22 أبريل 2016
التصنيف : منبر الجمعة
لا تعليقات
3٬597 مشاهدة

العُنْصُريّة حرامٌ، تجاه الكافر والمرأة والمُبْتَلين

2016-04-22-منبر الجمعة#مقابلة العبودية-العُنْصُريّة حرام تجاه الكافر والمرأة والمُبْتَلين

 (الجمعة 22 / 4 / 2016م)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمّدٍ، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه المنتَجَبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

التمييز بين المسلم وغيره

يقول الله تبارك وتعالى، مخاطباً أمّة الإسلام: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ﴾.

ولكنْ ليس في هذه الآية ما يشير إلى أنّ الله ميَّز المسلم عن غير المسلم في إنسانيَّته، وحقوقه، وواجباته، وإنَّما هو التمييز بالعمل الصالح، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المُنْكر، الذي هو الركن الأساس في صلاح المجتمعات البشريّة.

والتمييز بالصلاح أمرٌ فطريّ عقلائيّ، لا نقاش فيه، أليس هناك اليوم توصيفٌ بـ (المواطن الصالح) في مقابل (المواطن غير الصالح)، فهل من ضَيْرٍ في هذا التمييز؟!

أنتم أيُّها المسلمون خيرُ أمّةٍ إذا أمرْتُم بالمعروف ونهيْتُم عن المُنْكر، وأمّا إذا لم تفعلوا فلن تكونوا خيرَ أمّةٍ.

وهكذا إذا التزم بعض المسلمين بهذه الفريضة، وضيَّعها آخرون، كما هو حال غالبيّة المسلمين اليوم، فالتميُّز هو للملتزِم. إذن هناك تمييز بين المسلمين أنفسهم، وليست تمييزاً بين المسلم وغير المسلم فقط.

وإلى هذا المعنى تشير الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13).

وإليه أيضاً يشير النبيّ(ص) في آخر خطبته في حِجَّة الوداع حيث قال: «أيُّها الناس، إنّ ربَّكم واحدٌ، وإنّ أباكم واحدٌ، كلُّكم لآدم، وآدم من تراب، ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾، وليس لعربيٍّ على عجميٍّ فضلٌ إلاّ بالتقوى، ألا هل بلَّغْتُ؟» قالوا: نعم. قال: «فليبلِّغ الشاهد الغائب»([1]).

موقف الإسلام من العُنْصريّة والتمييز الديني

يتّهمون الإسلام بأنّه لم يساوِ بين المسلمين وغير المسلمين في الحقوق والواجبات، ويتناسَوْن أنّ الإسلام كان أوّل مَنْ كافح العنصرية، وقولُ رسولنا الأكرم: «لا فرق بين أعرابيّ [عربيّ] وأعجميّ إلاّ بالتقوى» حديثٌ واضح وصريح في هذا الشأن.

تلك تهمةٌ باطلة، فغير المسلمين عاشوا في كَنَفهم لفترةٍ طويلة من الزمن، فاليهود عاشوا في كنف الدولة الإسلاميّة في المدينة المنوَّرة بقيادة رسول الله الأكرم محمد(ص)، وكانوا يتمتَّعون بكافّة الحقوق الاجتماعيّة والإنسانيّة التي يتمتَّع بها المسلمون آنذاك، ولم يتعرَّض لهم أحدٌ بسوءٍ، إلى أن اقترفوا إثماً وخطيئةً كُبرى لا تُغتَفَر، وهي الخيانة الوطنيّة، حيث أغرَوْا مُشْركي مكّة بغزو المدينة، وساعدوهم في معركة الأحزاب، التي انتصر فيها المسلمون بعد شدّةٍ وضيق، فقرَّر النبيّ(ص) حينها أن يطرد اليهود من المدينة وما حولها.

وهكذا كان كثيرٌ من أهل الكتاب يعيشون في أوساط المسلمين في عهد الخلفاء الأوائل، وما كانوا يَجِدون ما يزعجهم، أو يمتهن كرامتهم، أو يُشْعرهم بالظُّلْم والقَهْر.

