5 يوليو 2013
التصنيف : حوارات
لا تعليقات
2٬362 مشاهدة

الطلاق وأسبابه

000-الدعاية لنشر نص حلقة الطلاق وأسبابه

حوارٌ مع سماحة الشيخ محمد دهيني

ضمن برنامج (آراء وأحداث)، على قناة الثقلين العالميّة، مع الإعلامي يعقوب علويّة

بتاريخ: الخميس 4 ـ 7 ـ 2013م، الساعة 8.45 مساءً

1ـ متى يصرح الإسلام بالطلاق؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

لقد ورد في الحديث النبويّ الشريف: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» (سنن ابن ماجة 1: 651)، وجاء عنه(ص) أيضاً: «أوصاني جبرئيل(ع) بالمرأة، حتّى ظننتُ أنه لا ينبغي طلاقُها إلاّ من فاحشة مبيِّنة» (الكافي 5: 512).

ولكنْ أحياناً؛ ونتيجةً لأسباب عديدة، ليس هاهنا محلّ الكلام المفصَّل فيها، تتحوَّل الحياة الزوجيّة، التي أرادها الله عزّ وجلّ حياةً ملؤها السكينة والمودّة والرحمة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، تتحوَّل إلى جحيمٍ، وينتقض الغرض، فتتبدَّل السكينة عذاباً، وتنقلب المودّة بُغْضاً وحِقْداً، وتتحوَّل الرحمة نقمةً. هنا يطرح الإسلام عدّة حلولٍ في سبيل الحفاظ على هذه الحياة الأُسَريّة المتماسكة، التي لا تخصّ المرأة والرجل وحدهما في أغلب الأحيان، وإنّما تمتدّ لتطال بآثارها السلبيّة أو الإيجابيّة الأطفال والأولاد أيضاً، يطرح الإسلام عدّة حلول، بدءاً من الحلّ الداخلي بين الزوجَيْن فيما إذا كان الخلاف حول بعض القضايا التي لا مجال لتدخُّل الآخرين في معالجتها في الحياة الزوجيّة، وهنا أباح الإسلام، وكحالةٍ استثنائيّة واضطراريّة، اللجوء إلى العنف المحدود والمقنَّن ـ أعني به الضرب، ولكنْ بشروط ووسائل خاصّة ـ، في ما يوحي لكلا الزوجين أن الأمور قد وصلت إلى مرحلة في غاية الخطورة، وأنّ الأمر سيخرج إلى العَلَن، وهو ما لا يرتضيه الطرفان عادةً: ﴿وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً﴾، وصولاً إلى تحكيم العقلاء من الأهل: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً﴾، وذلك كخطوة أخيرة في طريق الحلّ، وتكون الخطوة القادمة هي الانفصال لا غير؛ إذ أُعْدِمت جميع وسائل الحَلّ الممكنة.

في مثل هذه الحالات يسوغ الطلاق، ويكون محبوباً ومرغوباً شرعاً وعقلاً وعرفاً؛ لأنّه يكون السبيل الوحيد لخلاص كلا الطرفين من واقعٍ مأساويّ يعيشان فيه.

وأمّا أن يكون الطلاق سيفاً مسلَطاً فوق رقبة الزوجة أو الزوج أو طرحاً متداولاً عند كلّ نزاع أو خلاف، وهو أمرٌ طبيعيّ؛ إذ يستحيل التطابق الكلّي بين شخصين، وبالتالي ستكون بينهما اختلافات قد تنجرّ إلى خلافات، أن يطرح الطلاق عند كلّ نزاع أو خلاف فهذا يعني تهديداً مستمرّاً لكيان الأسرة، وسلامتها، ولا سيّما أنّ آثار الطلاق ستنعكس بلا ريب على الأولاد، مادّياً ومعنوياً.

