(بتاريخ: الجمعة 27 ـ 12 ـ 2013م، في مسجد الإمام الحسن(ع)، في تعمير حارة صيدا)
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (النساء: 94).
ورد في سبب نزول هذه الآية أنّه لما رجع رسولُ الله(ص) من غزوة خيبر، وبعث أسامة بن زيد في خيلٍ إلى بعض قرى اليهود في ناحية فدك؛ ليدعوهم إلى الإسلام ، كان هناك رجلٌ من اليهود في بعض القرى، فلما أحسّ بخيل رسول الله(ص) جمع أهله وماله وصار في ناحية الجبل، فأقبل يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله، فمرّ بأسامة بن زيد، فطعنه أسامةُ فقتله ، فلمّا رجع إلى رسول الله(ص) أخبر بذلك، فقال له رسول الله(ص): قتلتَ رجلاً شهد أنْ لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله؟! فقال: يا رسول الله، إنّما قالها تعوُّذاً من القتل، فقال رسول الله(ص): فلا شققتَ الغطاء عن قلبه، ولا ما قال بلسانه قبلتَ، ولا ما كان في نفسه علمتَ! فحلف أسامةُ بعد ذلك أنّه لا يقتل أحداً شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله، فتخلَّف عن أمير المؤمنين(ع) في حروبه. (تفسير عليّ بن إبراهيم 1: 149).
إذاً الإسلام حين يأمر بالجهاد قد وضع ضوابط وقواعد ومبادئ، ولم يسمح بالخروج عنها.
ويقول الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين(ع): «خلق الله الجنّة لمَنْ أطاعه ولو كان عبداً حبشيّاً، وخلق النار لمَنْ عصاه ولو كان سيّداً قرشيّاً».
بهذه الكلمات لخّص إمام الحقّ والهدى غايةَ خلق الجنّة والنار. فالجنّة للمطيعين الملتزمين بشريعة ربّهم، المؤمنين بأنبيائه كلِّهم، والمتَّبعين نبيَّ زمانهم؛ وأمّا النار فهي للعاصين المخالفين المعاندين.
فما هو تفصيل ذلك؟ ومَنْ هم الذين يدخلون النار؟ قبل الجواب نستمع وإيّاكم إلى هذا التقرير، ونتابع.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
تمهيد: تقبيل العَتَبات بين الشعيرة والبِدْعة
كثر في الآونة الأخيرة الحديث بين العلماء عن حكم تقبيل العتبات في المشاهد الشريفة لأئمّة أهل البيت(عم):
فمن قائلٍ بأنّ الأفضل اجتناب تقبيل هذه العتبات؛ لئلاّ يتوهَّم المخالفون لمذهبنا أنّنا نسجد للإمام المعصوم(ع).
وذهب آخرون إلى أنّ تقبيل العتبات ليس مجرَّد عادةً، وإنّما هي شعيرةٌ منصوصةٌ، ونقلوا روايةً عن مولانا الصادق(ع)، وأنّه أمر في زيارة جدِّه أمير المؤمنين(ع) فقال: «قبِّلْ عتبتَه، ثمّ قدِّم رجلك اليمنى قبل اليسرى»([1]). أكمل قراءة بقية الموضوع ←
إنّها الجنّة التي وُعد بها المتّقون، والصابرون، والمحسنون، جزاءً وثواباً لما فعلوه من خيرٍ وصلاح في هذه الدنيا.
فالدنيا دار ممرّ، ودار عمل، والجزاء في الآخرة، فمَنْ عمل خيراً يره، ومَنْ عمل شرّاً يره.
فهنا الزرع، وهناك الحصاد.
ووجود يوم الجزاء والحساب ضروريّ، ويحكم به العقل السليم؛ إذ لا يمكن للعقل أن يقبل بتساوي المحسن مع المسيء، والصالح مع الطالح، والشريف الوفيّ مع اللصّ والخائن، وأن ينتهي كلٌّ منهما إلى حفرةٍ شبيهة بحفرة الآخر.
