15 أبريل 2016
التصنيف : منبر الجمعة
لا تعليقات
2٬936 مشاهدة

النظام الإسلامي للرِّقّ والاستخدام، تعاملٌ إنسانيّ وأخلاقيّ

2016-04-08-منبر الجمعة#مقابلة العبودية-النظام الإسلامي للرق والاستخدام ـــــ

 (الجمعة 15 / 4 / 2016م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

العبوديّة في العصر الحديث

يُقال: إنّ مظاهر العبودية بمعناها التقليدي لا زالت موجودة في عدد من الدول الإسلامية (موريتانيا والباكستان)، إضافة إلى دول غير إسلامية، بل إن العبودية متوارثة، يعني الأولاد والأحفاد يتوارثون العبيد. ألا يُسيء هذا الأمر للإسلام اليوم؟!

ولكنْ بحسب ما تذكر التقارير فإنّ نظام الرقّ قد أُلغي وحُظر منذ أكثر من 20 سنة في دولة موريتانيا، وأنّه منذ أكثر من 7 سنوات اعتُبِرَتْ ممارسةُ هذا الأمر، وهو استرقاق الناس، جريمةً يُعاقب عليها القانون، ولكنْ هناك مَنْ استسلم لحاله ووضعه، واعتاد هذه الحياة، ولا يعرف سواها، وهو يرغب في البقاء تحت سلطة أسياده القُدامى، وإلاّ فإنّ مَنْ يشكو أمره إلى السلطات الرسميّة ويلجأ إليها فإنَّها تحميه وتنقذه ممّا هو فيه، وتمنع أيّاً كان عن ممارسة الاستعباد والاسترقاق في حقِّه.

وأمّا مسألة توارث الأولاد والأحفاد للعبيد فقد كان معروفاً، ولا إشكال فيه، ما لم تكن أمَّ وَلَدٍ، كما أسلفنا.

وأمّا أنّ أولاد العبيد يكونون عبيداً فقد بيَّنّا أنّ المتولِّد من أبٍ حُرّ يكون حُرّاً؛ تَبَعاً لأبيه. ولكنَّها الممارسة الخاطئة في وَطْء الجواري، حيث تشكو بعض الجواري من أنّ جميع الرجال في البيت (الأب، والأولاد، والأصهار) يطؤونها، ما يعني أنّهم لا يُعِيرون اهتماماً للولد الناتج، وهذا قد يوحي بأنَّهم يعاملونه معاملة العَبْد التابع لأمِّه في العبوديّة. وهذا خلاف التعاليم الإسلاميّة قَطْعاً، الذي حفظ للإماء كرامتهنَّ الإنسانيّة، ومنع أسيادهم من استعمالهنّ في البِغَاء والمُنْكَر، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (النور: 33).

العبيد بين الاضطهاد والحاكميّة

مَنْ يطَّلع على التاريخ الإسلامي يكتشف أنّه ومنذ الدولة الأموية بدأ الاعتماد على الرقيق في المفاصل الأساسية للدولة، وتحديداً في العسكر وقيادة الجيوش، حتّى أنّ المماليك في مصر استطاعوا أن يقيموا دولةً لهم.

وعندما يعتمدون على العبيد في إدارة وتنظيم شؤون الدولة الكبرى فهذا يعني أنَّهم كانوا يشكِّلون كُتَلاً بَشَريّة تساند أسيادها، وأنّ لهم من الحَظْوة والاختلاط بأفراد الأسرة ما يجعلهم يتدرَّجون معهم من تنفيذ مَهَمّة، إلى إبداء مقتَرَحٍ، إلى طلب مَشُورةٍ، إلى تبوُّؤ منصب النيابة والوكالة. وهكذا وضع العبيدُ أقدامَهم في السلطة شيئاً فشيئاً.