وهذا يعني أيضاً أنّ الزوجَيْن حين أقدما على الزواج لم يكونا راشدَيْن بما فيه الكفاية. ومن هنا فنحن ندعو المقدِمين على الزواج من الشباب والفتيات إلى السعي الحثيث للاطّلاع على واقع الحياة الزوجيّة، بعيداً عن خيال العشّاق، ووَهْم الغرام، وثِقْل رتابة الحياة مع الأهل (حياة العزوبيّة)، فإنّ للحياة الزوجيّة تفاصيلها الكثيرة التي ينبغي لكلا الطرفَيْن دراستها بجدّيّة وواقعيّة، وبعد ذلك يكون القرار الحاسم في الدخول إلى مثل هذه الحياة أو لا. وأمّا أن يتمّ الإقدام العابث على هذه الحياة الجديدة؛ طمعاً في تغيير نمطٍ من الحياة، ثمّ عند أول منعطف تتمّ المطالبة بالعودة إلى الحياة السابقة، فهذا غايةُ الظلم للشريك (الزوج أو الزوجة)، وثمرات هذه الشراكة (الأطفال).

كما أنّه ينبغي للزوج والزوجة أن يعلما أنّه لا عودة حقيقيّة إلى الحياة السابقة، وإنّما هو نوعٌ ثالث من الحياة، لا أتصوَّر أنّه سيكون أقلَّ وطأةً ومشقّةً وألماً من الحياة الزوجيّة.

 

2ـ كيف ينظر الدين إلى ارتفاع نسبة الطلاق هذه الأيام؟

الحقيقة أنّ الطلاق هو هروبٌ من مشكلةٍ، بدلاً من إيجاد حَلٍّ لها. الإسلام يدعو إلى اعتماد الحَلّ العاقل والواعي لكلّ ما يعترض طريق الإنسان من مشاكل، ولا سيّما في الحياة الزوجية. وهذا يتطلَّب وعياً كاملاً وحقيقيّاً للحياة الزوجيّة؛ إذ يتصوَّر البعض ـ خطأً ـ أنّها مجرَّد حياة حبّ وغرام ولذّة، بعيداً عن أيّ مسؤوليّة، فإذا ما دخل تلك الحياة وجدها مختلفةً عمّا كان يتوقَّع، وأخذ يبحث عن مخرجٍ منها.

ولعلّ أهمّ أسباب انتشار الطلاق في مجتمعاتنا اليوم ثلاثة:

1ـ حالة الضيق المادّي التي يعاني منها الزوج ـ وهو المكلَّف بالإنفاق على الأسرة ـ في بداية الحياة الزوجيّة، وربما يستمرّ ذلك أحياناً. وهذا ما يدفع بعض الزوجات للتذمُّر وطلب الطلاق. وقد يكون طلبها محقّاً في بعض الأحيان؛ إذ يكون الزوج كسولاً، لا يريد أن يعمل شيئاً، ويريد أن يكتفي من العيش بأهونه.

2ـ كثرة انشغالات المرأة، ولا سيّما بعد دخولها مجال العمل خارج البيت؛ لحاجةٍ مادّيّة، أو لأنّهم أقنعوها وأوهموها ـ كَذِباً وزوراً ـ بأنّ شخصيّتها العلميّة والاجتماعيّة لا تكتمل إلاّ بذلك، عِلْماً أنّ «أمير المؤمنين(ع) كان يحطب ويستقي ويكنس [أي الأعمال التي هي خارج الدار]، وكانت فاطمة(ع) تطحن وتعجن وتخبز [أي تقوم بما هو داخل الدار]» (أمالي الطوسي: 661). وهنا سيحصل التقصير في تربية الأطفال، كما سيحصل التقصير في رعاية حقوق الزوج، أو أنّها تمُنّ على الزوج بمساهمتها في النفقة، حيث يقول الفقهاء: إنّها لا تجب عليها نفقة نفسها وعيالها، ومع ذلك هي تساهم فيها بمقدارٍ. كلُّ ذلك يؤدّي إلى مزيد من التشنُّج في الحياة الزوجيّة، فإذا ما طالبها الزوج بإيقاف العمل طالبَتْه بالطلاق.

