28 يونيو 2014
التصنيف : برامج تلفزيونية (إعداد وتقديم)
لا تعليقات
7٬764 مشاهدة

فساد بني إسرائيل (اليهود عموماً)

014-دعاية برنامج آيات5 - Copy2

5_82 - Copy

(بتاريخ: 10 ـ 6 ـ 2014م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

مشاهدينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً﴾ (الإسراء: 4)(صدق الله العليّ العظيم).

هُمْ (بَنُو إسرائيل)، هُمُ (اليهود)، هُمُ العاصُون المُسْتكبِرون المُفْسِدون.

هذا ما نصَّتْ عليه آياتُ القرآن الكريم، الذي ﴿لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فُصِّلت:42).

وهذا ما أثبته التاريخ القديم والحديث من صفاتهم السيِّئة، وأفعالِهم القبيحة، واعتداءاتهم الوَقِحة.

فلسانُ حالهم دَوْماً: ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (آل عمران: 75).

ففي نَظَرهم لا حُرْمة، ولا كرامة، ولا حَقَّ، إلاّ لليهوديّ.

فما هي أهمُّ الصفات السيِّئة لليهود المذكورة في القرآن الكريم؟ هذا ما نتعرَّف إليه، ولكنْ بعد أن نستمع وإيّاكم، مشاهدينا الكرام، إلى هذا التقرير، فلنتابِعْه معاً.

1ـ ما هي صفات (اليهود) المذكورة في القرآن الكريم؟

مشاهدينا الكرام، أنَّى لتقريرٍ أو تقارير، أو خطبةٍ أو محاضرة أو كتاب، أنْ يُلِمَّ بكُلِّ صفات السوء التي تجلَّتْ في سَريرةِ (بني إسرائيل) وسلوكِهم.

و(إسرائيلُ) هو أحدُ أسماء نبيِّ الله يعقوب(ع). وكان له وَلَدٌ شقيّ يُسمَّى (يَهُوذَا)، و(بَنُو إسرائيل) أو (اليهود) هُمْ من نَسْل ذاك الولد المُنْحرِف.

ولقد كان للحديث عن (بني إسرائيل) وصفاتِهم حضورٌ مميَّزٌ في القرآن الكريم، حيث يستعرض ـ في أكثر من آيةٍ ـ تاريخَهم، وصفاتِهم، والمنكَرَ من أفعالهم وأقوالهم.

فهم الناقضون للعَهْد والميثاق مع الله، فلم يلتزموا أمرَه، ومَكَروا وتَحَايَلوا للهروب من التكليف: ﴿وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً * فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ﴾ (النساء: 154 ـ 155). فقد امتحنهم اللهُ برزقهم؛ نتيجةَ عِصْيانهم، فحرَّم عليهم الصَّيْد في السَّبْت، فكانوا ينصبون الشِّباك قبله، ويرفعونها بعده، في مَكْرٍ وتحايُلٍ منهم: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ (الأعراف: 163)، فسمّاهُم اللهُ بالمُعْتَدين، وأنزل بهم أشدَّ العذاب: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ (البقرة: 65).

وفي تعاملهم مع أنبياءِ الله ورُسُله لم يَسْلَم منهم أحدٌ من أولئك الكرام(عم)، الذين هم سفراءُ الله إلى الناس، والمبلِّغون عن اللهِ أمرَه ونهيَه، فلم يحترموهم، ولم يُراعُوا حقوقَهم، وإنَّما عاملوهم بأحد طريقَيْن: التكذيب والاتِّهام بالسِّحْر والجنون؛ ورُبَما وَصَل الأمرُ بهم إلى القَتْل في نهاية المطاف: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾ (البقرة: 87)، و﴿لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ﴾ (المائدة: 70).

ووصل الأمر بهم في استكبارهم واستعلائهم إلى الحَدِّ الذي تجرَّأوا فيه على الساحة المقدَّسة للخالِق الرازِق، المُنْعِم المُتفَضِّل، مَنْ بيده مَلَكوت السماوات والأرض: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ (آل عمران: 181)، ﴿وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ (المائدة: 64).

