23 ديسمبر 2013
التصنيف : تعليقات لتصحيح الاعتقادات، منبر الجمعة
لا تعليقات
5٬585 مشاهدة

كيف يكون تقبيل عتبات المشاهد المشرَّفة؟

2016-09-23-%d9%85%d9%86%d8%a8%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%85%d8%b9%d8%a9%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%aa%d9%82%d8%a8%d9%8a%d9%84-%d8%b9%d8%aa%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b4%d8%a7

002-3-copy

(بتاريخ: الأربعاء 25 ـ 12 ـ 2013م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

تمهيد: تقبيل العَتَبات بين الشعيرة والبِدْعة

كثر في الآونة الأخيرة الحديث بين العلماء عن حكم تقبيل العتبات في المشاهد الشريفة لأئمّة أهل البيت(عم):

فمن قائلٍ بأنّ الأفضل اجتناب تقبيل هذه العتبات؛ لئلاّ يتوهَّم المخالفون لمذهبنا أنّنا نسجد للإمام المعصوم(ع).

وذهب آخرون إلى أنّ تقبيل العتبات ليس مجرَّد عادةً، وإنّما هي شعيرةٌ منصوصةٌ، ونقلوا روايةً عن مولانا الصادق(ع)، وأنّه أمر في زيارة جدِّه أمير المؤمنين(ع) فقال: «قبِّلْ عتبتَه، ثمّ قدِّم رجلك اليمنى قبل اليسرى»([1]).

وقد أقرّ البعض في كلمةٍ له بعدم وجود نصٍّ يدلّ على استحباب تقبيل العتبات، غير أنّه ادَّعى أنّ سواد الشيعة (أي غالبيّتهم) يقومون بذلك، ونقل عن الرحّالة ابن بطّوطة أنّه شاهد في رحلته الشيعةَ يقبِّلون عتبة المشهد، وهي من الفضّة([2]).

فهل توجد بالفعل مثل هذه الرواية المنسوبة إلى الإمام الصادق(ع)؟ وهل هي صحيحةٌ سنداً؟ وما هو معناها؟

وهل قامت سيرة الشيعة وعلمائهم على الانحناء على هيئة الساجد لتقبيل العتبات في المشاهد المشرِّفة؟

حول الرواية، سنداً ودلالةً

قال الشيخ الكفعمي في المصباح: الفصل الحادي والأربعون: «في الزيارات: وهي مجموعةٌ من كتبٍ متعدِّدة، ومظانّ مُبْتَدَرة [أي متسارَعٌ إليها، يعني مأخوذة على عجلٍ، ومن دون تحقيق] ونبدأ بزيارة سيّد البشر…، ونبدأ بذكر الاستيذان، فإذا أردتَ الدخول على النبيّ(ص) أو أحد مشاهد الأئمّة(عم) فتقول: اللهمّ إنّي وقفتُ على بابٍ من أبواب بيوت نبيِّك صلواتك عليه وآله…، ثم قبِّل العتبة وادخُلْ، وقُلْ: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله(ص)…»([3]).

ومن الواضح أنّه لا مصدر محدَّداً وموثوقاً لهذه الرواية، كما صرَّح الكفعمي نفسه. وعليه فهي روايةٌ ضعيفةٌ سنداً.

وقال العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار: «زيارةٌ أخرى: رواها المفيد والسيد والشهيد وغيرهم رضي الله عنهم عن صفوان، واللفظ للمفيد، قال: سألتُ الصادق(ع)، فقلتُ: كيف تزور أمير المؤمنين(ع)؟ فقال: يا صفوان، إذا أردتَ ذلك…، ثم قبِّل العتبة، وقدِّمْ رجلك اليمنى قبل اليسرى، وادخُلْ وأنتَ تقول: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله(ص)…»([4]).

وهذه الرواية أيضاً غير معلومة المصدر الأوّل المتَّصِل بعصر النصّ، عصر الأئمّة(عم)، وعليه فهي روايةٌ ضعيفةٌ سنداً.

