7 سبتمبر 2012
التصنيف : مقالات فقهية
لا تعليقات
6٬340 مشاهدة

الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة، شعيرة أو بدعة؟

(بتاريخ: 18 ـ 5 ـ 2011م)

مقدّمة

لا شكّ ولا ريب عند جميع المسلمين في أنّ الشهادة الثالثة ـ أعني قول: «أشهد أن عليّاً وليّ الله» ـ لم تكن موجودةً في الأذان والإقامة في عهد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولا في عهد أمير المؤمنين(عليه السلام)، ولا في عهد أيّ إمام معصومٍ ظاهرٍ، وبالتالي فإنّها ليست جزءاً من الأذان والإقامة المشرَّعَيْن من قبل السماء.

غير أنّ هذه الشهادة قد وردت في بعض الأخبار، التي وصفها كبار العلماء والرجاليّين بالشواذّ، ما دفع بالمتأخرِّين من العلماء إلى القول باستحبابها فيهما، بناءً على قاعدة التسامح في أدلّة السنن، أو اعتماداً على خبر مرسَلٍ من كتاب «الاحتجاج»، للطبرسيّ(548هـ)[1].

وسكت عنها العلماء ردحاً من الدهر، فخفي أمرها على المؤمنين، حتى صارت من الثوابت في وجدانهم، وشعاراً للمذهب والطائفة، ويشقّ عليهم تركها وإسقاطها.

فما هي حقيقة دخول هذه الفقرة في الأذان والإقامة؟

أقوال جملة من العلماء المتقدِّمين والمتأخِّرين

قال الشيخ الصدوق(رحمه الله)(381هـ)، بعد ذكره فصول الأذان المعهودة: «هذا هو الأذان الصحيح، لا يزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوِّضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً، وزادوا في الأذان «محمد وآل محمد خير البرية» مرتين، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمداً رسول الله «أشهد أن علياً ولي الله» مرتين، ومنهم من روى بدل ذلك «أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً» مرتين، ولا شكّ في أن علياً ولي الله، وأنه أمير المؤمنين حقّاً، وأن محمداً وآله صلوات الله عليهم خير البريّة، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان، وإنما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتَّهمون بالتفويض، المدلِّسون أنفسهم في جملتنا»[2].

إذاً فالشيخ الصدوق يشهد بأنّ المفوِّضة الغلاة قد وضعوا أخباراً تتضمَّن اعتبار الشهادة الثالثة «أشهد أن عليّاً وليّ الله» جزءاً من الأذان الشرعيّ، على نحو الوجوب أو الاستحباب، لم يبيِّن لنا الشيخ الصدوق طبيعة هذه الزيادة، غير أنّه أبدى استنكاره الشديد لها، ساعياً لفضح هذه المحاولات الخبيثة.

وقال الشيخ الطوسيّ(رحمه الله)(460هـ): «فأما قول: أشهد أن علياً أمير المؤمنين، وآل محمد خير البرية، على ما ورد في شواذّ الأخبار، فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله»[3].

وقال(رحمه الله): «وأما ما روي في شواذّ الأخبار من قول: أشهد أن علياً ولي الله، وآل محمد خير البرية، فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل بها كان مخطئاً»[4].

والظاهر أنّ مراده من «شواذّ الأخبار» الأخبار الضعيفة والكاذبة والموضوعة، وإلاّ لم ينسب العاملَ بها ـ جازماً ـ إلى الخطأ.

وقال العلاّمة الحلّي(رحمه الله)(726هـ): «وأما ما روي في الشاذّ من قول: أن علياً ولي الله، وآل محمد خير البرية، فممّا لا يعوَّل عليه»[5].

وقال الشهيد الأوّل(رحمه الله)(786هـ): «قال الشيخ: فأما قول: أشهد أن علياً ولي الله، وأن محمداً خير البرية، على ما ورد في شواذّ الأخبار، فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله. وقال ابن بابويه: إنه من وضع المفوِّضة، وكذا أشهد أن عليّاً وليّ الله»[6].

ولم يُعلِّق على ذلك بشيء ما يعني أنّه يرتضيه.

وقال الشهيد الثاني(رحمه الله)(966هـ): «ولا يقول في خلال الأذان والإقامة: أشهد أنّ عليّاً وليّ الله، وإذا قال: أشهد أنّ محمّداً رسول الله لا يقول: صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ لأنّ الأذان المعهود هو مورد النصّ»[7].

وقال(رحمه الله): «وأمّا إضافة «أن عليّاً وليّ الله»، و«آل محمد خير البريّة»، ونحو ذلك، فبدعة، وأخبارها موضوعة، وإنْ كانوا خير البريّة؛ إذ ليس الكلام فيه، بل في إدخاله في فصول الأذان المتلقّى من الوحي الإلهيّ، وليس كلّ كلمة يسوغ إدخالها في العبادات الموظَّفة شرعاً»[8].

وقال المحقِّق الأردبيليّ(رحمه الله)(993هـ)، بعد أن نقل قول الصدوق المتقدِّم: «…فينبغي اتّباعه؛ لأنه الحق، ولهذا يشنَّع على الثاني بالتغيير في الأذان الذي كان في زمانه(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلا ينبغي ارتكاب مثله مع التشنيع عليه. ولا يتوهَّم المنع من الصلاة على النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيه؛ لظهور خروجه منه، وعموم الأخبار الدالة بالصلاة عليه مع سماع ذكره، ولخصوص الخبر الصحيح المنقول في هذا الكتاب عن زرارة (الثقة): وصلِّ على النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كلما ذكرته، أو ذكره ذاكر عنده في أذان أو غيره. ومثله في «الكافي» في الحسن (لإبراهيم)، كما مرّ»[9].

وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء(رحمه الله)(1228هـ): «وليس من الأذان قول: أشهد أن عليّاً ولي الله، أو أن محمداً وآله خير البرية، وأن علياً أمير المؤمنين حقّاً، مرتين مرتين؛ لأنه من وضع المفوِّضة لعنهم الله، على ما قاله الصدوق، ولما في «النهاية»: أن ما روي أن منه أن عليّاً ولي الله وأن محمداً وآله خير البشر أو البرية من شواذّ الأخبار لا يعمل عليه، وما في «المبسوط» من أن قول: أشهد أن عليّاً أمير المؤمنين(عليه السلام)، وآل محمد خير البرية، من الشاذّ لا يعوَّل عليه، وما في «المنتهى» ما روي من أنّ قول: أن عليّاً وليّ الله، وآل محمد خير البرية، من الأذان من الشاذّ لا يعوَّل عليه. ثم إن خروجه من الأذان من المقطوع به؛ لإجماع الإمامية من غير نكير، حتى لم يذكره ذاكرٌ بكتاب، ولا فَاهَ به أحد من قدماء الأصحاب؛ ولأنه وُضِع لشعائر الإسلام دون الإيمان، ولذا ترك فيه ذكر باقي الأئمة(عليهم السلام)؛ ولأن أمير المؤمنين(عليه السلام) حين نزوله كان رعيّة للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلا يذكر على المنابر؛ ولأن ثبوت الوجوب للصلاة المأمور بها موقوف على التوحيد والنبوة فقط؛ على أنه لو كان ظاهراً في مبدأ الإسلام لكان في مبدأ النبوة من الفترة ما كان في الختام. ومن حاول جعله من شعائر الإيمان فألزم به لذلك يلزمه ذكر الأئمّة(عليهم السلام)، وقد أمر النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مكرَّراً من الله في نصبه للخلافة، والنبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يستعفي حذراً من المنافقين، حتّى جاءه التشديد من ربّ العالمين؛ ولأنه لو كان من فصول الأذان لنقل بالتواتر في هذا الزمان، ولم يَخْفَ على أحدٍ من آحاد نوع الإنسان، وإنما هو من وضع المفوِّضة الكفّار المستوجبين الخلود في النار، ولعل المفوِّضة أرادوا أن الله تعالى فوَّض الخلق إلى عليّ(عليه السلام)، فساعده على الخلق، فكان ولياً ومعيناً، فمن أتى بذلك قاصداً به التأذين فقد شرع في الدين، ومن قصده جزءاً من الأذان في الابتداء بطل أذانه بتمامه، وكذا كلّما انضم إليه في القصد، ولو اختصّ بالقصد صحّ ما عداه، ومن قصد ذكر أمير المؤمنين(عليه السلام) لإظهار شأنه أو لمجرَّد رجحانه لذاته؛ مع ذكر ربّ العالمين أو ذكر سيد المرسلين، كما روي ذلك فيه وفي باقي الأئمة الطاهرين، أو الردّ على المخالفين وإرغام أنوف المعاندين، أُثيب على ذلك، لكنّ صفة الولاية ليس لها مزيد شرفية؛ لكثرة معانيها، فلا امتياز لها، إلا مع قرينة إرادة معنى التصرُّف والتسلُّط فيها، كالاقتران مع الله ورسوله في الآية الكريمة ونحوه؛ لأن جميع المؤمنين أولياء الله، فلو بدَّل بالخليفة بلا فصل، أو بقول: أمير المؤمنين، أو بقول: حجة الله تعالى، أو بقول: أفضل الخلق بعد رسول الله-، ونحوها، كان أولى وأبعد عن توهُّم العوام أنه من فصول الأذان. ثم قول: وأن علياً ولي الله مع ترك لفظ أشهد أبعد عن الشبهة. ولو قيل بعد ذكر رسول الله: صلى الله على محمد سيد المرسلين وخليفته بلا فصل علي ولي الله أمير المؤمنين لكان بعيداً عن الإيهام، وأجمع لصفات التعظيم والاحترام. ثم الذي أنكره المنافقون يوم الغدير وملأ من الحسد قلوبهم النصّ من النبي- عليه بإمرة المؤمنين. وعن الصادق(عليه السلام): من قال: لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، فليقُلْ: عليّ أمير المؤمنين(عليه السلام). ويجري في وضعه في الإقامة نحو ما جرى في الأذان»[10].

وقال السيّد محمد حسين فضل الله(رحمه الله)(1431هـ): «هذا وقد ذهب بعض الفقهاء إلى استحباب الشهادة لأمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) بالولاية بعد الشهادة للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالرسالة في كلٍّ من الأذان والإقامة، ولكن لم يثبت عندي استحبابها…. كما أنني لا أجد مصلحةً شرعيّةً في إدخال أيّ عنصر جديد في مقدّمات الصلاة أو أفعالها، لا سيّما وأنّ الفقهاء قد أجمعوا على أنّها ليست جزءاً من الأذان، ولا من الإقامة، وأنّ اعتقاد جزئيّتها تشريع محرّم. وقد أجاد الشهيد الثاني, عندما عبَّر عن هذه الفكرة بقوله: إنّ الشهادة لعليّ بالولاية من حقائق الإيمان لا من فصول الأذان»[11].

حقائق واضحة

وممّا تقدّم تظهر لنا جملةٌ من الحقائق، وهي:

1ـ لم يجرِ التعرُّض لهذه المسألة في كلمات العلماء قبل الشيخ الصدوق، كالكليني، وابن بابويه، وغيرهما، ما يشير إلى أنّ هذه المسألة قد تبلورت وصارت مورداً للبحث منذ عصر الصدوق فما بعد، ما يجعلنا في موقع الاطمئنان بأنّ شهادة الشيخ الصدوق بأنّ «المفوِّضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان «محمد وآل محمد خير البريّة» مرّتين، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمداً رسول الله «أشهد أن علياً ولي الله» مرتين، ومنهم مَنْ روى بدل ذلك «أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً» هي شهادة حسّيّة على شيء قد حدث في عصره، وشهده بأمّ العين، فأطلق صرخته المدوّيّة لتسمعها كلّ الأجيال اللاحقة، فتعرف نقيّ الأخبار من سقيمها، وأصيلها من دخيلها.