إذاً لا بدّ من يوم جزاء يُثاب فيه المحسنون، ويعاقب فيه المسيئون، ويوفّى كلُّ كائنٍ ما عمله، من خيرٍ أو شرّ.
أسئلةٌ كثيرةٌ تراودنا في الحديث عن الجنّة، منها ما هو أساسٌ، ومنها ما هو متفرِّعٌ عنه.
ونحاول في هذه الحلقة، وباختصارٍ، الإجابة عن بعض تلك الأسئلة، على ضوء ما ذكرته الآيات القرآنيّة الكريمة؛ إذ القرآن الكريم هو المصدر الأساس للعقيدة الحقّة، ومن تلك الأسئلة: هل يدخل غير المسلم إلى الجنّة؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال نستمع وإيّاكم إلى بعض الاستصراحات في هذا التقرير.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين.
تمهيد
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (يوسف: 5).
«الشيطان الرجيم» اسمٌ مخيفٌ لبعض الناس، وهم المؤمنون، الذين عرفوا الشيطان كمخلوقٍ عدوٍّ للإنسان، من شأنه أن يوسوس للإنسان؛ ليحرفه عن خطِّ طاعة الله سبحانه وتعالى. وفي نفس الوقت ينظر آخرون إليه نظرةً إيجابيّة، حتّى بلغ الأمر ببعضهم أن سمَّوْا أنفسَهم بـ «عَبَدة الشيطان». أكمل قراءة بقية الموضوع ←
وأراد الله أن يكون لهذه الأرض عمّارٌ يحيونها، ويعيشون فيها؛ ليكونوا مظهراً من مظاهر سلطانه وقدرته، فجعل فيها خليفته (آدم)، أبا البشر، وخلق له زوجةً تؤنسه ويسكن إليها، وهي (حوّاء). ثمّ ما لبث أن تكاثر البشر في هذه الأرض، من خلال نظام تكوينيّ بديع، أبدعه الخالق القادر، فخلق الإنسان من ماءٍ مهين، وأودعه في قرارٍ مكين، إلى أمدٍ معلوم، ينمو ويتكامل، ﴿خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ﴾، حتّى إذا استوى خلقاً تامّاً، وإنساناً كاملاً، أخرجه من رحم أمّه طفلاً صغيراً، لا يملك من أمره شيئاً، فتكفَّل برزقه ونموّه وحياته، وهداه إلى ما فيه صلاح دنياه وآخرته.
أيُّها الأحبّة، لماذا خُلق (آدم) من التراب؟ ومِمَّ خُلقت (حوّاء)؟ وكيف تمّ التناسل في الجيل الأوّل من أولاد (آدم)؟
ربطة العنق أو (الكرافات) قطعةٌ من قماش تُدلّى على الصدر، بعد أن تلتفّ على ياقة القميص الداخليّة. اعتاد الكثيرون على لبسها عندما يرتدون البِذَﻝ الرسميّة، ووصل الأمر إلى (علماء الدين)؛ فترﻯ بعضهم يلبسها تحت الجُبّة؛ لتخفي زرَّ القميص. يتَّخذونها زينةً، وقد أُمرنا بالتزيُّن: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ (الأعراف: 31).
فهل من إشكالٍ أو شبهةٍ في لبس ربطة العنق هذﻩ؟
في البداية لا بدّ من لفت النظر الى أنّ كون اللباﺱ معروفاً وشائعاً عند الغربيّين، وفي بلاد الكفر، لا يجعله حراماً؛ فالأمم والشعوﺏ تتأثَّر ببعضها، وتستفيد من حضارات غيرها، ولكنْ بما لا يتنافى وقِيَمها ومبادئها والتزاماتها العَقْديّة والشرعيّة.
ومن هنا نقوﻝ: لا إشكاﻝ على الإطلاﻕ في ارتداء الأزياء التي عرفناها من الغرﺏ، كالبنطاﻝ، والقميص، والجورﺏ، والقبّعة، ما دامت لا تتنافى والقِيَم الإسلاميّة.
فإﺫا ما وجدنا لباساً منها يرمز إلى عقيدةٍ أو شريعةٍ منحرفة وجب أن نجتنبه؛ حرصاً منّا على عدم الوقوﻉ في آثارﻩ الفاسدة، ولو من حيث لا نشعر.