وقال العلاّمة المجلسي أيضاً، في موضعٍ آخر: «وأقول: وجدتُ في نسخةٍ قديمة من مؤلَّفات أصحابنا ما هذا لفظه: استيذان على السرداب المقدَّس والأئمّة(عم): اللهمّ إنّ هذه بقعةٌ طهَّرتها، وعقوةٌ شرَّفتها…، ثم قبِّلْ العتبة، وادخُلْ خاشعاً باكياً، فإنَّه الإذنُ منهم صلوات الله عليهم أجمعين»([5]).

ولا يُدرى هل هو نصُّ رواية أو من تأليف بعض الأصحاب، وعليه فلا اعتبار له.

والمتحصِّل أنّه ليس من رواية صحيحة سنداً تتضمَّن الأمر بتقبيل العتبات في المشاهد الشريفة. وعليه فلا يمكن الجزم، بل ولا الظنّ المعتَبَر، بأنّ هذا الأمر منصوصٌ عليه في روايات أهل البيت(عم).

نعم، يُحتمَل أن يكون ذلك صادراً منهم. فلو كان صادراً فما هو معناه؟ وهل يعني هذا ترخيصاً في الانحناء على هيئة الراكع لتقبيل العتبات؟

معنى العَتَبة

ليس في هذه الروايات ـ على فرض صدورها ـ أكثر من الأمر بتقبيل (العَتَبة)، فما هي (العتبة)؟ هل هي هذه الرخامة أو القطعة الموضوعة على الأرض فحَسْب، بحيث لا يتحقَّق تقبيلُها إلاّ بالانحناء على هيئة السجود؟!

الظاهر أنّ عنوان (عتبة الباب) يطلق على الإطار المربَّع الذي يوضع في فتحة الباب، ويكون من الخشب أو المعدن، وكلُّه يُسمَّى (عتبة الباب).

ويشير إلى ذلك ما أخرجه محمد بن يعقوب الكليني [وهو ثقةٌ جليل] في (أصول الكافي)، عن عليّ بن إبراهيم [القمّي، وهو ثقةٌ]، عن محمد بن عيسى [مردَّد بين ابن عبد الله بن سعد الأشعري وابن عبيد اليقطيني، وكلاهما ثقةٌ]، عن موسى بن القاسم البجلي [وهو ثقةٌ]، عن عليّ بن جعفر [وهو ثقةٌ جليل] قال: «جاءني محمد بن إسماعيل وقد اعتمرنا عمرة رجب ونحن يومئذٍ بمكّة، فقال: يا عمّ، إنّي أريد بغداد، وقد أحببتُ أن أودِّع عمّي أبا الحسن ـ يعني موسى بن جعفر(ع) ـ، وأحببتُ أن تذهب معي إليه، فخرجتُ معه نحو أخي، وهو في داره التي بالحوبة، وذلك بعد المغرب بقليلٍ، فضربتُ الباب، فأجابني أخي، فقال: مَنْ هذا؟ فقلتُ: عليّ، فقال: هوذا أخرج ـ وكان بطيء الوضوء ـ، فقلت: العجل، قال: وأعجل، فخرج وعليه إزارٌ ممشَّق قد عقده في عنقه حتّى قعد تحت عتبة الباب…»([6]).

والرواية صحيحة السند، وتدلّ على أنّ عنوان (عتبة الباب) يطلق على كلِّ الإطار المربَّع، وإلاّ فلا معنى لقوله: «حتّى قعد تحت عتبة الباب».