إذاً إنّ هذه الأخبار التي جرى فيها ذكرٌ لفقرات غير الفقرات المعهودة في الأذان هي أخبارٌ موضوعةٌ، وينبغي أن يُضرب بها عرض الجدار، كما أوصانا أهل البيت(عليهم السلام).

وقد يُقال: إنّ إثبات كون شهادة الصدوق حسّيّةً مشكلٌ؛ لأن معنى حسّيّة وضعها أنه سمع الحديث من الواضع، وسمع شهادته بكونها موضوعة من قبله مثلاً. غير أنّه من المحتمل أنّ الصدوق لم يَرَ هذه الروايات في أمّهات الكتب الشيعيّة، ثم قارنها بالروايات المعتبرة عندنا في الأذان، فتوصَّل اجتهاداً إلى وضعها، بناءً على نقد متنيّ، مع غياب حضورها في الكتب المعروفة آنذاك.

ويردّه: إنّ غاية ما ينفيه هذا الاحتمال هو القطع بحسّيّة شهادة الصدوق تلك، ولكنّ مراجعةً بسيطةً للكتب الروائية والعلميّة (الفقهيّة) قبل الشيخ الصدوق تولِّد عندنا اطمئناناً بأنّ الشهادة الثالثة قد أُدرجت في الأذان في عصر الصدوق، ولتبرير ذلك عمدوا إلى وضع بضعة أحاديث تحثّ على الإتيان بها فيه.

وقد يُقال: إنّ شهادة الصدوق حجّة له وعليه، لا علينا؛ لعدم إحراز حسّيّتها، وليس كلّ شهادة بالوضع دليل الحسّيّة، وعدم وجودها في الكافي وغيره ليس بمعنى عدم وجودها في متفرّقات كتب الحديث الشيعيّة قبل الصدوق، بل قد يكون هذا دليلاً على عدم اهتمام الكلينيّ بها، رغم وجودها في عصره، ولا نافي لهذا الاحتمال المعقول، ولا سيّما بعد أن لم يذكر الصدوق تاريخ وضعهم لهذه الأحاديث.

ويردّه: إنّها لو كانت موجودةً في كتب شيعيّة متفرّقة هنا وهناك لوصلت إلينا بعد ذلك، من خلال المجاميع الحديثيّة الكبرى التي استقصت بشكلٍ كبير جدّاً ما كان موجوداً في تلك الكتب الحديثيّة غير الرائجة، غير أنّنا لم نجد كتاباً حديثيّاً يذكر تلك الأحاديث بوضوح، وإنّما هي نقولات خجولة ومتعثِّرة، وأغلبُ الفقهاء يعتمدون على قول الشيخ الطوسيّ بوجود شواذّ من الأخبار في ذلك الموضوع، دون أن يتعرَّضوا لسندها ومتنها بذكرٍ أو نقاشٍ، ما يعني أنّ تلك الأحاديث الموضوعة لا تعدو كونها حديثاً أو حديثين حاولت فئة ضالّة من الشيعة إظهارها وترويجها في عصر الشيخ الصدوق، فما كان من العلماء الغيارى على الدين إلاّ أن تصدّوا لذلك بقوّة، فاختفت تلك الأحاديث الموضوعة التي لم تكن تحمل في داخلها قدرة البقاء والاستمرار، بخلاف بقيّة الأحاديث الصادرة بحقّ، التي إن غُيِّبت في فترةٍ ما عادت للظهور في فترات لاحقةٍ، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ (الأنفال: 7).

وعلى أيّة حال لا شكّ ولا شبهة في أنّ الشهادة الثالثة لم تكن معروفةً في أذان وإقامة الشيعة قبل عصر الصدوق، منذ عصر النبيّ الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة الهداة(عليهم السلام)، بل في أذان مشهور الشيعة في عصر الصدوق.

فهل يُعقَل أن تكون مشروعةً، وقد ذكرها بعض الأئمّة في أقوالٍ لهم (الأخبار القليلة المدّعاة)، ولا يكون لها أيّ بروز أو ظهور لدى الشيعة وعلمائهم حتّى أواخر القرن الرابع الهجريّ؟! علماً أنّ الشيعة قد مرّوا في تلك القرون الأربعة في فترات تسمح لهم بإبداء معتقداتهم وتشريعاتهم بنحوٍ من الأنحاء. فلماذا لم يبادروا إلى إثباتها في الأذان والإقامة، واتّخاذها شعاراً للمذهب ـ كما يدّعي بعض المتأخِّرين أنّها كذلك في هذا الزمان، وبالتالي تكون مستحبّةً! ـ؟!

2ـ إنّ اعتماد القائلين باستحباب الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة إنّما هو على قاعدة التسامح في أدلّة السنن، التي تقول: إنّ من بلغه عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) شيءٌ من الثواب على عملٍ، فعمله رجاءً لذلك الثواب، ناله، ولو كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يقُلْ شيئاً.

غير أنّ هذه القاعدة لو تمّت ـ ولم يتعرَّض لها قدماء الأصحاب، ما يعني أنّهم لا يرَوْنها، وهي غير تامّة عند كثيرٍ من الفقهاء المتأخِّرين، كالسيد محسن الحكيم، والسيد أحمد الخوانساريّ، والسيد أبو القاسم الخوئيّ، والسيد محمد الروحاني، والسيّد مصطفى الخمينيّ، والسيد السيستانيّ، والسيد محمد سعيد الحكيم، والشيخ محمد إسحاق الفياض، والشيخ حسين(وحيد) الخراساني ـ فهي مختصّةٌ بما لو لم يثبت كذب هذه الأخبار، وقد ثبت كذبها ووضعها بشهادة الشيخ الصدوق الحسّيّة.