وهكذا يحدِّثنا التاريخ عن أمير المؤمنين(ع) أنَّه وجد درعاً له عند يهوديٍّ أو نصرانيّ فقاضاه إلى قاضي المسلمين (شُرَيْح)، فحكم بينهما كما يقضي بين مسلمَيْن، ولم يلحَظْ أنّ أحدهما مسلمٌ والآخر غير مسلم، ولا أنّ أحدهما خليفةُ المسلمين والآخر واحدٌ من أهل الكتاب([2]).

فلسفة الجِزْية في الإسلام

وأمّا مسألة الجِزْية فإنّ لها ظروفها وأسبابها، وهي ضريبةٌ تُدفَع في مقابل أمورٍ يُعْفَى منها غيرُ المسلم، وأهمُّها أنّه لا يخرج للقتال إلى جانب المسلمين في حروبهم مع غير المسلمين؛ وذلك توقِّياً من مَيْله العاطفيّ نحو قومه أو أهل ديانته، فيكون كالشَّوْكة في خاصرة المسلمين، ويصيب منهم مَقْتَلاً. ولهذا أُسقط عنه هذا الفَرْض ـ وهو الجهاد ـ في مقابل أن يساهم في حماية البلد والمجتمع الذي يحيا في كَنَفه بماله، وأمّا المسلمون فإنَّهم يساهمون في ذلك بأنفسهم وأموالهم([3])، فأيُّ تمييزٍ في المقام؟!([4]).

وأمّا ما قد نعثر عليه في فتاوى بعض الفقهاء هنا وهناك، كما أنّه لا يجوز لهم أن يعلُوا ببنيانهم على بناء جارهم المسلم، أو أنّه يجب أن يلبسوا زِيّاً خاصّاً بهم، أو أن يسيروا في طَرَفٍ من الطريق دون الطَّرَف الآخر، أو أن يجلسوا على الدوابّ عَرْضاً، وليس بشكلٍ مستوٍ([5])، فهذه كلُّها سَقَطات وقع فيها الفقهاء، بعيداً عن رُوحِيَّة الإسلام وأخلاقيّاته.

الإسلام والمرأة، إعزازٌ وإنصاف

يقول البعض: لا شكَّ أنّ الإسلام قضى على كثير من العادات الظالمة للمرأة في زمن الجاهلية، كوأد البنات، وكونها من الميراث، و…. ولكنَّ التمييز ضدّ المرأة، والنظرة العنصريّة تجاهها، لا زالت موجودةً، على الرغم من القيمة التي أعطاها الإسلام للمرأة، وهناك أحاديث كثيرةٌ يتداولها الناس عن المرأة، من قبيل: «النساء ناقصات عقلٍ ودين»، وغيرها من الأحاديث. فهل هذه هي نظرةُ الإسلام إلى المرأة؟!

لا شكَّ ولا رَيْب في أنّ الإسلام أعاد للمرأة الكثير من مكانتها الاجتماعيّة التي كانت محرومةً منها في العصور السابقة، بل وفي الديانات السابقة ـ المحرَّفة طبعاً ـ، فالإسلام نظر إليها ككائنٍ اجتماعيّ فاعل ومؤثِّر، ويشكِّل نصف المجتمع، بل ربما يمكن القول: إنّه يشكِّل النصف الأهمّ في المجتمع؛ إذ لولا دور المرأة في تربية الأجيال لما أمكن لنا أن نجد مجتمعاً بشريّاً متماسكاً، وقابلاً للحياة.

لن أخوض في الحديث طويلاً عن نظرة الديانات المحرَّفة، والتي سبَقَتْ الإسلام، إلى المرأة، حيث اعتبروها نجسةً في أيّامٍ خاصّة، وهي أيّام عادتها الشهريّة([6])، وكذلك لا يَرَوْن لها حقّاً في الحديث والسؤال عن أحكام دينها في المحافل الدينيّة العامّة (في الكنائس)([7]).

