16 يوليو 2015
التصنيف : برامج تلفزيونية (إعداد وتقديم)
لا تعليقات
177 مشاهدة

أمثال/ح17-ملحق: المُنْفَقُ للحياة الدنيا، خسارةٌ وآثام

يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (آل عمران: 117).

الإنفاق والبَذْل والعطاء مفاهيم توحي بالكَرَم والجود والخير، وهي صفاتُ حُسْنٍ وجمال وكمال.

وهي مفاهيم إنسانيّة، فَطَر اللهُ عليها الناس جميعاً، ولكنَّ بعض الناس نمّاها في نفسه وسلوكه، وبعضٌ آخر حدَّدها وضيَّقها، واستغلَّها في غير مواردها الصحيحة.

قد يقوم البعضُ بالإنفاق في الخَيْرات والمَبَرّات، ومساعدة الناس، وتعليم الجاهلين، وقضاء حوائج المحرومين والمستضعفين؛ كما نجد البعضَ يقوم بالإنفاق في الشرّ والفتنة وبثّ الكراهية والحِقْد بين الناس. ولا يستوي هذان الإنفاقان.

فما يُنفقه الإنسان في طاعة الله، وفي سبيل الله، وابتغاء مرضاته، يعود بالخير العميم عليه كفردٍ، وعلى مَنْ حوله من الناس. وهكذا يكون مثل هذا الإنفاق نافعاً للفرد والمجتمع.

وأمّا ما يُنفقه الإنسان في غير طاعة الله، ولأهدافٍ مشبوهةٍ أو سيِّئة، فيمثِّل له القرآن الكريم بمَثَلٍ واضحٍ بيِّن، ومعروف لكلِّ الناس، فهو كزَرْعٍ أصابته ريحٌ فيها بَرْدٌ شديد ـ وقيل: إنَّها ريح السَّموم الحارّة القاتلة([1]) ـ، فأحرقَتْ ذلك الزَّرْع، وجعلته حُطاماً، فلا يُنتَفَع به بعد ذلك.

وهكذا هي حال ما يُنفقه الكافر، من ماله أو علمه أو…؛ طلباً لما في هذه الدنيا، وبدون نيّةٍ خالصة لله. فمهما حاول أن يصنع بهذا المال أو هذا العلم أو غيرهما ممّا ينفقه في تجميل صورته، أو مساعدة مَنْ حوله، فإنَّه لن يصل إلى مبتغاه؛ لأنّه سلك إليه السبيلَ الخاطئ.

فهؤلاء المنحرفون عن صراط الله المستقيم لا يبذلون أو ينفقون في سبيل الله، وإنَّما يستهدفون بما ينفقونه أضعافاً مضاعفةً من المال، أو الشُّهْرة، أو الحُكْم والسُّلْطة. وعليه فلن يكون لما ينفقونه ذلك الأثر الطيِّب الذي يكون لما يُنفَق في سبيل الله.

قد يبني مدرسةً، أو يعلِّم جيلاً، أو يكفل أيتاماً، أو…، لكنَّ هدفه من ذلك كلِّه طلبُ الحياة الدنيا وزينتها، من مالٍ وسلطة وجاه وقوّة و…، وعليه فإنَّه سيُتْبِع ذلك ـ لا محالة ـ بالمَنّ والأذى، واستضعاف الناس، والاستخفاف بهم، والإحساس بأنَّهم قد أصبحوا مدينين له؛ بما أنفق عليهم أو بذل في سبيلهم، وهكذا لن يكون لذلك الإنفاق أثره الطيِّب، ونتيجته المطلوبة.

ولا يتصوَّرَنَّ أحدٌ أنّ الله هو الذي يُضيع أجرَ هؤلاء، فيظلمهم بذلك، فاللهُ لا يظلم أحداً من عباده، وإنَّما يجازيهم بأعمالهم، بل الإنسان؛ بجهله وغفلته، هو الذي يظلم نفسه، ويظلم غيره: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ (إبراهيم: 34)؛ و﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ (الأحزاب: 72).

اللهُمَّ، إنّا نعوذ بكَ من أن نَظلِمَ أو نُظلَم، فأجِرْنا من ذلك كلِّه، يا كريم. والحمد لله ربِّ العالمين.

الهوامش

([1]) الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن 2: 371. وقد نسبه إلى ابن عبّاس.



أكتب تعليقك