3ـ ويعتمد القائلون بالاستحباب أيضاً على رواية القاسم بن معاوية في «الاحتجاج»، وقد تقدّم ذكرها.

غير أنّ هذه الرواية مرسلةٌ، فلا يعتمد عليها لاستنباط الأحكام الشرعيّة، إلا بناءً على قاعدة التسامح في أدلّة السنن، وقد تقدّمت الإشارة إلى عدم تماميّة هذه القاعدة عند المتقدّمين وأكثر المتأخِّرين. ومتى كان الاعتماد على المراسيل هو ديدن العلماء الأفاضل؟!

فضلاً عن أنّها لا تشمل بإطلاقها موارد الأعمال العباديّة التوقيفيّة، كالصلاة ونحوها. ومن ذلك الأذان. ألا ترى إلى الفقهاء كيف أنّهم لا يجيزون الإتيان بالشهادة لعليّ(عليه السلام) بالولاية في التشهُّد في الصلاة؟! إذاً هم لا يرون إطلاق هذه المرسلة بحيث تشمل الأفعال العباديّة التوقيفيّة المنصوصة، فكيف يعتمدون عليها في الأذان والإقامة؟!

وقد يقول قائلٌ: إنّ هناك فرقاً بين الأذان وبين الصلاة، من حيث إنّ التوقيفية في الصلاة بشرط لا من حيث الزيادة، ولو بدون قصد الجزئية؛ أما التوقيفيّة في الأذان فلم يرِدْ المنع عن قول كلامٍ في وسطه مع عدم الاعتقاد بجزئيّته. لهذا فمن الأفضل إثبات أنّ توقيفيّة الأذان تضارع توقيفيّة الصلاة؛ لئلاّ يُقال: إنّ توقيفية الأذان محفوظة بعدم إدراج جزء جديد، لا بضرورة عدم التلفُّظ بقولٍ بلا جزئية، ولا تشريع لحكم وضعي في مورده.

ونقول: ربما يصحّ هذا في الأذان، وأمّا الإقامة فقد جاء في بعض الروايات النهي عن الكلام في الإقامة، وفي بعضها الترخيص بالكلام في الأذان والإقامة[12]. ويكون الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات بحمل النهي على بيان الحكم الوضعيّ، وهو فساد الإقامة بالكلام في أثنائها، والحاجة عندئذٍ إلى إعادتها، وهذا ما جاء في رواية محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): لا تتكلَّم إذا أقمت الصلاة فإنّك إذا تكلَّمتَ أعدتَ الإقامة[13]، وحمل الترخيص بالكلام في أثنائها على بيان الحكم التكليفيّ، بمعنى أنّه يجوز لك الكلام في أثناء الإقامة، ولا يحرم عليك ذلك، وغايته بطلان وفساد الإقامة، فإنْ أعدتها كنتَ قد أتيتَ بالمستحبّ، وهو الإقامة، وإلاّ كانت صلاتك بلا إقامة، والإقامة مستحبّةٌ، وليست واجبةً.

هل الشهادة الثالثة ذكرٌ لله تعالى؟

قال ابن منظور(711هـ) في «لسان العرب»: «والذكر: الصلاة لله والدعاء إليه والثناء عليه…. قال أبو العباس : الذكر الصلاة والذكر قراءة القرآن والذكر التسبيح والذكر الدعاء والذكر الشكر والذكر الطاعة…. وقد تكرَّر ذكر الذكر في الحديث، ويُراد به تمجيد الله وتقديسه وتسبيحه وتهليله والثناء عليه بجميع محامده . وفي الحديث : القرآن ذكرٌ فذكِّروه ، أي إنه جليل خطير فأجِلّوه»[14].

وقال الشهيد الثاني(966هـ) في «روض الجنان»: «[ومن الذكر] حكاية الأذان، وهو حسنٌ. في فصل فيه ذكرٌ، دون الحيعلات؛ لعدم النص عليه على الخصوص، إلا أن يبدَّل بالحوقلة، كما ذكر في حكايته في الصلاة»[15].

وقال الشيخ الأنصاريّ(1281هـ) في «كتاب الطهارة»: «ومما عُدّ من الذكر: حكاية الأذان. ففي الصحيح عن أبي جعفر(عليه السلام): «يا بن مسلم، لا تدعنّ ذكر الله على كلّ حال، ولو سمت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله، وقُلْ كما يقول المؤذن». وفي رواية أبي بصير: «إن سمعت الأذان وأنتَ على الخلاء فقُلْ مثل ما يقول المؤذِّن، ولا تدع ذكر اللهq في تلك الحال؛ لأن ذكر الله حسن على كل حال».

وظاهر قوله: «فقُلْ كما يقول المؤذِّن» شموله لحكاية «الحيعلات». ولهذا طعن بعضٌ على الشهيد الثاني، حيث أنكر النصّ في ذلك، واستشكل في الاستدلال عليه بعمومات الذكر؛ لأن «الحيعلات» ليس من الذكر، قال : إلاّ أن تبدل بالحولقة.

لكنّ الإنصاف أن روايتي العلل لا يخلو ظهورهما المذكور من الموهن، حيث علَّل الحكاية فيهما بأنّها من ذكر الله، ومن المعلوم : أن «الحيعلات» ليست منه. والتزام كونها منه ـ فلا يكون التعليل أخصّ من الحكم حتى يخصِّصه أو يوهن عمومه ـ مخالِفٌ للعُرف واللغة .

لكن الإنصاف أن ظهور الأمر بالحكاية في حكاية الكلّ أقوى، فيحمل التعليل على التغليب، أو على أن اشتماله على الذكر مع كونه عملاً واحداً هو المسوِّغ للتكلُّم به.