ويشير إلى ذلك أيضاً ما أخرجه شاذان بن جبرئيل في (الروضة في فضائل أمير المؤمنين)، من حديث خولة الحنفية، حيث قال: حدَّثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد المدني، قال: حدَّثني الحسين بن عبد الله البعرمي بالبصرة، قال: حدَّثني عبد الله بن هشام، عن الكلبي، قال: حدَّثني مهران بن مصعب المكّي، قال: «كنّا عند أبي العباس بن سابور المكّي فأجرينا حديث أهل الردّة، فذكرنا خولة الحنفيّة، ونكاح أمير المؤمنين(ع) لها، فقال: أخبرني عبد الله بن الخير الحسيني قال: بلغني أنّ الباقر(ع) قد كان جالساً ذات يوم، إذ جاءه رجلان، فقالا: يا أبا جعفر، ألستَ القائل: إنّ أمير المؤمنين(ع)…، فقالت: أقسمتُ بالله، وبمحمّد رسول الله(ص)، أن لا يملكني ويأخذ برقبتي إلاّ مَنْ يخبرني بما رأت أمّي، وهي حاملة بي؟ وأيّ شيء…، فقالت: صدقتَ، فقال(ع): إنّه كذلك، وبه قد أخبرني ابن عمّي رسول الله(ص)، فقالت: ما العلامة التي بيني وبين أمّي؟ فقال لها: لمّا وضعَتْكِ كتبَتْ كلامَكِ والرؤيا في لوحٍ من نحاس، وأودعته عتبة الباب»([7]).

ومن الواضح أنّ اللوح لا يعلَّق على القسم السفليّ من ذلك الإطار المربَّع، وإنَّما يعلَّق على أحد الجوانب الثلاثة (العلويّ؛ أو الذي على اليمين؛ أو الذي على اليسار)؛ ليقرأه الداخل والخارج.

والمتحصِّل أنّ الالتزام بما جاء في هذه الروايات ـ على فرض صدورها ـ يتحقَّق بتقبيل أحد الجانبين: الأيمن أو الأيسر، أثناء الدخول إلى حيث شُبّاك الضريح.

ما هي سيرة الشيعة وعلمائهم؟

وقد يقول قائلٌ: ما المانع من تقبيل العتبة السفليّة؟

والجواب: إنّه إذا اشتبه علينا مفهومٌ في روايةٍ ما فيمكننا التوصُّل إلى معناه من خلال التأمُّل في سيرة المتشرِّعة المتَّصلة، حيث من المفروض أنّهم يجرون على ما تلقَّوه جيلاً من جيل على أنّه الحكم الشرعيّ الوارد والمطلوب في الرواية.

وهنا نسأل: هل قامت سيرة الشيعة وعلمائهم على الانحناء على هيئة الساجد لتقبيل العتبات في المشاهد المشرِّفة؟

والجواب بالنفي طبعاً؛ فهذا غير مشاهَدٌ منهم. بل تُنقَل بعض القصص لتأييد تقبيل العتبات، حيث كان يقبِّلها عالمٌ جليل، إلاّ أنّه يمكن أن نستكشف من خلالها سيرةَ المتشرِّعة، وهي على خلاف ما يقوم به ذلك العالِم، وبالتالي لا يعدو مسلكُه وفعلُه أن يكون رأياً شخصيّاً لا حجّيّة له على سائر المكلَّفين.

فقد نقل الشيخ عبد الله المامقاني في إزاحة الوسوسة عن تقبيل الأعتاب المقدَّسة، عن والده، أنّ الفاضل الدَّرْبَنْدي قال للشيخ الأنصاري: «إنَّ فعلك عند الشيعة حجّةٌ، فإذا زرتَ قبور الأئمّة(عم) فقبِّلْ أعتابهم؛ ليقتدي بكَ الشيعةُ، فأجاب الشيخ: إنِّي حين التشرُّف إلى زيارة أبي الفضل(ع)، فضلاً عن الأئمّة(عم)، أقبِّل عتبته المقدَّسة؛ لأنّها مُثخَنةٌ بأقدام الزائرين، فضلاً عن أنّها عتبة أبي الفضل(ع)»([8]).

وممّا نقله نعرف أنّ ديدن الشيعة وسيرتهم لم تكن على تقبيل العتبات السفليّة، ولهذا طلب الدَّرْبَنْدي من الشيخ الأنصاري أن يقبِّل الأعتاب السفليّة، فأخبره بأنّه يفعل ذلك، ولكنّ ذلك لم يكن معروفاً ولا شائعاً، حتّى أنّ الدَّرْبَنْدي نفسه لم يشاهده من أحدٍ، ولم يعرف بأنّ الشيخ الأنصاري يقوم بذلك.

