8 أبريل 2016
التصنيف : منبر الجمعة
لا تعليقات
3٬550 مشاهدة

الإسلام ونظام الرِّقّ، بين القَوْنَنة والتحريم

2016-04-08-منبر الجمعة#مقابلة العبودية-الإسلام ونظام الرِّقّ، بين القَوْنَنة والتحريم

 (الجمعة 8 / 4 / 2016م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

الإسلام والظواهر الاجتماعيّة: أساليب مختلفة، وغايةٌ واحدة

لقد كان للإسلام أساليب متعدِّدةٌ في التعاطي مع الظواهر الاجتماعيّة التي لا تتناسب وروحيّة الإسلام وغاياته السامية. ففي الجاهليّة شاعت الكثير من الظواهر الاجتماعيّة، كالتبنّي، وأد البنات، الظهار، مِلْك اليمين (العبوديّة)، شرب الخُمور، تعدُّد الزَّوْجات، الزِّنا، لعب القِمار، و….

التحريم الفوري

ولقد كان للإسلام تجاه هذه القضايا مواقف مختلفة؛ ففي بعضها سلك نهج التحريم الفوريّ، كما في موقفه من وأد البنات، ولعب القِمار، و….

وفي بعضها أضاف إلى التحريم الفوريّ تشريع عقوبةٍ لمَنْ يُقدِم على هذا الفعل الشنيع، كما في الظِّهار ـ حيث أوجب الكَفّارة ـ، والزِّنا ـ حيث أوجب الحَدّ.

وفي بعضها استخدم أسلوب صَدْم الواقع القائم، كما في مسألة التبنِّي، حيث حرَّمه نظريّاً، ولم يكْتَفِ بذلك، بل أمر نبيَّه الأكرم محمّداً(ص) بكسر هذه الظاهرة عمليّاً، من خلال زواجه بطليقة زيد بن حارثة ـ الذي كان يُعرَف بـ (ابن محمد) ـ، ونزلت في ذلك آياتٌ قرآنيّة نقرؤها في سورة الأحزاب.

القَوْنَنة والتنظيم

وفي بعضها اعتمد أسلوب التقنين ووضع ضوابط وحدود، كما في مسألة تعدُّد الزوجات، فبعد أن لم يكن هناك حدٌّ معيَّن لعدد الزوجات التي يتَّخذها الرجل الجاهليّ، جاء الإسلام فذكر عدداً خاصّاً للزوجات، ومنع من تجاوزه، فلا يستطيع الرجل المسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نساء. وهذا التحليل يُفيدنا كثيراً في بيان دلالة الآية الكريمة: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾ (النساء: 3) على جواز التعدُّد، دون استحبابه.

التحريم التدريجي

وفي موقفه من بعض الظواهر اختار الإسلام التدرُّج في المنع والتحريم، ورُبَما يعود ذلك إلى تجذُّر هذه الظاهرة في وجدان الإنسان والمجتمع العربيّ آنذاك.

كما في مسألة الخَمْر، حيث حرَّمها على مرحلتين؛ الأولى: في خصوص أوقات الصلاة، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾ (النساء: 43)؛ والثانية: في جميع الأوقات، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (المائدة: 90).

وكما في مسألة مِلْك اليمين، فلو نظرنا إلى شيوع هذه الظاهرة في المجتمع آنذاك، وأنَّه لم يكن بيتٌ من بيوت العرب أو قبائلهم أو حواضرهم ليخلو من هذه الظاهرة، وبشكلٍ كبير جدّاً، حيث تجدُ في البيت أكثر من عبدٍ وجارية، ولكلٍّ مهمَّته، وتشكِّل هذه الفئة مصدر راحةٍ لأفراد الأسرة في حياتهم اليوميّة، وكتلةً بشريّة وازنة في الحروب والغزوات والغارات، وما أكثرها في ذلك اليوم!، نعرف أنَّه لم يكن بمقدور الإسلام إذا أراد أن يستجيب له الناس، ويلتزموا بأحكامه، إلاّ أن يتعاطى مع هذا الملفّ بما يراعي حساسيّة هذا الموضوع، وحضوره الواسع في كافّة نواحي الحياة العربيّة.