وإنَّما يهمُّني أن أقف قليلاً أمام ما يُروى عن النبيّ(ص) أنّه قال: «ما رأيتُ من ناقصات عقلٍ ودين أغلب لذي لُبٍّ منكنَّ»([8])، أو ما يُروى عن أمير المؤمنين(ع) أنّه قال: «إنّ النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول»([9]).

(نواقص الإيمان) في الميزان

إنّنا لا نستبعد أن يكون ما رُوي عن النبيّ(ص)، أو عن أمير المؤمنين(ع)، هو من وضع بعض الفاسدين الذين أرادوا الإساءة للإسلام، وإلاّ فما معنى نقصان الدين؟! وهل تترك المرأة الصلاة والصوم في أيّام حيضها أو نفاسها ـ وهما من أسرار الخِلْقة الإلهيّة، ولا تفقدهما إلاّ مريضةٌ ذاتُ عاهةٍ ـ إلاّ امتثالاً لأمر الله، وتقرُّباً إليه؛ حيث يحرم عليها أن تأتي بالصلاة ولو رغبَتْ فيها، تماماً كما يحرم على الجُنُب وغير المتوضِّئ، سواءٌ كان رجلاً أم امرأةً، أن يدخل في الصلاة قبل تحصيل الطهارة؟! وهل يستطيع الرجل المسافر أن يصوم قربةً إلى الله تعالى؟! إنَّه لا يصحّ منه، بل يحرم عليه، ويأثم لفعله؛ لأنَّه أُمر بالإفطار، وما عليه سوى الامتثال، فكذلك المرأةُ أُمرَتْ بالإفطار؛ تخفيفاً عليها في حالات معيَّنة، فعليها الالتزام، وهذا من تمام التديُّن وكمال الإيمان.

وإذا كان الحيضُ نقصاً في دين المرأة فهل أنّ تأخُّر سنّ اليأس عند العلويّة ـ وهو يتأخَّر إلى 60 سنة، كما يراه بعض الفقهاء ـ يوجب طول فترة نقصان دينها؟! وهل في هذا تكريمٌ ومدحٌ لبنات رسول الله(ص) أو إهانةٌ وذمٌّ لهُنَّ؟! وهل يكون غيرُهُنَّ أفضلَ منهُنَّ في هذا المجال. مع الإشارة إلى أنَّنا نرفض هذا التمايز بين النساء، كما الرجال. ولا فضل إلاّ بالتقوى، كما هو صريح القرآن الكريم: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13).

(نواقص العقول)!

ولو تأوَّلنا نقصان الدين بأنّ كثيراً من النساء لا يلتفتْنَ إلى ما يجب عليهنَّ من قضاء صلوات قد فاتَتْهُنَّ قبل أن يطرقهنَّ الحيض، كما لو أنّها حاضت بعد مضيّ وقتٍ يتَّسع لصلاة الظهر مثلاً، فإنّه يجب عليها أن تقضي هذه الصلاة (صلاة الظهر) بعد طهرها، فمَنْ تفعل ذلك؟!؛ أو أنّهنَّ لا يستطِعْنَ تحديد نهاية الحيض بدقّةٍ، فتفوتهنَّ بعض الصلوات، ولا يقضينَها؛ ظنّاً أنّهنَّ كنَّ معذورات؛ بسبب الحيض؛ أو ينسَيْنَ عدد أيّام حيضهنَّ فيقضينَ أيّاماً غير مضبوطةٍ، ويفوتهنَّ قضاءُ الأيّام الأُخَر، أو يؤخِّرْنَ القضاء إلى أن يأتي شهر رمضان، وهذا معصيةٌ وذنبٌ، ويترتَّب عليه الإثْم والوِزْر؛ وهكذا…، فما معنى نقصان العقل؟! وهل أنّ الرجل ناقص العقل حيث لم يُقبل منه في الشهادة على الزِّنا إلاّ بأربعةٍ، وليس باثنين؟! وكيف تُقبَل شهادة المرأة ناقصة العقل منفردةً في مواضع، كالعُذْرة، وعيوب النساء، والولادة، والاستهلال (خروج الولد من رحم أمِّه حيّاً صائحاً)، والرِّضاع؟!

