29 ديسمبر 2023
التصنيف : مقالات حديثية
لا تعليقات
1٬043 مشاهدة

منهج الحُرّ العامليّ في كتابه (الوسائل)، خصائص عامّة وميزات هامّة

«تميَّز كتاب «وسائل الشيعة» بميزاتٍ هامّة، جعلته موضع عناية العلماء، والفقهاء خاصّةً»([1]).

وكيف لا يكون كذلك وهو «الكتاب الحديثيّ الضخم، والفقهيّ الاستدلاليّ، الجامع لأقوال كبار فقهاء الإماميّة الذين يستند إلى أقوالهم»([2]).

وقد اعتمد الشيخ الحُرّ(ر) في هذا الكتاب منهجاً خاصّاً ومميَّزاً، جعل منه كتاباً جامعاً للحديث بحقّ، سهل التناول، الأمر الذي رزقه رَوَاجاً لا مثيل له بين طلبة العلم والعلماء.

ونحن في هذا المقال نتعرَّض للخصائص العامّة لهذا المنهج، تاركين الكلام في خصائص كُلٍّ من السند والمتن إلى محلِّه.

وحديثُنا في الخصائص العامّة لمنهج «الوسائل» في جهتين:

الجهة الأولى: تقسيم الكتاب وترتيبه

أقسام الكتاب العامّة

قسّم الشيخ الحُرّ(ر) كتابه إلى خمسة أقسام، وَفْق الترتيب التالي:

1ـ‌ مقدّمةٌ صغيرةٌ بيَّن فيها هدفه من تأليف الكتاب، وداعيه إلى ذلك، وبعضاً من منهجه فيه.

2ـ‌ فهرستٌ إجماليٌّ للأقسام الرئيسيّة (الكتب) والفرعيّة (الأبواب) للكتاب.

3ـ الأحاديث في أقسام رئيسيّة (الكتب) وأقسام فرعيّة (الأبواب).

4ـ خاتمةٌ طويلةٌ تحوي اثنتي عَشْرة فائدةً رجاليّةً مهمّةً.

5ـ نهايةٌ قصيرةٌ بيَّن فيها بعض منهجيّته، وبعض النكات المهمّة لمَنْ يريد مراجعة «الوسائل».

الأقسام الرئيسيّة للكتاب: الكتب

رتَّب الشيخ الحُرّ(ر) كتابه على ترتيب ما أورده المحقِّق الحلِّي في «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام»([3])، ولا يخفى ما في هذا العمل من تسهيل البحث على طالبي الحديث، من الطَّلَبة والفقهاء، الذين اعتادوا على ترتيبٍ معيَّن للكتب الفقهيّة([4]).

إلاّ أنه(ر) استهلّ الكتاب بجملةٍ من الأحاديث في مقدِّمة العبادات، ضمن 31 باباً.

ثمّ أخذ(ر) في ذكر الأحاديث المتعلِّقة بالكتب الفقهيّة المعروفة، وهي: «كتاب الطهارة. كتاب الصلاة. كتاب الزكاة. كتاب الخُمْس. كتاب الصيام. كتاب الاعتكاف. كتاب الحجّ. كتاب الجهاد. كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كتاب التجارة. كتاب الرهن. كتاب الحجر. كتاب الضمان. كتاب الصلح. كتاب الشركة. كتاب المضاربة. كتاب المزارعة والمساقاة. كتاب الوديعة. كتاب العارية. كتاب الإجارة. كتاب الوكالة. كتاب الوقوف والصدقات. كتاب السُّكنى والحبيس. كتاب الهِبَات. كتاب السبق والرماية. كتاب الوصايا. كتاب النكاح. كتاب الطلاق. كتاب الخَلْع والمباراة. كتاب الظِّهار. كتاب الإيلاء والكفّارات. كتاب اللِّعان. كتاب العتق. كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد. كتاب الإقرار. كتاب الجُعالة. كتاب الأَيْمان. كتاب النذر والعهد. كتاب الصيد والذبائح. كتاب الأطعمة والأشربة. كتاب الغصب. كتاب الشفعة. كتاب إحياء الموات. كتاب اللُّقَطة. كتاب الفرائض والمواريث. كتاب القضاء. كتاب الشهادات. كتاب الحدود [والتعزيرات]. كتاب القصاص. كتاب الدِّيات»([5]).

ويُلاحِظ المتأمِّل في هذا الترتيب وهذه التسميات جملةً من الفروق بينها وبين ما في كتاب «شرائع الإسلام»، ومنها:

1ـ عدم إفراد الشيخ الحُرّ(ر) كتاباً للعُمْرة بعد كتاب الحجّ، خلافاً لما في «الشرائع»([6]).

وقد ذكر الشيخ الحُرّ(ر) مسائل العمرة في عشرة أبواب من كتاب الحجّ، تحت عنوان «أبواب العُمْرة»([7]).

2ـ إهماله وإسقاطه بعض الكتب المذكورة في «الشرائع»، ومنها: كتاب المفلس([8])؛ كتاب العطيّة (الصدقة)([9]).

3ـ إدراجه بعض المطالب في بعض الكتب، مع كونها مدرجةً في «الشرائع» في كتب أخرى، ومن ذلك: مطالب الكفّارات، فقد أدرجها في كتاب الإيلاء([10])، وهي في «الشرائع» مدرجةٌ في كتاب الظِّهار([11]).

4ـ مخالفتُه لـ «الشرائع» في تسمية بعض الكتب، ومن ذلك:

كتاب السُّكْنى والحبيس([12])، وهو في «الشرائع» بعنوان «كتاب السُّكْنى والحَبْس»([13]).

كتاب النذر والعهد([14])، وهو في «الشرائع» بعنوان «كتاب النذر»([15]).

كتاب الصيد والذبائح([16])، وهو في «الشرائع» بعنوان «كتاب الصيد والذباحة»([17]).

كتاب الفرائض والمواريث([18])، وهو في «الشرائع» بعنوان «كتاب الفرائض»([19]).

ثمّ ختم الشيخ الحُرّ(ر) كتابه بخاتمةٍ طويلة، فيها اثنتا عشرة فائدةً، وقد تقدَّم منّا الكلام في مضمونها مفصَّلاً، فراجِعْ([20]).

الأقسام الفرعيّة للكتاب: الأبواب

قسَّم الشيخ الحُرّ(ر) كلّ كتابٍ من الكتب الفقهيّة المذكورة إلى عدّة أقسامٍ، و«رتّبها بحَسَب تسلسل المواضيع المطروحة في الكتب المتداوَلة بين الفقهاء، والتي يتعلَّمها الطلبة في المدارس الابتدائيّة، ويزاولها العلماء في المراحل النهائيّة.

وبذلك يتمكَّن الجميع، وعلى أساس ما يحفظونه من تسلسل المواضيع الفقهيّة المدروسة، من العثور على الحديث في الباب المعيَّن»([21]).

ووضع(ر) لهذه الأقسام عناوين من قبيل: أبواب أعداد الفرائض ونوافلها([22])، أبواب المواقيت [للصلاة]([23])، أبواب القبلة([24])، أبواب لباس المصلِّي([25])….

ثمّ أخذ(ر) في ذكر أبواب كلّ قسمٍ بالتفصيل، و«أدرج في كلّ بابٍ منها الأشباه والنظائر من أهمّ الأحاديث ذات الدلالة الواضحة على عنوان الباب، بتمام سندها»([26])، فسهَّل على الباحث الطريق للاطّلاع على الأحاديث المتعدِّدة، ذات الدلالة الواحدة، أو المتّحدة في الأسناد والمتن، والمتناثرة في المصادر المختلفة([27])، وبالتالي «يكون بإمكانه الوقوف على القرائن المؤدِّية إلى تصحيح المتن، أو السند، أو كلَيْهما، بسهولةٍ تامّةٍ، وبملاحظةٍ سريعةٍ»([28]).

ملاحظاتٌ في الأبواب

الملاحظة الأولى: مع أنّ كتاب «الوسائل» كتابٌ جامعٌ لأحاديث الأحكام الشرعيّة فإنّ بعض أبوابه لا علاقة لها بالأحكام الشرعيّة، ومن ذلك:

* الباب 21 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى، وهو بعنوان: «باب جملة من القضايا والأحكام المنقولة عن أمير المؤمنين(ع)»، وهي أحد عشر حديثاً في بيان قضايا وحوادث خاصّة حصلَتْ في زمن أمير المؤمنين(ع)، وكان له فيها قضاءٌ غريبٌ([29]).