الحكمة في التشريع

ومن هنا انطلق الإسلام بكثيرٍ من الحِكْمة ليُقارِب هذا الموضوع باستراتيجيّةٍ بعيدة المَدى، ولكنْ فعّالة، فأغلق كثيراً من أبواب الاسترقاق، مع إبقائه على بعضها؛ لأسبابٍ عديدة، منها: مبدأ المعاملة بالمثل ـ كما في الحروب ـ.

أـ سدّ أبواب الاسترقاق

فأغلق باب الاسترقاق نتيجة الفقر، أو نتيجة غزو بعضهم البعض للنَّهْب والسَّطْو، أو القمار، أو السرقة، كما في شرع بني إسرائيل مثلاً.

كما شجَّع على معاملة الأسرى بطريقةٍ تختلف عمّا كان شائعاً، فالأسير في الجاهليّة مآلُه إلى العبوديّة، بينما نجد النبيّ(ص) قد عامل الأسرى في معركة بَدْر بطريقةٍ مختلفة، مَنْ لم يستطِعْ أن يفدي نفسه بالمال، وعلَّم عشرة من المسلمين الكتابة، نال حرِّيّته([1])، إذن هو يصيب عصفورين بحَجَرٍ واحد، نهضة ثقافيّة في المجتمع الإسلامي من جهةٍ، وفتح باب جديد في كيفيّة التعامل مع الأسرى من جهةٍ أخرى.

كذلك عندما سبى المسلمون في غزوة بني المُصْطَلَق النساء وقعت جويرية بنت الحارث ـ أحد زعماء القوم ـ في نصيب رجلٍ من المسلمين، فكاتَبَها على فكاك رقبتها، وعجزَتْ عن السَّداد، فجاءت تستنجد بالنبيّ(ص)؛ ليساعدها في فَكَاك نفسها، فما كان منه إلاّ أن سدَّد ما عليها، وتزوَّجها، فأصبح صِهْراً لقومها، فتنادى المسلمون فيما بينهم: أصهارُ رسول الله(ص) يُستَرَقُّون؟! فأعتقوا ما كان في أيديهم من سَبْي بني المُصْطَلَق، وأسلم خلقٌ كثير منهم بعد هذه الحادثة([2]).

ب ـ فتح أبواب التحرير

وفي نفس الوقت فتح الإسلام الباب واسعاً عريضاً أمام تحرير العبيد([3]):

فكثيرٌ من الكفّارات تتضمَّن خصلة تحرير العبيد، أي (عتق رقبة).

كذلك أمّ الوَلَد، أي الجارية الموطوءة التي تحمل من سيِّدها، ويكون ولدها حُرّاً؛ لأنّ الولد يتبع أشرف العمودين (الأب والأمّ) في الإسلام أو الحرّيّة أو… ـ مع أنّنا نعرف أنّ الولد يتبع أباه عادةً، فما السرُّ في أنَّه يتبع أشرف العمودين أباً أو أمّاً؟!، كلّ ذلك تشجيعٌ وترويج لمبدأ التحرير ـ، عندما تضع ولدها الحُرّ تبقى في دائرة العبوديّة، ولكنْ يُمنع بيعُها إلاّ بشروطٍ خاصّة، تمهيداً لوصولها إلى الحرِّيّة، فإذا مات سيِّدُها، سيرثه أبناؤه، ومنهم وَلَدُها، فتكون في حصّة ابنها الحُرّ، دون غيره من أولاد سيِّدها، وبمجرَّد أنْ يملكها ولدُها تصبح حُرَّةً؛ لأنّ الوَلَد لا يُمكنه شَرْعاً أن يملك أحد أبوَيْه.

مضافاً إلى التشجيع على شراء العبيد وتحريرهم، وهو ما يُعرف بـ (عتق الرقبة أو الرقاب). وقد جُعل من الطاعات العظيمة المُنْجية، فقال تعالى: ﴿فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ (البلد: 11 ـ 13).

 وهذا ما كان يفعله أهل البيت(عم)، حيث يعمدون إلى شراء العبيد والجواري بكمّيّات كبيرة، فيعلِّمونهم أحكام الدين، ويؤدِّبونهم ويربُّونهم خيرَ تربيةٍ، ثمّ إذا حلَّتْ بعضُ المناسبات الدينيّة ـ كعيد الفطر أو الأضحى أو… ـ يعتقونهم جميعاً([4]).

وهكذا كان يفعل المُقْتَدِرون من أصحابهم.