ويؤيِّد إرادة جميع فصول الأذان من غير تبديل رواية سليمان بن مقبل : «قلتُ لأبي الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام): لأيّة علّة يستحبّ لإنسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذِّن، وإن كان على البول والغائط؟ قال: لأنّ ذلك يزيد في الرزق»؛ فإن التعليل المذكور ظاهر في إرادة حكاية جميع فصوله؛ لأنها هي التي تزيد في الرزق، مع أنّه لو اختصّ المحكيّ بما كان منه ذكراً لم يكن وجه للسؤال عنه، وكان الأنسب تعليله بذكر الله؛ لأنه أصلح لحكمة الاستحباب واقعاً، وأَفْيَد للمخاطّب، حيث يستفيد منه عموم رجحان الذكر، فعُلِم أنّ هذا عنوان غير عنوان «ذكر الله»»[16].

ومن هنا أقول: ليست هذه الصيغة «أشهد أن عليّاً وليّ الله» ذكراً لله تعالى، فهي تختلف تماماً عن قولك: «سبحان الله» و«الحمد لله» و«الله أكبر» و…، حيث يؤخذ في الذكر أن يكون فيه تمجيد وتعظيم لله. وهذه الصيغة ليست كذلك، وإنْ كان مضمونها حقّاً ومستوجِباً لرضا الله سبحانه وتعالى.

وقد سألتُ بنفسي عدداً من العلماء ـ وهم: الشيخ باقر الإيرواني، والسيد كاظم الحائري، والسيد منير الخبّاز ـ عن كون صيغة الشهادة ـ حتّى الأولى والثانية ـ ذكراً لله تعالى؟ وكان جوابهم ـ بشكلٍ جازمٍ ـ: إنّها ليست ذكراً.

ولو فرضنا أنّ الأذان بتمام فصوله هو ذكرٌ لله تعبُّداً؛ اعتماداً على رواية محمد بن مسلم، فإنّ عبارة «أشهد أنّ عليّاً وليّ الله» لم تكن من فصول الأذان آنذاك، فلا يشملها هذا الحديث، ولا تكون ذِكْراً.

الشهادة الثالثة، شعارٌ وشعيرة

استدلّ بعضُ العلماء المتأخِّرين على استحباب الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة بأنّها أضحت في هذا الزمن شعاراً للمذهب، ويعني به المذهب الشيعيّ، وهو مذهب الفرقة المحقّة.

وهنا نتساءل: أكلّما صار شيءٌ ما شعاراً للمذهب والفرقة المحقّة جاز لنا إدراجه في الأذان والإقامة ـ العبادتين التوقيفيّتين ـ، وتحوّل إلى شعيرة؟!

لا أعتقد أنّ أحداً يقول بذلك، واعياً للوازم ما يقول به.

فصلُ الخطاب

قال النراقي(1244هـ) في «عوائد الأيّام»: «والمهمّ تحقيق معنى (البدعة) ومصداقها؛ فاني أراه مشتبهاً على كثير من الأعلام، فإنهم يقولون: إنّ الفعل الفلانيّ لم يثبت من الشرع، فلو فعل لا بقصد العبادة والثبوت من الشارع وإطاعته، فهو لغوٌ، لا ثواب عليه ولا عقاب، وإن فعله أحد بقصد العبادة والإطاعة وباعتقاد ذلك يكون حراماً موجباً للعقاب؛ لأنه يكون بدعة وتشريعاً. ومقتضى ذلك أن البدعة هي كلّ فعل يفعل بقصد العبادة والمشروعية وإطاعة الشارع مع عدم ثبوته من الشرع….

والتحقيق أنّ كل فعل لم يثبت من الشرع لا يمكن الإتيان به باعتقاد أنه من الشرع، ولكن يمكن فعله بإزاء أنه من الشرع، أو جعله شرعاً للغير، وهو تشريع وإدخال في الدين وإن لم يعتقده المتشرِّع، وهذه هي (البدعة). ولذا تطلق (البدعة) على ما ابتدعه خلفاء الجور، كالأذان الثالث يوم الجمعة، وغسل الرجلين، وتثليث غسل الوجه في الوضوء، وصلاة الضحى، والجماعة في النوافل، ونحو ذلك، مع أنهم ما كانوا يعتقدون ثبوته من الشارع، وإنما أدخلوه في الدين إدخالاً، بل وإن اعتقدوه أيضاً. وبالجملة المناط في الابتداع والتشريع والإدخال في الدين وضع شيء شرعاً للغير، وجعله من أحكام الشارع له، لا لنفسه؛ لأنه غير ممكن. فالبدعة فعل قرَّره غير الشارع شرعاً لغيره من غير دليل شرعيّ. ولا شكّ في كون ذلك (بدعة)، كما ترى إطلاقها عليه في جميع ما ابتدعه العامّة، مع أنّه تدليس وإغراء وكذب وافتراء، فيكون محرَّماً قطعاً، وأمّا ما لم يكن كذلك فإطلاق البدعة عليه غير معلوم، ولم يثبت كونه بدعةً وتشريعاً»[17].

وأقول في المقام: ليست هذه الشهادة الحقّة «أشهد أنّ عليّاً وليّ الله» من فصول الأذان، ولم يقُم دليلٌ على أنّها من المستحبّات في الأذان والإقامة، فلا هي من فضيلة الأذان، ولا من كمال فصوله، بل هي بدعةٌ ـ على حدّ تعبير الشهيد الثاني، وبحسب معنى البدعة عند المحقِّق النراقيّ ـ، تذكِّرُنا بما أقدم عليه الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب من إضافات وزيادات في الأذان والصلاة. وبعبارةٍ مختصرةٍ وخفيفةٍ نقول: إنّ مقتضى الصناعة الفقهيّة هو عدم الإتيان بها فيهما.