الملاحظة الثانية: إنّ بعض الأبواب لا علاقة لها بالكتاب المُدْرَجَة فيه، ومن ذلك:

* الباب 138 من أبواب الأطعمة المباحة، من كتاب الأطعمة والأشربة، وهو بعنوان: «باب استحباب ترك التداوي من الزكام والدماميل والرمد والسعال مع الإمكان»([30]).

وكذا الباب 139 من أبواب الأطعمة المباحة، من كتاب الأطعمة والأشربة، وهو بعنوان: «باب ما تُداوى به العين من ضعف البصر»([31]).

ومن الواضح عدم علاقة هذين البابَيْن بكتاب الأطعمة والأشربة.

الملاحظة الثالثة: إنّ بعض الأبواب قد ذُكرَتْ في غير محلّها المناسب لها، ومن ذلك:

* الباب 11 من أبواب الأشربة المحرَّمة، من كتاب الأطعمة والأشربة، وهو بعنوان: «باب كراهة تزويج شارب الخمر، وقبول شفاعته، وتصديق حديثه، وائتمانه على أمانة، وعيادته، وحضور جنازته، ومجالسته»([32])، فهو وإنْ دلّ بالملازمة على حرمة شرب الخمر إلاّ أنّ محلَّه المناسب هو كتاب النكاح، مع الباب 29 من أبواب مقدِّمات النكاح وآدابه، وهو بعنوان: «باب كراهة تزويج شارب الخمر»([33]).

ويظهر من هذا المثال حصول تكرار لبعض الأبواب([34])، وهذا ما أشار إليه السيّد البروجردي(ر)، بعد ذكر جملةٍ من عيوب «الوسائل»، بقوله: «ومع ذلك كلِّه لا يخلو من تكرار الأبواب»([35]).

* والباب 43 من أبواب حدّ الزنا، من كتاب الحدود والتعزيرات، وهو بعنوان: «باب استحباب طلاق الزوجة الزانية، وجواز إمساكها»([36]).

ومن الواضح أنّ محلّه المناسب هو كتاب الطلاق في أبواب مقدِّمات الطلاق وشرائطه، مع الأبواب التالية: «باب كراهة طلاق الزوجة الموافقة، وعدم تحريمه»([37])، و«باب جواز طلاق الزوجة غير الموافقة»([38])، و«باب كراهة ترك طلاق الزوجة التي تؤذي زوجها»([39]).

* والباب 21 من أبواب الأطعمة المباحة، وهو بعنوان: «باب مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض»([40]).

ومن الواضح أنّ محلّه المناسب هو أبواب أحكام العِشْرة، من كتاب الحجّ([41]).

الملاحظة الرابعة: إنّ بعض الأبواب قد ذُكرَتْ في غير محلّها من الترتيب عند الشيخ الصدوق والشيخ الطوسيّ رحمهما الله، ومن ذلك:

* الباب 7 من أبواب ديات الأعضاء، وهو بعنوان: «باب ديات الأُذُن».

وعلَّق(ر) في الهامش بقوله: «دية الأُذُن لم أجِدْها في رواية الشيخ والصدوق هنا، ولكنّها مذكورةٌ في أواخر الحديث»([42]).

الملاحظة الخامسة: إنّ بعض الأبواب زائدةٌ عمّا في الكتب الفقهيّة، ومنها: أبواب السواك([43])، أبواب آداب الحمّام والتنظيف والزينة، وهي مقدّمة الأغسال([44])، أبواب آداب السفر إلى الحجّ وغيره([45])، أبواب أحكام الدوابّ في السفر وغيره([46])، أبواب أحكام العشرة في السَّفَر والحَضَر([47])، أبواب جهاد النفس وما يناسبه([48])، وباب جملة من القضايا والأحكام المنقولة عن أمير المؤمنين(ع)([49]).

ترتيب الأحاديث في الأبواب

يبدأ الشيخ الحُرّ(ر) بنقل ما جاء في الكتب الأربعة من الأحاديث ذات الدلالة على عنوان الباب، ثمّ ينقل ما جاء في الكتب الأخرى([50]).

ويراعي الشيخ الحُرّ(ر) في ترتيب تلك الأحاديث قوّة الأسانيد، وهذا ما أشار إليه(ر) بنفسه، في الباب 14 من أبواب الإحرام، حيث قال: «1ـ محمّد بن الحسن بإسناده عن موسى بن القاسم، عن ابن أبي عمير وصفوان، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله(ع)، قال: لا بأس أن يصلّي الرجل في مسجد الشجرة….

2ـ وعنه، عن صفوان بن يحيى وابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد الله(ع)، في الرجل يقع على أهله بعدما يعقد الإحرام ولم يلبِّ؟ قال: ليس عليه شيءٌ.

3ـ وعنه، عن صفوان وابن أبي عمير جميعاً، عن حفص بن البختريّ وعبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد الله(ع)، أنّه صلّى ركعتين في مسجد الشجرة وعقد الإحرام….

4ـ وعنه، عن صفوان، عن معاوية بن عمّار وغيره ممَّنْ روى صفوان عنه هذه الأحاديث المتقدِّمة، وقال: هذه هي عندنا مستفيضةٌ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله(عما) أنّهما قالا:…».

وعلَّق(ر) في الهامش، على قوله في الحديث الأوّل: «عن ابن أبي عمير وصفوان»، بقوله: «الحديثان الآتيان عن صفوان مقدَّمان على هذا الحديث في «التهذيب»، وقد اتّفق تأخيرهما هنا باعتبار قوّة الأسانيد، فيكونان من جملة الأحاديث المتقدِّمة المشار إليها [أي في الحديث الرابع]. وكأنّها كانت كذلك في «كتاب موسى بن القاسم»، وفي «الاستبصار» كما هنا»([51]).

ولكنْ بمراجعتنا لكتاب «تهذيب الأحكام»، المطبوع والموجود اليوم، تبيَّن أنّ الأحاديث الثلاثة الأولى مرتَّبةٌ فيه كما هي هُنا، ولا أثر للتقديم والتأخير الذي أشار إليه(ر)([52])، فلعلّ هذا التقديم والتأخير المشار إليه كان في نسخةٍ من «تهذيب الأحكام»، وصلت إلى الشيخ الحُرّ(ر) ولم تصِلْ إلينا.

وعلى أيّ حالٍ فما يهمّنا من كلامه(ر) أنّه قد بيَّن منهجه في ترتيب أحاديث كلّ بابٍ من أبواب «الوسائل»، وهو أنّ الترتيب بينها يكون باعتبار قوّة الأسانيد.

ملاحظاتٌ حول أحاديث بعض الأبواب

ويُلاحِظ الباحث المدقِّق في أحاديث كتاب «الوسائل» جملةً من الأمور، منها:

1ـ ذكر أحاديث لا علاقة لها بعنوان الباب

إنّ الشيخ الحُرّ(ر) يذكر في بعض الأبواب أحاديث لا علاقة لها من قريبٍ أو بعيدٍ بعنوان الباب، ومن ذلك:

* ما في الباب 94 من أبواب الأطعمة المباحة، حيث قال: «باب استحباب أكل السفرجل على الريق».

ثمّ ذكر حديثَيْن، وهما: «1ـ محمد بن عليّ بن الحسين في «عيون الأخبار»…، عن دارم بن قبيصة، عن الرضا(ع)، عن آبائه، عن عليّ(عم)، قال : دخلتُ على رسول الله(ص) يوماً وفي يده سفرجلةٌ، فجعل يأكل ويطعمني، ويقول: كُلْ يا عليّ، فإنّها هديّةُ الجبّار إليَّ وإليكَ، قال: فوجدتُ فيها كلَّ لذّةٍ، فقال لي: يا عليّ، مَنْ أكل السفرجل ثلاثة أيّام على الريق صفا ذهنه، وامتلأ جوفه حلماً وعلماً، ووُقي من كيد إبليس وجنوده.

قال: وقال لي: يا عليّ، إذا طبخْتَ شيئاً فأكثر المرقة؛ فإنّها أحد اللحمين، فإنْ لم يصيبوا من اللحم يصيبوا من المرقة»([53]).

ولا يخفى على المتأمِّل أنّ الحديث الثاني لا علاقة له بتاتاً بهذا الباب، وذكرُه تطويلٌ منافٍ لمبنى الشيخ الحُرّ(ر) في الاختصار قَدْر الإمكان.

