19 ديسمبر 2013
التصنيف : برامج تلفزيونية (إعداد وتقديم)
لا تعليقات
3٬136 مشاهدة

الحلقة الخامسة من برنامج (آيات) على قناة الإيمان الفضائية: الجنّة

005-دعاية برنامج آيات2

(بتاريخ: الاثنين 11 ـ 11 ـ 2013م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

مشاهدينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (آل عمران: 133) (صدق الله العليّ العظيم).

إنّها الجنّة التي وُعد بها المتّقون، والصابرون، والمحسنون، جزاءً وثواباً لما فعلوه من خيرٍ وصلاح في هذه الدنيا.

فالدنيا دار ممرّ، ودار عمل، والجزاء في الآخرة، فمَنْ عمل خيراً يره، ومَنْ عمل شرّاً يره.

فهنا الزرع، وهناك الحصاد.

ووجود يوم الجزاء والحساب ضروريّ، ويحكم به العقل السليم؛ إذ لا يمكن للعقل أن يقبل بتساوي المحسن مع المسيء، والصالح مع الطالح، والشريف الوفيّ مع اللصّ والخائن، وأن ينتهي كلٌّ منهما إلى حفرةٍ شبيهة بحفرة الآخر.

إذاً لا بدّ من يوم جزاء يُثاب فيه المحسنون، ويعاقب فيه المسيئون، ويوفّى كلُّ كائنٍ ما عمله، من خيرٍ أو شرّ.

أسئلةٌ كثيرةٌ تراودنا في الحديث عن الجنّة، منها ما هو أساسٌ، ومنها ما هو متفرِّعٌ عنه.

ونحاول في هذه الحلقة، وباختصارٍ، الإجابة عن بعض تلك الأسئلة، على ضوء ما ذكرته الآيات القرآنيّة الكريمة؛ إذ القرآن الكريم هو المصدر الأساس للعقيدة الحقّة، ومن تلك الأسئلة: هل يدخل غير المسلم إلى الجنّة؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال نستمع وإيّاكم إلى بعض الاستصراحات في هذا التقرير.

هل يدخل غير المسلم إلى الجنّة؟

لاحظنا في هذا التقرير أنّ بعض الناس يتصوَّرون أنّ الجنّة للمسلمين وحدهم، فلا يدخلها إلاّ مَنْ آمن برسول الله الأكرم محمد(ص)، ولو قبل موته بقليل؛ غير أنّ بعض الناس اشترط لدخول الجنّة أن يكون العمل صالحاً، وأن يحصل الخوف من الله.

وهنا نستحضر آيةً قرآنيّة كريمة تتحدّث عن مصير الناس المتديّنين، فتقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

وفي هذه الآية إشارةٌ واضحةٌ إلى أنّ اليهود والمسيحيّين والصابئة يدخلون الجنّة، بشرط تحقُّق الإيمان والعمل الصالح منهم.