ولم يقتصر الأمرُ على ذلك، وإنَّما تُحدِّثنا كتب التاريخ كيف أنّ بعض الخلفاء هاموا ببعض جواريهم حُبّاً وشَغَفاً، كما حصل مع حبابة جارية الخليفة الأمويّ يزيد بن عبد الملك، وتتلخَّص قصتها في أنّه كان للخليفة قصرٌ في إربد، يستخدمه للَّهْو والسرور والاستراحة في رحلات الصيد التي كان يقوم بها في الصحراء الأردنية، وفي إحدى المرّات قام برحلة تنزُّهٍ إلى بيت رأس، وأخذ يلهو هناك مع جاريته حبابة، ويأكلان الرمّان والعنب، حتّى شَرِقَتْ هذه الجارية بحبّة عنب، فلفظت أنفاسها بين يدَيْه، فجُنَّ جنونه على موتها بهذه الصورة المُفجعة، فأبقاها ثلاث ليال وهو يشمُّها ويقبِّلها، ويذرف الدمع على فراقها، حتّى عاب عليه أقاربه وحاشيته ما يصنع، فأذن لهم بغسلها ودفنها في ثرى بيت رأس، ثمّ رجع إلى قصره في إربد، ومكث بعدها أربعين يوماً، ثم لفظ أنفاسه؛ حُزْناً عليها([1]).

طبعاً هذا لا ينفي أنّ فئةً من هؤلاء العبيد والجواري كانوا يعيشون حياة الذُّلّ والقهر والهوان على أيدي أسيادهم ممَّنْ نزع الله من قلوبهم كلَّ رحمةٍ وشَفَقة وإِحْسان.

الجواري بين الابتذال والاحتشام

هذا مضافاً إلى معاملة هذه الطبقة من الناس (العبيد والجواري) بما يندى له الجبين في مسألة اللباس، فقد كان المنافقون في المدينة يتحرَّشون بالإماء، ويتعرَّضون أحياناً لبعض الحرائر، ويحتجُّون بأنّهم لم يعرفوها، وظنُّوها من الإماء، فنزل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ (الأحزاب: 59)؛ تمهيداً لقطع دابر هذه العادة السيِّئة في المجتمع الإسلاميّ.

وليس في هذه الآية ما يشير إلى أنّ الأَمَة ليس لها أن تلبس الجلباب وتستر نفسها جيِّداً، ولْيَظُنَّها المنافقون من الحرائر، وليمتنعوا عن أذيَّتها([2]). ولو سلَّمنا أنّها منصرِفةٌ عن الإماء فإنَّما يكون ذلك من باب التشريع المتدرِّج؛ إذ إنّ العادات السائدة آنذاك لم تكن تسمح للإماء باللباس المحتشِم، ولكنْ مات النبيُّ(ص)، وكان من المفترض أن يكمل مسيرة التبليغ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع)، ولكنّه أُبعِد عن الخلافة، وتسلَّمها مَنْ لم يكن كُفْؤاً لها، فأثبت العادة الجاهليّة، وأهمل حِكْمَةَ وروحيَّة التشريع، فكان الخليفة عمر بن الخطّاب يجول في طرقات المدينة يضرب الأَمَة التي تلبس الجلباب، وينهاها عن التشبُّه بالحرائر([3])، وتبعه على ذلك خلفاءُ بني أميّة([4]).

فرقٌ بين العبوديّة والاستخدام

قد يُقال: إنّه لم يعُدْ في مجتمعاتنا عبيدٌ مملوكون، ولكنّ العبودية عادَتْ إلى مجتمعاتنا بشكلٍ مقنَّع، وما يحدث مع خَدَم المنازل خيرُ دليل.

ولكنْ ينبغي التأكيد على أنّ هناك فرقاً كبيراً بين العبيد والخَدَم.

العَبْد أو الجارية كلُّ طاقته مملوكةٌ لسيِّده، وفي أيّ وقتٍ، ولأيّ عملٍ كان، داخل البيت أو خارجه، في هذا البلد أو في غيره. وبالتالي هو لا يستطيع الاعتراض أو الاستنكاف عن القيام بأيِّ عملٍ يُطلَب منه، بل ربما كانوا يعرِّضونه لما فيه هلاكُه، ولا يستطيع الاعتراض بحَسَب نظام ذاك الزمان. طبعاً الإسلام يرفض ويدين ولا يسمح للعَبْد أن يُلقي بنفسه إلى التَّهْلُكة، وتسقط ولاية سيِّده عنه في هذه الحالة، و«لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالِق»([5]).

