أمثال/ح16-أخيرة: تاركو العَمَل بالشريعة… ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّد، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، والسلام عليكم ـ أيُّها الأحبَّة ـ ورحمة الله وبركاته.
﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾(الجمعة: 5).
حين تتحدَّثُ عن بني إسرائيل ـ وهم اليهود ـ فعليكَ أن تستحضر كلَّ مفاهيم السُّوء والشرّ، من الجَوْر والعدوان، والقتل والخداع، والحِقْد والفتنة، والمَكْر وكُفْران النِّعمة….
بنو إسرائيل في هذه الآية المباركة مثالٌ لكلِّ الذين يُحَمَّلون العِلْم والهُدى والشَّريعة الحَقّ، فلا يتحمَّلونها، ويُعْرِضون عنها.
تأمرهم بما فيه مصلحتُهم، وما يجلب لهم كلَّ خيرٍ ونفع، وتنهاهم عن كلِّ ما فيه مفسدتهم، وما يجنِّبهم الشرّ والأسواء، فيتمرَّدون على كلِّ الأحكام، ويتملَّصون منها بأعذار واهيةٍ، هي كما يقول المَثَل: «عُذرٌ أقبحُ من ذَنْبٍ».
وفي تقريبٍ للفكرة إلى أذهان الناس كافّةً، على اختلاف مستوياتهم الفكريّة والإدراكيّة، يضرب الله للناس مَثَلاً يصوِّر فيه هؤلاء على حقيقتهم.
إنّه يشبِّههم بـ (الحمار) ـ وهو ذاك الحيوانُ الصبور، القادر على حمل الأثقال ونقلها من بلدٍ إلى بلدٍ ـ، فهم شِبْهُ ذاك الحيوان (الحمار) وقد حُمِّل كتباً علميَّة كثيرة، فإنَّه لا ينتفع منها بشيءٍ، ولا يناله منها سوى التَّعَب والعذاب.
إنّ كلَّ ما في تلك الكتب من العلوم والمعارف لن يستنقذ ذلك الحيوان الأصمّ ممّا هو فيه من العذاب والشقاء؛ لأنّه لا يتفاعل معها كما ينبغي، فهو يحملُها على ظهره، وينقلها من مكانٍ إلى آخر، ولكنَّه لا يتوسَّل الطريقَ الصحيح للاستفادة منها، فهو لا يقرأ منها شيئاً، ولا يتدبَّر في محتوياتها، فأنَّى له أن ينتفعَ بها؟!
وكذلك هي حالُ أولئك الذين أرسل اللهُ الأنبياءَ والرُّسُل ـ في سلسلةٍ متَّصلة ـ لينقلوا إليهم ـ بكلِّ أمانةٍ ـ تعاليمَ الله وأحكامه، وليستنقذوهم ممّا يتخبَّطون فيه من عاداتٍ وتقاليد جاهليّةٍ، قد جرَّتْ عليهم الوَيْلات. فكيف تعاملوا معهم؟
لقد كذَّبوهم، وعذَّبوهم، وقتلوهم، وأذاقوهم ألواناً من الأذى والبلاء.
لقد كذَّبوا بآياتِ الله، فحرموا أنفسهم ممّا تحويه من نَفْعٍ وخير: ﴿وَمَا ظَلَمَهُمْ اللهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (النحل: 33).
أيُّها الأحبَّة، ليس في وُسْع أحدٍ من الناس اليوم أن يقول: لم يصِلْني بلاغٌ؛ فالعِلْمُ مطروحٌ في كلِّ مكانٍ، ووسائلُ التواصل أصبحَتْ في متناول الجميع، والكلُّ قادِرٌ على السؤال والتحرّي عن الحقيقة كاملةً غير منقوصة.
مَنْ لا يؤمن بالنبيِّ الخاتَم، الذي هو مكتوبٌ ومنعوتٌ في التوراة والإنجيل، فمَثَله كمَثَل الحمار يحمل أسفاراً، لا يستفيد منها في شيءٍ: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ﴾ (الأعراف: 157).
وكذلك هو مَثَلٌ لمَنْ يدَّعي الإسلام وهو لا يعمل بما جاء في مصادر الأحكام ـ من قرآنٍ كريم وسنّةٍ شريفة ـ. فالقرآن الكريم ليس كتاب بركةٍ؛ لكي نزيِّن به مكتبات بيوتنا، أو لنقرأه على أمواتنا ومرضانا، أو لنحمله ونتوسَّل به إلى الله في بعض عباداتنا، وإنَّما هو كتابُ عقيدةٍ وشريعة، إنّه كتابُ حياةٍ لمَنْ قرأه، وتدبَّر في آياته، وعمل بأحكامه، وذلك هو الحامل للقرآن بحقٍّ، ومَنْ عداه فمَثَله كمَثَل الحمار يحمل أسفاراً.
اللهُمَّ، إنّا نسألُكَ علماً نافعاً، ورِزقاً طيِّباً، وعَمَلاً متقبَّلاً. والحمد لله ربِّ العالمين.