ونقول: صحيحٌ أنّ الدين عند الله الإسلام، ديناً واحداً لا بديل له ولا عوض عنه، ولكنّ المقصود بالإسلام هنا ليس ما جاء به النبيّ محمد(ص) فحَسْب، بل المقصود مطلقُ التسليم لله سبحانه وتعالى، والذي يصدق على الإيمان والالتزام بما جاء به كلُّ نبيٍّ من أنبياء الله في عصره، فمَنْ آمن بنوح(ع) والتزم بتعاليمه هو مسلمٌ، ومَنْ آمن بإبراهيم(ع) والتزم بشريعته في عصره فهو مسلمٌ، وكذلك مَنْ آمن والتزم بما جاء به موسى وعيسى(عما). ولكنْ لكلّ شريعة وقتُها الخاصّ، وبعده تُنسخ بشريعةٍ أخرى، ويصبح العمل بالشريعة السابقة عملاً باطلاً لاغياً، لا قيمة له، ولا ثواب عليه. فمَنْ آمن والتزم بشرائع الأنبياء السابقين في عهدهم فهو من الناجين، بل الفائزين يوم القيامة بجنّة النعيم. وبما أنّ الرسالة الإسلاميّة التي جاء بها نبيّنا محمد(ص) هي خاتمة الرسالات وآخرها، وقد نَسخت ما قبلها، فلم يعُدْ العمل بما تقدّم عليها سائغاً، ولم يعُدْ العامل بها مثاباً. ومن هنا نعرف أنّ الجنّة ليست للمسلمين وحدهم، بل يدخل إليها اليهوديّ والنصرانيّ والصابئة ما داموا قد التزموا بما جاءت به شريعتهم في عصرها، وأمّا اليوم فالجميع مكلَّفٌ باتّباع والتزام رسالة الإسلام، والتشريع الذي جاء به خاتم الأنبياء محمد(ص)، ومَنْ لم يلتزم فلن يكون بمنأىً من العذاب، إلاّ مَنْ خالف جهلاً وقصوراً، وقليلٌ ما هم، فأولئك مُرْجَون لأمر الله؛ إمّا يعذِّبهم؛ أو يتوب عليهم، فإنّ عفا عنهم تكون الجنّة مصيرَهم، برحمة الله ولطفه وعفوه وغفرانه.

فإذا ما دخل هؤلاء الجنّة فهل سيدخلون مكاناً واحداً أو سيدخلون أمكنةً متعدِّدة، لكلٍّ مقامه ودرجته؟ وما الذي سيجدونه في الجنّة من نعيم؟ نستمع وإيّاكم إلى ما جاء في هذا التقرير، ونتابع.

ما هي مواصفات الجنّة؟

نقرأ في الآية الكريمة، وهي تصف الجنّة التي أُعدّت للمتّقين: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾. وقد وصلت هذه الآيةُ مسامعَ ملك الروم هرقل، فأرسل رسولَه إلى النبيّ(ص)، متسائلاً: إذا كانت الجنّة عرضها السماوات والأرض، فأين النار التي تخوّفنا بها إنْ عصينا وأشركنا؟ فقال رسول الله: سبحان الله، فأين الليل إذا جاء النهار؟ أي إنّ لكلٍّ مكانه.

والظاهر أنّ هذه الآية تشير بالكناية إلى سعة الجنّة طولاً وعرضاً، فهي واسعةٌ فسيحة، وفيها من الخيرات والنِّعَم والمأكولات والمشروبات ما لذّ وطاب، وبعبارةٍ مختصرة يصفها رسول الله(ص) فيقول: فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

وهذا ما ذكرته آياتٌ قرآنيّة عديدة في بيانها لما في الجنّة من النعيم المادّي: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾.

وفيها السكينة والطمأنينة والرضا، ليبلغ الجزاء بعد ذلك كماله في رضوان الله تعالى، وهو الجزاء المعنويّ، الذي يناله عباد الله المقرَّبون: ﴿وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

وهنا أودّ الإشارة إلى ما يتناقله بعض المؤمنين من أنّ جبرئيل استأذن الله تعالى أن يسمح له بالطيران فوق الجنّة، فطار حتّى تعب وخارت قواه، فسأل الله أن يمدّه بالقوّة، فأمدّه، وهكذا عدّة مرّات، حتّى رأى جاريةً قرب قصرٍ، فسألها: مَنْ أنتِ؟ ولمَنْ هذا القصر؟ فأجابته: أنا جاريةٌ لفلان المؤمن، وهذا قصرٌ من قصوره، وكلّ ما قطعتَه حتّى الآن هو نصيبُه في الجنّة.

أيّها الأحبّة، اللهُ قادرٌ أن يمنح المؤمن أكثر وأكبر من هذا، ولكنْ لنكُنْ واقعيّين في ما نقصّه ونرويه ونعتقده؛ إذ ما حاجة مؤمنٍ إلى هذه المساحات الواسعة، التي لن يصل إليها إلاّ بقوّةٍ أكبر وأعظم من قوّة جبرئيل(ع)!!!