وكذلك كان هناك تشجيعٌ على (التدبير)، وهو صيرورة العبد حُرّاً عقب موت سيِّده، أي دُبُر حياته؛ و(المكاتَبَة)، وهي أن يرضى السيِّد بما يعرضه عليه العبد من مالٍ مقابل أن ينال حُرِّيّته، وقد قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ (النور: 33).

كما اعتُبر عتق الرقاب أحد المصارف الثمانية للزكاة، حيث يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 60).

ولهذا شهدنا تناقصاً واضحاً في عدد العبيد في المجتمع الإسلاميّ، حتّى وصلنا اليوم إلى أنَّك لا تكاد تجد أحداً يعيش هذا الوضع بالشكل التقليديّ الذي كان معروفاً في الجاهليّة، وهو أن يكون له سيِّدٌ مالِكٌ لطاقته كُلِّها، وحُرٌّ في أن يتصرَّف به كيف يشاء، حتّى لو شاء قتله، دون أن يتعرَّض لأيِّ لومٍ أو عتاب، على أساس أنَّه مِلْكٌ له، كما يملك هذه الأرض أو هذا البيت أو هذا الحيوان، ولو أتلفه فلا يعترض عليه في ذلك أحدٌ.

نعم قد يتمظهر هذا القَهْر والظُّلْم والعدوان بأشكالٍ عديدة، ولكنَّها ليست بذاك النحو الذي كان معروفاً.

وخلاصةُ الكلام: إنّ الإسلام وضع ضوابط وقوانين لهذه الظاهرة التي كانت متجذِّرةً في المجتمع، ولكنْ ضمن خطّةٍ استراتيجيّة بعيدة المَدَى؛ ليصل في نهاية المطاف ـ ولو بعد مئات السنين ـ إلى القضاء على هذه الظاهرة بشكلٍ نهائيّ، وإلى غير رجعة.

ولذلك نحن نستغرب ونُدين ما يذكره بعضُ الفقهاء من إمكانيّة الرجوع إلى ذلك النظام فيما لو عادت الحَرْب بين المسلمين وغيرهم([5])، ونعتبر ذلك من سَقَطات الفقهاء، وما أكثرها في مباحث الفقه الإسلاميّ! إذا قرأنا بنظرةٍ ثاقبة وبصيرةٍ نافذة خُطَّة الإسلام للقضاء على نظام الرِّقّ القَذِر والبغيض نقطع بأنَّه لا يسمح بالعودة إليه بعد أن تجاوزناه، وإنَّما علينا أن نلجأ إلى القانون الجديد، قانون الأسرى، لتتمَّ مبادلتهم أو ما شابه ذلك، بما يحفظ لهم كرامتهم الإنسانيّة.

العلاقة بين السيِّد وجواريه

وهنا ألفت إلى مسألةٍ مهمّة يُشنَّع فيها على أحكام الإسلام، وهو أنّه أباح للسيِّد أنْ يطأ جواريه دون حدٍّ معيَّن، ودون عقد زواج، وقد تولَّد عن مِثْل هذا الوَطْء شخصيّاتٌ إسلاميّة رفيعة الشأن، كما في بعض أئمّة أهل البيت(عم)([6])، فأشكل البعضُ بأنّ الإسلام دينٌ إباحيّ، وأنّ هذا انتقاصٌ من كرامة هذه المرأة الجارية، لحساب الرجل.

والجواب ببساطةٍ: إنّ هذه الجارية امرأةٌ، ولها حاجاتها الجسديّة المشروعة، ولا بُدَّ من إشباعها، فكيف يكون ذلك؟ لا يكون ذلك إلاّ بوَطْء السيِّد وحده([7])، ولا يحقّ لاثنين أنْ يطآها في الوقت الواحد، بل لا بُدَّ من عِدّةٍ بينهما، ولذلك ما تشكو منه بعض السيدات في بعض المجتمعات التي لا زالت تمارس ذلك النظام البغيض إنَّما هو نتيجة سوء تصرُّف الأسياد، وعدم التزامهم بتعاليم الدين، لا نتيجة التشريع الإسلاميّ الصحيح، وإلاّ فإنَّ نفس هذا الحكم إنّما هو لصالح المرأة، تماماً كما هو الزواج الثاني أو الزواج المؤقَّت؛ فإنَّ أحد طرفَيْه هو المرأة، فلا يصحّ أن يُقال: هو ظلمُ الذُّكور للإناث، أو العدوان عليهنَّ، فإنّ هذا قد يصحّ بلحاظ الزوجة الأولى، ولكنْ ماذا عن المرأة التي رضيَتْ بالعلاقة مع هذا الرجل المتزوِّج، أو التي رضيَتْ بعلاقةٍ مؤقَّتة، أو الجارية التي لا يمكنها أن تتزوَّج؛ لتنافي ذلك مع مِلْك السيِّد لها؟!