المنشأ الحقيقيّ للقول بالاستحباب

غير أنّ كثيراً من العلماء تساهلوا في القول بالاستحباب؛ اعتماداً على عدم كون الأذان والإقامة من الأجزاء الواجبة في الصلاة، وعدم قدح الكلام الأجنبيّ في صحّة الأذان، فلا بأس إذاً أن تبقى هذه الفقرة التي فيها تذكير بالعقيدة الشيعيّة، وبها يرضى العوامّ من الناس، الذين يعيشون العصبيّة العمياء للمذهب الذي ينتمون إليه، فلا يعنيهم بعد ذلك شيء من الحقّ والحقيقة.

الأمرُ خطيرٌ، فانتبهوا

غير أنّ خطورة الأمر تكمن في أنّنا أصبحنا ندافع عن الإتيان بها دفاع المستميت، معتبرين أنّها هي المعيار في معرفة الولائيّ من غيره، ومقدِّمين للإتيان بها على ما هو أهمّ منه في بعض الأحيان.

فها نحن نرى أكثر من قناة فضائيّة شيعيّة تكتفي بإعلان دخول وقت الصلاة من خلال عرض صورة إيحائيّةٍ منمَّقةٍ وشريطٍ دعائيٍّ متحرِّك يعلن للناس ـ بكامل الخشوع والخضوع ـ أنّ وقت الصلاة الكذائيّة قد حان حسب التوقيت المحليّ للمدينة الفلانيّة.

والأدهى من ذلك أنّ بعضها يبثّ تسجيل صلاة أحد المراجع الكبار، ولكن بعد حذف إقامته للصلاة، وذلك أنّ ذاك المرجع(رحمه الله) كان لا يأتي بالشهادة الثالثة في الإقامة.

لا، وألف لا أيّها الأحبّة. فلقد أراد اللهُ ورسولُه وأولياؤه أن يرتفع صوت الإنسان المؤمن الطاهر المخلص، نقيّاً عذباً شجيّاً عالياً، بكلمات نورانيّةٍ مرتَّلةٍ، ذات إيقاع موسيقيّ خاصّ، يملأ النفوس التقيّة النقيّة بهجةً وسعادةً وعشقاً وفناءً في ذات الله(عزّ وجلّ).

الآثار الوضعيّة لصوت الأذان والإقامة

نعم، إنّ لهذا الصوت أثراً خاصّاً في النفوس، كما أنّ لتلك الفترة التي يكون فيها صوت الأذان مرتفعاً نحو السماء ميّزات وخصائص لا يعلمها إلاّ الله ورسوله وأولياؤه، ومنها:

1ـ جاء في «الكافي» عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال: «كان طول حائط مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قامة، فكان يقول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لبلال إذا دخل الوقت: يا بلال، اعلُ فوق الجدار، وارفع صوتك بالأذان؛ فإن الله قد وكَّل بالأذان ريحاً ترفعه إلى السماء، وإن الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض قالوا: هذه أصوات أمّة محمد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بتوحيد الله(عزّ وجلّ)، ويستغفرون لأمّة محمد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى يفرغوا من تلك الصلاة»[18].

2ـ جاء في «الكافي» عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام): «اغتنموا الدعاء عند أربع: عند قراءة القرآن، وعند الأذان، وعند نزول الغيث، وعند التقاء الصفَّيْن للشهادة»[19].

وجاء في «أمالي الصدوق» عن عليّ(عليه السلام) أنّه قال: «اغتنموا الدعاء عند خمسة مواطن: عند قراءة القرآن، وعند الأذان، وعند نزول الغيث، وعند التقاء الصفَّيْن للشهادة، وعند دعوة المظلوم، فإنها ليس لها حجاب دون العرش»[20].

وجاء في «أمالي الصدوق» أيضاً عن الباقر(عليه السلام) أنّه قال: «اغتنموا الدعاء عند خمس: عند قراءة القرآن، وعند الأذان، وعند نزول الغيث، وعند التقاء الصفَّيْن للشهادة، وعند دعوة المظلوم، ليس لها حجاب دون العرش»[21].

وجاء في الخصال «أن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال في ما علم أصحابه: تفتح أبواب السماء في خمسة مواقيت، عند نزول الغيث، وعند الزحف، وعند الأذان، وعند قراءة القرآن، ومع زوال الشمس، وعند طلوع الفجر»([22]).

3ـ جاء في «علل الشرائع» عن سليمان بن مقبل المدايني قال: «قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام): لأيّة علّة يستحب للإنسان إذا سمع الآذان أن يقول كما يقول المؤذِّن، وإن كان على البول والغائط؟ قال: إن ذلك يزيد في الرزق»[23].

4ـ جاء في «الكافي» عن محمد بن راشد قال: «حدثني هشام بن إبراهيم أنه شكا إلى أبي الحسن الرضا(عليه السلام) سقمه، وأنه لا يولد له ولد، فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله، قال: ففعلت فأذهب الله عني سقمي وكثر ولدي. قال محمد بن راشد: وكنت دائم العلة، ما انفكّ منها، في نفسي وجماعة خدمي وعيالي، فلما سمعت ذلك من هشام عملت به، فأذهب الله عنّي وعن عيالي العلل»[24].

ورواه الصدوق في «من لا يحضره الفقيه» بسنده عن هشام بن إبراهيم «أنّه شكا إلى أبي الحسن الرضا(عليه السلام) سقمه، وأنه لا يولد له، فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله، قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله عني سقمي، وكثر ولدي. قال محمد بن راشد: وكنت دائم العلة ما أنفكّ منها في نفسي وجماعة من خدمي وعيالي، حتى أني كنت أبقى وما لي أحد يخدمني، فلما سمعت ذلك من هشام عملت به، فأذهب الله عني وعن عيالي العلل، والحمد لله»[25].

ورواه الطوسيّ في «تهذيب الأحكام» بسنده عن علي بن مهزيار، عن محمد بن راشد قال: «حدثني هشام بن إبراهيم أنه شكا إلى أبي الحسن الرضا(عليه السلام) سقمه، وأنه لا يولد له فأمره بأن يرفع صوته بالأذان في منزله قال: ففعلت، فاذهب الله عني سقمي، وكثر ولدي. قال محمد بن راشد: وكنت دائم العلة ما أنفكّ منها في نفسي وجماعة خدمي، فلما سمعت ذلك من هشام عملت به، فأذهب الله عني وعن عيالي العلل»[26].