ولكنْ ذَكَر الشيخ الحُرّ(ر) في «فهرست وسائل الشيعة» أنّ في هذا الباب حديثاً واحداً([54])، وعليه يُحتَمَل أنّ الشيخ الحُرّ(ر) قد ذكر المتنَيْن في حديثٍ واحد، وأنّ تقسيم ذلك المتن إلى حديثَيْن من الأخطاء التي وقعت فيها مؤسَّسة آل البيت(عم) لإحياء التراث في تحقيقها لكتاب «الوسائل»، وذلك تَبَعاً لما قام به الشيخ الربّاني([55])، الذي يُحتَمَل أنّه فعل ذلك تَبَعاً للشيخ الصدوق(ر)، الذي ذكر كلّ واحدٍ من الحديثَيْن مستقلاًّ عن الآخر، علماً بأنّ سندهما واحدٌ، ويُحتمل قويّاً أنّهما ـ مع حديثٍ ثالث، ذكره بعدهما في «عيون الأخبار» ـ حديثٌ واحدٌ، جرى تقطيعُه من قِبَل الشيخ الصدوق(ر)([56]).

ومع هذا الاحتمال يَرِدُ على الشيخ الحُرّ(ر) بأنّه خالف مبناه القائم على الاختصار قَدْر الإمكان، والذي لأجله قطَّع الكثير من الأحاديث، فلماذا لم يكْتَفِ بالقسم الأوّل من الحديث الدالّ على ما ذكره في العنوان؟!

ويُحتَمَل أيضاً أن يكون هذا التقسيم من الشيخ الحُرّ(ر) تَبَعاً للشيخ الصدوق(ر).

ولكنْ يَرِدُ عليه حينئذٍ بأنّه لا وجه للقول في «الفهرست» بأنّ في الباب 94 حديثاً واحداً فقط.

وفي بعض الأحيان يكون ذكرُ حديثٍ لا علاقة له بعنوان الباب من باب التمهيد للتعليق على ما جاء في بعض أحاديث الباب من معنىً غريبٍ ومستهجَنٍ، ومن ذلك:

* ما في الباب 58 من أبواب المهور، حيث قال: «باب حكم ما لو مات الزوج أو الزوجة قبل الدخول، هل يثبت نصف المهر المسمّى أم كلّه؟»([57]).

ثمّ أخذ(ر) في ذكر أحاديث الباب الدالّة على تلك المسألة، فلمّا وصل إلى الحديث الرابع والعشرين، وهو: «…عن منصور بن حازم، قال: قلتُ لأبي عبد الله(ع): رجل تزوَّج امرأةً، وسمّى لها صداقاً، ثمّ مات عنها ولم يدخُلْ بها؟ قال: لها المهر كاملاً، ولها الميراث، قلتُ: فإنّهم روَوْا عنك أنّ لها نصف المهر؟ قال: لا يحفظون عنّي، إنّما ذلك للمطلَّقة».

وعلَّق(ر) في الهامش، على هذا الحديث، بقوله: «قوله: «لا يحفظون عنّي» كأنّه للتقيّة، وإلاّ فالأحاديث السابقة وأمثالها يبعد بل يستحيل عدم حفظ رواتها لها، فتأمَّلْ»([58]).

ولتأكيد أنّ هذه العبارة منه(ع) للتقيّة ذكر حديثاً لا علاقة له بعنوان الباب، وهو:

«25ـ سعد بن عبد الله في «بصائر الدرجات»…، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله(ع) قال: ما أجد أحداً أحدِّثه! وإنّي لأحدّث الرجل بالحديث فيتحدّث به، فأوتى، فأقول: إنّي لم أقُلْه».

ثمّ قال(ر): «أقول: هذا قرينةٌ واضحةٌ على حمل حديث منصور بن حازم السابق على التقيّة؛ لتواتر تلك الأحاديث، ووضوحها، وثقة رواتها»([59]).

تبرير ذلك

وقد يُبرِّر الشيخ الحُرّ(ر) ذكره لبعض الأحاديث التي لا دلالة فيها على عنوان الباب أو التي في دلالتها على عنوان الباب خفاءٌ، ومن ذلك:

* ما في الباب 29 من أبواب مقدّمات الطواف، حيث قال: «باب استحباب إكثار النظر إلى الكعبة…».

ثمّ أخذ(ر) في ذكر الأحاديث الدالّة على ما ذكره في العنوان، ومنها: «3ـ …عن أبي عبد الله الخزّاز، عن أبي عبد الله(ع) قال: إنّ للكعبة للحظةٌ في كلّ يومٍ يُغْفَر لمَنْ طاف بها، أو حَنَّ قلبه إليها، أو حبسه عنها عُذْرٌ».

وعلَّق(ر) في الهامش، على هذا الحديث، بقوله: «هذا الحديث أورده الكليني في باب فضل النظر إلى الكعبة، وفي دلالته على ذلك تأمُّلٌ»([60]).

فهو مع تأمُّله في دلالة هذا الحديث على عنوان الباب ذكره فيه متابعةً منه للشيخ الكليني(ر).

* وما في الباب 101 من أبواب ما يُكْتَسَب به، حيث قال: «باب تحريم سماع الغناء والملاهي».

ثمّ أخذ(ر) في ذكر الأحاديث الدالّة على ما ذكره في العنوان، ومنها: «4ـ …عن عاصم بن حُمَيْد قال: قال لي أبو عبد الله(ع): أنّى كنتَ؟ فظننْتُ أنّه قد عرف الموضع، فقلتُ: جُعلتُ فداك، إنّي كنتُ مرَرْتُ بفلانٍ، فدخلتُ إلى داره، ونظرتُ إلى جواريه، فقال: ذاك مجلسٌ لا ينظر الله عزَّ وجلَّ إلى أهله، أمِنْتَ الله على أهلك ومالك».

وعلَّق(ر) في الهامش، على هذا الحديث، بقوله: «لا تصريح فيه بالغناء، لكنْ فهم الكلينيّ منه ذلك فأورده في باب الغناء، وقرينتُه أنّه لا وجه للتهديد لولاه؛ لأنّ النظر إلى الجواري بإذن سيِّدهنَّ جائزٌ، وقد أذن للراوي»([61]).

تبرير ترك بعض الأحاديث ذات العلاقة بعنوان الباب

كما قد يُبرِّر تركه لبعض الأحاديث ذات العلاقة بعنوان الباب، ومن ذلك:

* ما في الباب 93 من أبواب جهاد النفس، حيث قال: «باب صحّة التوبة في آخر العمر، ولو عند بلوغ النفس الحلقوم قبل المعاينة».

ثمّ أخذ(ر) في ذكر الأحاديث الدالّة على ما ذكره في العنوان، ومنها: «11ـ وفي «عقاب الأعمال» بإسنادٍ تقدَّم في عيادة المريض عن رسول الله(ص) ـ في حديثٍ ـ، قال: إنّي نازلتُ ربّي في أمّتي، فقال لي: إنّ باب التوبة مفتوحٌ حتّى يُنفخ في الصور…».

وعلَّق(ر) في الهامش، على أحاديث الباب، بقوله: «قد وردَتْ الأحاديث المختلفة في قبول التوبة بعد ظهور صاحب الزمان(ع) وعدمه، ولم أجمَعْها في بابٍ مُفْرَد، ولا أوردتُها في هذا الباب بعنوان المنافاة؛ لأنّ ذلك بمنزلة العبث، فإنّه في ذلك الوقت يُسأل عن ذلك المهديّ(ع)، وقد حقَّقتُ المقام في «رسالة الرَّجْعة»»([62]).

2ـ ذكر بعض الأحاديث تحت عنوانٍ مختلف عمّا هي تحته في المصدر

يذكر الشيخ الحُرّ(ر) بعض الأحاديث تحت عنوانٍ معيَّنٍ، وهي في المصدر تحت عنوانٍ آخر، ومن ذلك:

* ما في الباب 58 من أبواب آداب السفر، حيث قال: «باب استحباب سرعة العود إلى الأهل، وكراهة سبق الحاجّ وجعل المنزلين منزلاً، إلاّ مع كون الأرض مُجْدِبةً».

ثمّ أخذ في ذكر الأحاديث الدالّة على ما ذكره في العنوان، ومنها: «1ـ محمّد بن عليّ بن الحسين قال: قال(ع): السفر قطعةٌ من العذاب، فإذا قضى أحدكم سفره فليسرع العَوْد إلى أهله.

2ـ وبإسناده عن أيّوب بن أعين قال: سمعتُ الوليد بن صبيح يقول لأبي عبد الله(ع): إنّ أبا حنيفة رأى هلال ذي الحِجّة بالقادسيّة وشهد معنا عرفة، فقال: ما لهذا صلاةٌ، ما لهذا صلاةٌ.