ورُبَما كان حثُّ الإسلام على وَطْء الإماء هو لتمكينهنَّ من أن يُصبِحْنَ أمَّهات وَلَدٍ، ويتشبَّثْنَ بالحرِّيّة، ولو في مشوارٍ قد يطول لسنواتٍ، ولكنَّه سينتهي إلى نهايةٍ سعيدة في الغالب، وهي تحريرهنّ من نصيب أولادهنَّ الأحرار إذا مات السيِّدُ قبلهنّ، وهو كذلك غالباً؛ لأنّ الجواري صغيرات السنِّ على الأغلب.

إذن ليس في هذا التشريع انتقاصٌ للمرأة الجارية، بل إنّه يمثِّل خدمةً جليلة لها.

بلال الحبشي رمز سماحة الإسلام

لقد كان بلال بن رباح عبداً لأُمَيَّة بن خَلَف الجُمَحي بالولادة، فقد كانت أمُّه أيضاً ـ وتُدعى (حمامة) ـ أَمَةً لبني جُمَح، فأولدوها هذا العَبْد، من خلال تزويجها لعبدٍ لهم أيضاً، حيث كانوا يستولدون منهم فئةً جديدة من العبيد والجواري، تماماً كما تُستولد البهائم، واشتراه من أُمَيَّة أبو بكر، حيث استبدله بعبدٍ له روميّ، وأصبح بلالُ عبداً لأبي بكر، فأعتَقَه، وأصبح بذلك مَوْلىً لبني تَيْم (قبيلة أبي بكر)([8]).

هكذا كان تعامل النبيّ(ص) وأصحابه من حوله مع هذه الفئة المستَضْعَفة من الناس في ذلك المجتمع الجاهليّ. ولكنْ كما أسلفنا لا يستطيع الإسلام أن يقضي على هذه الظاهرة الاجتماعيّة المتجذِّرة بين ليلةٍ وضحاها، وإنّما وضع خطّة استراتيجيّة طويلة نوعاً ما؛ للوصول إلى حلٍّ نهائيّ وجَذْرِيّ لهذه الظاهرة، ومن ذلك: التشجيع على عتق العبيد، والأمر به، وجوباً واستحباباً، وهكذا كانوا يشترُون الكثير من العبيد والجواري، ويعلِّمونهم أحكام الدين الحنيف، ثمّ يسارعون إلى إعتاقهم.

ولكنْ لم يتسنَّ لأهل البيت(عم) أن يستلموا سلطةً، أو يمارسوا حُكْماً، وبالتالي لم يقدَّر لهذه الأمّة أن تعيش في كَنَف التطبيق الصحيح للدين الإسلاميّ، فعاث الخلفاءُ من بني أميّة وبني العبّاس ومَنْ تبعهم في دين الله فساداً، واتَّخذوا العبيد والجواري؛ للرفاهية واللَّهْو والمُجُون، حتَّى لقد ارتَكَبوا في هذا المجال ما يندى له جبينُ الإنسانيّة على مرِّ الدهور، ولا يَسَعُنا في هذه العُجالة ذكر شيءٍ من ذلك، وإنَّما لنا في قصة ولادة المأمون العبّاسي خير شاهدٍ على ما نقول([9]).

هدف النبيّ(ص) وأهل بيته(عم) من امتلاك العبيد والجواري

إذن تملُّك النبيّ(ص) وأهل بيته(عم) للعبيد والجواري إنّما هو بدافع السعي إلى تخليصهم من نِير العُبوديّة.

وهكذا أعتق النبيُّ(ص) زيد بن حارثة، وأصبح من مواليه(ص)، ولشدّة اهتمامه به أصبحوا يُنادُونه بـ (زيد بن محمد)([10]).

وهكذا تتوالى القصص عمّا كان يفعله أئمّة أهل البيت(عم) مع عبيدهم وجواريهم([11]).