ومن مظاهر استكبارِهم وعُتُوِّهم أنَّهم أعرضوا عمَّا أراهم ربُّهم من الآياتِ البيِّنات، وجَحَدوا نعمتَه، وأَنْكَروا ربوبيَّته، وعَبَدوا غيرَه: ﴿سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (البقرة: 211)، ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ (الأعراف: 138).

ومن آثار هذا الاستكبار والاستعلاء أنَّهم أخذوا يُحَلِّلون ما حرَّم الله، ويُحَرِّمون حلالَه، بعيداً عن كتاب الله وتشريعه: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَمَنْ افْتَرَى عَلَى اللهِ الكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾ (آل عمران: 93 ـ 94).

وانجرفوا خَلْفَ شهواتِهم وأطماعِهم، يستضعفُ غنيُّهم الفقيرَ، فيُقْرِضَه إلى أَجَلٍ، ويستوفي منه دَيْنه أضعافاً مضاعفةً، وهو (الرِّبا) الحرام: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ (النساء: 160 ـ 161).

وهكذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر، فاستحقُّوا غَضَبَ الله ولَعْنَتَه: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (المائدة: 78 ـ 79).

وتركوا الجهادَ في سبيل الله؛ خَوْفاً وجُبْناً وحِرْصاً على الحياة: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَنْ لا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَنْ لا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 246). فهُمْ يكرهون الموت، ولهذا خاطبهم الله عزَّ وجلَّ بقوله: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ (البقرة: 94 ـ 96).

وما دامت فلسطينُ هي الجُرْح النازف لهذه الأمّة، والمعتدي المحتلُّ الغاصب مشخَّصٌ معروفٌ، وهم (اليهودُ) جميعاً، فلنستحضِرْ من خلال القرآن الكريم، الذي كان ولا يزال وسيبقى ﴿أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾ (الزمر: 23)، كيف كان خروجُهم من الأرض المقدَّسة: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ * يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلاَنِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ (المائدة: 20 ـ 26).

أيُّها الأحبَّة، ها هم يجثمون على صدر الأمَّة الإسلاميّة، ويحتلُّون أَرْضاً مقدَّسةً عندنا، ويعبثون بأمننا، ويسرقون ثرواتِنا، ويتآمرون علينا، فهل يختلف بعضُهم عن بعضٍ؟ وهل من فرقٍ في الصفات والهَدَف والغاية بين (اليهود) و(الصهاينة)؟ هذا ما نجيب عنه ـ بحولِ الله وقوَّته ـ، ولكنْ قبل ذلك نستمع وإيّاكم، مشاهدينا الكرام، إلى هذا التقرير، فلنتابِعْه.

2ـ هل من فرقٍ في الصفات بين (اليهود) و(الصهاينة)؟

مشاهدينا الكرام، وكما شاهدنا في التقرير، يحاول البعضُ التفريقَ بين (اليهود) و(الصهاينة)؛ فـ (اليهود) هم قومٌ من أهل الكتاب، وقد تجِدُ فيهم مَنْ يحبُّ العَدْل، ويَوَدُّ إقامةَ أفضل العلاقات مع المسلمين، ولا يحمل في صدرِه غِلاًّ أو حِقْداً تجاه الإسلام والمسلمين؛ وأمّا (الصهيونيّة) فهي حركةٌ قائمة على العُنْصريّة والتَّشَدُّد، والظُّلْم والعُدْوان، والاستكبار والطُّغْيان. ومن أبرز جرائمهم في هذا العصر اغتصابُ أرض فلسطين، وتشريدُ أهلها منها، وإقامةُ هذا الكيان المحتلِّ الغاصب، الذي يُسمَّونه (إسرائيل)، مضافاً إلى اعتداءاتٍ كثيرة على امتداد العالَم بأسره.

وأصدقُ الحديث كتابُ الله عزَّ وجلَّ، ففيه الخَبَرُ اليقين، خبرُ عَلاّم الغُيوب، الذي ﴿لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ﴾ (آل عمران: 5). وها هو يقول بصريح العبارة، محذِّراً نبيَّه الأكرم(ص): ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ (المائدة: 82).