3ـ قال: وقال الصادق(ع): سير المنازل يُنفِدُ الزاد، ويُسيء الأخلاق، ويُخلِق الثياب، والسير ثمانية عشر»([63]).

وبمراجعة «مَنْ لا يحضره الفقيه» تبيَّن أنّ الشيخ الصدوق(ر) قد ذكر الحديثَيْن الأوّل والثالث في باب النوادر من كتاب الحجّ([64])، وذكر الحديث الثاني في باب ما يجب من العدل على الجمل وترك ضربه واجتناب ظلمه([65]).

فإذا علمنا أنّ الشيخ الحُرّ(ر) قد عقد باباً خاصّاً بعنوان «باب كراهة ضرب الدابّة على وجهها وغيره ولعنها»([66]) كان لنا أن نقول: إنّ الشيخ الحُرّ(ر) قد أعمل فهمه للأحاديث في ضمّها إلى بعضها في بابٍ واحد تحت عنوانٍ معيَّنٍ، وإلاّ لكان قد أورد الحديث الثاني في «باب كراهة ضرب الدابّة على وجهها وغيره ولعنها»، فكأنّه(ر) قد فهم من هذا الحديث أنّه لا يمكن الصلاة مع هذه الحركة السريعة إلاّ بالإيماء، وإحداثُ هذه الضرورة اختياريٌّ؛ لإمكان الخروج قبله بأيّامٍ، فمعنى نفي الصلاة عدم إتيانها على وجهها لاشتغاله بالسير والسرعة([67])، وهذا يستلزم القول بكراهة هذه الحركة السريعة، إنْ لم يُقَلْ بالحرمة.

الجهة الثانية: عناوين الأبواب

ظهر ممّا سبق أنّ الشيخ الحُرّ(ر) قد وضع لكلّ بابٍ من أبواب كتابه «الوسائل» عنواناً خاصّاً به، وَفْق ما يفهمه(ر) من أحاديث الباب([68])، وهذا ما يعني أنّه(ر) كان «يدقِّق في كلّ حديث عند تسجيله للتعرُّف على الأحكام التي تُستفاد منه»([69])، وبالتالي كانت هذه العناوين بمثابة الفتوى التي تمثِّل رأيه(ر) في المسألة.

وضوح العنوان وإبهامه

ويلاحَظ هاهنا أنّ بعض تلك العناوين صيغ بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ في الدلالة على الحكم الشرعيّ المستفاد من الأحاديث، ومن ذلك:

* ما في عنوان الباب 14 من أبواب الذبائح، حيث قال: «باب اشتراط استقبال القِبْلة بالذبيحة مع الإمكان، فلا تحلّ بدونه، إلاّ أن يكون جاهلاً أو ناسياً»([70]).

في حين أنّ بعضاً منها صيغ بشكلٍ مُبْهَم، أي بما لا يدلّ على حكمٍ معيَّن، ومن ذلك:

* ما في عنوان الباب 44 من أبواب النجاسات، حيث قال: «باب حكم مَنْ علم بالنجاسة في أثناء الصلاة»([71]).

فكأنّ الشيخ الحُرّ(ر) لم يَستَفِدْ ـ قطعاً أو اطمئناناً ـ حكماً واضحاً من أحاديث الباب، فترك الفتوى في هذه المسألة.

حالات إبهام العنوان

ومن الملاحَظ هاهنا أنّ هذا الإبهام للعنوان قد حصل منه(ر) في ثلاث حالات:

الحالة الأولى: عند عدم وضوح أحاديث الباب في حكمٍ معيَّنٍٍ، بل قد تكون متعارِضةً، وما ذُكر من وجوه الجمع بينها لا يُطمأنّ به، ومن ذلك:

* ما في الباب 12 من أبواب الجنابة، حيث قال: «باب حكم الوطء في الدُّبُر من غير إنزالٍ [من حيث وجوب الغُسْل وعدمه]:

1ـ محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حفص بن سوقة، عمَّنْ أخبره قال: سألتُ أبا عبد الله(ع) عن الرجل يأتي أهله من خلفها؟ قال: هو أحد المأتيَيْن، فيه الغُسْل.

2ـ محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن البرقيّ رفعه عن أبي عبد الله(ع) قال: إذا أتى الرجل المرأة في دُبُرها فلم يُنْزِل فلا غُسْل عليهما، وإنْ أنزل فعليه الغُسْل، ولا غُسْل عليها.

3ـ و[محمّد بن الحسن] بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن بعض الكوفيّين يرفعه إلى أبي عبد الله(ع)، في الرجل يأتي المرأة في دبرها، وهي صائمةٌ؟ قال: لا ينقض صومها، وليس عليها غُسْلٌ».

ثمّ علَّق(ر) بقوله: «أقول: قد حمل الشيخ الأوّل على التقيّة، والله أعلم»([72]).

فكأنّه(ر) وجد الروايات متعارِضةً؛ فالأوّل يدلّ على وجوب الغسل، والباقيان يدلاّن على عدم وجوبه، ولم يطمئنّ(ر) لما ذكره الشيخ الطوسيّ(ر) من الحمل على التقيّة، ويدلّ على ذلك قوله: «والله أعلم»، فلأجل ذلك كلِّه امتنع عن الفتوى في هذه المسألة.

وقد يُقال: إنّ امتناعه(ر) عن الفتوى إنّما هو لأجل أنّ جميع هذه الأحاديث مرفوعةٌ.

والجواب: إنّه(ر) يرى حجِّية كلّ الأحاديث التي ذكرها في كتابه «الوسائل»، فلا معنى حينئذٍ لترك الفتوى بسبب كون بعضها مرفوعاً.

الحالة الثانية: عند وضوح أحاديث الباب في حكمٍ معيَّنٍ، ومن ذلك:

* ما في الباب 11 من كتاب الرهن، حيث قال: «باب حكم الرَّهْن إذا كان جاريةً، هل للراهن أن يطأها أم لا؟

1ـ محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن صفوان، عن العلاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(ع)، في رجلٍ رهن جاريته قوماً أيحلّ له أن يطأها؟ قال: فقال: إنّ الذين ارتهنوها يحولون بينه وبينها، قلتُ: أرأيتَ إنْ قدر عليها خالياً؟ قال: نعم، لا أرى به بأساً.

ورواه الصدوق بإسناده عن العلاء مثله، إلاّ أنّه قال: إنْ قدر عليها خالياً، ولم يعلم به الذين ارتهنوها.

ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد، مثله.

2ـ وعن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، قال: سألتُ أبا عبد الله(ع)، وذكر مثله، إلاّ أنّه قال: نعم، لا أرى هذا عليه حراماً.

ورواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن إبراهيم»([73]).

فمع وضوح أحاديث الباب في جواز الوَطْء في تلك الحالة وضع(ر) للباب عنواناً مُبْهَماً.

الحالة الثالثة: عند وضوح أحاديث الباب في حكمٍ معيَّنٍ، وتعليقه(ر) على بعض تلك الأحاديث بما يدلّ على حكمه في تلك المسألة، ومن ذلك:

* ما في الباب 38 من أبواب أحكام الأولاد، حيث قال: «باب العقيقة عن المولود:

1ـ محمد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله(ع)، قال: سمعتُه يقول: كلّ امرئٍ مرتَهَنٌ يوم القيامة بعقيقته، والعقيقة أوجب من الأضحية.

ورواه الكليني عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الله بن سنان، عن عمر بن يزيد، مثله.

3ـ محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي المغرا، عن عليّ، عن أبي عبد الله(ع) قال: العقيقة واجبةٌ.

4ـ وعنه، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(ع)، قال: سألتُه عن العقيقة أواجبةٌ هي؟ قال: نعم، واجبةٌ.

5ـ وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة، عن العبد الصالح(ع) قال: العقيقة واجبةٌ إذا وُلد للرجل وَلَدٌ، فإنْ أحبّ أن يسمِّيه من يومه فعل».

وعلَّق(ر) في الهامش، على الحديث الرابع، بقوله: «الظاهر أنّ الكليني قائلٌ بالوجوب؛ لأنّه قال في العنوان: باب العقيقة ووجوبها، ولكنّ لفظ الوجوب قد استُعمل في الأحاديث وفي كلام المتقدِّمين بمعنى الاستحباب المؤكَّد كما عرفْتَ في العبادات، وإيرادُه لحديث عمر بن يزيد قرينةٌ على ذلك، فتدبَّرْ»([74]).