وأعتقد أنّ حال الدَّرْبَنْدي غنيٌّ عن التعريف في اختراع كثيرٍ من الأمور. وفي كتابه (إكسير العبادات في أسرار الشهادات) ما يغنينا عن التفصيل في هذا المقام.

ﻭﻳﺆكِّد كون تقبيل العتبات السفليّة رغبةً شخصيّةً منه اقتراحه ﻋﻠﻰ الشيخ ﺍلأﻧﺼﺎﺭﻱ أﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﺘﻘﺒﻴﻞ ﺍﻟﻌﺘﺒﺎﺕ؛ ﻟﻴﻘﺘﺪﻱ ﺑﻪ ﺍﻟﺸﻴﻌﺔ، ولو كان هناك نصٌّ فلا ضرورة لكلّ ذلك؛ إذ يكفي أن ينقلوا الرواية للشيعة؛ ليلتزموا بذلك تعبُّداً.

النتيجة

ممّا تقدَّم يتَّضح أنّ تقبيل العتبات في المشاهد الشريفة ليس إلاّ عادةً جرى عليها سواد الشيعة، وهي سيرة كبار علماء الطائفة الإماميّة أيضاً.

غير أنّ المراقبة الدقيقة لسيرة علماء الطائفة وسواد الشيعة (أي الأغلبيّة منهم) تُوصِلنا إلى اطمئنانٍ بأنّهم لا ينحنون على هيئة الساجد لتقبيل العتبات، فهذا ما لم نشاهده من أيِّ مرجعٍ ممَّنْ شاهدناهم في قم المقدَّسة مثلاً. بل لم يكن عادة السواد الأعظم من الشيعة، وإنّما هو فعل قلّةٍ قليلة منهم، ويمكن اعتبارها من الشاذِّ النادر، الملفِت للأنظار، والباعث على الاستغراب والاستهجان.

وعليه يترجَّحُ عندنا أنّ الثابت والمشاهد من تقبيل كبار علماء الإماميّة والسواد الأعظم منهم لعتبة المشاهد إنّما هو تقبيلُ أحد الجانبين، وهو ممَّا لا مشكلة فيه، تماماً كما هو حال تقبيل الشبّاك الحديديّ أو المفضَّض أو المذهَّب.

ولو كان هناك رواياتٌ تأمر بتقبيل العتبة في المشاهد المشرَّفة فإنّما هي تأمر بتقبيل أحد الجانبين، وكلاهما يسمَّيان (عتبة الباب).

وما يدعو إليه بعض العلماء من أنّ الأفضل اجتناب تقبيل العتبات إنّما هو لتسليط الضوء على ما يقوم به بعض غلاة الشيعة ـ هداهم الله ـ من الزحف على بطونهم نحو المشاهد، أو المشي على أربع، وصولاً إلى العَتَبة (القسم السفلي من إطار الباب)، فيقبِّلونها، ويمرِّغون جباههم ووجوههم عليها.

نسأل الله الهداية لجميع المؤمنين والمؤمنات، وأن يتقبَّل أعمالهم، ويثيبهم على قَدْر نواياهم.

وأنصح نفسي وكافّة إخواني وأخواتي أن نتدبَّر ونتفكَّر في ما نقوم به من أفعال، فلا نُقْدِمُ إلاّ على ما هو ثابتُ الجواز أو الاستحباب بشكلٍ قطعيّ وجازم؛ حذراً من السقوط في كمائن الغلوّ والابتداع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الهوامش


([1]) http: //www. youtube. com/watch?v=UaJ5d5tca8Q.

([2]) http: //www. youtube. com/watch?v=T_ezhlv0g2.

([3]) الكفعمي، المصباح: 473.

([4]) بحار الأنوار 97: 281 ـ 284.

([5]) بحار الأنوار 99: 115 ـ 116.

([6]) أصول الكافي 1: 485.

([7]) الروضة في فضائل أمير المؤمنين: 35 ـ 38.

([8]) عبد الله المامقاني، إزاحة الوسوسة عن تقبيل الأعتاب المقدسة: 24 ـ 25.



أكتب تعليقك