5ـ جاء في «الكافي» عن سليمان الجعفري قال: «سمعته يقول: أذِّنْ في بيتك؛ فإنّه يطرد الشيطان، ويستحبّ من أجل الصبيان»[27].

6ـ جاء في «الكافي» عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): من وُلد له مولود فليؤذِّن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة، وليُقِمْ في اليسرى؛ فإنها عصمة من الشيطان الرجيم»[28].

وفي «الكافي» أيضاً: عن أبي يحيى الرازي، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «إذا ولد لكم المولود أيّ شيء تصنعون به؟ قلت: لا أدري ما نصنع به، قال: خذ عدسة جاوشير فدفّه بماء، ثم قطر في أنفه، في المنخر الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة واحدة، وأذِّن في أذنه اليمنى، وأقِمْ في اليسرى، تفعل به ذلك قبل أن تقطع سرّته، فإنه لا يفزع أبداً، ولا تصيبه أمّ الصبيان»[29].

وفي «الكافي» أيضاً: عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «مروا القابلة أو بعض مَنْ يليه أن تقيم الصلاة في أذنه اليمنى، فلا يصيبه لمم ولا تابعة أبداً»[30].

7ـ جاء في «المحاسن» عن محمد بن عليّ [الباقر] أنّه قال: «…وقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): إذا تغوَّلت لكم الغيلان فأذِّنوا بأذان الصلاة…»[31].

ورواه الصدوق مرسلاً: «وقال الصادق(عليه السلام): إن تغوَّلت لكم الغول فأذِّنوا»[32].

نصيحةٌ من القلب

هذه هي جملةٌ من فوائد الأذان والإقامة، فلماذا نحرم أنفسنا وأهلينا (زوجاتنا وأطفالنا)، ونحن في البيوت، من سماع هذا الصوت العذب المبارك، وتلك الآثار الكبيرة؛ بأوهى الحجج، ما هي؟!

إذا أوردنا الأذان بالصيغة الشيعيّة المعروفة (أي بإضافة أشهد أن عليّاً وليّ الله) فقد يتّخذ أبناء العامّة موقفاً سلبيّاً من هذه القنوات.

وإذا أوردنا الأذان بالصيغة النبويّة الشرعيّة (أي بلا أشهد أن عليّاً وليّ الله) ثار علينا جمهور الشيعة الكرام، مستنكرين ومستهجنين؛ بدافع من العصبيّة العمياء، وناصَرَهُم علينا بعض من يُسمَّون بـ «العلماء و…».

ولمّا لم نكن على استعداد لتحمُّل الخسارة في كلتا الحالتين فقد تفتَّقت عبقريّتنا عن هذا الحلّ.

أيّها الأحبّة، ليكن همّكم الأوّل تحصيل رضا الله تعالى، والحفاظ على دين الله الذي أُنزل على رسوله من كل شائبة أو دسيسة، مهما كانت صغيرةً أو كبيرةً. ولا تلتفتوا إلى اعتراض هنا أو اتّهام هناك؛ فإنّ ذلك كلّه يزول، ويبقى لكم مع الله يوم الحساب لقاء، ليسألكم: ألم تسمعوا؟ ألم تقرأوا؟ ألم تعلموا؟ ألم تعرفوا؟ لماذا سكتّم؟ كي تُرضُوا العوامّ؟ فها أنتم وإيّاهم سواءٌ سواء. ولا ينبغي أن يكون هذا هو الهدف، بل إنّ الهدف المطلوب ﴿واجعلنا للمتقين إماماً﴾، أن يكون العلماء ورثة الأنبياء حقّاً، وقادة المسيرة، يتصدّرون الصفوف، لا حبّاً بالزعامة والوجاهة، بل لكي يهدوا الناس إلى الحقّ والحقيقة، دون أن يخافوا في الله لومة لائم.

ولقد فتح لكم بابَ الخلاص من هذه البدعة مرجعٌ دينيٌّ كبير، عنيتُ به السيد محمد حسين فضل الله(رحمه الله)، الذي ترك الإتيان بالشهادة الثالثة في الإقامة للصلاة، فهل تتابعون المسيرة أو تنقلبون على الأعقاب ﴿وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾؟!

كما أنّ إمام الأمّة الراحل السيد روح الله الخميني(رحمه الله) كان يأتي بالشهادة الثالثة بصوت خافتٍ جدّاً، ولمرّة واحدةٍ فقط، ما يوحي بأنّ في نفسه شيئاً من دعوى استحبابها بالشكل الذي هي عليه الآن.

هذه هي حقيقة الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة، فاسمعوا نصيحتي: أذِّنوا وأقيموا واحذفوها منهما قربةً إلى الله تعالى.

****************

الهوامش

ــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الطبرسي، الاحتجاج 1: 230 ـ 231. ويقول فيه: «وروى القاسم بن معاوية قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم أنه لما أسري برسول الله رأى على العرش مكتوباً لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، فقال: سبحان الله غيّروا كل شيء حتى هذا، قلتُ: نعم. قال: إن اللهq لما خلق العرش كتب عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عليّ أمير المؤمنين، ولما خلق الله(عزّ وجلّ) الماء كتب في مجراه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله(عزّ وجلّ) الكرسيّ كتب على قوائمه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله(عزّ وجلّ) اللوح كتب فيه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله إسرافيل كتب على جبهته: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله جبرئيل كتب على جناحيه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله(عزّ وجلّ) السماوات كتب في أكتافها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله(عزّ وجلّ) الأرضين كتب في أطباقها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله(عزّ وجلّ) الجبال كتب في رؤوسها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله(عزّ وجلّ) الشمس كتب عليها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، ولما خلق الله(عزّ وجلّ) القمر كتب عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، وهو السواد الذي ترونه في القمر، فإذا قال أحدكم: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فليقُلْ: عليّ أمير المؤمنين(عليه السلام)».