إذن يرى(ر) أنّ لفظ الوجوب قد استُعمل في الأحاديث بمعنى الاستحباب المؤكَّد، وعليه فالأحاديث المصرِّحة بأنّ العقيقة واجبةٌ دالّةٌ ـ عنده ـ على استحباب العقيقة، ومع ذلك جعل العنوان مُبْهَماً فقال: «باب العقيقة عن المولود».

الاختصار في العنوان

مارس الشيخ الحُرّ(ر) اختصاراً شديداً في العنوان، وهذا أمرٌ مطلوبٌ، غير أنّه قد يؤدّي في بعض المواضع إلى تعقيد العبارة، ورُبَما إلى خفاء مراده(ر)، ومن ذلك:

* ما في عنوان الباب 32 من أبواب أحكام العِشْرة، حيث قال: «باب استحباب الابتداء بالسلام وتقديمه على الكلام، وكراهة العكس، واستحباب ترك إجابة كلام مَنْ عكس، وترك دعاء مَنْ لم يسلِّم إلى الطعام»([75]).

ورُبَما أدّى هذا الاختصار لإهمال ذكر بعض مداليل الأحاديث، ومن ذلك:

* ما في عنوان الباب 17 من أبواب أحكام العِشْرة، حيث قال: «باب تحريم مصاحبة الكذّاب والفاسق والبخيل والأحمق وقاطع الرحم ومحادثتهم ومرافقتهم لغير ضرورةٍ أو تقيّة»([76]).

ثمّ أخذ في ذكر الأحاديث الدالّة على ذلك، ومنها: «3ـ محمّد بن الحسين الرضيّ في «نهج البلاغة»، عن أمير المؤمنين(ع) قال: يا بنيّ، إيّاك ومصادقة الأحمق، …وإيّاك ومصادقة الفاجر؛ فإنّه يبيعك بالتافه….

4ـ محمّد بن عليّ بن الحسين في «الخصال»، …عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر(ع) قال: لا تقارِنْ ولا تؤاخِ أربعة: الأحمق، والبخيل، والجبان، والكذّاب…»([77]).

فلاحِظْ كيف أنّه لم يأتِ على ذكر «الفاجر» و«الجبان» في العنوان مع أنّهما ممَّنْ ذكرَتْه أحاديث الباب.

مصدر عبارات العناوين

نُقل عن أحد العلماء اعتقاده بأنّ الشيخ الحُرّ(ر) قد أخذ عبارات عناوينه ممّا جاء في كتاب «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام»، للمحقِّق الحلِّي(ر)([78]).

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ المحقِّق الحلِّي(ر) لم يُكْثِر من العناوين في كتابه، بل إنّ ما وضعه من العناوين ليس من قبيل: الفتوى، وعليه يكون مراد ذلك العالم أنّ الشيخ الحُرّ(ر) قد أخذ عبارات تلك العناوين من مسائل وفتاوى المحقِّق الحلِّي(ر).

ولكنْ بعد التتبُّع والمقارنة يمكننا القول بأنّ ما ذُكر صحيحٌ في الجملة، لكنّه ليس صحيحاً على إطلاقه؛ لعدّة أمور([79]):

الأمر الأوّل: إنّ الشيخ الحُرّ(ر) يتعرَّض لمسائل لم يتعرَّض لها المحقِّق(ر) في «الشرائع».

الأمر الثاني: إنّ ما يذكره الشيخ الحُرّ(ر) في العناوين من الفتاوى أوضح بكثيرٍ ممّا يذكره المحقِّق(ر).

الأمر الثالث: إنّ الشيخ الحُرّ(ر) قد يُخالف المحقِّق في بعض الفتاوى، ومن ذلك:

* ما في عنوان الباب 28 من أبواب صلاة الجماعة، حيث قال: «باب استحباب تقديم الأقرأ فالأقدم هجرةً فالأسنّ فالأفقه فالأصبح، وكراهة التقدُّم على صاحب المنزل، وعلى صاحب السلطان، وإمامة مَنْ لا يُحْسِن القراءة بالمُتْقِن»([80]).

بينما قال المحقِّق في «الشرائع»: «فإنْ اختلفوا قُدِّم الأقرأ، فالأفقه، فالأقدم هجرةً، فالأسنّ، فالأصبح»([81]).

وقال: «ولو كان الإمام يلحن في القراءة لم يجُزْ إمامته بمُتْقِنٍ على الأظهر»([82]).

إذن فما ذُكر من أنّ الشيخ الحُرّ(ر) قد أخذ عبارات عناوينه ممّا جاء في كتاب «الشرائع» للمحقِّق الحلِّي(ر) ليس صحيحاً على إطلاقه.

موافقة بعض العناوين لما جاء في بعض الكتب

إنّ عناوين بعض الأبواب جاءت موافقةً تماماً لما ذُكر في «الكافي» وغيره من الكتب، ومن ذلك:

* ما في عنوان الباب 37 من كتاب الوصايا، حيث قال: «باب أنّ الوصيّ إذا كانت الوصيّة في حقٍّ فغيَّرها فهو ضامنٌ».

وكذا في عنوان الباب 38 من كتاب الوصايا، حيث قال: «باب أنّ مَنْ خاف في الوصيّة فللوصيّ ردُّها إلى الحقّ».

وعلَّق(ر) في الهامش بقوله: «عنوان هذا الباب [أي الباب 38] والذي قبله [أي الباب 37] موافقٌ لعنوان الكليني من غير تغييرٍ»([83]).

* وما في عنوان الباب 59 من كتاب العِتْق، حيث قال: «باب أنّ مَنْ نذر عتق أَمَته إنْ وطئها فخرجت من ملكه انحلَّتْ اليمين وإنْ عادَتْ بمِلْكٍ مُستَأنَف».

وعلَّق(ر) في الهامش بقوله: «هذا العنوان موافقٌ لعبارة «المختصر النافع»»([84]).

* وما في عنوان الباب 24 من كتاب الشهادات، حيث قال: «باب ما تجوز شهادة النساء فيه وما لا تجوز».

وعلَّق(ر) في الهامش بقوله: «العنوان موافقٌ لعنوان «الاستبصار»»([85]).

وقد توافقت عناوين الأبواب في «الوسائل» مع ما ذكره من العناوين في «فهرست الوسائل» عموماً، غير أنّه لوحظ اختلافٌ يسيرٌ في بعضها، ومن ذلك:

* ما في عنوان الباب 29 من أبواب الصدقة، حيث قال: «باب استحباب تقبيل الإنسان يده بعد الصدقة، وتقبيل ما تصدَّق به».

وعلَّق المحقِّقون في مؤسَّسة آل البيت(عم) لإحياء التراث، على هذا العنوان، بالقول: «أضاف المصنِّف في «فهرست الكتاب» على العنوان المذكور قوله: «وشمّه بعد القبض، وتقبيل يد السائل»([86]).

* وما في عنوان الباب 13 من أبواب عقد البيع وشروطه، حيث قال: «باب جواز بيع التبن بالمشاهدة».

وعلَّق المحقِّقون في مؤسَّسة آل البيت(عم) لإحياء التراث، على هذا العنوان، بالقول: «العنوان في «الفهرس»: جواز بيع التبن بالمشاهدة، ولو قبل كَيْل الطعام»([87]).

العلاقة بين عنوان الباب وأحاديثه

العنوان مخالفٌ لمدلول الأحاديث

جاءت بعضُ العناوين مخالفةً لمدلول أحاديث الباب، ومن ذلك:

* ما في عنوان الباب 44 من أبواب آداب السفر، حيث قال: «باب استحباب استصحاب التربة الحسينيّة في السفر، وتقبيلها، ووضعها على العينين، والدعاء بالمأثور»([88]).

وبمراجعة أحاديث هذا الباب ـ والباب 70 من أبواب المزار وما يناسبه([89])؛ إذ أشار الشيخ الحُرّ(ر) في آخر هذا الباب إلى أنّه يأتي ما يدلّ على العنوان المذكور فيه ـ تبيَّن أن لا ذكر فيها لاستصحاب التربة الحسينيّة في السفر خصوصاً، نعم هي دالّةٌ على أنّها حِرْزٌ وأمانٌ من كلّ خَوْفٍ، وحفظٌ من كلّ سوءٍ، وأنّ مَنْ وضعها في جيبه بعد الدعاء بالمأثور في الغداة فلا يزال في أمان الله حتّى العشاء، وإنْ فعل ذلك في العشاء فلا يزال في أمان الله حتّى الغداة، وهذا يشمل حالات السفر بالإطلاق لا بالنصّ.