وأمّا الخادم أو الخادمة فإنّها تضع في تصرُّف المخدوم أو المخدومة بعضاً من طاقتها ووقتها وأعمالها، فهي خادمةٌ منزليّة لا يمكن الاستفادة منها في الزراعة أو الصناعة أو التجارة. وكذلك هي تعمل في النهار دون الليل، أو في هذا البيت دون غيره، ولها مُستَحقَّاتٌ تتقاضاها مقابل عملها ـ في حين أنّه ليس للعبد أو الجارية أيُّ مُستَحَقّات مقابل عملهم؛ فإنّ طاقتهم وجهدهم هو مِلْك لسيِّدهم، وما ينتج عنهما مِلْكٌ للسيِّد أيضاً ـ، وتستطيع الخادمة فسخ عقد الإجارة إذا لم يلتزم المخدوم بالشروط المتَّفَق عليها، كما أنّ عقد العمل ينتهي في أوانٍ محدَّد، ولا يحقّ لمخدومها أن يستفيد منها بعد ذلك.

إذن هما مختلفان تماماً، ولا مجال للمُقايسة بينهما، إلاّ من ناحية الظُّلْم الذي قد تتعرَّض له هذه الفئات الاجتماعيّة المُستَضْعَفة من قِبَل بعض الذين لا يلتزمون بتشريعٍ أو قانون، فيظلمونهم حقوقهم، ويَقْسُون عليهم، ويمتهنون كرامتهم، وينظرون إليهم نظرةً استعلاءٍ وكِبْر وفَخْر، علماً أنّه لا يحقّ سجن الخادمة، ومنعها من الاتّصال بأهلها، وإجبارها على العمل لساعاتٍ طويلة.

كفّارة عتق الرقبة لا موضوع لها اليوم

يتوهَّم البعض أنّ عتق الرقبة ينطبق على خَدَم المنازل مثلاً. ولكنّ هذا غيرُ صحيحٍ أبداً.

فلقد أوجب الإسلام في بعض الكفّارات ـ ككفّارة القتل الخطأ ـ أن يعتق الإنسان رقبةً مؤمنة، وفي بعضها ـ ككفّارة الظهار وحَنْث اليمين ـ عتق رقبةٍ. وبعد الذي تقدَّم من التفريق بين نظام مِلْك اليمين ونظام الخِدْمة يتَّضح أنّه لا مجال أبداً للقول بأنّ الخادم أو الخادمة تمثِّل رقبةً مملوكة يمكن عتقها؛ استجابةً للأمر الإلهيّ حيث كان. فالخادم والخادمة أجيران يبذلان طاقتهما بمقابلٍ، وفي عقد الإجارة يتحدَّد مقدار الطاقة (من خلال تحديد طبيعة العمل)، ومقدار الأجرة، وزمان العمل، ومكان العمل، وبالتالي لا يملك منهما المُسْتأجِر إلاّ عملهما وفق المحدَّد في العقد، ولا يملك رقبتهما، وبالتالي لا معنى للحديث عن عِتْق الرقبة، إذ «لا عتق إلاّ بعد مِلْك»([6]).

آداب التعامل مع الخَدَم

للأسف الشديد يوجد اليوم في مجتمعاتنا مَنْ يتعامل مع الخَدَم بعنصريّةٍ، فيمنعونهم من الأكل معهم، والجلوس معهم، و…

وهذه العادات من سنن أهل الجاهليّة، الذين كانوا يتصرَّفون بهذه العنصريّة مع مماليكهم. ومنشأ هذا الأمر هو الكِبْر والاستعلاء والفَخْر، وإلاّ فإنّ المسلم حقّاً، وهو الذي ينظر إلى الناس كما وصفهم أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب(ع) فقال: «الناس صنفان: أخٌ لك في الدين؛ أو نظيرٌ لك بالخلق»([7])، لا تصدر عنه مثل هذه التصرُّفات المُشينة.

وقد كان أئمّة أهل البيت(عم) القدوة للناس في التعامل الطيِّب مع مماليكهم، حتّى عُدَّ ذلك من أوصاف مولانا أبي الحسن الرضا(ع) المشهورة، حيث جاء في ما وصفه به أحد أصحابه: «وإذا خلا ونصب مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه، حتّى البواب والسائس»([8]). وللحديث تتمّةٌ إن شاء الله، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالَمين.

**********

الهوامش

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

)[1](http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D8%A9_%D8%AC%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83 . (بتاريخ: السبت 15 / 11 / 2014م، الساعة: 5.01 مساءً)

([2]) خلافاً لما ذُكر في بعض التفاسير من أنّ لبس الجلباب للأَمَة غير المتزوِّجة مكروهٌ، كما رواه ابن أبي حاتم الرازيّ في تفسيره، عن أبيه، عن أبي صالح، عن الليث، عن يونس بن يزيد، عن الزهري: هل على الوليدة خمارٌ، متزوِّجة أو غير متزوجة؟ قال: عليها الخمار إنْ كانت متزوِّجة، وتُنهى عن الجلباب؛ لأنّه يُكرَه لهنَّ أن يتشبَّهْنَ بالحرائر، إلاّ محصَناتٍ: وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ﴾.