إذن (اليهود) جميعاً يُظْهِرون أو يُضْمِرون الحِقْدَ والعَدَاوةَ للإسلام والمسلمين، وحَرِيٌّ بالمسلمين الواعين، الذين يؤمنون باللهِ وكُتُبِه ورُسُله، أنْ لا يَقَعوا في مَكائدِهم وحَبائلِهم وخُدَعِهم بعد أنْ فضحهم الله في كتابه المجيد.

على المسلمين جميعاً أنْ يوقِنوا بأنَّ (اليهود) هم أساس الشرور والمصائب في هذه الأمَّة، منذ عَهْدِ النبيِّ(ص) وإلى يومنا هذا.

أليسوا هم الذين أثاروا وحرَّضوا بعضَ المشركين ضدَّ النبيّ(ص) في مؤامرةٍ خبيثة، كشفها اللهُ لنبيِّه، فحارَبَهم وقاتَلَهم، حتَّى اجتثَّهم من المدينة وما حولها؟!

أليسوا هم الذين حدَّثنا الله سبحانه وتعالى عنهم أنَّهم سيُفْسدون في الأرض كلِّها، أي العالَم بأسره، مرَّتين، إفساداً كبيراً، ثُمَّ سيكون النصرُ والغَلَبة للمؤمنين؟!

بلى، يقول جلَّ شأنه: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً﴾ (الإسراء: 4).

والقضاء هُنا بمعنى الإعلام والإخبار على نحو القطع واليقين الذي لا شكَّ فيه.

إذن هما إفسادان كبيران عالَمِيّان.

﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاَهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً﴾ (الإسراء: 5).

وبعد الفساد العالميِّ الأوّل سيتصدَّى لهم عبادٌ لله، أقوياء أشدّاء، لا يفتُرون عن الجهاد في سبيل الله، حتَّى يدخُلوا الأرضَ المُقَدَّسة، حيث المسجدُ الأقصى المبارك.

﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً﴾ (الإسراء: 6).

وهكذا ينطلق (بنو إسرائيل) أو (اليهود) في التخطيط للإفساد العالميّ الثاني، فإذا ما استَكْمَلُوه بعث الله عليهم ـ كما في أوَّل مرَّةٍ ـ مَنْ يسومُهم سوءَ العذاب، ويكون الفتحُ المبين، الذي لا هزيمةَ بعده: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾ (الإسراء: 7).

ويختلف العلماء والمفسِّرون في هذين الإفسادَيْن، هل وقعا أو لا؟

أكثرُ العلماء على أنَّهما قد وقعا في ماضي الأيّام، وقد بعث الله عليهم مَنْ قاتَلَهم، وهزَمَهم، وكسر شوكَتَهم، ومنع عُدْوانَهم([1]).

ولكنَّ الطريق الصحيح إلى معرفة هل وقعا أم لا؟ هو تشخيص خصوصيّات هذين الإفسادَيْن، ومن ثَمّ تطبيقها على ما مَرَّ من حركات إفسادٍ في تاريخ بني إسرائيل، وما أكثرها!

وخصوصيّاتُ هذَيْن الإفسادَيْن، بحَسَب القرآن:

1ـ إنّ اليهود هم المُفْسِدون؛ لقوله تعالى: ﴿لَتُفْسِدُنَّ﴾.

2ـ إنّ الإفساد عالَميٌّ، لا مناطقيّ؛ لقوله تعالى: ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً﴾. وقد ركَّز القرآنُ على هذَيْن الإفسادَيْن، مع وقوع حركات إفسادٍ أخرى عظيمةٍ، كقَتْل الأنبياء في فلسطين، الأمر الذي يعني أنَّ لهذَيْن الإفسادَيْن خصوصيَّةَ العالَميّة.

3ـ إنّ محلَّ الإفساد ومركزَه (فلسطينُ)، حيث (المسجد الأقصى)؛ لقوله تعالى: ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾.