المتعيِّن عند ذلك

وقد أشار الشيخ الحُرّ(ر) بنفسه إلى هذا الأمر، وإلى أسبابه، وإلى المتعيِّن حينذاك، فقال: «واعلَمْ أنّه قد يتَّفق تخالفٌ بين العنوان والأحاديث في العموم، ويكون وجهُه ملاحظة أحاديث أُخَر، أو الاعتماد على فهم بقيّة المقصود من أحاديث الباب، أو غير ذلك، فإنْ لم يظهر وجهُه ينبغي أن يكون العمل بالأحاديث، دون العنوان»([90]).

أحد أسباب هذا الاختلاف

إذن من أسباب هذا الاختلاف بين عنوان الباب ومدلول أحاديثه ملاحظةُ أحاديث أُخَر في أبواب أخرى، ومن ذلك:

* ما في الباب 41 من أبواب آداب السفر، حيث قال: «باب كراهة حمل الزاد الطيِّب كاللحم والحلوى في طريق زيارة الحسين(ع)، واستحباب الاقتصار فيه على الخبز واللبن ونحوه».

ثمّ ذكر حديثَيْن، ولا ذكر فيهما لمسألة الاقتصار في الزاد على الخبز واللبن([91]).

ولكنْ بمراجعة الباب 77 من أبواب المزار وما يناسبه، وهو بعنوان: «باب أنّه يستحبّ لمَنْ أراد زيارة الحسين(ع) أن يصوم ثلاثاً آخرها الجمعة، ثمّ يغتسل ليلتها ويخرج على غُسْلٍ، تاركاً للدهن والطيب والزاد الطيّب، ملازماً للحزن والشعث والجوع والعطش، ولا يتَّخذه وطناً»، وجدنا في الحديث الثالث: «…عن رجل، عن أبي عبد الله(ع) قال: يأتون قبر أبي عبد الله فيتَّخذون سُفَراً، أما إنّهم لو أتَوْا قبور آبائهم وأمّهاتهم لم يفعلوا ذلك، قلتُ: فأيَّ شيءٍ يأكلون؟ قال: الخبز واللبن»([92]).

والشيخُ الحُرّ(ر) يُشير ـ بشكلٍ عامٍّ ـ إلى تلك الأحاديث بقوله: «تقدّم أو يأتي ما يدلّ على ذلك»، إلاّ أنّه تارةً يكتفي بالإشارة إلى أنّه تقدّم أو يأتي ما يدلّ على ما جاء في العنوان؛ وأخرى يحدِّد موضع تلك الأحاديث، وهذا التحديد تارةً يكون مُجْمَلاً؛ وأخرى يكون مُفَصَّلاً ودقيقاً.

ومن الموارد التي اكتفى فيها بالإشارة إلى وجود أحاديث أُخَر:

* ما في الباب 61 من أبواب أحكام الملابس، حيث قال: «باب عدم جواز تحويل الخاتم ليذكر الحاجة إلاّ في عدد الركعات».

ثمّ ذكر حديثاً واحداً، ولا ذكر فيه لتحويل الخاتم من أجل ذكر عدد الركعات، ثمّ قال في ذيل ذلك الحديث: «ويأتي ما يدلّ على جواز عدد الركعات بالخاتم».

وعلَّق المحقِّقون في مؤسَّسة آل البيت(عم) لإحياء التراث، على ما قاله في الذيل، بقولهم: «يأتي في الحديثَيْن 2 و3 من الباب 28 من أبواب الخَلَل [أي الخَلَل في الصلاة]»([93]).

وبالرجوع إلى الباب 28 من أبواب الخَلَل الواقع في الصلاة، وعنوانه «باب جواز إحصاء الركعات بالحصى والخاتم وتحويله من مكانٍ إلى مكانٍ لذلك»، نجد في الحديث الثاني: «محمّد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن حبيب بن المعلّى، أنّه سأل أبا عبد الله(ع)، فقال له: إنّي رجل كثير السَّهْو، فما أحفظ صلاتي إلاّ بخاتمي، أُحَوِّله من مكانٍ إلى مكانٍ، فقال: لا بأس به»([94]).

* وما في الباب 44 من أبواب أحكام العشرة، حيث قال: «باب استحباب مصافحة المقيم ومعانقة المسافر عند التسليم عليهما».

ثمّ ذكر حديثاً واحداً دالاًّ على المذكور في العنوان، ثمّ قال في ذيل ذلك الحديث: «وتقدَّم ما يدلّ على ذلك».

وعلَّق المحقِّقون في مؤسَّسة آل البيت(عم) لإحياء التراث، على ما قاله في الذيل، بقولهم: «تقدَّم ما يدلّ على بعض المقصود في الحديث 5 من الباب 55 من أبواب آداب السفر»([95]).

ومن الموارد التي حدَّد فيها موضع تلك الأحاديث بشكلٍ مُجْمَلٍ:

* ما في الباب 54 من أبواب أحكام الملابس، حيث قال: «باب استحباب التختُّم بالياقوت والحديد الصينيّ وحصى الغَرِيّ».

ثمّ ذكر أربعة أحاديث، ولا ذكر فيها للتختُّم بحصى الغَرِيّ، ثمّ قال في ذيل تلك الأحاديث: «ويأتي ما يدلّ على ذلك هنا، وفي الزيارات».

وعلَّق المحقِّقون في مؤسَّسة آل البيت(عم) لإحياء التراث، على قوله: «وفي الزيارات»، بقولهم: «يأتي في الحديث 1 من الباب 33 من أبواب المزار من كتاب الحجّ»([96]).

وبالرجوع إلى الباب 33 من أبواب المزار وما يناسبه، وعنوانه «باب استحباب التختُّم بالياقوت والعقيق والفيروزج والحديد الصينيّ وحصى الغَرِيّ، وكثرة النظر إليها»، نجد في الحديث الأوّل: «…عن المفضّل، عن أبي عبد الله(ع) قال: أحبّ لكلّ مؤمنٍ أن يتختَّم بخمسة خواتيم؛ بالياقوت، وهو أفضله؛ وبالعقيق، وهو أخلصها لله ولنا؛ وبالفيروزج، وهو نزهة الناظر من المؤمنين والمؤمنات، وهو يقوّي البصر، ويوسّع الصدر، ويزيد في قوة القلب؛ وبالحديد الصينيّ، وما أحبّ التختُّم به، ولا أكره لبسه عند لقاء أهل الشرّ؛ ليطفئ شرّهم، وأحبّ اتّخاذه فإنّه يشرِّد المَرَدة من الجنّ والإنس؛ وما يظهره الله بالذَّكَوات البيض بالغَرِيّين، قلتُ: يا مولاي، وما فيه من الفضل؟ قال: مَنْ تختّم به وينظر إليه كتب الله له بكلّ نظرةٍ زَوْرَةً، أجرها أجر النبيّين والصالحين، ولولا رحمة الله لشيعتنا لبلغ الفصّ منه ما لا يوجد بالثمن، ولكنّ الله رخَّصه عليهم ليتختَّم به غنيُّهم وفقيرهم([97]).

* وما في الباب 131 من أبواب الأطعمة المباحة، حيث قال: «باب جواز أكل لقمةٍ خرجَتْ من فم الغير، والشرب من إناءٍ شرب منه، ومصّ أصابعه، ولسان الزوجة والبنت».

ثمّ ذكر أربعة أحاديث، ولا ذكر فيها لمصّ لسان الزوجة والبنت، ثمّ قال في ذيل تلك الأحاديث: «وتقدّم ما يدلّ على ذلك وعلى بقيّة المقصود [ويعني به: مصّ لسان الزوجة والبنت] في الصوم، في ما يُمْسِك عنه الصائم…».

وعلَّق المحقِّقون في مؤسَّسة آل البيت(عم) لإحياء التراث، على قوله: «في الصوم، في ما يُمْسِك عنه الصائم»، بقولهم: «تقدّم في الباب 34 من أبواب ما يُمْسِك عنه الصائم»([98]).

وبالرجوع إلى الباب 34 من أبواب ما يُمْسِك عنه الصائم، وعنوانه: «باب جواز مصّ الصائم لسان امرأته أو ابنته، وبالعكس، على كراهيةٍ، وعدم بطلان الصوم بدخول ريقهما مع عدم التعمُّد»، نجد في الحديثَيْن الأوّل والثاني: «1ـ …عن أبي ولاّد الحنّاط قال: قلتُ لأبي عبد الله(ع): إنّي أقبِّل بنتاً لي صغيرة، وأنا صائمٌ، فيدخل في جوفي من ريقها شيءٌ؟ قال: فقال لي: لا بأس، ليس عليك شيءٌ.