([3]) رواه عبد الرزّاق الصنعاني في المصنَّف 3: 135 ـ 137؛ وابن أبي شيبة الكوفي في المصنَّف 2: 134 ـ 135؛ والمتَّقي الهندي في كنز العمّال 15: 486 ـ 487.

([4]) أورد ابنُ سعد في الطبقات الكبرى 5: 381 أنّ عمر بن عبد العزيز كتب أن لا تلبس أَمَةٌ خماراً، ولا يتشبَّهْنَ بالحرائر.

نعم، روى أحمد بن محمد بن خالد البرقي في المحاسن 2: 318، عن أبيه، عن يونس بن عبد الرحمن، عن حمّاد بن عثمان، عن حمّاد اللحّام، قال: سألتُ أبا عبد الله(ع) عن المملوكة تقنِّع رأسها إذا صلَّتْ؟ قال: «لا، قد كان أبي إذا رأى الجارية تصلّي في مقنعةٍ ضربها؛ لتعرف الحرّة من المملوكة».

وروى الصدوق في علل الشرائع 2: 345 ـ 346، عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن حمّاد الخادم، عن أبي عبد الله(ع) قال: سألتُه عن الأمة تقنِّع رأسها في الصلاة قال: «اضربوها؛ حتّى تعرف الحرّة من المملوكة».

وروى أيضاً عن أبيه، عن عليّ بن سليمان الرازي، عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن حمّاد بن عثمان، عن حمّاد الخادم قال: سألتُ أبا عبد الله(ع) عن المملوكة تقنِّع رأسها إذا صلَّتْ؟ قال: «لا، قد كان أبي(ع) إذا رأى الخادمة تصلّي مقنَّعةً ضربها؛ لتعرف الحرّة من المملوكة».

ولو سلَّمنا صحّة هذه الروايات، بعد الذي ورد فيها من أنّ الإمام(ع) كان يضربها أو يأمر بضربها لمجرَّد هذه المخالفة، وهو ما لا نتصوَّره من أهل البيت(عم)، فإنّنا نلاحظ اختصاصها بحال الصلاة، ولعلّ بعض الإماء كُنَّ يفعلنَ ذلك ويُطِلْنَ في صلاتهنَّ؛ تهرُّباً من العمل، فنُهينَ عن التشبُّه بالحرائر في الصلاة، وأمّا في غير الصلاة، ولا سيَّما خارج المنزل، فيُترَك لها الخيار، وهو ما نقله الشهيد الأوّل في ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 3: 10، عن عليّ بن إسماعيل الميثمي في كتابه، عن أبي خالد القمّاط، قال: سألتُ أبا عبد الله(ع) عن الأَمَة، أتقنِّع رأسها؟ فقال: «إنْ شاءَتْ فعلَتْ، وإنْ شاءَتْ لم تفعَلْ، سمعْتُ أبي يقول: كُنَّ يُضْرَبْنَ، فيُقال لهنَّ: لا تشبَّهْنَ بالحرائر».

فإنْ لم تتقنَّع؛ خَوْفاً من الضرب والقصاص، فلا إثم عليها؛ وإنْ تقنَّعَتْ فذلك أسترُ لها، وأصونُ لعفَّتها، وأوفقُ بالشريعة التي دَعَتْ الرجال إلى غضِّ البصر، فلا بُدَّ من تأمين الأجواء المساعِدة عليه، بإعدام الدواعي إلى الفساد، وأيُّ داعٍ أعظم من أن تبرز الإماء كاشفات الشعور والصدور، فتثير الرجال وتغريهُنَّ بالمُنْكر، وقد روى محمد بن جرير الطبريّ في دلائل الإمامة: 253 ـ 254، عن أبي الحسين محمد بن هارون، عن أبيه، عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمّي، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد البرقي، عن إبراهيم بن محمد الأشعري، عن أبي كهمس، قال: «كنتُ بالمدينة، نازلاً في دارٍ، وفيها وصيفةٌ تعجبني، فانصرفتُ ليلةً ممسياً، فاستفتحْتُ الباب، ففتَحَتْ لي الجارية، فمدَدْتُ يدي إلى ثديَيْها، فقبَضْتُ عليهما، فلمّا كان من الغد دخلتُ على أبي عبد الله(ع) فقال: يا أبا كهمس، تُبْ إلى الله عزَّ وجلَّ ممّا صنعْتَ البارحة».