هو باحث إسلامي من لبنان،
وأستاذ في الحوزة العلمية،
ومن خطباء المنبر الحسيني.
حائز على:
1ـ ماجستير في علوم القرآن والحديث.
2ـ دبلوم الدراسات العليا في الأدب العربي.
يشغل حالياً منصب:
1ـ رئيس تحرير (مجلة نصوص معاصرة).
2ـ رئيس تحرير (مجلة الاجتهاد والتجديد).
3ـ المساعد الخاص لرئيس القسم الشيعي الإمامي في مؤسسة خدمة علوم القرآن والسنة الشريفة في القاهرة، والمكلفة كتابة موسوعة الحديث النبوي الصحيح عند المسلمين.
4ـ أستاذ مواد (علوم القرآن)، (تفسير القرآن)، (الأخلاق)، (العقائد)، (المنطق)، (أصول الفقه)، (أصول الفقه المقارن)، (الرجال والدراية)، (اللمعة الدمشقية)، (الفقه الاستدلالي)، في مرحلتي (الإجازة) و(الدراسات العليا)، في الحوزة العلمية في لبنان وإيران (المعهد الشرعي الإسلامي وجامعة المصطفى(ص) العالمية).
له عشرات المقالات والمقابلات التلفزيونية المتنوعة.
وقد حلَّ ضيفاً في أكثر من برنامج ديني تلفزيوني، على أكثر من قناة فضائية.
هدف الموقع وضوابطه
أخي الكريم، أختي الكريمة،
أيها القراء المتصفحون لما ينشر في هذا الموقع.
أهلاً وسهلاً بكم،
ونأمل أن ينال ما ينشره هذا الموقع إعجابكم،
وتحصل منه الفائدة المرجوة.
هذا الموقع منبر لنشر الفكر الإسلامي الأصيل،
في خط الوعي والتعقل،
بعيداً عن الخرافات والأساطير،
ومظاهر الغلو والانحراف والتخلف.
والهدف من ذلك كله رضا الله عز وجل،
والإصلاح في أمة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله، والنأي بمحمد وآله عليهم السلام عن كل ما يبغضهم إلى الناس؛ امتثالاً لأمرهم: كونوا زيناً لنا، ولا تكونوا شيناً علينا. فمن قبلنا بقبول الحقّ فالله أوْلى بالحقّ، ومن لم يقبلنا فالله يحكم بيننا، وهو خير الحاكمين.
وإننا في هذا الموقع الثقافي نرحب بأية مشاركة،
أو تعليق أو نقد علمي لأي موضوع ينشر فيه.
ولكننا في الوقت عينه نعتذر عن نشر أي رد أو تعليق يتضمن إساءةً أو تهديداً أو ما شابه ذلك.
استفتاءات
الموضوع: حكم الترحُّم على الكفّار
سؤال: يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)، ترى هل (شيرين أبو عاقلة) من هؤلاء أم لا؟
الجواب: لسنا معنيين بما سيكون حسابها عند الله، فذاك يحدِّده الله، ويرتبط بنيّتها وعقيدتها الواقعية، التي قد لا تكون متطابقةً مع ما كانت تظهره من عقيدةٍ بين قومها وفي أهلها.
الذي يعنينا أن لها بعض المواقف الشريفة، التي قد تعكس نقاء سريرتها، ولا يضيع عند الله شيءٌ.
تماماً كما كان أبو طالب عمّ النبيّ(ص) يحميه ويرعاه ويدافع عنه، ما يعكس أنه كان على دينه، ولكنّه لا يفصح عن ذلك؛ لمصلحةٍ يراها.
في هكذا حالٍ (ليس لدينا يقينٌ بعنادها وجحودها ومكابرتها ومبارزتها لله تعالى بالكفر والشرك و...) لا بأس بالترحُّم عليها، وطلب المغفرة لها والعفو عنها، وهو يفعل ما يشاء.