وقيل: إنّ جاريةً لمولانا زين العابدين(ع) كانت تصبّ الماء على يديه، فسقط الإبريق من يدها على رأسه، فشجَّه، فسال الدم، فأدركَتْ عظيمَ جنايتها، فبادرَتْه بقولها: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ﴾، فقال: قد كظَمْتُ غيظي، فقالت: ﴿وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ﴾، قال: قد عفَوْتُ عنكِ، فقالت، وقد طمعَتْ في إحسانه: ﴿وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، فقال: اذْهَبي فأنتِ حُرَّةٌ لوجه الله([12]). وللحديث تتمّةٌ إن شاء الله، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالَمين.

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) محمد بن سعد، الطبقات الكبرى 2: 22.

([2]) محمد بن سعد، الطبقات الكبرى 8: 117.

([3]) يقول الشهيد الثاني في شرح اللمعة الدمشقيّة 6: 229 ـ 230: وإليك الإشارة إلى بعض القوانين التي سنَّها الإسلام في سبيل تحرير العبيد: قانون (عتق الصدقة)، قال الرسول الأعظم(ص): «مَنْ أعتق رقبةً مؤمنة كانت فداؤه من النار»؛ قانون (عتق الكفارة): كفّارة الظهار، كفّارة الإيلاء، كفّارة الإفطار، كفّارة خُلْف النذر، أو العهد، أو اليمين، كفّارة الجزع المحرَّم في المصاب، كفّارة ضرب العبد، كفّارة القتل؛ قانون (الخدمة): إذا خدم العبد المؤمن مولاه سبع سنين فهو حُرٌّ؛ قانون (الإقعاد والعمى والجذام): إنها أسبابٌ قهريّة لانعتاق الرقيق؛ قانون (الاستيلاد)؛ قانون (التدبير)؛ قانون (الكتابة) المشروطة والمطلقة؛ قانون (السراية)، أي سراية العتق إلى بقيّة أجزاء العبد لو عُتِق منه بعضه؛ قانون (تملُّك الذكر أحد العمودين أو المحارم من النساء)؛ قانون (تملُّك الأنثى أحد العمودين)، قانون (إسلام المملوك قبل إسلام مولاه)؛ قانون (تبعية أشرف الأبوين)؛ قانون (التنكيل).

([4]) راجِعْ: الصحيفة السجادية (أبطحي): 285 ـ 287.

([5]) راجِعْ: صراط النجاة 1: 306:

سؤال 819: نساء الكافر الحربيّ هل يجوز استرقاقهنّ دون إجازة الحاكم الشرعي؟ وهل يجوز وطؤهنّ قبل أن يسلمن؟ ولو اشترى أو امتلك جاريةً غير مسلمة هل يجوز له وطؤها؟

الخوئي: عمل الاسترقاق لا يحصل إلاّ بالاستيلاء والسيطرة الكاملة، ولا يتحقَّق بالقصد المجرد، والله العالم. التبريزي: يضاف إلى جوابه(ق): وكما لا يحصل الاسترقاق بالقصد كذلك لا يحصل بالتراضي والتوافق.

وراجِعْ أيضاً: صراط النجاة 1: 449 ـ 450:

سؤال 1254: التأشيرة أو (كارت) الزيارة أو الإقامة الدائمة التي تعطيها سفارة الدولة الإسلامية للكافر الذي يأتي إلى بلاد الإسلام هل تعتبر عهداً، بحيث لا يجوز استرقاقه؟

الخوئي: لا تعتبر عهداً.

التبريزي: يعتبر كافراً مستأمِناً، فلا يجوز الاعتداء عليه.

سؤال 1255: ما المقصود بالحربيّ، أهو الذي يقاتل في الميدان أم مطلق الكافر، سواء كان يقاتل أم لا، أم مراده كافر من الدولة الكافرة؟

الخوئي: مطلق الكافر الأصلي الذي لم يتعهَّد بدفع الجزية.

سؤال 1256: هل المقصود بدار الحرب بلاد غير إسلامية، وبدار الإسلام بلاد إسلامية، أم لدار الحرب معنى آخر، فما هو؟

الخوئي: نعم المقصود بدار الحرب بلاد غير إسلامية.

التبريزي: المراد بدار الحرب دار الكفّار الذين لم يلتزموا بشرائط الذمّة.

