمّا كيف يفعل في الدنيا وهو في الآخرة؟ فالواقع أنه ليس في الآخرة فعلاً، وإنما هو لا زال في عالم البَرْزَخ، وهو عالَمٌ وَسَطٌ بين الدنيا والآخرة، وله خصوصيّاته التي تختلف عن كلا العالَمين (عالَم الدنيا وعالَم الآخرة)…

هو عالَمٌ قد لا نعرف عنه الكثير، وقد لا نعرف تفاصيل ما وصلنا من أوصافه وأحداثه ومَجْرَياته، ولكنّه عالَمٌ موجودٌ بحقٍّ، ولا يَسَعُنا إنكارَه، كما يحلو للكثيرين أن يفعلوا؛ فقد جاء بذلك القرآن الكريم حيث قال: (وَمِنْ وَرَائهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)…

[السؤال 5] كيف نحدِّد الأعجوبة، خصوصاً، ما يُعَدُّ اليوم بالآلاف، ويُنْسَب إلى قدِّيسٍ وآخر؟

[الجواب 5] قد تقدَّم الحديث أن المعجزة عامّةٌ، يتحدّى بها النبيُّ قومَه وغيرهم؛ ليثبت عجزهم عن الإتيان بمثلها؛ وليكون ذلك علامةً على تمايزه عنهم، وارتباطه بالله عَلاَّم الغيوب وعالم الأسرار كلِّها، وما اطِّلاعُ هذا الشخص على بعضها إلاّ لاصطفاء واختيار الله له لمهمّةٍ عظيمةٍ، هي النبوّة والرسالة… ولذلك فإن ثبوت المعجزة لا يحتاج إلى مزيد جُهْدٍ وعناءٍ، فالشهود عليها كثيرون، وتحفظها الأجيالُ لسنواتٍ وقرونٍ…

وأما الأعجوبة أو الكرامة فليس من الضروريّ أن تكون عامّةً، فقد تكون خاصّةً لشخصٍ، أو أمامَ مجموعةٍ صغيرة من الناس، ولا يتسنّى لهم؛ لسببٍ وآخر، أن يُفْصِحوا عمّا جرى، ثمّ يمر عليها الزمن، وعندما تُرْوَى من شخصٍ أو مجموعةٍ قليلة، بعد أزمنةٍ متطاولةٍ، فستكون موضع شَكٍّ وترديدٍ… هي ممكنةٌ، هذا صحيحٌ، ولا تتعارض مع عقيدةٍ راسخةٍ أو شريعةٍ ثابتةٍ، ولكنْ ليس هذا هو المهمّ، فالمهم حقّاً هو هل فعلاً وواقعاً حصلَتْ هذه الأعجوبة أو الكرامة؟ وما هي الأسباب الموضوعيّة المستوجبة لحصولها؟ ألا يكفي؛ لتمتين الإيمان وتشييد الدين وطمأنة المؤمنين، ما وقع من معاجز أو كراماتٍ في السابق؟! وفي الدين الإسلاميّ لا تزال المعجزةُ قائمةً، وهي القرآن الكريم (الذي وللأسف الشديد يخاف المسلمون من تحدّي الآخرين به، وكأنَّهم عمليّاً لا يؤمنون بإعجازه، فقد جعلوا هذه المعجزة باهتةً، وأفقدوها رَوْنَقَها الذي كان لها في صدر الإسلام)، ومع قيام المعجزة فما هي الحاجة إلى أعاجيب أو كراماتٍ هنا وهناك؟!

وبما أن تفاصيل هذه الأمور من الخفايا التي لا نعرفها، وبما أن الدعاوى لها قد كَثُرَتْ جدّاً، وبما أن أغلب هذه الدعاوى ليس صادقاً (حيث يخلطون مثلاً بين تناول الدواء الطبّي الحديث وبين قراءة ذكرٍ خاصّ أو الحضور في مكانٍ محدَّد أو تناول طعام مخصوص أو…، فما هو المؤثِّر الواقعي في النتيجة، وهي الشفاء مثلاً؟! لا يستطيع أحدٌ تحديد ذلك على وجه الدقّة؛ نتيجة الخلط بين جميع هذه الأمور)، بسبب هذه الأمور جميعاً لم يَعُدْ من السهل أو المقبول تصديق هذه الدعاوى ببساطةٍ، بل لا بُدَّ من الفحص والتدقيق في كلّ دعوى على حِدَةٍ، والاستماع لصاحب الدعوى، وعرض حالته على المختصّين، ولو تعدَّدوا، ولو استلزم ذلك وقتاً إضافيّاً ومصاريف زائدة؛ ليُصار بعدها إلى التصديق بالأعجوبة أو الكرامة… كما ينبغي قطع الطريق أمام المُدَّعين الكُثُر والمولعين بمثل هذه القصص والأحداث؛ لأسباب ودوافع مختلفة، وذلك من خلال رفض أيّ حالةٍ تمّ فيها التشريك بين المادّي والمعنويّ، فمثلاً: مَنْ يريد إثبات الاستشفاء بتربة كربلاء (التربة الحسينيّة) مثلاً لا يحقّ له أن يتناول أيّ دواءٍ أو يراجع أيّ طبيبٍ، بل عليه (بعد إثبات مَرَضه المستعصي) أن يذهب بمَرَضه كلِّه ليكون تحت القبّة الحسينيّة، ويأكل فقط من تراب القبر وما حوله، ثمّ يستعرض للناس بعد ذلك وهو في أتمّ الصحّة وأسبغ العافية، حينها تثبت كرامة الشفاء بالتربة الحسينيّة…

أما حين يتناول من الأدوية والعقاقير الطبِّية ما شاء الله، ويُراجع عشرات الأطبّاء والمستشفيات، ومع ذلك كلِّه يتناول شيئاً من التراب الكربلائيّ، فإذا شُفي قال: هذه كرامةٌ، فهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، هذا عدوانٌ على كرامة العلم والعلماء، وتوهينٌ وكفرٌ بمنتجات العلم الحديث، الذي هو من نِعَم الله على البشر…

[السؤال 6] ولماذا الأعجوبة؟

[الجواب 6] صحيحٌ أن الأعجوبة والكرامة قد تكون خاصّةً، ولكنها لا تكون بهذه السَّعَة؛ إذ لا داعي لها في ظلّ وجود معجزةٍ خالدةٍ، وهي القرآن الكريم، وفي ظل تمام الحجّة الإلهيّة وبلوغها للناس كافّةً.

هذه السعة والانتشار (المُدَّعى) للكرامات هو محلُّ الشكِّ والرَّيْبِ، بل رُبَما قلنا بأن هناك الكثير من القرائن التي تَدْعُونا لإنكاره…

[السؤال 7] ماذا يعني ربط الأعاجيب بالقضايا المادِّية والصحِّية؟

[الجواب 7] قد لا يكون لهذا الربط بالقضايا المادِّية والصحِّية معنىً محدَّدٌ، وإنما حياة الإنسان قائمةٌ في أغلبها على المادِّيات، فمن الطبيعيّ أن تكون هذه القضايا هي موضوعُ دعاواه، الصادقة أو الكاذبة.



أكتب تعليقك