2ـ …عن أبي بصير قال: قلتُ لأبي عبد الله(ع): الصائم يقبِّل؟ قال: نعم، ويعطيها لسانه تمصُّه»([99]).

ومن الموارد التي حدَّد فيها موضع تلك الأحاديث بشكلٍ مُفَصَّلٍ ودقيقٍ:

* ما في الباب 52 من أبواب أحكام الدوابّ، حيث قال: «باب أنّه يُكْرَه أن تُعرقب الدابّة إنْ حرنَتْ في أرض العدوّ، بل تُذْبَح، ويُكْرَه أن يُنزى حمارٌ على عتيقةٍ».

ثمّ ذكر حديثَيْن، ولا ذكر فيهما لإنزاء حمارٍ على عتيقةٍ، ثمّ قال في ذيل ذَيْنك الحديثَيْن: «وتقدّم ما يدلّ على الحكم الأخير في إسباغ الوضوء»([100]).

وبالرجوع إلى أبواب الوضوء وجدنا في الحديث الرابع من الباب 54 منها، وعنوانه «باب استحباب إسباغ الوضوء»: «…عن الرضا، عن آبائه(عم) ـ في حديثٍ طويل ـ، قال: قال النبيّ(ص): إنّا أهل بيتٍ لا تحلّ لنا الصدقة، وأُمِرْنا بإسباغ الطهور، ولا نُنزي حماراً على عتيقةٍ»([101]).

ويُلاحَظ في المثال الأخير أنّه(ر) اكتفى بالإشارة إلى تقدُّم ما يدلّ على كراهة إنزاء حمارٍ على عتيقةٍ، ولم يُشِرْ إلى أنّه سيأتي ما يدلّ على ذلك أيضاً، ففي الباب 63 من أبواب ما يُكْتَسَب به، وهو بعنوان: «باب أنّه يكره أن يُنزى حمارٌ على عتيقةٍ، ولا يحرم ذلك،…»، حديثان يدلاّن على ذلك، وهما: «1ـ …عن السكوني، عن أبي عبد الله(ع) قال: …ونهى [أي رسول الله(ص)] أن يُنْزَى حمارٌ على عتيقةٍ.

 2ـ …عن هشام بن إبراهيم، عن الرضا(ع)، قال: سألتُه عن الحمير تنزيها [والصحيح: نُنْزيها] على الرمك لتنتج البغال، أيحلّ ذلك؟ قال: نعم، أَنْزِها»([102]).

وممّا تقدّم يظهر أنّ ما اعتبره السيّد البروجردي(ر) من عيوب كتاب «الوسائل»، بقوله: «ولم يُعيِّن مواضع ما أشار إليه من الأخبار، بل قال(ر) في أواخر أكثر الأبواب: تقدّم ما يدلّ على ذلك، ويأتي، فلا بُدَّ لمَنْ أراد أن يطَّلع على الأدلّة المتقدّمة والمتأخّرة أن ينظر الكتاب من البَدْو إلى الختام، ومعلومٌ أنّ هذا في غاية الإشكال»([103])، صحيحٌ في الجملة، لا مطلقاً.

تعليقٌ ختاميٌّ

وفي ختام الكلام في جهتَيْ التقسيم والترتيب وعناوين الأبواب نقول: تبيَّن ممّا ذكرناه في هاتَيْن الجهتَيْن أنّ الشيخ الحُرّ(ر) قد جمع أحاديث كتابه وَفْق منهجٍ محدَّدٍ وضوابط معيَّنةٍ، قاصداً لتنظيمها قدر المستطاع البشريّ الفرديّ، فجاء كتاباً حديثيّاً على درجةٍ كبيرةٍ جدّاً من التنظيم والترتيب.

وبذلك يظهر ما في قول بعض العلماء بأنّ الشيخ الحُرّ(ر) «أراد أن يجمع ما دلّ من الأخبار، بزَعْمه، على حكم فرعٍ من الفروع الفقهيّة، ولم يكن قاصداً على أن يأتي بها بنظامٍ تامّ، ولذا فرَّق بين ما ينبغي أن يُجْمَع، وجمع بين ما ينبغي أن يُفَرَّق، وكثيراً ما أورد الأحاديث في غير بابها، ووضعها في غير مواضعها»([104]).

وإذا كان الشيخ الحُرّ(ر) قد وقع في قليلٍ من الأخطاء أثناء تنظيم وترتيب أبواب وأحاديث كتابه «الوسائل» فذلك أمرٌ طبيعيٌّ جدّاً في عملٍ موسوعيٍّ كالذي قام به(ر)؛ إذ «ليس بالأمر اليسير أن تُوضَع مئات العناوين لتُجْمَع تحتها رواياتٌ فقهيّة متفرِّقة…، رغم أنّ علاقة هذه النصوص مع عناوينها تختلف وتتخلَّف، من حيث دلالة النصّ أحياناً على العنوان دلالةً مطابقيّة؛ وأحياناً أخرى دلالةً تضمُّنيّة؛ وثالثة دلالة التزاميّة، بدرجات الالتزام المختلفة قُرْباً وبُعْداً»([105]).

فكيف إذا كان هذا العمل الموسوعيّ نتاجاً فرديّاً خاصّاً؟!

**********

الهوامش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) وسائل الشيعة، مقدّمة تحقيق الخاتمة (بقلم: السيّد محمّد رضا الجلاليّ) 30: 8.

([2]) الحُرّ العامليّ، أمل الآمل في علماء جبل عامل (كلمة المحقِّق) 1: 21 (بتصرُّف).

([3]) وسائل الشيعة، مقدّمة تحقيق الخاتمة (بقلم: السيّد محمّد رضا الجلاليّ) 30: 8.

([4]) وسائل الشيعة، مقدّمة التحقيق (بقلم: السيّد جواد الشهرستانيّ) 1: 92 (بتصرُّف).

([5]) وسائل الشيعة، مقدّمة الشيخ الحُرّ(ر) 1: 9 ـ 11.

([6]) المحقِّق الحلّيّ، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام 1: 239.

([7]) وسائل الشيعة 14: 295 ـ 317.

([8]) المحقِّق الحلّيّ، شرائع الإسلام 1: 355.

([9]) المحقِّق الحلّيّ، شرائع الإسلام 1: 468.

([10]) وسائل الشيعة 22: 359.

([11]) المحقِّق الحلّيّ، شرائع الإسلام 2: 59.

([12]) وسائل الشيعة 19: 217.

([13]) المحقِّق الحلّيّ، شرائع الإسلام 1: 469.

([14]) وسائل الشيعة 23: 291.

([15]) المحقِّق الحلّيّ، شرائع الإسلام 2: 163.

([16]) وسائل الشيعة 23: 329.

([17]) المحقِّق الحلّيّ، شرائع الإسلام 2: 175.

([18]) وسائل الشيعة 26: 9.

([19]) المحقِّق الحلّيّ، شرائع الإسلام 2: 261.

([20]) راجِعْ: مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 53: 348 ـ 350، السنة الرابعة عشرة، شتاء 2020م ـ 1441هـ.

([21]) وسائل الشيعة، مقدّمة التحقيق (بقلم: السيّد جواد الشهرستانيّ) 1: 92.

([22]) وسائل الشيعة 4: 7.

([23]) وسائل الشيعة 4: 107.

([24]) وسائل الشيعة 4: 295.

([25]) وسائل الشيعة 4: 343.

([26]) وسائل الشيعة، مقدّمة التحقيق (بقلم: السيّد جواد الشهرستانيّ) 1: 88 (بتصرُّف)؛ وسائل الشيعة، مقدّمة تحقيق الخاتمة (بقلم: السيّد محمّد رضا الجلاليّ) 30: 9 (بتصرُّف).

([27]) وسائل الشيعة، مقدّمة التحقيق (بقلم: السيّد جواد الشهرستانيّ) 1: 92 (بتصرُّف).

([28])وسائل الشيعة، مقدّمة تحقيق الخاتمة (بقلم: السيّد محمّد رضا الجلاليّ) 30: 9.

([29]) وسائل الشيعة 27: 281 إلى 289.

([30]) وسائل الشيعة 25: 229.

([31]) وسائل الشيعة 25: 231.

([32]) وسائل الشيعة 25: 309.

([33]) وسائل الشيعة 20: 79.

([34]) وراجِعْ: وسائل الشيعة 4: 90 ـ 91، باب 25 من أبواب أعداد الفرائض، وهو بعنوان: «باب استحباب المداومة على صلاة الليل…»، ووسائل الشيعة 8: 145 ـ 158، باب 39 من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة، وهو بعنوان: «باب تأكُّد استحباب الموظبة على صلاة الليل».