وراجع أيضاً: صراط النجاة 1: 535:

سؤال 1668: هل يمكن أن نعدّ نساء أهل الكتاب في بلدهم (بلد الكفر) من الإماء؟

التبريزي: في مفروض السؤال لا تعدّ من الإماء، والله العالم.

([6]) قال القاضي النعمان في شرح الأخبار: 266 ـ 267، في أحوال الإمام عليّ بن الحسين(عما): «واختلفوا في أمّه، فقال بعضهم: كانت سنديّة. وقال آخرون: تسمّى جيدة. وقال بعضهم: كانت تسمّى سلامة. وقال ابن الكلبي: ولّى عليّ بن أبي طالب(ع) الحريث بن جابر الحنفيّ جانباً من المشرق، فبعث إليه ببنت يزدجرد شهرياران بن كسرى، فأعطاها عليٌّ(ع) ابنه الحسين(ع)، فولدت منه عليّاً. وقال غيره: إنّ حريث بن جابر بعث إلى أمير المؤمنين ببنتَيْ يزدجرد بن شهرياران بن كسرى، وأعطى واحدة منهما ابنه الحسين(ع)، فأولدها عليّ بن الحسين، وأعطى الأخرى محمد بن أبي بكر، فأولدها قاسم بن محمد بن أبي بكر، فهما ابنا خالة».

وقال الكليني في الكافي 1: 476، باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر(عما)؛ والمفيد في المقنعة: 476، باب نسب أبي الحسن موسى بن جعفر(عما): «وأمّه أمّ ولد، يقال لها: حميدة البربريّة».

وقال الكليني في الكافي 1: 486، باب مولد أبي الحسن الرضا(ع)؛ والمفيد في المقنعة: 479، باب نسب أبي الحسن عليّ بن موسى(عما): «وأمّه أمّ ولد، يقال لها: أمّ البنين».

وقال الكليني في الكافي 1: 492، باب مولد أبي جعفر محمد بن عليّ الثاني [الجواد](ع): «وأمّه أمّ ولد، يقال لها: سبيكة، نوبيةٌ، وقيل أيضاً: إنّ اسمها كان خيزران، ورُوي أنّها كانت من أهل بيت ماريّة أمّ إبراهيم ابن رسول الله(ص)»؛ وقال المفيد في المقنعة: 482، باب نسب أبي جعفر محمد بن عليّ بن موسى(ع): «وأمّه أمّ ولد، يقال لها: الخيزران، وكانت من أهل بيت ماريّة القبطيّة رحمة الله عليها».

وقال الكليني في الكافي 1: 498، باب مولد أبي الحسن عليّ بن محمد(عما)؛ والمفيد في المقنعة: 485، باب نسب أبي الحسن عليّ بن محمد(عما): وأمّه أمّ ولد، يقال لها: سمانة.

وقال الكليني في الكافي 1: 503، باب مولد أبي محمد الحسن بن عليّ(عما)؛ والمفيد في المقنعة: 485، باب نسب أبي محمد الحسن بن عليّ(عما): «وأمّه أمّ ولد، يقال لها: حديث». وأضاف الكليني: «وقيل: سوسن».

وقال المفيد في الإرشاد 2: 339: باب ذكر الإمام القائم بعد أبي محمد(ع)…: «وأمّه أمّ ولد، يقال لها: نرجس».

([7]) رواه الصدوق في الخصال: 539، عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن عثمان بن عيسى، عمَّنْ ذكره، عن أبي عبد الله(ع) قال: «مَنْ اتَّخذ جارية فلم يأتِها في كلّ أربعين يوماً كان وِزْرُ ذلك عليه».

وروى الصدوق في من لا يحضره الفقيه 3: 451، عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن أبي البختري وهب بن وهب القاضي القرشي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه(عما) قال: قال عليّ بن أبي طالب(ع): «مَنْ اتَّخذ من الإماء أكثر ممّا يَنْكِح أو يُنْكِح فالإثْمُ عليه إنْ بغَيْنَ».