(نواقص الحظوظ)!

وما معنى نقصان الحَظّ؟! وهل يبقى لرجلٍ من المال الذي يصل إليه ـ بعد أنْ كانت نفقة البيت الزوجيّ عليه ـ بمقدار ما يبقى للزوجة التي لم تُكلَّف شيئاً من النَّفقات؟!

للأسف إنّها أحاديث غير صحيحةٍ، بل لا يساورنا الشكُّ في أنَّها موضوعةٌ مكذوبة، ومع ذلك يتمسَّك بها بعض الناس؛ للترويج لبعض الأفكار الخاطئة عن الدِّين، ونظرته إلى المرأة في المجتمع الإسلاميّ، ولكنَّ الدِّين من ذلك كلِّه براءٌ.

السُّخْرية والتنابُز بالألقاب رذائل اجتماعيّة خطيرة

نواجه في مجتمعاتنا بعض الناس الذين اعتادوا على أن ينادوا الأشخاص بلونهم أو جنسيّتهم، فيقولون: (أسود)، أو (سوري)، أو (كردي)، أو…. ويحضرنا حينذاك قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾.

ومن الواضح في الآية الكريمة تحريمُها للسُّخْرية واللَّمْز والتنابز بالألقاب المُسيئة وغير المَرْضِيَّة، واعتبارُها من مُسْقِطات العدالة، وصيرورة مرتكبها فاسقاً. وعليه ينبغي للمؤمن العاقل أن يُقلع عن هذه العادات التي حرَّمها الإسلام؛ حِفْظاً لكرامات الناس واحترامهم، كما أنّ مثل هذه الأمور التي يُعابون بها عادةً ليست من صُنْع أيديهم، وليست تحت إرادتهم، فمَنْ تولَّد أَسْوداً أو أسمراً أو شديد البياض، أو ذا شعرٍ أحمر أو مجعَّد، أو في هذا البلَدَ أو ذاك، ما هو دورُه في هذا الأمر؟! ليس له دورٌ في ذلك على الإطلاق. بل حتَّى ولد الزنا (ابن الحرام) لا علاقة له بما فعله أبواه من الخطيئة، وبالتالي لا يجوز تعييره بهذا الأمر، وهذه قِيَمٌ وتعاليم متَّفقٌ عليها في كافَّة الديانات السماويّة المُحِقّة، حيث يقول عزَّ وجلَّ: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَنْ لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى﴾ (النجم: 36 ـ 41).

كما أنّ على العاقل الفَطِن أن يسأل نفسه: أليس الذي ابتلى هذا الشخصَ بهذا الأمر ـ على فرض كونه عَيْباً أو نَقْصاً ـ قادرٌ على ابتلائه هو نفسه بذلك؟ ماذا لو أصيب بحروقٍ فتغيَّر لونُ بشرته الجميل؟ وماذا لو تبدَّلت ظروف بلاده فأصبح أهلُها فقراء مغلوبين على أمرهم يسألون الناس إلحافاً؟ وماذا؟ وماذا؟…

السلام على مولانا محمد بن عليّ الجواد(ع)