وفي الحديث عن الجنّة نستحضر ما نسمعه من أنّ للجنّة درجاتٍ ومراتب، فهل هذا صحيح؟

نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾؛ وكذلك قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللهِ﴾؛ وكذلك قوله عزَّ من قائل: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾.

وفي الكافي، بسندٍ ضعيف، عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع) أنّه قال: «…إنّ درجات الجنّة على قدر آيات القرآن، يُقال لقارئ القرآن: اقرأ وارقَ، فيقرأ ثم يرقى».

وهذا يعني أنّ للجنّة درجات ومراتب، وليست كلّها درجةً واحدة.

ونسمع أيضاً أنّ للجنّة أبواباً عديدة، وأنّ بعض الأئمّة(عم) يقفون على باب الجنّة ليدخلوا منه بعض الأصناف من الناس؛ فالإمام جعفر بن محمّد الصادق(ع) يقف على بابٍ من أبواب الجنّة ليدخل الفقهاء والعلماء؛ والإمام الحسين(ع) يقف على باب آخر ليدخل قرّاء العزاء، وهو يدخلهم بغير حساب، ما جعل بعض العلماء يقرأ العزاء ليكون في عداد هؤلاء، فهل يصحّ هذا؟

أيّها الأحبّة، نحن نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الأَبْوَابُ﴾؛ وكذلك قوله تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾.

إذاً للجنّة أبوابٌ عديدة يدخل منها النبيُّون، والصدّيقون، والشهداء، والصالحون، والمتّقون، والصابرون، والمحسنون، فلكلٍّ درجته ومقامه ومرتبته، التي لا يتجاوزها إلى غيرها، ولا يستقرّ إلاّ فيها.

وأمّا تلك القصص فما هي إلاّ أضغاث أحلام، وأساطير. فالجنّة للمؤمن المطيع العامل صالحاً، والأئمّة لا يعملون بمزاجهم ووفق أهوائهم، ولحسابهم الشخصي، فهم لا يُدخلون الجنّة إلاّ مَنْ ارتضاه الله، وكان حسابه صافياً، وهيهات هيهات أن تُعطى الجنّة مكافأةً على خدمة شخصيّة لهذا الإمام أو ذاك، فكأنّ الحسين(ع) يمنح الجنّة لمَنْ يَبكيه أو يُبكي الناس عليه! وكأنّ الصادق(ع) يعطي الجنّة لمَنْ يروِّج لعلومه! أيُّ كلامٍ هذا الكلام؟!

الأئمّة عبادُ الله المكرَمون، لا يسبقونه بالقول، ولا يشفعون إلاّ لمَنْ ارتضى، وهم من خشيته مشفقون، وليس في حسابهم أبداً أن يستأثروا ببعض أبواب الجنّة، وتوزيع الهدايا والمكافآت على مَنْ تقرَّب إليهم ما دام غير قريبٍ من الله، ومَنْ تقرَّب إلى الله مطيعاً غير عاصٍ، ورضيه الله، فإنّه يدخل من أيّ أبواب الجنّة يشاء، ويسهَّل أمره، وهذا ما دلَّت عليه رواياتٌ كثيرة، كما في قوله(ص): «لا يلقى الله عبدٌ لم يشرك بالله شيئاً، ولم يتندَّ بدمٍ حرام، إلاّ دخل من أيّ أبواب الجنة شاء».

وعن مولانا جعفر بن محمد الصادق(ع) أنّه قال: «مَنْ أقام فرائض الله، واجتنب محارم الله، وأحسن الولاية لأهل بيت نبيّ الله، وتبرّأ من أعداء الله عزَّ وجلَّ، فليدخل من أيّ أبواب الجنّة الثمانية شاء».

وعن الصادق(ع) أنّه قال: «إذا صلَّت المرأة خمساً، وصامت شهراً، وأطاعت زوجها، وعرفت حق عليّ(ع)، فلتدخل من أيّ أبواب الجنّة شاءت».