وراجِعْ: وسائل الشيعة 11: 422، باب 41 من أبواب آداب السفر، وهو بعنوان: «باب كراهة حمل الزاد الطيِّب، كاللحم والحلوى، في طريق زيارة الحسين(ع)…»، ووسائل الشيعة 14: 539، باب 77 من أبواب المزار وما يناسبه، وهو بعنوان: «باب أنّه يُستحبّ لمَنْ أراد زيارة الحسين(ع) أن…، ويخرج على غسل تاركاً للدهن والطيب والزاد الطيِّب،…».

([35]) الملايريّ، جامع أحاديث الشيعة 1: 10 (من كلامٍ للسيّد البروجرديّ(ر)).

([36]) وسائل الشيعة 28: 147.

([37]) وسائل الشيعة 22: 7.

([38]) وسائل الشيعة 22: 10.

([39]) وسائل الشيعة 22: 13.

([40]) وسائل الشيعة 25: 53.

([41]) وسائل الشيعة 12: 5 ـ 312.

([42]) وسائل الشيعة 29: 296.

([43]) وسائل الشيعة 2: 5 ـ 27.

([44]) وسائل الشيعة 2: 29 ـ 171.

([45]) وسائل الشيعة 11: 343 ـ 462.

([46]) وسائل الشيعة 11: 463 ـ 544.

([47]) وسائل الشيعة 11: 5 ـ 312.

([48]) وسائل الشيعة 15: 161 ـ 383؛ 16: 5 ـ 114.

([49]) وسائل الشيعة 27: 281 ـ 289.

([50]) هذا الأمر يُعرف بالتتبُّع، وهو واضحٌ جدّاً للمتتبِّع.

([51]) وسائل الشيعة 12: 333 ـ 334.

([52]) الطوسيّ، تهذيب الأحكام 5: 82 ـ 83، كتاب الحجّ، باب صفة الإحرام، ح80 و82 و83.

([53]) وسائل الشيعة 25: 169؛ وراجِعْ: وسائل الشيعة 2: 7، الباب 1 من أبواب السواك، ح8 و9.

([54]) وسائل الشيعة (تحقيق: الشيخ الربّانيّ) 17: 132، نقلاً عن: «الفهرس»، أي فهرست وسائل الشيعة.

([55]) وسائل الشيعة (تحقيق: الشيخ الربّانيّ) 17: 132.

([56]) الصدوق، عيون أخبار الرضا(ع) 1: 78 ـ 79، ح338 و339 و340.

وفيه: «338ـ حدّثنا محمّد بن أحمد بن الحسين بن يوسف البغداديّ قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن عيينة قال: حدّثنا دارم بن قبيصة قال: حدّثني عليّ بن موسى الرضا(ع)، عن أبيه موسى، عن أبيه جعفر، عن أبيه عليّ، عن أبيه الحسين، عن أبيه عليّ(ع)، قال: دخلتُ على رسول الله(ص) يوماً وفي يده سفرجلةٌ، فجعل يأكل ويطعمني، ويقول: يا عليّ، كُلْ فإنّها هديّةُ الجبّار إليَّ وإليكَ، قال: فوجَدْتُ فيها كلَّ لذّةٍ، فقال: يا عليّ، مَنْ أكل السفرجلة ثلاثة أيّام على الريق صفا ذهنه، وامتلأ جوفه حلماً وعلماً، ووُقي كيد إبليس وجنوده.

339ـ وبهذا الإسناد، عن عليّ بن أبي طالب(ع) قال: قال النبيّ(ص): يا عليّ، إذا طبَخْتَ شيئاً فأكثر المرقة؛ فإنّها أحد اللحمين، واغرِفْ للجيران، فإنْ لم يصيبوا من اللحم يصيبوا من المرق.

340ـ وبهذا الإسناد، عن عليّ بن أبي طالب(ع) قال: قال رسول الله(ص): يا عليّ، خُلِقَ الناس من شجرٍ شتّى، وخُلِقْتُ أنا وأنتَ من شجرةٍ واحدة، أنا أصلها وأنتَ فرعها، والحسن والحسين أغصانها، وشيعتنا أوراقها، فمَنْ تعلَّق بغصنٍ من أغصانها أدخله الله الجنة».

([57]) وسائل الشيعة 21: 326.

([58]) وسائل الشيعة 21: 333.

([59]) وسائل الشيعة 21: 333.

([60]) وسائل الشيعة 13: 262 ـ 263.

([61]) وسائل الشيعة 17: 316 ـ 317.

([62]) وسائل الشيعة 16: 86 ـ 91.

وراجِعْ: وسائل الشيعة 25: 291 ـ 292، الباب 5 من أبواب الأشربة المحرَّمة، ح7.

([63]) وسائل الشيعة 11: 450.

([64]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 2: 300، كتاب الحجّ، باب النوادر، ح2 و3.

([65]) الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 2: 292 ـ 293، باب ما يجب من العدل على الجَمَل وترك ضربه واجتناب ظلمه، ح4.

([66]) وسائل الشيعة 11: 482.

([67]) قد أشار لهذا الفهم عليّ أكبر الغفّاريّ في تعليقه على كتاب «مَنْ لا يحضره الفقيه» 2: 293.

([68]) وسائل الشيعة، مقدّمة تحقيق الخاتمة (بقلم: السيّد محمّد رضا الجلاليّ) 30: 10.

([69]) الإيروانيّ، دروس تمهيديّة في القواعد الرجاليّة: 306.

([70]) وسائل الشيعة 24: 27.

([71]) وسائل الشيعة 3: 482.

([72]) وسائل الشيعة 2: 200 ـ 201.

([73]) وسائل الشيعة 18: 396 ـ 397.

([74]) وسائل الشيعة 21: 412 ـ 413.

([75]) وسائل الشيعة 12: 55.

([76]) وسائل الشيعة 12: 32.

([77]) وسائل الشيعة 12: 33 ـ 34.

([78]) نقل لنا ذلك الشيخ محمّد عليّ مهدوي راد عن الشيخ حسن زاده الآمليّ.

([79]) تظهر هذه الأمور جليّةً من مراجعة أبواب صلاة الجماعة في «الوسائل» 8: 285 ـ 431، ومراجعة مبحث صلاة الجماعة في «الشرائع» 1: 96 ـ 101.

([80]) وسائل الشيعة 8: 351.

([81]) المحقِّق الحلّيّ، شرائع الإسلام 1: 98.

([82]) المحقِّق الحلّيّ، شرائع الإسلام 1: 98.

([83]) وسائل الشيعة 19: 348 ـ 351؛ وراجِعْ: وسائل الشيعة 20: 106، الباب 48 من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه؛ 27: 219، الباب 6 من أبواب آداب القاضي؛ 27: 244، الباب 9 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى.

([84]) وسائل الشيعة 23: 94.

([85]) وسائل الشيعة 27: 350.

([86]) وسائل الشيعة 9: 433.

([87]) وسائل الشيعة 17: 359.

([88]) وسائل الشيعة 11: 427.

([89]) وسائل الشيعة 14: 521 ـ 527.

([90]) وسائل الشيعة 30: 542.

([91]) وسائل الشيعة 11: 422 ـ 423.

([92]) وسائل الشيعة 14: 539 ـ 541.

([93]) وسائل الشيعة 5: 99.

([94]) وسائل الشيعة 8: 247.

([95]) وسائل الشيعة 12: 73.

([96]) وسائل الشيعة 5: 92 ـ 93.

([97]) وسائل الشيعة 14: 403 ـ 404. وغيرُ ذلك من الأمثلة كثيرٌ جدّاً، فراجِعْ.

([98]) وسائل الشيعة 25: 218 ـ 220.

([99]) وسائل الشيعة 10: 102.

([100]) وسائل الشيعة 11: 543 ـ 544.

([101]) وسائل الشيعة 1: 487 ـ 489.

([102]) وسائل الشيعة 17: 235.

([103]) الملايريّ، جامع أحاديث الشيعة 1: 9 ـ 10 (من كلامٍ للسيّد البروجرديّ(ر)).

([104]) الملايريّ، جامع أحاديث الشيعة 1: 9 (من كلامٍ للسيّد البروجرديّ(ر)).

([105]) حيدر حبّ الله، رسالة ماجستير بعنوان: «سنّت جايگاه ونقش آن در تفكُّر إسلامي (نگاه تاريخي در ميراث شيعي) [السُّنّة دَوْرها ومكانتها في الفكر الإسلاميّ (قراءةٌ تاريخيّة في التراث الشيعيّ)]»: 395.



أكتب تعليقك