3ـ إنّ بعضَ الأزواج حين يعجز عن حلِّ مشكلةٍ بينه وبين زوجته يسعى للهروب إلى الأمام، من خلال اللجوء إلى الزواج الثاني، وهو ما تطلق عليه النساء اسم (الخيانة الزوجيّة)، وهو ليس خيانةً؛ إذ إنّ تعدُّد الزوجات مباحٌ في الإسلام، لكنّه ليس مستحبّاً، كما يروَّج له هذه الأيّام، ولنا في ذلك كلامٌ مفصَّل يحتاج إلى حلقةٍ خاصّة. هذا الزواج الثاني، وربما الثالث، سيجعل الزوجة تعيش حالةً من الانكسار المعنوي، وفراغاً واضحاً، ما يدفعها إلى طلب الطلاق من الرجل، أو محاولة مَلْء هذا الفراغ بعلاقاتٍ اجتماعيّة، وربما عاطفيّة. وهنا مكمن الخطر الأكبر، في أنّ الزواج الثاني للرجل سيتسبَّب في وقوع المرأة في المعصية، أو في حالةٍ اجتماعيّة لا تُحْسَد عليها، وهي كونُها مطلَّقة، مع ما للمجتمع من نظرةٍ سلبيّة إليها، وإنْ كنّا لا نوافقه على هذه النظرة.

إذاً إنّ ارتفاع نسبة الطلاق هذه الأيّام ـ بحسب متابعتنا ـ مؤشِّر على غياب الوعي للحياة الزوجيّة على حقيقتها، وأنّها مسؤوليّة وتكليف. ومن هنا نهيب بكلِّ المقدِمين على الزواج أن يَعُوا طبيعة هذه الحياة جيِّداً، بعيداً عن الأوهام والأحلام والتصوُّرات الخاطئة.

3ـ ما هي الخطوات الكفيلة بتجنب الوصول الى المحظور؟

نذكر هاهنا جملةً من الأمور التي تدعو كلا الزوجَيْن للتفكير مليّاً قبل الإقدام على الطلاق:

1ـ تقوى الله عزّ وجلّ؛ فإنّ الطلاق ليس هَدْماً لحياة الزوج والزوجة فحَسْب، وإنّما هو تدميرٌ لحياة الأطفال أيضاً، وهو ظلمٌ لهم. فعلى الزوجَيْن مراعاة ذلك في قراراتهما.

2ـ التحلّي بالرُّشْد والوعي الكافيين للتعرُّف على طبيعة ومسؤوليّات الحياة الزوجيّة قبل الإقدام عليها، فمَنْ وجد نفسه قادراً على ذلك فليُقْدِمْ، وإلاّ فليُحْجِمْ؛ دَرْءاً للفساد.

3ـ اللجوء إلى الحلول الشرعيّة التي وضعها الله عزَّ وجلَّ لبعض المشاكل، وقد أشرنا إلى بعضها آنفاً.

4ـ رعاية الأهل، بحيث يتدخَّلون كمصلِحين حقيقيّين في أيِّ نزاع يحصل بين الزوجَيْن، ويحكمون بما أنزل الله، وما فيه الصالح العامّ.

5ـ كَسْر نمطيّة الحياة الزوجيّة ورتابتها، ولو بالبسيط غير المُكلِف من الأعمال، كالنزهات، والزيارات،….

6ـ الصبر على ما يظهر من الطرف الآخر بعد شروع الحياة الزوجيّة، فهذا هو قَدَر الإنسان في هذا المجال، وما عليه إلاّ أنْ يتكيَّف معه. وليتذكَّر الرجل دائماً قول رسول الله(ص): «خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي» (مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 555). وكذلك لتتذكَّر المرأة أنّ الإمام الكاظم(ع) يقول: «جهادُ المرأة حسنُ التبعُّل [أي أن تكون زوجة صالحة]» (الكافي 5: 507).

7ـ الاقتداء بالنبيّ(ص) وأهل البيت(ع) في عدم لجوئهم إلى الطلاق إلاّ في ما ندر. ولا يتصوَّرنّ أحدٌ أنّ حياتهم كانت خالية من المشاكل، فهم معصومون، ولكنّ زوجاتهم لسنَ كذلك، وإنّ بعضهنّ كنّ سيّئات الخُلُق والعِشْرة، ومع ذلك صبروا عليهنّ قربةً إلى الله تعالى. ولقد جاء عن النبيّ(ص) أنّه قال: «مَنْ صبر على سوء خُلُق امرأته أعطاه الله من الأجر ما أعطى أيّوب(ع) على بلائه؛ ومَنْ صبرَتْ على سوء خُلُق زوجها أعطاها الله مثل ثواب آسية بنت مزاحم» (مكارم الأخلاق: 214).



أكتب تعليقك