ويحضرني في هذه العجالة، ونحن في أجواء ولادة الإمام محمد بن عليّ الجواد(ع)، ما حصل مع هذا الإمام الهُمام، حيث كان شديد السُّمْرة، ويميل إلى السواد، حتّى رفض إخوة الإمام الرضا(ع) وأعمامه نسبة هذا الولد إليه، ثمّ تحاكموا إلى القافة ـ جمع القائف، وهو الذي يعرف الآثار والأشياء، ويحكم بالنَّسَب ـ، يقول عليّ بن جعفر ـ عمّ الإمام الرضا(ع): قال له إخوته، ونحن أيضاً: ما كان فينا إمام قطّ حائل اللون [أي أسود]، فقال لهم الرضا(ع): هو ابني، قالوا: فإن رسول الله(ص) قد قضى بالقافة، فبيننا وبينك القافة، قال: ابعثوا أنتم إليهم، فأما أنا فلا، ولا تُعْلموهم لما دعوتموهم، ولتكونوا في بيوتكم. فلمّا جاؤوا أقعدونا في البستان، واصطفّ عمومته وإخوته وأخواته، وأخذوا الرضا(ع) وألبسوه جبّة صوفٍ وقلنسوة منها، ووضعوا على عنقه مسحاةً، وقالوا له: ادخل البستان كأنَّك تعمل فيه، ثمّ جاؤوا بأبي جعفر(ع) [أي الإمام الجواد] فقالوا: أَلْحِقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا: ليس له هاهنا أبٌ، ولكنْ هذا عمّ أبيه، وهذا عمّ أبيه، وهذا عمُّه، وهذه عمَّته، وإنْ يكُنْ له هاهنا أبٌ فهو صاحب البستان، فإنّ قدمَيْه وقدمَيْه واحدةٌ، فلما رجع أبو الحسن(ع) قالوا: هذا أبوه. قال عليّ بن جعفر: فقمْتُ فمصَصْتُ ريق أبي جعفر(ع)، ثمّ قلتُ له: أشهد أنك إمامي عند الله، فبكى الرضا(ع)، ثمّ قال: يا عمّ، ألم تسمع أبي وهو يقول: قال رسول الله(ص): بأبي ابنُ خيرة الإماء، ابنُ النوبيّة، الطيِّبة الفم، المنتَجَبة الرَّحِم…، الحديث([10]).

على الإنسان العاقل أن يتفكَّر في هذه الأمور كلِّها، وحينها سيصل إلى نتيجةٍ قطعيّة مفادُها أنّه لا يحقُّ له، وليس من صالحه، أن يسخر من هذا أو ذاك.

وعليه فإنّ الطريق الوحيد للتخلُّص من هذا التمييز هو في تنمية الثقافة الدينيّة الصحيحة في نفوس أفراد المجتمع كافّةً، على اختلاف مشاربهم وطبقاتهم، وهكذا نضع حدّاً نهائياً لمثل هذه الممارسات غير المسؤولة.

وتنمية الثقافة الدينيّة هي من المَهَمّات الأساسيّة لعلماء الدين في حركتهم لتبليغ رسالة السماء لأهل الأرض، وإنْ كان يمكن للناس تحصيلها بجهدهم الشخصيّ، ولكنَّه يتطلَّب وقتاً وجُهْداً كبيرين، ولا يبذلهما الناس في غالب الأحيان. وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالَمين.

**********

الهوامش

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) رواه ابن شعبة الحرّاني في تحف العقول: 34، مرسلاً مرفوعاً.

وقال المفيد في الاختصاص: 341: بلغنا أن سلمان الفارسي(رض) دخل مجلس رسول الله(ص) ذات يومٍ، فعظَّموه وقدَّموه وصدَّروه؛ إجلالاً لحقِّه، وإعظاماً لشيبته واختصاصه بالمصطفى وآله، فدخل عمر، فنظر إليه، فقال: مَنْ هذا العجميّ المتصدِّر فيما بين العرب؟! فصعد رسول الله(ص) المنبر، فخطب، فقال: «إنّ الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المِشْط، لا فضل للعربيّ على العجميّ، ولا للأحمر على الأسود، إلاّ بالتقوى…».

وروى أحمد في المسند 5: 411، عن إسماعيل، عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عمَّنْ سمع خطبة رسول الله(ص) في وسط أيام التشريق، فقال: «يا أيُّها الناس، ألا إنّ ربَّكم واحد، وإنّ أباكم واحدٌ، ألا لا فضل لعربيٍّ على أعجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلاّ بالتقوى». وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 3: 266: «رواه أحمد، ورجالُه رجال الصحيح».