إذاً فلا معنى للتفصيل بين باب الحسين(ع) وباب الصادق(ع)، وإلاّ فأين أبوابُ بقيّة الأئمّة(عم)؟!

ولمّا كان عرض الجنّة السماوات والأرض فقد ذهب بعض العلماء إلى أنّها لم تُخلق بعدُ وإنّما ستخلق يوم القيامة، وبالتالي فإنّ ما دخل إليه آدم وحوّاء ثمّ خرجا منه، وما تسكنه روح المؤمن في البرزخ، هو جنّةٌ أخرى، غير جنّة الخلد التي وُعد المتّقون.

فهل من دليلٍ على هذا؟ قبل استنطاق القرآن الكريم في ذلك نستمع وإيّاكم إلى هذا التقرير، ثمّ نواصل.

هل الجنّة مخلوقةٌ أم ستخلق؟

تعارضت الروايات عن أهل البيت(عم) في بيان حقيقة جنّة آدم(ع):

ففي بعضها أنّه سُئل أبو عبد الله الصادق(ع) عن جنّة آدم(ع)؟ فقال: «جنّةٌ من جنان الدنيا، تطلع فيها الشمس والقمر، ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبداً».

وفي بعضها أنّه قيل للرضا(ع): إنّ يونس [أحد أصحاب الإمام(ع)] يقول: إنّ الجنّة والنار لم يُخلقا، قال: فقال: «ما له لعنه الله، فأين جنّة آدم؟». وفي رواية أخرى: «كذب فأين جنّة آدم؟».

وهنا نرجع إلى القرآن الكريم؛ بصفته حَكَماً صادقاً في مثل هذه الحالات.

ومن خلال التأمل في الآيات القرآنيّة التي تتحدّث عن خلق آدم وحوّاء، وإسكانهما في (الجنّة): ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا﴾، وفي آية أخرى تذكر صفات تلك الجنّة: ﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَنْ لاَ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى﴾، نعرف أنّ الجنّة التي أُدخل آدم وحوّاء إليها، وأُخرج الشيطان منها، هي جنّةٌ سماويّة، لا أرضيّة؛ للقرائن التالية:

1ـ لقد كان العصيان سبباً لخروج الشيطان من الجنّة، وهذا يعني أنّها لا تقبل العصيان، ولا التكبُّر: ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا﴾.

2ـ خاطب الله سبحانه وتعالى آدم(ع) حين أراد أن يهبطه إلى الأرض بقوله: ﴿اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾، وهذا يعني أنّ تلك الجنّة لا عداوةَ فيها.

3ـ قال عزَّ وجلَّ مخاطباً آدم(ع) لمّا أسكنه الجنّة: ﴿يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَنْ لاَ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى﴾، وهذا يعني أنّ تلك الجنَّة موطنُ سعاداتٍ، وموطنٌ للاعتدال الدائم.

هذه الأمور كلُّها تدلّ على أنّ الجنّة الآدميّة لم تكن جنّةً من جنان الدنيا؛ فإنّ جنان الدنيا ليست خاليةً من الكِبْر والعداوة والشقاء. كما أنّ الخروج من الجنّة الأرضيّة ليس ذا قيمةٍ، كما هي حال الدخول فيها، فها هم الأغنياء في جنانٍ أرضيّةٍ، والحال أنّ القرآن يصف تلك الجنّة بصفاتٍ كماليّةٍ، ويرى دخولها كمالاً، والخروجَ منها ذِلّةً.

فالمتحصَّل أنّ الجنّة الآدميّة جنّةٌ سماويّةٌ، لا أرضيّة. وليس بعيداً أن تكون هي نفسها جنّة الخُلد التي وعد المتقّون. وهي نفسها الجنّة التي شاهدها رسول الله(ص) في معراجه إلى السماء.

وأمّا الخروج من تلك الجنّة بعد الدخول إليها فليس غريباً؛ إذ حتّى يوم القيامة قد يخرج بعض الناس من الجنّة بمشيئة الله تعالى، وهو قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



أكتب تعليقك