([8]) قال ابن حجر العسقلاني في الإصابة في تمييز الصحابة 1: 455 ـ 456: «…وهو بلال ابن حمامة، وهي أَمَةٌ، اشتراه أبو بكر الصدِّيق من المشركين؛ لما كانوا يعذِّبونه على التوحيد، فأعتقه…، قال ابن إسحاق: كان لبعض بني جُمَح مولَّد من مولَّديهم، واسم أمه حمامة، وكان أمية بن خلف يُخرجه إذا حَمِيَتْ الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكّة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره، ثم يقول: لا يزال على ذلك حتّى يموت أو يكفر بمحمّد، فيقول، وهو في ذلك: أحدٌ أحدٌ، فمرَّ به أبو بكر، فاشتراه منه بعبدٍ له أسود جَلِد».

وقال ابن الأثير في الكامل في التاريخ 2: 66: «فمنهم: بلال بن رباح الحبشي، مولى أبي بكر، وكان أبوه من سبي الحبشة، وأمّه حمامة سبيّة أيضاً، وهو من مولَّدي السراة، وكنيته أبو عبد الله، فصار بلال لأمية بن خلف الجُمَحيّ».

وقال ابنُ سعد في الطبقات الكبرى 3: 232: «مولى أبي بكر، ويكنى أبا عبد الله، وكان من مولَّدي السراة، واسم أمّه حمامة، وكانت لبعض بني جُمَح».

وقال ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق: 10: 435: «من مولَّدي السراة من أهل مصر [ولعلّها: الشام]، من موالي بني تيم».

([9]) حيث أورد الدِّمْيَري في حياة الحيوان 1: 72 أنّ زبيدة لاعبَتْ الرَّشيد بالشطرنج على الحُكْم والرِّضا، فغلبَتْه، فحكَمَتْ عليه أن يطأ أقبح وأقذر وأشوه جاريةٍ في المطبخ، فبذل لها خراج مصر والعراق لتُعفيه من ذلك، فلم تقبَلْ، ولم تجِدْ جاريةً تجمع الصفات المذكورة غير (مراجل)، فطلبَتْ إليه أن يطأها، فولَدَتْ المأمون العبّاسي، وقد ماتت بعد ولادتها إيّاه، وهي ما تزال نفساء، فنشأ يتيم الأمّ.

([10]) قال الطوسي في التبيان في تفسير القرآن 8: 346، في تفسير قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ (الأحزاب: 40): نزلت في زيد بن حارثة؛ لأنّهم كانوا يسمّونه: زيد بن محمد.

وفي تفسير مقاتل بن سليمان 3: 46 ـ 47: وكان زيدٌ أعرابيّاً في الجاهلية، مولى في الإسلام، وكان أصابه النبيّ(ص) من سبي أهل الجاهليّة، فأعتقه، وتبنّاه.

([11]) ففي الصحيفة السجادية (أبطحي): 285 ـ 287: عن محمد بن عجلان قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: كان عليّ بن الحسين(عما) إذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبداً له، ولا أمة، وكان إذا أذنب العبد والأمة يكتب عنده: أذنب فلان، أذنبت فلانة، يوم كذا وكذا، ولم يعاقبه، فيجتمع عليهم الأدب، حتّى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم، وجمعهم حوله، ثم أظهر الكتاب، ثم قال: يا فلان، فعلت كذا وكذا، ولم أؤدِّبْك، أتذكر ذلك؟ فيقول: بلى، يا ابن رسول الله، حتّى يأتي على آخرهم، ويقرِّرهم جميعاً، [ثمّ يدعو معهم بدعاءٍ خاصّ] ثم يقبل عليهم، ويقول: قد عفوتُ عنكم، فهل عفوتم عنّي وممّا كان منّي إليكم من سوء ملكة؟ فإنّي مليك سوء لئيم ظالم، مملوك لمليكٍ كريم جواد عادل محسن متفضِّل، فيقولون: قد عفَوْنا عنكَ، يا سيدنا، وما أسأْتَ، فيقول(ع) لهم: قولوا: اللهمَّ اعفُ عن عليّ بن الحسين كما عفا عنّا، وأعتِقْه من النار كما أعتق رقابنا من الرِّقّ، فيقولون ذلك، فيقول(ع): اللهمَّ آمين، يا ربَّ العالمين، اذهبوا فقد عفَوْتُ عنكم، وأعتَقْتُ رقابكم؛ رجاءً للعفو عنّي، وعتق رقبتي، فيعتقهم، فإذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز تصونهم، وتغنيهم عمّا في أيدي الناس…الحديث.

([12]) القاضي النعمان في شرح الأخبار 3: 259 ـ 260.



أكتب تعليقك