([2]) رواه البيهقي في السنن الكبرى 10: 136، عن أبي الحسن بن عبدان، عن أحمد بن عبيد، عن أحمد بن عليّ الخزاز، عن أسيد بن زيد الجمّال، عن عمرو بن شمر؛ وعن أبي زكريا بن أبي إسحاق المزكّى، عن أبي محمد ابن الخراساني، عن محمد بن عبيد بن أبي هارون، عن إبراهيم بن حبيب، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن الشعبي قال: خرج عليّ بن أبي طالب(رض) إلى السوق، فإذا هو بنصرانيّ يبيع درعاً، قال: فعرف عليٌّ(رض) الدرع، فقال: هذه درعي، بيني وبينك قاضي المسلمين، قال: وكان قاضي المسلمين شريح، كان عليٌّ(رض) استقضاه، قال: فلما رأى شريح أمير المؤمنين قام من مجلس القضاء، وأجلس عليّاً(رض) في مجلسه، وجلس شريح قدّامه إلى جنب النصرانيّ، فقال له عليّ(رض): أما يا شريح لو كان خصمي مسلماً لقعدْتُ معه مجلس الخصم، ولكنّي سمعْتُ رسول الله(ص) يقول: لا تصافحوهم، ولا تبدؤوهم بالسلام، ولا تعودوا مرضاهم، ولا تصلّوا عليهم، ولجوهم إلى مضايق الطريق، وصغِّروهم كما صغَّرهم الله، اقْضِ بيني وبينه يا شريح، فقال شريح: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ قال: فقال عليٌّ(رض): هذه درعي، ذهبَتْ منّي منذ زمان، قال: فقال شريح: ما تقول يا نصرانيّ؟ قال: فقال النصرانيّ: ما أكذِّب أمير المؤمنين، الدرع هي درعي، قال: فقال شريح: ما أرى أن تخرج من يده، فهل من بيِّنةٍ؟ فقال عليٌّ(رض): صدق شريح، قال: فقال النصرانيّ: أما أنا أشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمير المؤمنين يجيء إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه، هي والله يا أمير المؤمنين درعك، أتّبعتك من الجيش وقد زالت عن جملك الأورق، فأخذتُها، فإني أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، قال: فقال عليٌّ(رض): أما إذا أسلمْتَ فهي لك، وحمله على فرسٍ عتيق، قال: فقال الشعبي: لقد رأيتُه يقاتل المشركين، هذا لفظ حديث أبي زكريا، وفي رواية ابن عبدان: قال: يا شريح، لولا أنّ خصمي نصرانيّ لجثَيْتُ بين يدَيْك، وقال في آخره: قال: فوهبها عليٌّ(رض) له، وفرض له ألفين، وأُصيب معه يوم صِفِّين، والباقي بمعناه. ورُوي من وجهٍ آخر أيضاً ضعيف، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي.

ورواه الذهبي في ميزان الاعتدال 1: 585، عن أبي الأشعث العجلي، عن حكيم بن خذام، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي قال: عرف عليٌّ(رض) درعاً له مع يهوديّ، فقال: درعي سقطَتْ منّي يوم كذا، فقال اليهودي: درعي وفي يدي، بيني وبينك قاضي المسلمين، فلمّا رآه شريحٌ قام له عن مجلسه، وجلس عليٌّ، ثم قال: لو كان خصمي مسلماً جلسْتُ معه، ولكنّي سمعتُ رسول الله(ص) يقول: لا تساووهم في المجالس، ولا تعودوا مرضاهم، واضطرّوهم إلى أضيق الطريق، فإنْ سبّوكم فاضربوهم، فإنْ ضربوكم فاقتلوهم، ثم قال: درعي، قال: صدقْتَ يا أمير المؤمنين، ولكنْ بيِّنة، فدعا قنبراً والحسن، فشهدا له، فقال: أمّا مولاك فنَعَم، وأمّا شهادة ابنك فلا، فقال: أنشدك الله، أسمعْتَ عمر يقول: قال رسول الله(ص): الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة، قال: اللهمَّ نعم، قال: فلا تجيز شهادة الحسن، والله إلى بانقيا، فلتقضينَّ بين أهلها أربعين يوماً، ثمّ سلَّم الدرع إلى اليهوديّ، فقال اليهودي: أمير المؤمنين مشى معي إلى قاضيه، فقضى عليه، فرضي به، صدقْتَ، إنّها لدرعك التقطْتُها، وأسلم، فقال عليٌّ: الدرع لك، وهذا الفرس لك، وفَرَضَ له، وقُتل بصِفِّين.