وروى أيضاً عن أبي الحسن عليّ بن هبة الله، عن أبي جعفر [محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمّي]، عن عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ، عن أبيه، عن أحمد بن عبد الله، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن مهزم، قال: «كنّا نزولاً بالمدينة، وكانت جاريةٌ لصاحب الدار تعجبني، وإنّي أتيت الباب فاستفتَحْتُ، ففتَحَتْ الجارية، فغمَزْتُ يديها [ثديها]، فلما كان من الغد دخلتُ على أبي عبد الله(ع) فقال: يا مهزم، أين كان أقصى أثرك اليوم؟ فقلتُ: ما برحْتُ المسجد. فقال: أَوَما تعلم أنّ أمرَنا لا يُنال إلاّ بالورع؟!».

([5]) نهج البلاغة 4: 42؛ ورواه الصدوق في الأمالي: 452 (حديث الحقوق)، عن عليّ بن أحمد بن موسى، عن محمد بن جعفر الكوفي الأسدي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن عبد الله بن أحمد، عن إسماعيل بن الفضل، عن ثابت بن دينار الثمالي، عن سيد العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب(عم)؛ ورواه الصدوق أيضاً في الخصال: 139، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سُلَيْم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين عليّ(ع)؛ ورواه الصدوق أيضاً في الخصال: 567 (حديث الحقوق)، عن عليّ بن أحمد بن موسى، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، عن خيران بن داهر، عن أحمد بن عليّ بن سليمان الجبلي، عن أبيه، عن محمد بن عليّ، عن محمد بن فضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن عليّ بن الحسين(عما)؛ ورواه ابن أبي شيبة الكوفي في المصنَّف 7: 737، عن وكيع، عن مبارك، عن الحسن، عن رسول الله(ص).

([6]) رواه الكليني في الكافي 6: 179، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله(ع) قال: قال رسول الله(ص): لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك.

ورواه أيضاً عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن مسمع أبي سيار، عن أبي عبد الله(ع) قال: قال رسول الله(ص): لا عتق إلاّ بعد ملك.

ورواه الصدوق في الأمالي: 461، عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، عن منصور بن حازم؛ وعليّ بن إسماعيل الميثمي، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله الصادق، عن آبائه(عم)، قال: قال رسول الله(ص): لا رضاع بعد فطام، ولا وصال في صيام، ولا يتم بعد احتلام، ولا صمت يوم إلى الليل، ولا تعرُّب بعد الهجرة، ولا هجرة بعد الفتح، ولا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك، ولا يمين لولدٍ مع والده، ولا لمملوكٍ مع مولاه، ولا للمرأة مع زوجها، ولا نذر في معصية، ولا يمين في قطيعة.

([7]) نهج البلاغة 3: 84.

([8]) رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا(ع) 1: 197 ـ 198، عن الحاكم أبي جعفر بن نعيم بن شاذان، عن أحمد بن إدريس، عن إبراهيم بن هاشم، عن إبراهيم بن العبّاس قال: «ما رأيتُ أبا الحسن الرضا(ع) جفا أحداً بكلمةٍ قطّ، ولا رأيته قطع على أحدٍ كلامه حتّى يفرغ منه؛ وما ردَّ أحداً عن حاجةٍ يقدر عليها؛ ولا مدَّ رجله بين يدي جليس له قطّ؛ ولا أتّكأ بين يدي جليسٍ قطّ؛ ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومماليكه قطّ؛ ولا رأيته تفل؛ ولا رأيتُه يقهقه في ضحكة قطّ، بل كان ضحكه التبسُّم؛ وإذا خلا ونصب مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه، حتّى البواب والسائس؛ وكان(ع) قليل النوم بالليل، كثير السهر، يحيي أكثر لياليه من أوّلها إلى الصبح؛ وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر، ويقول: ذلك صوم الدهر؛ وكان(ع) كثير المعروف والصدقة في السرّ، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة. فمَنْ زعم أنّه رأى مثله في فضله فلا تصدِّقه».



أكتب تعليقك