وقد اعتمد على ما ذكرناه هنا المحدِّث البحراني، حيث يقول: «ثم إن ما ذكره قدّس سرّه من قوله: «والمفوضة لعنهم الله…إلخ» ففيه ما ذكره شيخنا في البحار حيث قال ـ ونعم ما قال ـ: أقول: لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للأذان؛ لشهادة الشيخ والعلامة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها. قال الشيخ في «المبسوط»: وأما قول «أشهد أن علياً أمير المؤمنين وآل محمد خير البرية» على ما ورد في شواذّ الأخبار فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله. وقال في «النهاية»: فأما ما روي في شواذّ الأخبار من قول: «أن عليّاً ولي الله وأن محمداً وآله خير البشر» فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل به كان مخطئاً. وقال في «المنتهى»: وأما ما روي في الشاذ من قول: «أن علياً ولي الله ومحمد وآل محمد خير البرية» فمما لا يعوَّل عليه. ويؤيِّده ما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب «الاحتجاج» عن القاسم بن معاوية قال:…، فيدلّ على استحباب ذلك عموماً، والأذان من تلك المواضع، وقد مر أمثال ذلك في أبواب مناقبه(عليه السلام). ولو قاله المؤذن أو المقيم لا بقصد الجزئية، بل بقصد البركة، لم يكن آثماً، فإن القوم جوَّزوا الكلام في أثنائهما مطلقاً. وهذا من أشرف الأدعية والأذكار، انتهى. (البحراني، الحدائق الناضرة 7: 403 ـ 404).

[2] الصدوق، من لا يحضره الفقيه 1: 290 ـ 291.

[3] الطوسيّ، المبسوط 1: 99.

[4] الطوسي، النهاية: 69.

[5] الحلّيّ، منتهى المطلب (الطبعة الجديدة) 4: 381.

[6] الشهيد الأوّل، البيان (الطبعة القديمة): 73.

[7] رسائل الشهيد الثاني (ترجمة الشهيد بقلمه الشريف) 2: 1193.

[8] الشهيد الثاني، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 646.

[9] الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان 2: 181 ـ 182.

[10] جعفر كاشف الغطاء، كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء (الطبعة القديمة) 1: 227 ـ 228.

[11] محمد حسين فضل الله، فقه الشريعة: 292.

[12] راجع: الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 5: 393 ـ 397، باب 10 من أبواب الأذان والإقامة.

[13] وسائل الشيعة 5: 394.

[14] ابن منظور، لسان العرب 4: 310.

[15] الشهيد الثاني، روض الجنان (الطبعة القديمة): 27.

[16] الأنصاريّ، كتاب الطهارة 1: 488 ـ 490.

[17] النراقي، عوائد الأيام: 320، 325.

[18] الكلينيّ، الكافي 3: 307، والسند هو: عليّ بن محمد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال:…

[19] الكلينيّ، الكافي 2: 477، والسند هو: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال:…

[20] الصدوق، الأمالي: 171، والسند هو: الحسين بن أحمد(رحمه الله)، عن أبيه، عن إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي(عليهم السلام)، قال:…

[21] الصدوق، الأمالي: 337، والسند هو: أبوه(رحمه الله)، عن سعد بن عبد الله، عن عبد الله بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه(عليه السلام)، قال:…

[22] الصدوق، الخصال: 302 ـ 303، والسند هو: أبوه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه(عليهم السلام) أن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال في ما علَّم أصحابه:…

[23] الصدوق، علل الشرائع 1: 284 ـ 285، والسند هو: محمد بن أحمد السناني,، عن حمزة بن القاسم العلوي، عن جعفر بن مالك الكوفي، عن جعفر بن سليمان المروزي، عن سليمان بن مقبل المدايني، قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام):…

[24] الكليني، الكافي 3: 308، والسند هو: الحسين بن محمد، عن عبد الله بن عامر، عن علي بن مهزيار، عن محمد بن راشد قال: حدثني هشام بن إبراهيم أنه شكى إلى أبي الحسن الرضا(عليه السلام)…

ورواه أيضاً عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار عن محمد بن راشد قال: حدثني هشام بن إبراهيم أنه شكا إلى أبي الحسن(عليه السلام)… (الكليني، الكافي 6: 9 ـ 10).

[25] الصدوق، من لا يحضره الفقيه 1: 292، والسند هو: محمد بن علي ماجيلويه,، عن محمد بن يحيى العطار، عن إبراهيم بن هاشم، عن هشام بن إبراهيم صاحب الرضا(عليه السلام).

[26] الطوسي، تهذيب الأحكام 2: 59، والسند هو: أبو عبد الله المفيد، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله والحميري ومحمد بن يحيى وأحمد بن إدريس كلهم، عن أحمد بن محمد، عن العباس بن معروف عن علي بن مهزيار.

[27] الكليني، الكافي 3: 308، والسند هو: جماعة، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن سليمان الجعفري قال: سمعته…

[28] الكليني، الكافي 6: 24، والسند هو: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال:…

[29] الكليني، الكافي 6: 23، والسند هو: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي إسماعيل الصيقل، عن أبي يحيى الرازي، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال:…

[30] الكليني، الكافي 6: 23، والسند هو: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي، عن أبان، عن حفص الكناسي، عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال:…

[31] البرقي، المحاسن 1: 48 ـ 49، والسند هو: عن عبيد بن يحيى بن المغيرة، عن سهل بن سنان، عن سلام المدايني، عن جابر الجعفي، عن محمد بن علي [الباقر]، قال:…

[32] الصدوق، من لا يحضره الفقيه 1: 298.



أكتب تعليقك