من وَحْي حوارٍ طويل
فإنْ قيل: القرآن يمنع الترحُّم على غير المسلم ـ ولو كان أباً أو أمّاً ـ بأصرح العبائر: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ).
قلنا: المشرك أخصُّ من الكافر وغير المسلم، والآية تنهى عن الاستغفار للمشرك، فلا يستفاد منها النهي عن الاستغفار والترحُّم على الكافر وغير المسلم... واليهود والنصارى كفّارٌ من أهل الكتاب، ولهم أحكامهم في الإسلام، التي تختلف عن حكم المشركين.
فإنْ قيل: قوله تعالى: (وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) يحتاج لحكمٍ مخصِّص لهم عن عموم الكفّار والمشركين، يجوِّز الترحُّم على أهل الكتاب كما هي الأحكام الأخرى التي جوَّزت طعامهم ومناكحتهم مثلاً.
فيردّه: قوله تعالى: (لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ) والعطف بالواو يقتضي التغاير.
وقوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
فهم كفّارٌ، لا مشركون، والآية تنهى عن الاستغفار للمشركين، والاستغفارُ لأهل الكتاب على الأصل جائزٌ، ما لم يرِدْ دليلٌ على تحريمه.
إذن ما معنى (سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)؟
نقول: ليس النصارى واليهود فريقاً واحداً، بل هم فرق وطوائف. وبعضُهم غلا في المسيح وفي الأحبار والرهبان فجعلوهم أرباباً من دون الل،ه وهذا هو الشرك المقصود، وهو فعل وعقيدة فريقٍ من اليهود والنصارى
فقد يكون فيهم مشركون، ولكن جمهورهم كفّارٌ، وليسوا بمشركين.
يؤمنون بالإله الواحد ذي الأجزاء الثلاثة: الأب والابن والروح القدس إلهاً واحداً؛ ولكنهم لا يؤمنون بالإله الصمد، الذي ليس له أجزاء.
يؤمنون بالواحدية، ويكفرون بالأحدية والصمدية؛ ولذلك ما كانوا مشركين، بل كافرين.
كما قد يُقال بأن الاستغفار يختلف عن الترحُّم؛
فالاستغفار طلب المغفرة، والشرك لا يغفر؛ لقول الله: (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ).
والترحُّم طلب الرحمة، ورحمة الله وسعَتْ كلّ شيء: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)؛ ولله رحمةٌ يوم القيامة تشرئبّ لها عنق إبليس
فطلب الرحمة هو طلب الممكن، فيجوز ويصحّ؛ وطلب المغفرة هو طلب الممتنع، فلا يجوز ولا يصحّ.
فإنْ قيل: أغلب المسلمين الأوائل كانوا مشركين فهل أن الله لن يغفر لهم فعلاً؟! وهل المغفرة إلاّ مقدّمة للرحمة؟!
قلنا: الذي تاب يُغفر له؛ ومَنْ لم يتُبْ فلا. وهذا ما قالته النصوص القرآنية، التي لا تفتقر إلى الدقّة والإحكام والتفصيل؛
فقوله تعالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) يتحدَّث عن عدم المغفرة بلا توبةٍ؛ وقوله تعالى: إ(إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يتحدّث عن المغفرة مع التوبة. ولا وجود للتعارض.
فإنْ قيل: إن محاولة تفكيك المصطلحات وتضبيبها بغية إيهام بوجود أبعاد لكلّ حرفٍ قرآنيّ غالباً ما تأتي بمشاكل أكثر، والأفضل الاعتراف بأن الترحُّم و الاستغفار على مَنْ ولدوا لأديان أخرى ولم يؤمنوا أن محمداً طار بالبراق في الفضاء الخارجي غير جائز في شرعه، والسلام؛ والدليل قوله تعالى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)؛ وقوله: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
قلنا: في الآية الأولى لم ينهَهُ عن الاستغفار لهم، بل بيَّن أن الاستغفار لهم غير مفيدٍ... وفرقٌ كبير بين الدلالتين.
فإنْ قيل: أليس الثالوث المسيحيّ شركاً؟
قلنا: الجواب واضحٌ بقوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ)، وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). وبيان معناه تقدَّم فلا نعيد.