([3]) ينقل الشيخ حسين منتظري في دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 3: 370، عن الماوردي قوله في (الأحكام السلطانية): فيجب على وليّ الأمر أن يضع الجزية على رقاب مَنْ دخل في الذمّة من أهل الكتاب؛ ليقرّوا بها في دار الإسلام، ويلتزم لهم ببذلها حقّان: أحدهما: الكفّ عنهم؛ الثاني: الحماية لهم؛ ليكونوا بالكفّ آمنين، وبالحماية محروسين.

وينقل في 3: 473، عن صاحب تفسير المنار قوله: إنّ الجزية في الإسلام لم تكن كالضرائب التي يضعها الفاتحون على مَنْ يتغلَّبون عليهم، فضلاً عن المغارم التي يرهقونهم بها، وإنّما هي جزاءٌ قليل على ما تلتزمه الحكومة الإسلامية من الدفاع عن أهل الذمّة، وإعانةٌ للجند الذي يمنعهم، أي يحميهم ممَّنْ يعتدي عليهم، كما يُعلَم من سيرة أصحاب رسول الله(ص).

([4]) يقول الشيخ حسين منتظري في دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 3: 474 ـ 475: فأهل الذمّة بعد عقدها، والعمل بشرائطها، يعيشون بين المسلمين، في ظلِّ حكومتهم، عيشةً حُرّة، آمنين في الأموال والأعراض والنفوس، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم.

([5]) راجِعْ ما ذكره العلاّمة الحّلّي في تحرير الأحكام 2: 208 ـ 210؛ وفي تذكرة الفقهاء 9: 321 ـ 322. كما ينقل الشيخ حسين منتظري في دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 3: 479 ـ 480، عن الماوردي قوله في (الأحكام السلطانية): ويشترط عليهم في عقد الجزية شرطان: مستحَق ومستحب: أما المستحَق فستّة شروط: أحدها: أن لا يذكروا كتاب الله تعالى بطعنٍ فيه لا تحريف له. والثاني: أن لا يذكروا رسول الله(ص) بتكذيب له ولا ازدراء. الثالث: أن لا يذكروا دين الإسلام بذمٍّ له ولا قدح فيه. والرابع: أن لا يصيبوا مسلمةً بزنا ولا باسم نكاح. والخامس: أن لا يفتنوا مسلماً عن دينه، ولا يتعرَّضوا لماله ولا دينه. والسادس: أن لا يعينوا أهل الحرب، ولا يودوا أغنياءهم. فهذه الستة حقوق ملتزمة، فتلزمهم بغير شرط. وإنما تشترط إشعاراً لهم، وتأكيداً لتغليظ العهد عليهم، ويكون ارتكابها بعد الشرط نقضاً لعهدهم. وأما المستحب فستّة أشياء: أحدها: تغيير هيئاتهم بلبس الغِيار وشدّ الزِّنار. الثاني: أن لا يعلُوا على المسلمين في الأبنية، ويكونوا إنْ لم ينقصوا مساوين لهم. والثالث: أن لا يسمعوهم أصوات نواقيسهم، ولا تلاوة كتبهم، ولا قولهم في عزير والمسيح. والرابع: أن لا يجاهروهم بشرب خمورهم، ولا بإظهار صلبانهم وخنازيرهم. والخامس: أن يخفوا دفن موتاهم، ولا يجاهروا بندبٍ عليهم ولا نياحة. والسادس: أن يمنعوا من ركوب الخيل عتاقاً وهجاناً، ولا يمنعوا من ركوب البغال والحمير. وهذه الستّة المستحبة لا تلزم بعقد الذمّة حتى تشترط فتصير بالشرط ملتزمة. ولا يكون ارتكابها بعد الشرط نقضاً لعهدهم، لكن يؤخذون بها إجباراً، ويؤدبون عليها زجراً، ولا يؤدَّبون إنْ لم يشترط ذلك عليهم.