4ـ إنّ المؤمنين المجاهدين هم الذين سيُهْلِكون اليهود؛ لقوله تعالى: ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا﴾.

وحركاتُ الإفساد في تاريخ بني إسرائيل متعدِّدةٌ؛ فإنَّهم رأسُ الفساد. ومن تلك الحركات:

أـ ما جرى لهم مع (بَخْت نَصْر) في القرن السادس قبل الميلاد: وفي هذا الإفساد المُفْسِدُ غيرُ معروف؛ إذ قام اليهود على مُشْرِكٍ؛ والإفسادُ مَحَلِّيٌّ، لا عالَميّ؛ والمهلِكُ لليهود كافرٌ، فانتفَتْ ثلاثُ خصوصيّاتٍ، فيخرج هذا الإفساد من مراد الآية.

ب ـ ما جرى لهم مع الرُّوم في سنة 70 ميلاديّة: ولكنَّه كان إفساداً مَحَلِّيّاً، لا عالَميّاً؛ وكان المُهْلِك لليهود كافراً، فانتفت خصوصيّتان، فيخرج كسابقه.

ج ـ ما جرى لهم مع المسلمين في السنة السادسة للهجرة: ولكنَّ محلَّ الإفساد كان (المدينة المنوَّرة)، لا (فلسطين)؛ وكان إفساداً مَحَلِّيّاً، لا عالَميّاً، فانتفت خصوصيّتان، فيخرج كسابقَيْه.

إذن كلُّ حركة إفسادٍ لا تتوفَّر على الخصائص الأربعة المتقدِّمة هي خارجةٌ من مراد الآية.

ولعلَّ بوادر أوَّل هذَيْن الإفسادَيْن ـ بهذه الخصائص ـ ما يحدث في فلسطين اليوم، بل في العالَم، من سَيْطرةٍ إسرائيليّة على كلِّ المقدَّرات ومواقع القُوَّة في العالَم.

إذن، أيُّها الأحبَّة، لعلَّ الإفسادَ الأوّل هو ما يحدث اليومَ في فلسطين والعالَم من الهَيْمَنَة والعُدْوان الإسرائيليّ، وقد تحقَّق.

ويبقى دفعُ هذا الإفساد بيد المؤمنين المجاهِدين المُخْلِصين، وهو ما سيتحقَّق حَتْماً.

ولعلّه يمثِّل شرطاً لخروج المَهْديِّ من آل محمد(عج)؛ إذ الإفساد الثاني سيحصل بعد القضاء على الإفساد الأوّل، وسيكون القضاء على الإفساد الثاني ـ الذي هو أشدُّ من الأوّل ـ بواسطة الإمام(عج) وأنصاره، فما لم يُدفَع الإفساد الأول لن يحصل الثاني، ولن يخرج الإمامُ(عج) لدَفْعه.

وأمّا أنْ يدفع الإمامُ(عج) الإفساد الأوّل بنفسه فهو أمرٌ بعيد؛ لأنّ الإمام إذا غَلَب لا يُغلَب بعد ذلك، لا هو، ولا أنصارُه.

أيُّها الأحبَّة، على المسلمين جميعاً أنْ يُوقِنوا بأنَّ النَّصْر على هؤلاء اليهود المُعْتدين، مهما بلغَتْ قوَّتُهم، سيكون حليفَ عبادِ الله المؤمنين المَخْلِصين المجاهدين؛ فهذا وعدٌ وقضاءٌ إلهيّ، و﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ (آل عمران: 9).

اللَّهُمَّ عجِّلْ لوليِّك الفَرَج، واجْعَلْنا من أنصارِه وأعوانِه، والمُمَهِّدين لسُلْطانِه، كما تُحِبُّ وترضى، آمينَ رَبَّ العالَمين.

والسلام عليكم ـ مشاهدينا الكرام ـ ورحمة الله وبركاته.

الهوامش

([1]) راجع: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 6: 220 ـ 225؛ الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 13: 38 ـ 45؛ ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل 8: 397 ـ 406.



أكتب تعليقك