([6]) حيث يُنقل عن اليهود أنَّهم إذا حاضَتْ المرأة منهم أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، ولم يجامعوها ـ أي يجتمعوا معها ـ في البيت.

([7]) يقول الكتاب المقدَّس في رسالة كورنثوس الأولى 14: 33 ـ 35: «لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مَأْذُوناً لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ، بَلْ يَخْضَعْنَ كَمَا يَقُولُ النَّامُوسُ أَيْضاً. وَلَكِنْ إِنْ كُنَّ يُرِدْنَ أَنْ يَتَعَلَّمْنَ شَيْئاً فَلْيَسْأَلْنَ رِجَالَهُنَّ فِي الْبَيْتِ؛ لأَنَّهُ قَبِيحٌ بِالنِّسَاءِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي كَنِيسَةٍ».

([8]) رواه أحمد بن حنبل في المسند 2: 66 ـ 67، عن هارون بن معروف، عن ابن وهب وقال مرّة: حياة، عن ابن الهاد، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أنّ رسول الله(ص) قال: «يا معشر النساء تصدَّقْنَ وأكثِرْنَ؛ فإنّي رأيتُكُنَّ أكثر أهل النار؛ لكثرة اللعن وكفر العشير، ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أغلب لذي لُبٍّ منكُنَّ»، قالت: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين؟ قال: «أمّا نقصان العقل والدين فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل؛ وتمكث الليالي لا تصلّي، وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين».

ورواه مسلم في الصحيح 1: 61، عن محمد بن رمح بن المهاجر المصري، عن الليث، عن ابن الهاد، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، عن رسول الله(ص)…الحديث.

ورواه البخاري في الصحيح 1: 78، عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن جعفر، عن زيد هو ابن أسلم، عن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله(ص) في أضحى أو فطرٍ إلى المصلّى، فمرَّ على النساء، فقال: «يا معشر النساء، تصدَّقْنَ فإنّي أريتكن أكثر أهل النار»، فقُلْنَ: وبِمَ يا رسول الله؟ قال: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيتُ من ناقصات عقلٍ ودين أذهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكُنَّ»، قلنَ: وما نقصان ديننا وعقلنا، يا رسول الله؟ قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟» قلنَ: بلى، قال: «فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تُصَلِّ ولم تصُمْ؟» قلنَ: بلى، قال: «فذلك من نقصان دينها».

([9]) جاء في نهج البلاغة 1: 129، بعنوان (خطبة لأمير المؤمنين(ع) بعد حرب الجمل في ذمّ النساء): «معاشر الناس، إنّ النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول. فأما نقصان إيمانهنَّ فقعودهنَّ عن الصلاة والصيام في أيام حيضهنَّ؛ وأما نقصان حظوظهنَّ فمواريثهنَّ على الأنصاف من مواريث الرجال؛ وأما نقصان عقولهنَّ فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد. فاتَّقوا شِرار النساء، وكونوا من خِيارهنَّ على حَذَرٍ، ولا تطيعوهنَّ في المعروف حتّى لا يطمعْنَ في المُنْكر».

([10]) رواه الكليني في الكافي 1: 322 ـ 323، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه وعليّ بن محمد القاساني جميعاً، عن زكريّا بن يحيى بن النعمان الصيرفي قال: سمعتُ عليّ بن جعفر يحدِّث الحسن بن الحسين بن عليّ بن الحسين، فقال: واللهِ، لقد نصر الله أبا الحسن الرضا(ع)، فقال له الحسن: إي واللهِ، جُعلتُ فداكَ، لقد بغى عليه إخوته، فقال عليّ بن جعفر: إي واللهِ، ونحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن: جُعلتُ فداكَ، كيف صنعْتُم؛ فإنّي لم أحضركم؟ قال: قال له إخوته، ونحن أيضاً:….



أكتب تعليقك